حاول فلسفة جاهداً أن يثني صديقه عن عزمه بالخوض في مياه البحر فهو لا يجيد السباحة، كما أن جسده العجوز لا يمكنه تحمل ملوحة مياه البحر ناهيك عن وحوش البحر المفترسة و تقلبات الأمواج.و لكن كل هذا الجهد المبذول من قبل فلسفة لم يثن تاريخ عن عزمه الأكيد بالخوض في مياه البحر.
و ذات صباح آخر خرج أهل القرية جميعاً لوداع تاريخ العازم بقوة على الخوض في مياه البحر حتى يصل إلى الشاطئ الآخر الذي لم يصل إليه أحد من قبل.كانوا يلوحون له بأيديهم من بعيد و هم بين مسرور لنزوحه بعيداً عن القرية و غرقه الأكيد في البحر، وبين حزين لفراقه بعد كل هذه السنوات التي استمعوا فيها لحكاياته عن آبائهم الأولين.
و حدث في اليوم التالي لرحيله أن وضعت امرأة من أهل القرية صبياً بهياًً أسمته تاريخ.كانت هذه هي المرة الأولى التي يحمل فيها صبي صغير مثل هذا الاسم ذلك أن الشخص الوحيد الذي كان يحمل هذا الاسم من قبل لم يره واحدٌ من أهل القرية و هو بعد طفل صغير،فقد عهدوه جميعاً شيخاً كبيراً.
و في الأسبوع التالي لميلاد الطفل الذي أطلقت عليه أمه اسم تاريخ و ضعت امرأة أخرى صبياً بهياً هو الآخر و أطلقت عليه أيضاً اسم تاريخ، و هكذا و مع توالي الأيام و الشهور و السنين صار عدد غير قليل من أبناء القرية والذين أصبحوا الآن رجالاً يحملون اسم تاريخ، و صار كل منهم يدعي أنه هو تاريخ الحقيقي بينما الآخرون مقلدون و مزيفون.
و حدث بعد عشرات السنين أن نزل رجل غريب بالقرية.و لما التف الناس حوله يستطلعون أخباره أخبرهم ذلك الغريب أنه هو ذلك الشيخ العجوز المسمى تاريخ الذي خرج من القرية ذات صباح سعياً وراء الشاطئ الآخر للبحر و الذي لم يصل إليه أحد من قبل.
بالنسبة للعجائز من أهل القرية كانت هيئة تاريخ غريبة للغاية؛ فقد تبدلت ملامحه و تغيرت ثيابه بشكل كبير عما كانت عليه قبل خروجه من القرية.و لكن تاريخ أخبرهم أن السر وراء ذلك التغيير هو جهود سكان الشاطئ الآخر الذين أنقذوه من الغرق و منحوه ثياباً غير ثيابه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاص من مصر
خاص الكتابة