عفاريت الراديو

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 24
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د.محمد بدوي

قرأت في الفترة الأخيرة مجموعة قصصية صغيرة الحجم بعنوان “عفاريت الراديو ” لمحمد خير ، وكنت قد قرأت له من قبل ديوانًا صغيرًا كتب بالعامية لكنه ينتمي لقصيدة النثر اسمه ” بارانويا ” وقد عرفت أنه أصدر أولاً مجموعة شعرية بالعامية بعنوان “ليل خارجي ” لم يتم لي الاطلاع عليها وقد لاحظت ، وربما يرى الكثيرون ذلك غير مهم ، أن هذه الكتب صغيرة الحجم ، وبرغم تنوع أشكالها فهي تنتمي لكتابة بعينها ، حاملة جميعها سمات لا تتغير تقريبًا ، إلا بالقدر الذي يفرضه النوع الأدبي على كاتبه .

أولى هذه السمات هو التكثيف ، وهو في نظري أحد أسس الكتابة أو على أقل قدير سمة أساسية فيما أحب أن أقرأ : ثمة كتاب ونقاد ، بل وشعراء أيضًا مولعون بالإفاضة والاسهاب ، مأخوذون بالتوليد البلاغي ، ولكن ثمة كتاب يفرقون هلعًا من تمدد النص ، واستطالة الشريط اللغوي ، ومن ثم يحرصون على تكثيف الدوال ، حتى وهم يمارسون اللعب معها .

لعل هذا الحرص على التكثيف أكثر التصاقًا بالشعر والقصة القصيرة ، لا الكتابة الروائية ، ولكنه أيضًا موقف محدد من الكتابة على وجه العموم ، بل لعله ، إن لم أكن مبالغًا ، يكشف عن موقف من الوجود والعالم .

وهكذا ستجد في عفاريت الراديو نصوصًا قصيرة ، بل إن بعضها بالغ القصر لأن الككاتب يستطيع أن يلتقط نغمة معينة في للكلام ، تتسم بقدر عال من القدرة على نفي الزوائد ، وهذا معناه ببساطة أنه تجاوز ما يمربه الكتاب الشبان من تدريب كتابي إلى إنشاء نص يخلو من تعثر النطق والتأتأة ، إن القبض على هذه النغمة ليس حذفًا فقط ، بل هو أيضًا نتاج تأويل بعينه لما يجري في العالم ، ويريد الكاتب اقتناصه والقبض على وجه من تججلياته بما يكشف عن منطق معين ، يتحكم في المنظور والرؤية وفي “عفاريت لاراديو ” و كما في بارانويا ، ولكن هذا طبيعي في الشعر ، تفكير في العالم بمنطق الشعر لا النثر ، أقصد بمنطق ابعاد التفاصيل غير الدالة ، والتخلص من زوائد الرصد والوصف ، بل إن معظم القصص إن لم أكن مبالغًا لا تكاد تحوي حوارًا ، ربما يكون هذا الانتفاء للحوار دليلاً على ما تتسم به الأنا المتكلمة من صمت ، وتوحد ، وهامشية ، وربما لأن الكتابة لدى ” خير ” تتجاوز المصنعة والحرفة إلى أن تكون “فضاء حرية ” تقول فيه الذات ما يقمعه المجتمع والثقافة .. إلخ .

هذه النصوص المكثفة دائمًا لا تتجاوز كتابة لحظة أو مشهد ، ربما تكون اللحظة زسيلة للحركة في الزمن الذي سبق اللحظة أو قاد إليها ، لكنها أيضًا تقول أن منطق الشعر هنا غالب ، لأن المشهد يكتب تحت وطأة انفعال ، وربما يكون هذا مسئولاً عن توازن الوظيفة الانفعالية مع الوظيفة الشعرية ، توازن انتجه موقع الذات المتكلمة في النص وما تكشف عنه الكلمات من توحد ، برغم أن هذا التوحد لا يعوقها من الاندماج في العالم ، ومجالدته ، والقبول به كما هو ، لكن مع الحرص على الاحتجاج على ما فيه من مساويء لا يصل هذا الاحتجاج قط إلى تشويه العالم أو المرح معه أو القهقهة في وجهه ، بل يظل العالم – برغم ما فيه – قابلا لأن يعاش ويحتفى به ، لكن هذا العيش في العالم والإصرار على دنيويته لا يقود الكتابة إلى منطقة التوتر العاطفي المسرف ، فقبضة الكاتب على نصه واضحة ، مما يجعل القاريء يشعر بسيطرته على اللغة ، ومن ثم يلوح التوتر هاديء الإيقاع ، مكتومًا ودالاً .

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم