اللمعان المبكر غش أحيانا

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 102
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

كنا جميعا في بدايتنا، وكان الموهوبان الأشد لمعانا بيننا هما أمجد ريان وعلي قنديل، كلاهما كانت قدمه لامعة، فيما كانت مواهبنا محجوبة، شكسبير يحذرنا من فتنة اللمعان، والمتصوفة يخجلون ويقولون : اللمعان المبكر غش أحيانا ، مما سيمنعنا من التنبوء بالحالة التي سوف تكون عليها موهبة علي قنديل لو لم يمت قبل أن يتم دراسته، خاصة أن أمجد ريان وبسبب شغفه الدائم وتعلقه وخروجه للسير مع كل مظاهرة شعرية جديدة ، وبسبب أن عينيه ظلتا مفتوحتين على الخارج ، وهو أمر لن يختلف لو أنهما ظلتا مفتوحتين على الداخل، وبسبب انحنائه- أعني أمجد ريان- ليس أمام الشعر ولكن أمام نظرياته ولأسباب أخرى انزلقت قدما أمجد اللامعتان من مكانهما العالي لإلى الأراضي الواطئة، في تلك الفترة احتفلت مجلة "سنابل" التي كان يرأس تحريرها محمد عفيفي مطر بالموهوب أمجد ريان كما هلل جابر عصفور في إحدى مراجعاته لقصائد العدد الماضي من مجلة "الكاتب" أيام صلاح عبد الصبور بموهبة علي قنديل، وجابر عصفور، وخروجا على الإجماع الكاذب الذي يضعه ضمن نقاد الستينيات، يعد أحد نقاد جيلنا، كتب لي أحمد طه ذات مرة من أمريكا قائلا: لابد أن نعامل جابر عصفور على أنه من جيلنا، وأن نناديه باسمه مجردا: يا جابر، ظهرت بواكير جابر مع بواكيرناوفي الوقت الذي كنا ننسلخ فيه ونبتعد عن ذائقة الستينيات كان هو الآخر ينسلخ ويحاول أن يلتمس رؤياه الجديدة فيما يكتبه عن بعضنا، خاصة "علي قنديل" آنئذ، وإذا كان جابر بسبب طموحاته قد انتكست قدماه بسرعة فعاد إلى نقد الشعر الذي كان يهرب منه، الشعر صاحب الرسالة وصاحب الدور، ثم هرب من الشعر كله، خاصة علي قنديل وزملائه جميعا آنئذ، إلى الرواية ، أيضا الرواية صاحبة الرسالة وصاحبة الدور، إذا كان جابر قد فعل ذلك، فإن علي قنديل لم يسمح له الموت بأن يطلعنا على مصير موهبته، ديوان علي قنديل الوحيد المسمى" كائنات علي قنديل الطالعة" ، لا يصلح الآن إلا للبكاء عليه ، مثله مثل أي ديوان أول لأي شاعر جديد لم يتخلص بعد من آثار أسلافه، عاطفتنا الآن تشدنا  إلى الرغبة في استعادته وهذه الرغبة محض "نوستالجيا".

علي قنديل مات قبل أن يصبح نفسه، مات في الوقت الذي كان فيه قلبه مصبوغا مثل قلوبنا جميعا بألوان الآخرين، لا يمكننا أن نتحدث عنه وعن شعره باعتباره شاعرا اكتمل وديوانا اكتمل . لقد كانت بداية لا يصح أن نبالغ ونحسبها أكثر من بداية ولكن “علي قنديل” نفسه كان بداية الموت في جيلنا، وهذا ما يمكن أ، يضيف إلى “النوستالجيا” فيضا من الدموع يجعلها “نوستالجيا” عميقة. حتى أخلاق  “قنديل” وممارساته الثقافية لم تكن ظهرت بعد، هو في ذاكرتنا مثل طفل بلا ذنوب أو آثام ، في مارسيليا وفي سجال عنيف جرى بيني وبين عفيفي مطر، قلت له: أنت لست شاعرا كبيرا لأنك لم تستطع أن تفعل ما فعله صلاح عبد الصبور وعبد المعطي حجازي، لم تستطع أن تقدم شاعرا واحدا ، أجاب عفيفي لقد قدمت “علي قنديل” فقال له رفعت سلام : نعم، ولكن بعد أن مات ، وسوف تقدمنا عندما نموت..

مات علي قنديل قبل أن يصبح “علي قنديل والذنب على الموت ، وعاش بعض شعراء جيلنا والأجيال التالية ولم يصبحوا أنفسهم ..والذنب على الحياة.

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم