وفي موعد اغتسالها اليومي، والذي يبدأ عادة بعد الساعة العاشرة مساء، تدخل شارلوت الحمام، ولم تكن لتخرج قبل منتصف الليل، خلال تلك الساعتين، كانت تتفانى بدعك جسدها حتى تتساقط طبقات وهمية من الأوساخ، والحقيقة أنها طبقات لم تدع شارلوت اطلاقا انها تراها بالعين المجردة، لكنها رغم ذلك تشعر بها، ولم يكن بالطبع أن تستخدم مجهرا كالذي يوضع في المختبرات، لكي تحصل على الرضا، كون جسدها أصبح نظيفا تماما، يحصل ذلك الرضا غالبا من خلال احساسها بالخفة وحسب.
وخلال ساعات النهار أيضا، لم تكن لتفوّت أية فرصة لفرك يديها بالصابون الذي أضيفت لمكوناته أنواع خاصة من العطور. جسنا ،لم يكن هذا الأمر يزعج سيدة البيت،فهي مثلها شغوفة بالنظافة، السيد فيليب، هو الذي كان ينزعج، تحدث اليها مرات عديدة بخصوص تبذير الماء والصابون والكهرباء التي يعتمد عليها في التسخين، قال لها: انك تحتاجين الى النوم سيدة شارلوت، من فضلك ،حاولي أن تختصري ساعات الدعك. لكنه في النهاية أعلن خسارته هذه الجولة ايضا ، كما استسلم من قبل لهوس زوجته، والذي كان يصيبه بالجنون, والحقيقة أن فيليب كان مثل حيوان بري، استطاعت زوجته ( سارة ) بعد سنوات من زواجهما، ولأسباب غامضة ترويضه، حتى أنه وقبل أن ينام الى جانبها، كان يأخذ حماما سا خنا لمدة نصف ساعة على الأقل، يغسل شعره بالشامبوان عشر مرات، يغسل يديه بالصابون عشر مرات، ينظف أسنانه بالفرشاة والمعجون لمدة نصف ساعة، يحلق لحيته بموس جديد ويستبدل ملابسه كلها، الداخلية خاصة، ويضع عطرا تفضله هي، يرش منه في الليل، ويرش منه في النهار. وفي الواقع كان اللقاء الحميمي بينهما يتطلب شروطا معقدة، وحواجز من كل نوع، لكن السيد فيليب تعوّد على بعضها في النهاية، ولم يزل في تمرين مستمر لضبط ما تبقى من شروط في القائمة المفتوحة الى ما لانهاية .
ولقد كانت شارلوت أمراة عازبة ، لكنها في الحقيقة تزوجت مرتين قبل أن تبدأ العمل في هذا المنزل،، ولقد خرجت من كلا التجربتين كمن يدخل عرضا لفلم بالخطأ ، فيكتشف ذلك، ثم يغادر الصالة منذ المشهد الأول. وعلى كل حال، لا أحد يتطرق لمثل هذه الأشياء الخاصة ، لكن السيدة (سارا ) تعرف الأسباب، وتتعاطف كذلك مع وجهة نظر خادمتها المحبوبة، فقد كانت ولم تزل معجبة جدا بهذه المرأة المتفانية في طرد القذارات عن كل جزء من البيت، ولم يحصل هذا الرضا بالتدريج، أبدا، لقد أحبتها منذ أول لحظة رأتها فيها، في ذلك الوقت الذي حضرت فيه( شارلوت )لمقابلة العمل التي أعلنت عنها سيدة المنزل، جاءت في الموعد بدون تأخير أو تقديم، وقامت ببعض الحركات التلقائية التي أعجبت سيدة البيت، فكان تعيينها أكيدا، خاصة عندما أكدت الموظفة المنتخبة إنها لا ترغب بالزواج اطلاقا ، وأنها ستواصل حياتها مخلصة فقط لعملها الذي تحبه جدا .
وفي الحقيقة تبدو شارلوت امرأة جميلة، جسدها مثير وناضج كثمرة مانجو،وصوتها عذب وحنون، وكان ( سباستيان ) الابن الوحيد للسيد فيليب، قد حاول أن يتقرب منها قبل عشرين عاما، وكان وقتها مجرد مراهق في السادسة عشرة تقريبا، بالنسية لها، لم تكن لترفض هكذا عرض، فهي شابة وتحتاج حقا لإرضاء احتياجاتها الجنسية، وفي تلك الليلة، ذهب المراهق سباستيان الى غرفتها بعد منتصف الليل، أدخلته وقد أدركت طلبه المستعجل، وبالطبع، كان من الممكن أن يحدث بينهما تواصل حميم، لكنها طلبت منه عندما أراد تقبيلها، أن يأخذ حمّاما ساخنا لمدة نصف ساعة على الأقل، يفرك شعره بالشامبوان، وأن يدعك جسده بالليفة ، ينشفه ويحلق شعر عانته، ثم يغسل أسنانه لمدة نصف ساعة، وأن يغسل يديه بالحامض خمس مرات ثم بالصابون خمس مرات أيضا، ثم يقطع أظافره ويبردهم جيدا، وقبل كل شيء يكون قد اختار الملابس الداخلية النظيفة وأن يضع عطرا. على كل حال، خرج سباستيان ولم يسمع ما تبقى من قائمة الطلبات، وفي غرفته، استمنى مرتين على صورة عارية لصوفيا لورين . بالطبع، لم يعد سباستيان تلك الليلة لغرفة شارلوت، بل أنه فقد الشهية أصلا بممارسة الجنس، ولم يعد يفكر بهذا الشيء حتى عندما وصل لعمر الثلاثين، رغم كل المغريات والالحاج من امه ،لم يستطع الاقدام على الزواج ، ولا حتى مواعدة امرأة ، لقد استقرت في داخله عقدة صعبة لاحلّ لها، اسمها عقدة شارلوت .
وفي يوم أحد استثنائي، أضاءت الشمس حديقة السعادة التي تتوسط المدينة. وكانت شارلوت في نزهة نادرا ما كانت تقوم بمثلها، فهي من النوع الذي لايغادر المنزل الا للضرورة القصوى، وقد سار كل شيء بشكل رائع في ذلك اليوم ، حيث صوت الطيور يغمر الفضاء، مختلطا بصخب الأطفال وقد كونّا معا لحنا عاطقيا مليئا بالطمأنينة، وكان الهواء المنعش يعبر فيحرك أوراق الأشجار وخصلات شعر شارلوت الناعم النظيف، وكانت تراقب أثناء ذلك البط الذي يعوم بكامل البهجة فوق صفحة الماء، لكن الأهم من هذه المظاهر الطبيعية كلها، هو عثورها على جوهرتها، الرجل الذي لم يغادر حقل أحلامها طوال الوقت ،وقد ظهر لها في تلك اللحظة المباركة انيقا بشكل شديد الصرامة، نظيفا كما خمنت من نقاء بشرته وملابسه، لكن المثير في الحقيقة هي طريقته تناوله للشاي، كان ذلك في المقهى الصغير الذي على حافة البحيرة، تقدمت حتى وقفت على بعد متر واحد منه، وكان الذهول قد أصابها، ولم تكن لتصدق ماتراه لولا أنها فركت عينيها مرات عديدة ، وكانت دقات قلبها قد اضطربت، ثم تقدمت رغم ذلك خطوتين اضافتين، ولم يكن عندها في الواقع حتى سبب واحد للتراجع، قالت : صباح الخير ايها السيد. نظر الرجل لها باستغراب لكنه لم يظهر انزعاجه من هذا التطفل: صباح الخير سيدتي. قال لها ذلك بتهذيب عال، ولم تنتظر أن يسمح لها، جلست على الكرسي المقابل له: لقد شاهدتك تلف المنديل الورقي حول الكوب، و تتناول الشاي بقصبة بلاستييكية ،اليس هذا نادرا وغريبا !!،في الحقيقة لم أصادف من قبل شخصا يتناول شرابا ساخنا بقصبة !!. ابتسم الرجل بخجل لكنه كان واثقا من اجابته التي اضطر لتقديمها على مايبدو آلاف المرات: الحقيقة أنني أفعل ذلك في الخارج وحسب، في المقهى مثلا، أو في المرات التي اكون فيها مدعوا ، لكني في البيت أتناول الشاي بشكل عادي، عاديّ تماما كما يفعل ذلك كل الناس، حسنا ، لست واثقا من نظافة الأشياء في الخارج، أما في منزلي، أغسل كوب القهوة عشرة مرات على الاقل،أغسل يدي ايضا ولمرات عديدة ، اتأكد من نظافته كل شيء قبل ان أصب القهوة، هذا كل شيء. ولقد كان ذلك اليوم ، والذي اضاءت الشمس فيه حديقة السعادة، والهواء المنعش يحرك خصلات شعر شارلوت، هو البداية الحقيقية لعلاقة حب متينة بينها، وبين الرجل الذي كانوا يلقبونه السيد قصبة، الجوهرة الفريدة التي انتظرتها شارلوت طويلا، حتى إنها لم تصدق أان الذي حدث كان واقعا وليس حلما، حتى تكلل هذا اللقاء بالزواج السعيد، والذي سوف يسقيانه حتى يزهر أطفالا رائعين، من المؤكد أنهم سوف يشبهون أمهم شارلوت وأبيهم السيد قصبة .