قمع المرأة السودانية في ظل حكم الحركة الإسلامية

قمع المرأة السودانية في ظل حكم الحركة الإسلامية
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حمور زيادة

عانت المرأة السودانية في ظل حكم الحركة الإسلامية في السودان من العام 1989 ويلات ومرارات عدة. فعلي الرغم من أن عرّاب النظام و ممهد طريقه كان د. حسن عبد الله الترابي المفكر الإسلامي الذي يوصف بالتقدمية في أفكاره عن المرأة و الفن وحرية الاعتقاد إلا ان ذلك لم يشكل حماية للمرأة السودانية من القمع الممنهج.

بداية القمع كانت في الإقصاء و التنميط الطبيعي لدور المرأة حيث حاول الإسلاميون تشكيل المجتمع السوداني في سنواتهم الأولى ليكون مجتمعاً ” جهادياً ” همه الأول هو ” الحرب المقدسة ” في جنوب البلاد. واستدعت الحركة الإسلامية تراث الخوارق و المعجزات لتضفيه على مقاتليها في غابات الجنوب وحكت عن رائحة الدم التي صارت مسكاً و عن المطر الذي يهطل ليسقي المجاهدين في سبيل الله و عن القردة التي تردد التكبير والأشجار المقاتلة. وفي إطار تنميط المجتمع كمجتمع جهادي لجأ النظام الى تدريب أفراد الشعب رجالاً ونساء على حمل السلاح و غير زي أطفال المدارس ليصبح الزي المموه لقوات الجيش. في مجتمع قتالي كهذا كان لابد أن تتراجع مكانة المرأة حيث لم يعد المواطن الصالح هو الطبيب النابه أو المهندس الهمام أو المثقف واسع المعرفة .. إنما الصدارة للمجاهدين المقاتلين من طلاب الجامعات الذين تركوا دراستهم و هبوا لتلبية نداء الجهاد أو الموظفين الذين ركلوا الدنيا وعجلوا الى ربهم ليرضى. و صار رموز كالطيب صالح الأديب العالمي و د. عبد الله الطيب عالم اللغة العربية و الشاعر علي المك مجرد مرجفين لا خير فيهم. في مجتمع قتالي كهذا لم يكن للمرأة – رغم خضوعها للتدريب العسكري – دور يذكر سوى أن يتسدعى لها من أضابير التاريخ حكايات نسيبة بنت كعب التي كانت تطبب المجاهدين. ورعت الدولة مفاهيم ” الرجولة ” المعادلة للشجاعة و البأس في القتال كمقياس للمواطن الصالح. أما المرأة الصالحة فتذكر بحجم ما تخبزه مما عُرف باسم ” زاد المجاهد ” .. و هي وجبات طعام يعدها النساء في الخرطوم ليتم بعثها إلى المقاتلين في الجنوب. وأصبح التلفزيون الرسمي يقدم التقارير عن النساء العاملات اللائي تركن وظائفهن ليخبزن ” زاد المجاهد ” للأبطال المجاهدين من الرجال الذين يحمون العرض والأرض و الدين في غابات الجنوب.

في مرحلة تالية حين صمتت أصوات الرصاص في غابات الجنوب اتجه النظام لتشكيل ” المجتمع الرسالي ” .. و هو المجتمع المتمثل لقيم السماء بضبط الدولة له. ولقيت المرأة في المجتمع الجديد قمعاً قانونياً عبر القوانين الجنائية الموجهة ضد المرأة. خاصة مواد قانون ” النظام العام “. يحمل هذا القانون عقوبات على الزي والسلوك ضد المرأة بوجه خاص. و بموجبه صار من المعتاد ان تلقي الشرطة القبض على النساء في الشوارع أو الأماكن العامة بتهمة عدم تغطية الرأس أو لبس البنطلون ( بغض النظر عن حاله من ضيق أو اتساع ) أو لبس الضيق من الثياب .. الخ الخ. و آذى قانون النظام العام الآلاف من النساء العاملات في الشوارع في مهن هامشية كبيع الشاي والقهوة و بيع الأطعمة حيث أصبحن يطاردن بتهم أخلاقية لتجمع الرجال حولهن لتناول الشاي أو الطعام. وكانت واحدة من ضحايا تلك القوانين بائعة الشاي نادية صابون التي توفيت وهي تحاول الفرار من دورية الشرطة عام 2008. كما عوقبت الصحفية السودانية لبنى أحمد حسين بالغرامة بتهمة ارتداء البنطلون في مكان عام في سنة 2009.

فكل امرأة بحسب هذه القوانين مخالفة إلى أن تجد الى البراءة منفذاً. فإن كانت في سيارة أجرة مع السائق فهي في خلوة غير شرعية. وإن جلست مع خطيب أو صديق على ضفاف النيل فهي مهددة بتهمة ” الشروع في الزنا ” . وإن انزلق غطاء رأسها فهي مهدده بتهمة الزي غير اللائق. و تتوقف الجريمة على رغبة رجل الشرطة ، إن شاء عفى وإن شاء أقتادها الى القضاء.

هذه القوانين عقوبة مخالفتها هي الجلد العلني في قهر اضافي يوجه للمرأة. حيث يرتبط العقاب و نوع المخالفة الجنائية بالاخلاق عند المجتمع. ولا يهم ان كانت الفتاة قد ألقي القبض عليها بتهمة الدعارة أو بتهمة ارتداء البنطلون. ففي الحالتين يتم عقابها بالجلد ودمغها بالوصمة الأخلاقية أنها فتاة ” غير محترمة ” . لهذا فغالباً ما تفضل الأسر مداراة ” عارها ” بالصمت حتى لا تقع عليهم الفضيحة.

كما واجه النساء عنت الحجاب الإلزامي عبر سن قوانين ادارية في مؤسسات الدولة و الجامعات تمنع دخول غير المحجبة سواء كانت موظفة أو طالبة أو زائرة صاحبة حاجة. فمن سلطة أمن بوابة أي مصلحة حكومية أن تمنع أي امرأة تريد دخول مصلحة حكومية و هي لا تغطي رأسها. كما يتم منع طالبات الجامعة من الدخول إن كن لا يضعن غطاء للرأس أو يرتدين زياً غير لائق بحسب تقدير أمن البوابات. فهم المرجعية الأولى و الأخيرة في هذه الأمور.

في الأونة الأخيرة تطور سلوك الأجهزة الأمنية ” الرسالية ” الى حد الإغتصاب في حوادث موثقة. لكن النظام يؤمن – تبعاً لعقديته – أن مخالفيه هم حفنة من الشيوعيين و آل علمان ( في إشارة الى العلمانيين ) الضالين المكذبين .. وأن كل تهمة يلقونها إنما هي كذب يقصد به تشويه التجربة الإسلامية. وتمشياً مع حالة الإنكار هذه يطلق النظام آلته الإعلامية لتشويه الضحية. فمثلاً حين احتج الناشطون الحقوقيون على مقطع ظهر على موقع يوتيوب يظهر عملية جلد لا إنسانية لفتاة بين ضحكات الشرطة و استهزاء القاضي بها ظهر والي الخرطوم في أجهزة الإعلام يقول أن الفتاة معتادة دعارة. وهو قذف لا يملك أحد التأكد منه لكنه كان كافياً لتحطيم حملات التظامن مع الفتاة في مجتمع شرقي محافظ. ذات الأسلوب تم استخدامه مع الناشطات السياسيات اللائي تقدمن ببلاغات تتهم الأمن بالتحرش أو الاعتداء الجنسي. فقد لاكت الآلة الإعلامية للنظام سيرتهن و اتهمتن بالدعارة وأنهن ” شيوعيات منحرفات ” يردن الادعاء على الدولة ” الرسالية ” بالباطل.

وفي شهادات موثقة في الأيام الأخيرة من احتجاجات الخرطوم أكدت طالبات في جامعة الخرطوم أن مليشيات النظام من الإسلاميين التي اقتحمت الجامعة كانت تقول لهن أنهن شيوعيات كافرات وأنهن سبايا لهم.

وهذا يتماشى مع الذهنية الحاكمة للحركة الإسلامية التي تعتبر أمريكا معادلاً لإمبراطورية الروم و الخرطوم هي المدينة المنورة وحروبهم هي جهاد في سبيل الله لا يختلف عن غزوة بدر و أحد و الخندق. فبالتالي يكون كل خصومهم هم الكفار و المنافقين و من المبرر أن يكون نسائهم سبايا.

ومن ضمن القمع الموجه للنساء ما سلكته آلة النظام الإعلامية في نشر صور المعتقلات من النساء – وأغلبها صور شخصية من صفحاتهن على الفيس بوك – مع السب بأنهن متبرجات علمانيات لا يملأ عينهن رجل لهذا خرجن الى الشارع متظاهرات. وليس صدفة أن الحملات لم تطل أي رجل معتقل إلا شاب واحد مقيم في أمريكا يتم تشويهه بتهمة أن ارتد وتزوج أمريكية وجاء ممولاً من واشنطون لعمل تخريب وتفجيرات في الخرطوم. غير هذا الشاب فإن كل الحملات الإعلامية موجهة ضد النساء و تصفهن بالانفلات الأخلاقي.

إن السودان دولة من دول العالم الثالث النامية فمن الطبيعي أن يكن النساء أضعف الدوائر الإجتماعية فيه. لذلك فهن يلاقين قهراً مضافعاً من نظام قمعي في الأساس ثم هو قمعي باسم الدين لذلك ينظر للنساء على انهم مصائد إبليس، ناقصات العقل و الدين. لذلك ليس من العجيب أن يناقش برلمان السودان في إبان حرب هجليج الأخيرة أمر حفل المغنية شيرين ويقرر منعها من الغناء في الخرطوم لأن صورها التي وزعت مع الدعاية كانت ” عارية ” بحسب قول نواب البرلمان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كاتب سوداني

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم

محمد العنيزي
كتابة
موقع الكتابة

أمطار