إلى الإيمو

بورصة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

كلما جئت أقول وحشتيني، قلت: "إزيك، طيب وإزيك تاني"، من فترة حبيت أن أكتب لكِ عن أي حاجة أو التعلل بأي شيء للكتابة لكِ. أحيانا أتكئ على رسالة الماجستيرالمُعطلة وقصرها غير المشيد، كما لم أنته من قراءة كتاب الأمومة أيضاً فالطبع العلوقية مسئولية يا إيمو ولكن ما بدهاش بقى! Jآه، نسيت أن أذكرلك حقيقة أني أميل للغنائية والرومانتيكية قولًا وعملًا واتمنى ألا يزعجك هذا. كل سنة وإنتِ طيبة بمناسبة عيد الأم في مصر وهذه حجة جميلة للمعايدة على صاحبة "كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها". مممم الكلام يقف في مخيلتي ويقفز بين سلاسة العامية واسترسالها واستعصاء الفصحى على الوفاء بحميمة الأولى ولكن ما علينا. دعيني أحاول. 

مبدأيا بَدأت الزقططة من دعوتك على شاي صباحي في بيتك، للحديث عن مواضيع مختلفة عن الحياة وتصاريفها وانسلَّ من بينها خيط بسيط عن الأمومة في ذاك الحوار، ربما لم تلحظيه لكني جذبته واستبقيته في أفكاري واحتفظ به معي حتى الآن. لم يكن الكتاب قد وصل القاهرة بعد رغم أن معرض القاهرة كان قد بدأ لتوه.

رأيت صورًا ليوسف ومراد وأخرى لكِ لكنها لم تكن بجانبهم وقتها، حكيتِ لي أن شكلك قد تغير كثيرا بين الصورة والحقيقة لكني لم ألحظ ذلك وقتها، لكني أخذت في الانتباه بعدها. رأيت مَنشَر الغسيل وسعادتك بالشمس وبفعل نشر الملابس وتذكرت أستاتيوس الفستان الذي فور محاولتك نشره أفلتيه وهوى من الدور العاشر، رأيت في تلك الحالة المزاجية  فتاة رومانتيكية تجري على السلالم كي تلحق بفستانها دون جدوى، لأن الفستان “بِخ”، ذهب مع الريح إلى حيث لا ندرى كلحظات حلوة كثيرة تنساب من بين أيدينا مراراً. تطرقنا أيضا لعملي وتذمري منه أحيانا ومن قلة الأجر نسبيا ولكنك عاجلتيني بملاحظة في محلها – أتذكرها مراراً كطبطبة- عن ضرورة العمل وإن لم يكن على هوانا بالكامل؛ طلباَ “للحياة الكريمة” وإن ذلك من واقع خبرتك الحياتية وملاحظتك لأحوال القريبين منكِ.

انتهي اللقاء الصباحي اللطيف بحكاياته، وتقابلنا من جديد ولكن هذه المرة في وسط البلد، أتذكر كثيرا جِلستنا على القهوة أمام سينما زاوية بعد مشاهدة الفيلم الإيراني The Sales Man لصاحبه أصغر فرهادي. أتذكر تعليقك وقد نم عن افتقادك لمُراد الذي طالما ناقش معك بعد مشاهدة الأفلام  تفاصيلها واستمتاعك بملاحظاته. الآن أتذكر ملاحظتك أنتِ على طبيعة الفيلم والتي فسرتها بحيادية تفاصيله البسيطة والتي لا تعني شيئا سلبيًا ولكن حسب وصفك تعني كونه فيلماَ صالحاَ للتصوير في أي بلد، بلا هُوية ربما ولا ملامح واضحة للمكان ، ولا للأكل ولا لشكل المدارس التي قد تتشابه بين مدارس إيران ومدارس كندا لنفس الفئة العمرية. أتذكر أيضا تعليقك على حوار هامشي بسخريتك المعهودة: “الواحد بقى يتأثر بجُمل عبيطة خالص، فاكرة الست اللي بتشتغل في المسرح أما قالت عن ابنها: أنا بسحبه ورايا في كل حتة؟”. لا أعلم لِمَ لَم تلفت انتباهي هذه التفصيلة مثلك. لأنني لست أماً ربما، ولكن من ساعتها وأنا أتذكر الجملة كثيرا وأربطها بمعاناتكن مع الأبناء من هذا “السَحب” أو عدمه.

أتذكر أيضا يوم “تاون هاوس” وحفل توقيع الكتاب، لم أجده يومها أيضا لأن النسخ التي تم استيرادها من ألمانيا نفدت لتوها: يا إيمو يا جامد J لكن النقاش حوله فعل شيئاً بروحي لا أعلم مدى تأثيره ولكنني أتذكر حالتي وقتها. كأنه قربكِ شيئا ما مني، الحكي منه وعنه ..عن الصورة التي تجمعك بأمك.. عن المفرش الذي حاكته بيدها والطائر فوقه.. عن علاقتك بيوسف ..عن سؤالك الأخلاقي عن وجوده في كتابك والذي لم تجيبي عنه لنفسك حتى الآن. كل هذا وأكثر جعل إيمان الكاتبة تنحو داخلي مَنحًى إنسانياً. فكرت بعدها أنني أود أن أهديكِ شيئا خاصًا، هدية بها لمسة أمومية ربما، وتوصلت لها ذلك اليوم. تعرفي؟ فكرت يومها في بيچامة لكِ، سأشتري لي مثلها أيضاً ليكون لدينا نفس القطعة، فعلت ذلك مرة مع أمي وأخرى مع “أنتيمتي”. قد تبدو الفكرة طفولية بعض الشيء لكن بها لمسة خاصة، لا أدري. ليس هذا فحسب بل أمتدت الأفكار أن أُجلب فيلمًا لطيفًا وأدعو نفسي لنشاهده سويا في بيتك بالمنيل “حتى أتخلى عن فكرة البيوت” مثلك، كلانا سيرتدي بيچامته وربما التقطنا سيلفي للذكرى ونحن نأكل الفيشار أثناء مشاهدة الفيلم. أظن أنني ذكرت لك تقليد “الفوتو سيشن” الحديث وفي بعضه تُلتقط الصور للآباء مع أبنائهم بنفس الزي. ولا أدري في صورتنا المُتخلية أينا سيلعب دور الأم. تعرفي؟ أسررت لحبيب مُفارق وقتها أني شعرت بأمومة تجاهك ولا أعلم لِمَ حدث ذلك، أبسبب الكتاب أم لسبب آخر. لكنني شعرت حينها أني أود رعايتك بشكل ما وكفى.

أتذكر أيضا يوم جامعة عين شمس وندوة قسم إنجليزي في كلية الألسن. كنتِ مُلهمة مرة أخرى بوجه نصف أكاديمي، نصف شاعر. لم يظهر الوجه الأمومي يومها. النصف الأكاديمي بدا من هَوس ما – من قِبل المُنظمين- بوضع حرف الدال باليد قبل اسمك على البطاقة التعريفية التي توضع على الطاولة  في المؤتمرات، كان الاسم قد كُتب مُحررا قبل طباعته لتباغته الإضافة اليدوية لتأكيد أنكِ “معنا” أو “منا”. الحديث امتد بعد الشِعر في أسئلة الطالبات. بدت فرحتك واضحة بهذا اللقاء مع الشباب. أسئلتهم كانت جميلة ونابعة من رغبة في المعرفة. فرحتك بوجود نسخة من كتاب الأمومة في يد أحداهن وهو حديث الصدور وغير موجود الأن في منافذ بيعه المُفترضة، كما وقعتِ على نسخة أخري لترجمتك لتشارلز سيميك. لم أنزعج سوى من ملاحظة مُعيد بالقسم ذكرت دكتورته بفخر أنه من المتفوقين في مسابقة الشِعر. سألكِ لِمَ لا تكتبين شِعرًا موزونا ونمَّ سؤاله عن استغرابه أو عدم استساغته ربما لقصيدة النثر.

ما زلت أتذكر ترحيبك بي وعدم توقعك لقدومي لأنك لم تنشري على صفحتك عن “الإيفنت” لرغبتك أن يكون اللقاء خاصًا بالطلبة. أتذكر جيدا فرحتك بهذا اليوم وأتذكر الصورة التي ألتقطتها لكِ بجانب صورتك على الإعلان فور نزولنا من المُدرجات. أتذكراستيقاف طالبتين  لنا ليلتقطا معكِ صورة في الطريق وعباراتهما الحارة عن سعادتهما بالندوة وبكِ. آه، نسيت تفصيلة حكيك يومها للطلبة عن الشاعرة طفلة وهي تكتب موضوع تعبيرغاضب بمناسبة عيد الأم وتُفاجأ بالجميع يتأثر ويُعجب بما كتبته وكأنها إرهاصات  قصيدة نثر على حس الأمومة المفقود لمَن لَم يرعً طفولة من غابت أمه.
الحمد لله انهيت ثرثرتي اليوم وأتمنى ألا أكون أطلت بلا جدوى،

آه، تذكرت حاجة أخيرة معلش، وقوفك في الطريق في شارع طلعت حرب فجأة لتشيري لي على بيچامة ، سخرتِ أيضا من رسمة زائدة على صدر العارضة، “بصي مثلا دي حلوة، بس إيه القرف اللي فوق ده”. هنا تذكرت البيچامة التي كنت قد اشتريتها لك بالفعل وظني أنها لن تعجبك وبَوحي لك بذلك. ضحكتِ ساعتها وقلتِ لي أنا غلطانة، أو ما شابه، وأنك سوف تأخذينها وتلبسينها وتتذكريني وتضحكي عليها وقتها. لكن للأسف لم أستطع مقابلتك بعد هذا اليوم، وها هي في كيسها البلاستيكي في دولابي. في انتظارك وانتظار الفيلم والفيشار الذي ربما نأكله سويًا يومًا ما، رغم أنني لا أحبه كثيرا ما لم يكن بالعسل أو معه
J

سلامات وبوسات يا إيمو وكل سنة والماما طيبة تاني حسب التوقيت المحلي لمدينة القاهرة
وعلى المقيمين خارجها مراعاة فروق التوقيت


أسماء
J

21/3/2017

عودة إلى الملف


مقالات من نفس القسم