يقول أبو راوية أن ما يُثبت دنس (نعيمة الغانجة) هو حادث قتلها . فكما قال ” يؤخذ التاريخ من المؤخرة”. حيث يقسم بالجد الأكبر أن ولدها (المُرسي بن سعدون أو خلدون أو شمشون) هو قاتلها. حيث كان يلعب الحَجلة مع رفيقاته البنات فمرّ عليه ثلاثة أو أربعة أو خمسة صِبية ونعتوه بالـ ” خرونج”.. حيث يلعب الحجلة مع البنات، بينما يترك أمه تلعب مع الرجال. فشد المُرسي شعره وبكي وقذفهم بأول قرميدة فلم تهشم سوي سادسهم. وبعد العاركة وخروج المرسي بعَقلين لا ثالث لهما، ذهب حيث أمه فوجدها مُعَلَّقة من ثديها الأوحد وموقود تحتها النار بينما الرجال يهرولون حولها ويلحسون الحلمة.. فاختبأ المرسي في القِدر الفاضي وتغطى بالغطاء.. وبعد ذهاب الرجال، ذهب نحو أمه وأفهمها أن الرجال من أمثاله لا يقبلون فكرة التعليق تحت النار واللحس من الصدور.. فحاولت إقناعه أن ذلك من صحيح العلاج الذي وصفه الحكيم (زهير) حيث – كما يعرف – تعاني من التهاب مفصل الساق. فما كان من المُرسي إلا رشق أمه بغطاء القِدر جزاءً لها.
تنفي تلك الواقعة إحدى البنات – التي صارت عجوزًا لها ثلاث من البنات – وتقسم أن المرسي كان وقت موت الست نعيمة يلعب معهن الحجلة، وأن موت الست نعيمة كان نتيجة لسقوطها علي مفصلها السائب. وبسؤالها عن كيفية معرفتها بسقوط الست نعيمة علي مفصلها بينما كانت تلعب مع المرسي، أدارت وجهها وبرطمت بكلمات تتابعت علي أثرها رذاذات .
ولما نصَحَنا أحد الفاهمين أن نسأل المُرسي نفسه فهو أضمن للسائلين ، قبلّنا يده اليسري قُبلتين وبصقنا بصقة واحدة .
ولما وصلنا إلي المرسي حيث خرابة الحلاليف وجدناه عجوزًا بجلباب وَسِخ يضع فمه تحت ثدي الحلوفة بينما يمنع صغارها من الوصول للثدي الأوحد. وبمحاولة التحدث إليه واجهنا بالشخرة الطويلة ذات المقطع المتناغم وقال لنا ” ماحدش هيرضع من بز أمي” .
فطمأنناه بأننا لا نرضع إلا من أثداء عشيقاتنا.. فنظر إلينا نظرة خاوية وأكمل وجبته..
ولما انتهي ألصق الحلمة بشريط لحام والتفت إلينا، وسألنا بنَهْرٍ عن سر حضورنا.. فأخبرناه أننا نحاول إزالة الزيف الذي لحق ببظر الست نعيمة.. فارتمي علي الأرض وأمسك بكومتين من التراب الرصاصي وأغرق به شعره بينما نهنه كالضبعة الملكومة حتى تعفّر المكان كله، فخرج فارس من وراء العفار وهددنا بأننا إن لم نرحل سيجلدنا بذيل الحصان؛ فرحلنا .
قال الكاشف أننا لم نسأل الشخص الأوحد المالك للحقيقة الكاملة. لم نسأل الست نعيمة نفسها . فتعجبنا مُستنكرين.. كيف نسألها ونحن نجهل قبرها ؟
فرمي الكاشف كتكوته فدب في الأرض مرة ونصف وصاح صيحة الديكة، فأخبرنا الكاشف أن قبرها علي بُعد أربعين خطوة لا تعد ولا تحصى .
ولما وصلنا وطلبنا إلى التربي نبش المقبرة، طلب التصريح الحكومي، فأخرجت (نسرين الكاتعة) إصبعها الشفاف ومررته علي ورقة بيضاء، فأصبحت ورقة حكومية بإذن الله .
نبشنا القبر وألقينا السلام علي الموتى.. إلا أننا لم نتلقَ الرد، فأخبرهم ( أبو السباع) أن السلام والنصيحة لوجه الرب.. فهتف الموتى ” السلام والنصيحة للدولة الصديقة”.
سألنا أنخرهم عظمًا عن (نعيمة الغانجة)، فسألَنا إن كنا نتبع الجد الأكبر ، أم نتبع الثلاث بنات.. فأعدنا عليه السؤال بملل وطلبنا الإجابة فقط إن كان سيدُلنا، فأخبرنا أن سؤاله لم يكن هباءًا ، فإن كنا نتبع الجد الأكبر أخبرنا أنها في الجزء الأيسر الحارق، وإن كنا نتبع البنات الثلاث أخبرنا أنها ارتفعت إلي السماء.
واري الكاشف سوأة الرجل وبللها بالبصاق. وناديتُ بصوتي الجاهر ” يانعيمة .. يانعيمة ” ، فارتفعت يد بوهن .
سألتها إن كانت نعيمة الغانجة فعلاً، فنظرت إليّ نظرة محايدة وأسلمت الروح إلي بارئها.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* قاص مصري
خاص الكتابة