حفرة أليس

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

نهى محمود

يخيل لي الآن أن العمر طبقات رقيقة  من العجين مرصوصة فوق بعضها، لتصنع في وقت لاحق رقائق متداخلة من الفطائر أو السمبوسك .

بالخبل ذاته الذي أرى به الطبقة الرفيعه من العجينة وهي تنضج وتخرج عن حيز الإناء ، أشعر بذكريات العمر وهي تفيض عن القلب، تغرق جوانبه مثل ما يعلق من الشمعه المحترقة على الجوانب لينجو ذلك الضوء الخافت الذي يكفي لنا حتى لا نتعثر ونموت من الوحدة والخوف.

العمر وذكرياته وما يمتلأ به القلب من البشر والحكايات والحب والأحزان.

بهذه الأشياء نصنع تاريخا ونرحل وقد تركنا بعض الآثار على الرمال قبل ان تقوم عاصفة زمنية جديدة وتمحو كل الرمال ويجئ بشر أخرون ينقشون من جديد .

عندما أسند رأسي للخلف بالطريقة ذاتها التي أفضلها ،لحظة كتلك انفصل بها عن الموجود والواقع  ..

أنفصل قليلا لأعود .

في لحظات الغياب تلك أعدد السنوات ولحظات العمر ، واسمح للخصلات البيضاء التي سرحت بلا خجل على مقدمة شعري أن تغزوه في سلام .. أخبرها أن تجئ وتبقى وابتسم لها في المرآه لأنها تذكرني بما اكتسبته من الحياة ، بما وخزتني هي به .. وبما منحته لي وما سرقته مني وتركت  انا معه جزء من روحي وقطعه كبيرة من قلبي .

أتذكر أن تمارين الفقد ، لا تعني بالضرورة التعود على النسيان ، وأن مصادقة الحزن لا يعني أبدا اننا لم نزل ضعاف امام ضرباته .

انا التي تعدد طبقات العجين وهي تحشوها بوصفاتها التي تسرسب القلق على الكتابة  ، والخوف من الغد ، والاحلام التي تعدها للقادم من بعيد .

انا تلك استيقظت هذا الصباح وقد هاجمها كل الحنين ،لا شئ يشبه ألم يوم عيد الأم كل عام .. لا شئ يسد ثقب روحها الذي ينزف بلا توقف .

هذا العام تجيئها مكالمة من ابيها وصديقها القريب يخبرها كل منهما بلا اتفاق أنها مثل أم صغيره – وأن العالم أحلى بها – وهي تصدق ذلك لأن شيئا في داخلها ينتعش بالمحبة ، يزدهر مثل حبه نبات الحلبة المزروعه في قطنة ، لم ترى ازدهار نبت حقيقي ، ابنة المدينة الساذجة لا تعرف عن النبت غير ذلك النبات البائس من الحلبة والقطنة في علبه بلاستيكية .

لكن ذلك النبت يكفي قلبها ليخضر من جديد بلا وجع .

بالأمس قرأت مقال لكاتبة تحب كتابتها ، وتحبها بشكل شخصي رغم انهما لم يلتقا سوى مرة أو مرتين .. لكن ثمة خيط ممتد بينهما .

كانت ياسمين تنعي مدونتها ، تخبر في مقال غاية في العذوبة أن الموقع قرر إغلاق المدونة ، أفسد هذا الخبر مزاجي تماما ، ملئني بالخوف .. ماذا لو حدث ذلك ايضا مع كراكيب

في الصباح امرر عيني على مدونتي وابتسم لكل تدوينة ، واخبرها اني اتذكر كل شئ ..

أني اذكر كل كلمة وكل حكاية وراء الحكاية .

سحبني ذلك لهناك .. للفتاة التي كنتها وهي تخطو هنا في أرض الأحلام لأول مرة ، بالرعب والفضول نفسه الذي كان لدى أليس وأرنبها وهما يقفزان في الحفرة .

أذكر صداقاتي الأولى في الوسط الادبي ، والطريقة التي تعرفت بيها على أصدقائي والكتب التي بهرتني والبشر الذين بدوا لي وقتها مثل رجال الكوتشينة الذين يعملون لدى الملكة الشريرة ، الرجال الذين يصبغون الورود البيضاء باللون الأحمر لأن الملكة قالت ذلك .. قابلت ورودا مصبوغة ، وقابلت زهورا نادرة احتفظ في قلبي بعبيرها وبعض الخدشات من الشوك لازالت تترك اثرا في يدي .

أتذكر الصديقات ، ولقطات المرح الكثيرة ، والحزن وفناجين القهوة وقطع الشيكولاته ، وحفلات التوقيع ، وكل من قابلت وكل ما تمنيت أن اصادفه أتذكر كل شئ ، واتمتم لنفسي بأني فتاة محظوظة دخلت بلاد العجائب وخرجت بالألوان والألعاب والفوضى والمحبة ومفتاح المدينة السحرية ، حيث يمكنني طوال الوقت وكلما شئت ان اعود لهناك أسند رأسي للخلف قليلا وأدخل حيث انتمي وأحب .

مقالات من نفس القسم