حرب السعادة والفراولة والجنون

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

نهى محمود

الغريب في الأمر أن الأثر الذي تركه فيلم مثل حرب الفراولة في قلبي ، بألوانه الباهته ونضارة وجه يسرا وقتها ، وشئ في رجولة ووقاحة وابتذال محمود حميدة في هذا الدور، سامى العدل وهو يعالج ملله من الحياة بالمتاجرة بأحلام البشر ، صوت العود وأغنيات الفيلم وكلمات أغنية السعادة التي تذكرني بصوت مزدوج لي ولأمي يدوي في ذاكرتي كلما دندنت بها .

الأثر الذي امتد لفيلم عفاريت الأسفلت وفيلم الأراجوز وصوت محمد منير في تتر مسلسل أطفال قديم شاهدته وانا صغيرة فتعلق قلبي بذلك الصوت وبقى في روحي.

العود الذي يسرق قلبي من ضلوعي والبيانو في إضاءة الأوبرا وسلالم المسرح الكبير الذي صعدتها أول مرة مع أمي .

يحيي الفخراني الذي شاهدته مثل عملاق سحري على خشبة القومي ينسج لير من العدم ، اطبق على يد امي وتهمس مقطوعة الأنفاس من الإنبهار بأداءه ” شايفة الجمال” ، المشهد الذي عاد كاملا أمامي بينما ارى ذلك العملاق يعيد مشهد العاصفة في مسرحية شكسبير وسط صحراء حارقة في مسلسل عبد الرحيم كمال .

ابتسم للزمن الذي يمر ، ولذائقتي التي تشبهني

الخبل وعتمتي المتسعة ووحدتي في حجرة كبيرة ومشمسة في بيت العائلة القديم أجلس بين الكتب للقراءة ، أو مشاهدة الأفلام أو للكتابة ..

وأشعر أني مشوشة كما لم أكن ابدا ، وأن أحلامي تزدحم هذه الأيام بحكايات لم أختبرها بعد وبشر لم أقابلهم في حياتي ، ثقب أصاب ذاكرتي فأقحمت ما تعرف على ما تتخيل ، هاجمتني شخوص روايتي التي أخاصمها ومشت وسط أحبة وأصدقاء وموتى .

سار كل شئ في عقلي ، وحاصرني صوت وصورة في النوم .

النوم الذي حاصرني لاكثر من شهر بفعل هرمونات استقرار قطعة الحلوى السحرية في أحشائي ، استقرت بهدوء وتركت لي النوم والغثيان والكثير من الخيالات والهلاوس .

وأنا بيئة صالحة تماما لكل الخبل والخزعبلات … بإمكاني الآن أن أملأ كراسة صغيرة من كل ما اختبرته في احلامي وقائمة طويلة بأسماء وصفات بشر مروا في تلك الخيالات .

الحكايات التي بدات تنبت في قلبي من جديد ، فاعرف مسار البشر والأيام في الرواية ، اكتب قليلا وأتلكأ في الوصول لأن حالة التكشف التي تمارسها الحكايات تتملكني تماما .

تدخلني دائرة بين بين ، حالة أكون فيها وسيطا بين العالم بسخفه ودراما رمضان السيئة جدا وإعلانات التسول التي تملئني بخوف وغضب ، شحنة من التحدي تشبه تلك التي يتبادلها متسولوا ميدان الحصري الجالسين أمام عتبة الحاتي الشهير متربصين بزبائنه ، ولسان حالهم يقول بغضب” لماذا لا تشتري مني حزمة نعناع بجنيه وأنت اشتريت منذ قليل طعاما بمبلغ يزيد عن مائتي جنيه “، الآخر يقول لنفسه “سأدفع بمزاجي ليست إتاوة “، لا يمكنك ان تمر على ذلك الرصيف دون أن تتربص بك تلك الطاقة .

حالة البين بين تجعلني أحكي لأبي عن أمور لم أرها بعيني لكني عرفت انها حدثت بطريقة ما ، أبي الذي يخبرني بدهشة كبيرة أن ما تخيلته حدث قبل إتصالي به بساعة .

لم اتخيل وإنما رأيت في منامي ..

أطمئن الآن أن الجنون الذي يداعب عقلي مستقر هناك ويمضي بثبات نحو التحقق ، لا بيت يسنده عود ثقاب ، وأنا أسند منافذ روحي كلها بأعواد ثقاب اشتعلت من قبل وبقت رؤسها المحترقة السوداء دليلا ملموسا على ما حدث في تلك القلعة التي يقول لي رجل أحبه أنها غامضة ، أفكر أنها متربة قليلا بفعل الزمن .

امسك بميزان فرعوني قديم ذلك الذي اعتادوا استخدامه في وزن القلوب في الحياة الأخرى ، ووضعه محمد ناجي على باب حارة القمر في روايته البديعة ” العايقة بنت الزين ” والتي انهيتها في يومين بعدما أجهزت على روايته ” الأفندي” في يوم ونصف / محمد ناجي الذي تنز كتابته متعة ولغة حلوة وعوالم بين بين ،مما يجعل الحكايات تشبهني في هذه الفترة ، الإختلاط المقلق بين الأسطورة ومصير الشخصيات ، والجنون المتربص بالإبمان بالأساطير البعيدة وتكرارها لتصبح هوسا ملازما للشخوص ، ميزان الفراعنة في حارة ناجي أضع عليه خيبات العمر والخسائر الفادحة وحين أخفق في حسابها أترك كل شئ هناك كما هو ، وامسك سلة من الخوص وأجمع الورد وأنا أهتدي بالنجوم وأبحث عن القمر المكتمل في السماء

 يوقظني في الصباح صوت البحر وزرقة تملأ عيني ، فأعرف اني وصلت للمنطقة التي لم يدنسها أحد من قبل أتابع برعب الطريقة التي يلمس بها البحر السماء ، كيف يختلطا ويلتهم كل منهما من روح الآخر .

أجلس على حافة العالم ، جلستي الأثيرة ، احدق في لاشئ ، أفكر في كل ما يشغلني ويربكني ، أجرب الصمت واستمع اليه ، ثم أعرف أنني في لحظة ما ربما أنهض لأكمل بقية الحكايات

ـــــــــــــــــــــــــــــ

اللوحة للفنان: إبراهيم البريدى

مقالات من نفس القسم