محمد العنيزي
كان من المفترض أن أصبح رساما مشهورا، لوحاتي في المعارض الفنية، واسمي يعرفه الكثيرون، وربما كنت أعرض لوحات منها للبيع، يقتنيها الموسرون، ويعلقونها في صالات قصورهم، أو في الممرات المؤدية إلى حجرات نومهم، وربما يقتنيها سفير يعلقها على حائط داخلي في السفارة، أو يهديها لحرمه المصون التي ترافق جولاته في الاحتفالات الرسمية، أجل، كان من المفترض أن يكون لدي مرسم، يقصده الصحفيون ومراسلو القنوات، لكن ما حدث هو أنني صرت أجوب الشوارع بعلبة زواق (بخاخ) وأكتب على الحيطان.
كنت أهوى الرسم، في الصف الخامس رسمت مزهرية جميلة، شاهدها معلم مادة الرسم، سألني:
ـ من الذي رسم لك هذه المزهرية؟
ـ أنا رسمتها يا أستاذ
ـ أنت تكذب يا ولد، ليس بإمكان صغير في سنك أن يرسم هذه المزهرية، قف أمام السبورة وأدر وجهك للحائط.
أحسست بالإهانة والظلم، اختنقت بدموع أخفيتها، وعدت لبيتنا مهزوماً.
منذ تلك العودة للبيت، لم أدر وجهي صوب المدرسة، رغم تحذيرات والدي وعقوباته، بدأت أخربش على الورق الأبيض، أرسم صورة معلم مادة الرسم، وأخربش بالألوان فوق صلعة رأسه، وفي بعض الأحيان أخربش فوق وجهه، وعندما انتهي أكوم الورقة بيدي، وألقيها في سلة المهملات، أو أرسم خطوطا متداخلة، وأشكالا لا معنى لها.
ذات حلم رأيت أنني أرسم على حائط، لا أعرف كيف عششت الفكرة في رأسي، في الصباح اشتريت علبة زواق (بخاخ)، وتحولت إلى مخلوق يخربش على الجدران.
كلما سقط الظلام فوق البيوت أسير في ضوء المصابيح الشاحبة، ومعي علبة الزواق (البخاخ)، وأنشر خربشاتي فوق الجدران، رسمت سهم كيوبيد، كتبت أسماء أصدقائي، وأبياتاً من أغاني شعبية، كتبت عبارات سوقية، ولعنت الحكومة، في الظلمة أشعر أنني مخلوق آخر، أمارس هوايتي بعيدا عن العيون، الليل لا يرى، له آذان تسمع، والخربشات على الجدران لا تصدر أصواتا.
في ضاحية من المدينة كان يقع قصر شيخ البلاد، محاطا بسور كبير أبيض اللون، تسللت إليه في ليلة هادئة، وأمام السور الكبير كنت مرعوبا، من داخل القصر يصدر صوت عواء كلاب للحراسة، أخرجت علبة الزواق، كتبت على السور الكبير، عو، عو، عو، عو
وجدت نفسي محاطا بدائرة من الكلاب، نباحها يبعث الرعب في قلب الليل.