ليل شهوة مرة

موقع الكتابة الثقافي
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

عبد الإله الكوش

قالت زوجتي وهي تلوح بيديها بعصبية: “يجب عليك أن تقتصد في مصروفك، أنت رجل مستهتر ولا تفكر في مستقبل أبنائك. “

كانت تتحرك من مكان إلى آخر، تجمع بعض اللعب والملابس الملقاة على الأرض هنا وهناك لتعيدها لمكانها، تنفخ بقوة ثم تستدرك مرة أخرى وكأنها تكلم نفسها: “ألا تريد أن تشتري لأبنائك شقة تؤويهم؟! أتريدنا أن نبقى طوال حياتنا مشردين من بيت إلى آخر….”

لم أرد أن أجيبها حتى لا يتطور الأمر إلى شجار صباحي أنا في غنى عنه، اليوم بالذات… فاليوم هو يوم سبت وهي تعرف أنني سأخرج مساء رفقة أصدقائي لذلك استمرت في كلامها العنيف دون أن تتوقف عن جمع بعض الأغراض وترتيب البيت… “ألا تريد أن تستوعب أنك مسئول عن أسرة، لم تعد عازبا يا رجل، يجدر بك أن توفر كل ريال لتأمين مستقبل الأولاد… “

كنت ما أزال مستلقيا على سريري، لذلك نهضت بسرعة وأخذت علبة السجائر وولاعة من جيب سترتي المعلقة داخل الدولاب ودخلت المرحاض حتى أتوقف عن سماع سيمفونيتها الأسبوعية تلك.

وأنا أدخن سيجارتي الأولى بانتشاء خالطته مرارة، سمعتها تقول: “هذا ما تعرف القيام به… اهرب نحو المرحاض، ودخن السيجارة تلو الأخرى وفي المساء اذهب رفقة شلة الصعاليك أمثالك لتعود لي فجرا وأنت ثمل ككلب أجرب”. صمتت بضع لحظات ثم تابعت وقد تغير صوتها إلى ما يشبه الاستجداء: “أنا أعمل طوال الأسبوع أكثر مما تعمل بكثير، من عملي بالثانوية إلى أشغال البيت التي لا تنتهي، واهتمامي بكل صغيرة وكبيرة تهم الأولاد وأنت لا تساعدني في شيء… تبذر مرتبك في الخواء الخاوي وتضر صحتك وأنا أجمع الريال فوق الريال لدواير الزمان، حرمت نفسي من كل شيء، حتى أنني نسيت أني امرأة”. قالت الجملة الأخيرة بصوت متحشرج، أضافت بعدها بثوان: “ما أتعسها من حياة، تفو…” ثم صمتت.

أحسست بوخز في قلبي، شيء من الحزن وبعض من حب كان ملتهبا في زمن مضى ولا يزال شيء من لهيبه في الأعماق… كيف يغير الزمن امرأة من عاشقة محبة للحياة ومقبلة عليها، إلى زوجة تتذمر طوال الوقت، تصرخ وتلعن بسبب أو بدونه… قد يكون معها بعض الحق، فأنا في نظرها رجل فاشل، مستهتر وعديم المسؤولية… لم أحقق لها الرخاء الذي كانت تتمناه ولم أستطع تلبية كل طلباتها لتباهي صديقاتها، فالنساء يعشقن المباهاة حتى بأتفه الأشياء… صحيح أن أجرتي كمحاسب بتلك الشركة التي يملكها ذلك البدين الغبي ليست مرتفعة، لكن زملائي يجنون أضعاف المرتب من العمل غير النظامي في تدقيق الحسابات مع مكاتب محاسباتية خاصة… ألحت علي مرارا أن أفعل كما يفعلون لكني كنت أرفض باستمرار، فلا أحب أن أقضي حياتي القصيرة في العمل من الصباح إلى الليل كحمار الطاحونة من أجل أن أرضي غرورها ولكي تتمكن من مجاراة صديقاتها المصابات بهوس الاستهلاك…

فكرت في ذلك كله وأنا ما أزال في المرحاض أتغوط وأدخن… آه، كم أشعر بالارتياح وصفاء الذهن في هذا المكان !!! إن له وقع خاص في النفوس أقرب ما يكون إلى القداسة، لذلك سماه أجدادنا “بيت الراحة” وهم محقون جدا في وصفهم هذا، ففي المرحاض وحده يستطيع الإنسان أن يخلو بنفسه تماما، تماما إلا من خرائه – الذي لا تزكمه رائحتة الكريهة ويا للعجب – وربما من بعض الشياطين، فحتى الملائكة لا يمكنها ولوج هذا المكان… الإنسان إذن أقرب إلى الشياطين منه إلى الملائكة، تلك حقيقة بادية… وإذا كان إبليس وقد خالط الملائكة وعاش في الجنة لم يستطع أن يقاوم طبيعته الشيطانية المتمردة فكيف بي أنا الكائن السفلي الذي لا يجد راحته إلا داخل مكان لا تدخله الملائكة !!!!

الإنسان إذن شيطان يريد أن يكون ملاكا وهو بادعائه طهارة الملائكة يكون أكثر شيطانية من إبليس الذي اختار في لحظة فارقة طريقه بكل وضوح ودون تردد.

*

غاب قرص الشمس وراء العمارات الشاهقة التي تتزاحم على طول الشارع الممتد إلى وسط المدينة وصبت أعمدة النور العمومية ضوءها على السيارات الكثيرة التي تسابق بعضها وزعيق منبهاتها يصم الآذان. إنها ليلة السبت والكل يبحث لنفسه عن متعة قصيرة يجعلها مبرر شقائه طيلة أيام الأسبوع. كنت أجلس وحيداً في إحدى المقاهي المشهورة حين لمحت صديقي حسن يركن سيارته بجانب الطري. اقتعد كرسيا في مواجهتي وقال: “أتريد أن نذهب الآن أم أن الوقت مازال باكرا؟” أجبته بلامبالاة: “كما تريد”. أخذ كتابا فوق الطاولة كنت أطالعه قبل مجيئه، كان الكتاب بعنوان ‘نقيض المسيح‘ لفريديريك نيتشه… قرأ ما كتب بظهر الكتاب بصوت مرتفع “هذا الكتاب لقلة من الناس فقط، وربما لم يولد أحد من هؤلاء القلة بعد”. أطلق ضحكة ساخرة في السماء، “هذا كتاب للا أحد، لقد كان قراء كاتبه من الجن، أنت تضيع وقتك يا صديقي”. قال ذلك ضاحكا ثم نهض من مكانه قائلا: “هيا بنا لنتذكر دم المسيح وننسى نقيضه، النبيذ ينادي يا عزيز ي”.

ذهبنا إلى مكاننا المعتاد، حانة شعبية وقديمة بالجهة الشمالية للمدينة، المكان شبه فارغ إلا من بعض الزبائن الذين يسكرون كل يوم، أعرف وجوه أغلبهم فكلما حللت بهذا المكان إلا وجدتهم… كانت الساعة بالكاد قد تجاوزت الثامنة بقليل… أخذنا مكاننا على طاولة جانبية وطلبنا مشروبنا المفضل، نبيذ أحمر… قال حسن ممازحا: “نخب دم المسيح” ثم ضحك مبتهجا… فتح النادل الزجاجة بخفة متناهية فانبعث ذلك الصوت الذي يطربني “طق”، آه، كم أعشق هذه الطقطقة، إنها نوتة موسيقية لطالما تمايل على إيقاعها الكثيرون، لابد أن يدرجها العازفون في مقام موسيقي جديد، مقام الثمالة…

بدأ الزبائن يتوافدون شيئا فشيئا…غالبيتهم العظمى من الرجال، فالحانة رجالية بامتياز لذلك قلما تُشاهَد فيها امرأة… الزبائن أغلبهم من الطبقات الشعبية، عمال مصانع و موظفون صغار وأجراء شركات صغيرة ومتوسطة… غصنا أنا وحسن في أجواء المكان، أضواء خافتة وموسيقى غير متجانسة ابتدأت بالأطلال لأم كلثوم عند مجيئنا لتنتهي بأغاني شعبية صاخبة تجعل السكارى يرقصون رغما عنهم بعد أن بلغت منهم الثمالة مبلغها… تحدثنا حول أمور كثيرة، وشربنا دم المسيح إلى آخر قطرة… قال حسن بنشوة ظاهرة: “يوم أمس توصلت بمتأخرات الترقية، لقد أفرجوا عني أخيرا من الزنزانة 9 “. ربت على ظهره والبهجة لأجله تجتاحني وقد زادها النبيذ حرارة: “مبروك لك صديقي، أخيرا صرت أقل فقرا مما كنت عليه”. ضحك كلانا ثم أردف: “هيا بنا لنكمل السهرة في مكان يليق بالحدث السعيد، أراهنك أن قدميك لم تطأ مثله من قبل”.

اقتربت الساعة من الواحدة صباحا حين دلفنا إلى أحد الكباريهات “الراقية” المطلة على الشاطئ… المكان واسع جدا، تتوسطه منصة وحلبة للرقص وتتوزع الطاولات في كل مكان من حولهما… كان كل شيء أنيقا، الأضواء متلألئة ويتغير لونها باستمرار، طاولات زجاجية، كراسي و أرائك مريحة، وموسيقى غربية تلعلع في صخب لذيذ … كان المكان مكتظا عن آخره لذلك ظللنا واقفين لدقائق إلى أن عثر لنا النادل على طاولة غير محتلة… طلبت كأس ويسكي فيما طلب حسن كأس فودكا، رفع كأسه وقال مقهقها:”نخب المسيح نفسه، ونخب السلم العاشر…” أضحكني كلامه لكني قلت له: “لا تكثر من الفودكا، أنت تسكر بسرعة لذلك لا تشرب أكثر من كأس واحدة، لا نريد مشاكل الليلة…” أومأ برأسه موافقا وقال بإنجليزية متقطعة :”دونت ووري ماي فراند”.

على عكس الحانة البئيسة التي اعتدنا ارتيادها منذ مدة طويلة، كانت الأجواء في هذا الكباريه المحترم (كم تضحكني هذه الكلمة) بهيجة للغاية…زبائن من طبقة ميسورة نوعا ما أغلبهم شباب وفتيات جميلات في غاية الزينة والتبرج يتمايلن وسط حلبة الرقص كأفاعي جامع الفنا…

كنت أجول ببصري أرجاء المكان منبهرا وكأس الويسكي في يدي أرشفه حين داهمني رجل طويل لم أتبين من هو في البداية… راح يسلم علي بحفاوة كبيرة ويعانقني بحرارة، دققت النظر جيدا فعرفته… كان نائب المدير البدين وصديقه الحميم… لا أدري ما الذي غيره هكذا؟عادة لا يحبني، بل ويعمل على استفزازي وتحقيري كلما رآني، أما الآن فهو في غاية اللطافة وكأنه فرح لرؤيتي هنا… السكارى يحبون بعضهم، هذا ما يبدو لي… قال لي مبتسما:”استمتع بوقتك..” ثم عاد إلى مكانه…

كانت طاولته في الجهة المقابلة لي بالجانب الآخر لحلبة الرقص… وهو يعود إلى مكانه، كان يترنح في مشيته كنخلة تهزها رياح الخريف…تذكرت غطرسته وصراخه الدائم مع العاملين بالشركة فضحكت… ها هو ذا أمامي عار من جبروته وسطوته، عار من كل شيء إلا من ثمالته… كان برفقته رجلان آخران وعدد من الفتيات، أطباق أكل كثيرة فوق الطاولة و زجاجات ويسكي يعادل ثمن الواحدة منها أجرتي لشهر كامل…

هل أقبل لتحيتي حتى لا أخبر أحدا في العمل عن رؤيتي له في هذا المكان؟ لكن الجميع يعلم أنه سكير عربيد… ثم إن هذا النوع من البشر لا يكترث لما يقال عنه، و آخر ما يهمه سمعته، فهو يعرف كيف يلمعها بالمال والسلطة مهما طالها من وساخة، تماما كمحترفي السياسة…

لابد أن تخميني الأول كان صائبا “السكارى يحبون بعضهم”، نوع فريد من الشوفينية… أطلقت قهقهة عالية حين مرت بذهني هذه الكلمة “شوفينية” فالتفت إلي حسن مبتسما ومستغربا قال :” ما يضحكك لهذه الدرجة؟” أشرت بيدي أن لا شيء فاستدرك: “هل سكرت؟ أتريد أن نذهب؟” أجبته ضاحكا:”لا لا مطلقا، السهرة قد بدأت للتو…”…

ظهر مطرب شاب فوق المنصة وانطلق يغني أغنية للشاب خالد يقول مطلعها :” وما عندي حاجة فالناس، معندي علاش نخبي….”، طلبت كأسا آخر، رفعته في وجه حسن الذي كان في غاية الاسترخاء على الأريكة ثم نهضت في اتجاه حلبة الرقص وقد ازدحم فيها عدد من رواد المكان… بدأت أحرك جسدي كيفما اتفق، راقصا بلا أدنى معرفة بالرقص، أتهادى بين الخلق بشكل مثير للسخرية كمجذوب زاوية في حضرة شيخه المربي…

اقتربت مني فتاة غاية في الأناقة والتبرج، تضاريس جسدها المنقوشة وراء تنورة قصيرة تظهر فخديها و قميص صيفي يبرز نصف ثدييها، كانت مثيرة حقا… أمسكت بيدي الفارغة كفراغ حياتي من أي معنى يؤثثها وراحت تراقصني باسمة… كانت تحفظ كلمات الأغنية عن ظهر قلب، لذلك كانت تغني بحماس، تتراقص أمامي وترسم تعابير على وجهها بشكل مسرحي…. بعد انتهاء الأغنية طلبت منها بلطف إن كانت تحب مجالستي فلم تتردد… جلبت حقيبتها اليدوية من مكانها الأول وجلست بجانبي…

لم نتحدث تقريبا سوى بضع كلمات فقد كانت الموسيقى في آخر الليل أكثر صخبا وكنت قد شربت كثيرا، لا أدري كم كأسا، ففي عرف السكارى “لا يجب أن تعد الكؤوس إذا أردت أن تسكر”…

خرج ثلاثتنا أمام الكباريه في حدود الثالثة صباحا، كان الجو رطبا وباردا بعض الشيء لكنني كنت أشعر بانتعاش لذيذ ورذاذ الصباح يرتطم بوجهي… قالت الفتاة: “هل سأذهب معك؟ الجو بارد وعلي أن أتحرك من هنا..”

قلت دون طول تفكير:”نعم، لا تقلقي،سأعطيك ما تطلبين…” أجابت :”حسنا، تبدو رجلا محترما وجديرا بالثقة، فلنسرع إذا”…

حدجني حسن بنظرة قلقة وجرني من ذراعي جانبا قائلا:”أتعي جيدا ما تفعله؟ ستجلب لنفسك المشاكل… ” أجبته بسرعة :”لا تقلق، سيكون كل شيء على ما يرام…”….

اتصلت بصديق يملك شقة مفروشة في إحدى الإقامات السكنية بوسط المدينة، أخبرته أنني أحتاج للشقة فلم يرفض، لكنه ألح علي أن لا أحدث أدنى ضجيج لكي لا يشعر أحد بوجودي، قال أنه لا يريد مشاكل مع جيرانه خاصة أن جل القاطنين هم عائلات محترمة…

مررنا على صديقي بمكان قريب من الكباريه اعتاد السهر فيه ليعطيني المفتاح ثم انطلقنا باتجاه الشقة…

في الطريق، انتابتني رغبة بالبكاء، لا أدري ما الذي يحدث وكيف صارت الأمور على هذا النحو… تذكرت زوجتي، لابد أنها الآن تغط في نوم عميق بعد يوم شاق في التنظيف والطبخ ومراجعة الدروس رفقة الأولاد…. المسكينة، إنها تتعب كثيرا…. أحسست حينذاك بحقارتي، لكني لم أستطع أن أتراجع عن فعلتي القبيحة هاته، كنت مدفوعا بقوة غامضة…. لم أكن يوما زير نساء ولم يسبق لي أن خنت زوجتي وحتى تجاربي قبل الزواج فهي معدودة على رؤوس أصابع اليد الواحدة، فمالذي يحدث لي إذن؟! أظنه ذلك الويسكي الملعون، لقد جعلني أكثر جرأة وأكثر تهورا… النبيذ يجعلني أستمتع بحزني فقط، فقط لا غير…. أم تراني مدفوعا بقوة القدر نحو مصرعي؟! نعم، هو ذاك… القدر هو الشماعة التي تتحمل أخطائنا دون أن تكون له القدرة على النفي…

أوصلنا حسن إلى وجهتنا ثم انصرف… دخلنا نمشي على رؤوس أصابعنا كلصوص المواشي بالبداية، ولجنا الشقة وأقفلت الباب… دخلت الفتاة إلى الحمام، أما أنا فقد استلقيت على أريكة جلدية بالصالون… أغمضت عيني، كنت في غاية التعب والثمالة…

لا أدري كم من الوقت مر وأنا على حالي حتى أيقظني من نعاسي طرق قوي على الباب… خرجت الفتاة تجري من الغرفة وهي ترتعد خوفا :”ناري البوليس البوليس…”، تقدمت نحو الباب ببطء وهي تشير بيديها أن لا أفتح…لكني فتحت الباب، كان في الخارج امرأة تبدو في الخمسينات من عمرها وورائها رجل كهل كأنه زوجها، بدأت المرأة تصرخ في وجهي :”يا الصلكوط، هذي راها عمارة محترمة، فيناهي ديك الخانزة اللي معاك… ” لم أستوعب فظاعة الوضع في البداية، لذلك أجبتها بقسوة :”اذهبي لحالك أيتها العجوز الشمطاء… ” انقض علي الكهل ماسكا بتلابيب قميصي وبدأ بالصراخ :”واعيباد الله… “… تقاطر عدد من السكان الآخرين وكانت فضيحتي بجلاجل….سمعت أحدهم يقول:”لقد اتصلت بالشرطة، هم في الطريق.. “….

بدأ تأثير الخمر يتبدد عن دماغي شيئا فشيئاً، شعرت بخطورة الموقف فحاولت أن استعطف المحيطين بي ليتركونا نرحل، لكنهم كانوا في غاية القسوة…. حاولت أن أشرح لهم أنني متزوج ولي أطفال وأنها أول مرة وأنني نادم أشد الندم و…. لكنهم كانوا ينظرون إلي باحتقار شديد، باشمئزاز وتقزز، كأنهم جميعهم ملائكة، الأوغاد يحسبون أنفسهم ظل الله في الأرض…. كانت الفتاة تنتحب جالسة القرفصاء بجانب المصعد والعجوز تحرسها وفي يدها عصا خشبية… لم تعد جميلة كما كانت بعد أن ذابت أصناف المكياج التي كانت تضعها…

حضرت الشرطة وانتهى كل شيء بالنسبة لي، وضعونا في جوف سيارتهم الكبيرة وساروا يجوبون الشوارع فاتجاه المصير المشؤوم…. كنت أشعر بغصة في حلقي تكاد تخنقني…. تذكرت زوجتي المسكينة، ستسامحني لا شك ولن أدخل السجن، نعم ستفعل ذلك، لكنها لن تحبني بعد… وذلك عذاب من لون آخر… تذكرت أبنائي، عائلتي وعائلة زوجتي، الكل كان يقدرني، لكن لن يفعلوا بعد اليوم… تذكرت زملائي في العمل، المدير الغبي ونائبه الطويل الماكر، سيضحك ساخرا عند سماع الخبر ثم سيوقع قرار طردي بلامبالاة وبلا تردد….لا سمعة لي بعد اليوم فلا أملك لا مالا ولا سلطة، صحيح أن الأمر سينسى فيما بعد، لكن ليس تماما، سيذكرونني به عند أول خلاف….كان حريا بي أن ألقي بنفسي من النافذة، كان ذلك سيكون أقل ألما من رؤية زوجتي في الكوميسارية….

خففت السيارة من سرعتها فجأة، ثم ركنت على جانب الطريق، التفت إلي الشرطي الجالس على اليمين وقال:”هيه، كم ستدفع لتذهب إلى بيتك؟!!!”….

……………..

*كاتب من المغرب

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون