عاطف محمد عبد المجيد
“….!”
وهي تُعزّيه بلغتْ نغمةُ صوتها أعلى درجاتِ الحزن والتأثّر، غير أنها وقبل أنْ تنتبه لإنهاء المكالمة معه، راح صوتها يُزغردُ فرحِا وهي تصافحُ زميلة عملٍ أخرى!
“آهة ألم”
هاتف صديقه ليطمئن عليه، حال مروره بوعكة صحية، فأخبره أنه يتحسن، وأن شَعرة رفيعة تفصل بينه وبين أن يكون على ما يُرام. لكن آهة الألم التي أطلقها، بعد أن ظن أن المكالمة قد انتهت، قالت عكس كل ما قاله له أثناءها تمامًا!
“صدمة”
كان يُسعده كثيرًا أنْ تتصل به صباح كل يوم لتقول له بصوتها العذب الرقيق صباح الخير حبيبي، سائلةً إياه عن أحواله وصحته. بعد فترة خصام طالت بينهما لم تعد تفعل هذا، غير أنه، ذات يوم، حين رأى اسمها على شاشة هاتفه، فرح كثيرًا ظانًّا أنها عادت إلى سيرتها الأولى، لكنها طلبت منه أن يخبر إحدى زميلاتها أنها ستتغيب عن العمل!
“حزن”
دائمًا ما كانت تلومه على حزنه الذي لا يفارقه، وعبوسِ وجهه الذي كانت تتخذه مادة للمزاح مع الزملاء. حين كانت تسأله عن سبب حزنه كان يُرجعه، في كل مرة، إلى سبب يبتعد كثيرًا عن السبب الحقيقي. كم كان يتمنى أن يخبرها عن سبب حزنه الحقيقي، لكنه لم يكن يريد أن يتسبب في حزنها بعد معرفتها أن سبب حزنه هو أنها ليست دائمًا معه.
“إلاه!”
ما إنْ بدأ خطوته الأولى في تجهيز شقة زواجه، إلا واعتمد على صديقه في كل تفصيلة تخصها، متخذًا منه عكازًا يتكئ عليه، بل كثيرًا ما كلّفه بالقيام بالعديد من المهام الضخمة دون مقابل. حين جاء يوم زفافه، دعا كل الذين يعرفهم، إلاه!
“عجْز”
صحا من نومه قبيل الفجر على صوت بكاء طفلته. ولما عرف أنها جائعة، فكر في أن يذهب ليشتري لها شيئًا تهدئ به جوعها، لكنه وجد حافظة نقوده فارغة إلا من بطاقته الشخصية.
“ظن”
من كثرة مخالفته لها في الرأي، كانت كلما وافقها رأيًا ظنته يهزأ بها.
“عبقرية”
نظرًا لانشغاله الدائم بمتابعةِ ما يحدثُ على وسائل التواصل الاجتماعي، لم يجدْ وقتًا يقوم فيه بكَيّ ملابسه، إلا وقتَ انقطاعِ الكهرباء!
“زيْف”
رغم انتصاب ياقةِ قميصه التي تم كيُّها بعناية، ورابطةِ عنقه التي تُساير ألوانَ ما يرتديه، إلا أنّ جوربه كثيرًا ما اشتكى من كثرة ما فيه من ثقوب!
“رحيل”
اعتاد السفر إلى الخارج وهو شاب ليوفر نفقات حياته، وبعد أنْ تزوج واصل ما اعتاد عليه. أنجب تسعة أبناء لمْ يرهُ واحدٌ منهم قبل أنْ يُتم عامه الثالث، إذْ كان، كل عدة سنوات، يقضي معهم بضعةَ شهور، ثم يعود إلى حيث أتى. هكذا ظلَّ حتى عتبة الستين، إذ اضطرته قوانين العمل إلى إنهاء كل ما يربطه بالخارج، متخذًا قرارًا بالاستقرار في مسقط رأسه، بعد أنْ كان أبناؤه التسعة قد عزموا على العمل بالخارج، كلٌّ في بلد. حين وافتْه المَنيّة لمْ يَجدْ مَن يُشيّع جثمانه، إلى مثواه الأخير، سوى الجيران!
“تحوّل”
لأنه لم يكن اسمًا معروفًا في بدايته، كانوا يتجاهلون كل ما يرسله إليهم، رغم أنه أفضل من كل ما كانوا ينشرونه. ثم..حين صار اسمًا ذائع الصيت، وجدهم يسارعون في نشر أي هُراء يرسله، مطلقين عليه: من إبداعِ مبدعٍ لا يتكرر!





