مقاربة: صديقي السينوغرافي.. الطريق إلى واقعية بديلة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 45
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

أحمد المريخي

هل يصنع التباين توجها؟

نعم؛ وربما يكون الدافع حبًّا في الواقع

وربما يكون انتقامًا منه

الواقع يشبه الحياة؛ يتجدد ويتجمد ويتجدد ويتجمد.. ما الجديد؟

هل العبرة بالجدوى أم بالتجديد؟!

 

حكاية عن واقعية حسن فتحي

نشأ حسن فتحي في المدينة؛ كان يرى الريف من نوافذ القطار؛ سمع عنه من والديه؛ كان أبوه يمتلك عدة ضياع في ريف المنصورة، ولا يذهب إلى هناك إلا قليلا، كانت حكاياته عن القرية منفرة، حيث البعوض والذباب والأمراض، هناك واقع يجسده بؤس الفلاحين، بينما كانت حكايات “أم حسن” عن أهل الريف لطيفة، مخبوزة بعجين الفطرة والإنسانية، ومن هاتين الصورتين المتباينتين نشأ سؤال حسن فتحي: لماذا لا نغير الواقع البائس للفلاحين؟

ذهب إلى الريف وعمره 27 عاما، سعيا إلى استعادة الجنة المفقودة؛ وكان الحل مُلهمًا بالحب؛ وضع يده في الواقع، وبدأ مشروعه؛ (ربط المعمار الشعبي بالمعمار الهندسي الأكاديمي، بما فيهما من ملامح مشتركة فيها الفائدة والجمال معا).

كان المهندس العبقري يسعى إلى التجدد، لكنه جوبه تباعا بمعوقات البيروقراطيين المتحجرين، والمقاولين الذين رأوا أن نظرياته فيها كل الخطر على مكاسبهم الهائلة من نظام البناء التقليدي السائد، وتباعا انفق سنوات عمره لتحقيق رؤيته على أرض الواقع، ولم يحصل طوال حياته على تقديره الذي يستحق.

هل لهذا علاقة بالكتابة عن صديقي “طارق إمام”؟

ربما يتعلق الأمر بوالده الأديب “السيد إمام“.

 

واقعية حكي عن السيد إمام

يتماس موقف نخبة من أدباء ومثقفي مصر المخلصين في النصف قرن الأخير مع موقف حسن فتحي؛ حيث التغيير بالتفاعل الحقيقي مع الواقع، وهو السلوك الذي صبغ المبدع المتنوع (القاص والناقد والمترجم) السيد إمام، الذي بذل الكثير من أجل نشر الوعي بين العامة والخاصة، وتثقيف أهله وناسه في دمنهور وغيرها من المدن، للحفاظ على قيم الانتماء التي ضربتها اللاجدوى في مقتل خصوصا في سنوات ما بعد اتفاقية كامب ديفيد، ولأنه لا يمكن الخروج من مأزقنا دون توظيف قوى التقدم وتمكينها من الإبداع، وظف المفكر نفسه لتحقيق الهدف على أرض الواقع.

سنوات تخلف سنوات، وإيمان السيد إمام بجدوى استخدام الآداب والفنون في التجدد الاجتماعي وتطوير الواقع قائما، ورغم أنه قامة وقيمة، إلا أنه لم يحصل على ما يستحق من تقدير، وهو الأمر الذي يدركه كل متابع لجهوده في الساحة الثقافية طوال عقود ماضية وحتى الآن؛ إنه يشبه حسن فتحي فيما فعل وفيما وقع عليه؛ ولقد شاهد الفتى الموهوب طارق إمام كل ذلك ووقف عليه، وربما تساءل مثل كثيرين: لقد بذل الرجل سنوات عمره من أجل “الواقع”، فهل منحه الواقع ما يستحق؟

هل لذلك أيضا علاقة بالكتابة عن صديقي المبدع طارق إمام؟

ربما له علاقة بالتوجه؛ الرغبة في “التجدد”.. و”التجدد” كما يقولون لا يُفرض بالقوة؛ هو ثمرة للسيادة دون هيمنة أو استلاب، كما يصعب انجاز تجدد حقيقي يتجاهل ثقافة المجتمع أو يقفز عليها؛ وقد وعى طارق إمام ذلك في ظل الانفتاح على الثقافات الأخرى؛ فكان تركيزه تهشيم الصورة الذهنية، والتصورات الخرافية، وخلخلة مفهوم العزلة عن الآخر/ كل آخر، حتى لو تحقق ذلك عبر استعارة واقع مضاد؛ واقع يفرضه الخيال، واقع آخر.

وقد لاحظت لاحقا أن لـ”التباين” علاقة وطيدة بتوجهاته في الكتابة؛ وبنيت عصب تلك “المقاربة” على فرضية أن التباين بين واقعين قد يفضي إلى واقعية جديدة أو بديلة؛ مشمولة برفض المألوف والمستقر والسائد.

 

 واقعية حكاية عن طارق إمام

انصرف الفتى الموهوب ربما في أشياء كثيرة عن واقعية والده، الذي آمن مثل حسن فتحي بأن (الخير أقصى الخير مثله كالماء؛ يصنع الجميل لكل الأشياء ثم يمضي بلا تذمر إلى أماكن يزدريها البشر، ولكنه هكذا؛ قريب بالطبيعة للطريق)، وانحاز في تقديري إلى مفهوم آخر تترجمه مقولة أخري لنفس الفيلسوف الصيني لاو تسي؛ (الكمال من غير اكتمال له فائدته، والإنجاز دون ايفاء فيه ما يُرغب)، وحدد طريقه نحو التجريب؛ هرب من واقع “الجمعيين” ومصائرهم إلى طريق العزف الفردي، لأنه الأنفع والمنجي من “واقعية اللاجدوى”؛ ربما كان دافعه تجاوز مأزق الواقعيين من خلال تغيير آليات الإبداع، وربما انتقاما من واقع “التعترة” بواقع خاص “افتراضي”؛ يشكِّله في الفضاء ويحُطُّ به من علٍ.

لا شك استفاد “طارق” من أبيه الموسوعي؛ الإرث والتراث وحيوية التفاعل، لكنه اختار توظيف مكتسباته في اتجاه آخر؛ لا تتأجل فيه الكرامات، فراح يصنع من خلال كتاباته واقعا بديلا لم يعشه، فالروائي “لا يكتب فقط ما يعيشه بالمنطق التجريبي الضيق، لكن يكتب ما يخبُره روحيا”، ووفقا لرؤية “طارق” فإن “خبرة الخيال قادرة دومًا على تعميق الواقع”؛ إنه الانتقال من فكرة “حماية وإحباط محاولة تغييب الماضي” التي تبناها الأسلاف إلى فكرة “هضمه/ هدمه” والبناء عليه.

وبهذا المنطق انتج طارق إمام أولى كراماته الإبداعية “طيور جديدة لم يفسدها الهواء- 1996” وأهداها إلى والده السيد إمام؛ كان نص الإهداء: “إلى السماء التي تتسع لكل عصافيري”، وقد قرأته لاحقا محملا بمقاربتي تلك؛ لقد حرر الفتى أباه من الواقع الأرضي وحلق به إلى واقع سماوي؛ بينما شرع هو في صناعة واقع بديل قد يفضي إلى واقعية بديلة.

 

4 ـ  حكاية عن نص البواكير

(من لا يعرف الهدف لا يجد الطريق)؛ والفتى الممزق بين ما مضى وبين ما هو آت؛ بين القديم والجديد، أراد أن لا يكون قديما، لذا حدَّد الهدف ليجد الطريق، فكانت اللغة في “طيور جديدة” هدفًا وطريقا؛ إنها عذبة وسلسة ومتناثرة ومسبوكة، وبين كل اشتقاق واشتقاق شق جديد، وتلك التجربة على ما فيها من زخارف وتباديل وتوافيق إلا أنها أسهمت بشكل ملموس في وضع سؤال “التحديث/ الحداثة/ إلخ…) أمام المبدع الشاب؛ حيث ما الفرق بين الحديث والقديم؟

يقول “دانتي”: (لعل ما نطلق عليه أنه حديث فحسب هو ما لا يستحق أن يبقى حتى يصبح قديمًا).

وإذا كان طارق إمام قد استنزف اللغة في بواكير إبداعاته دون أن يحقق مبتغاه، إلا أنه في روايته الأولى “شريعة القطة” اقترب من مقصد مقولة “دانتي”؛ لقد حرص على أن يحقق موضوعه الرئيسي حول تصوراته عن الكون والإنسان وعالم الواقع، منطلقا من فكرة أساسية هي التباين؛ الذي يصل غالبا إلى “التضاد/ التناقض”؛ في معارضة بديعة، وظف خلالها مكتسباته النظرية والتخييلية، تعامل مع موضوعة وبناه بدقة ولعب باللغة بشكل محسوب؛ دون أن يبعثر القارئ.

جاءت “شريعة القطة” مبنية على معارضة الواقع/ ما على الأرض/ الواقعية؛ متخذة من معتقدات الشعبيين حول القطط بكل ما تحمله من رموز ودلالات متكئا لتناول مأزق البشر على الأرض؛ “استعارة السبع أرواح/ التكاثر/ القرائن/ التشاؤم، إلخ..”.

كان أهداؤه: “إلى بيضاء القلب: أمي”.. والأم هي ذاكرة الوجدان (الدنيا بما لها وما عليها، والجنة بما عنها ومنها؛ دون حذف أو إزاحة).

بدأها “طارق” بحادثة مادية مستخدما تقنية القصة القصيرة وإيقاعاتها؛ (بكت القطة. رآها سائق القطار العجوز. أخرج مسدسه، وقتل جميع الركاب بادئا بالرجل السمين الذي كان يتجشأ في وجهه كلما قال صباح الخير)؛ ليتناول المآزق الوجودية التي سترافق أبطاله في أعماله اللاحقة أيضا (الموت/ الخوف/ اللذة/ الألم/ الخلود/ العدم) ثم يرصد التحولات، ليتابع بناء العالم بمخلوقاته من الميلاد إلى الموت؛ (لكن أشياء قليلة تحدث بعد موت شيخ البحر؛ دائما هناك الأطفال والسيدات خلف الأبواب، أشياء تافهة بعد الموت؛ الجميع لا يرون سوى سماء واحدة).. لكن مع الكلمة تتبلور المطلقات؛ إذ تتحول إلى مجسمات، “الشيطان/ الملاك، الشر/ الخير” حيث الصراع الأبدي، فيتورط القارئ في الواقع؛ حيث لا شيء يحدث سوى التكرار؛ فما الذي نأخذه من الماضي؟.

في ستة أيام” شغلت نحو نصف تكوين الرواية بنى “طارق” عالم الظلام/ الأرضي/ الشبحي المجازي، ثم أضاف الضوء إلى قائمة الألوان؛ وكان يعرف أن النهار سيفسد أو سيفضح كل شيء، وهو ما تم بسخرية مريرة؛ إذ نشهد عملية إسقاط عالم الخرافة بالضربة القاضية الفنية، وإقصائه من الواقع لصالح عالم جديد؛ “سينوغرافي”، ولتحقيق ذلك وظف الروائي طاقاته التجريبية؛ استعار كل شيء وادعى أنه مجرد مشاهد/ حاكي: “لا استحق عقابا.. إنني أروي الحكايات وحسب“.

وفي الخاتمة أكد على إدانة “الواقع/ المكرر” بإضافة دلالة الكسل، فالقطة تحديدًا كائن كسولة جدا؛ “أفسد النهار بهجتها، ولكنها نامت دون كوابيس تذكر”؛ وكأنه يقر أيضا بأن هذا عالم تداعي بمجرد الكتابة.. وعلى الكاتب أن ينساه.

 

5 ـ حكاية عن ملعب الواقع البديل

أنظر كقارئ إلى “شريعة القطة” كحجر زاوية يمكن الرجوع إليها في حال التناول النقدي لأعمال طارق إمام، وفي تقديري قد يشار إليها لاحقا أنها باتت قديمة؛ دون إغفال حداثتها، فقد شرَّح من خلالها الواقع البائس للمجتمع/ الدنيا/ البشر على أرض الواقع، وسخر من الواقعية والواقعيين، سعيًا إلى تدشين ملامح خطه الإبداعي بوضع يده في ملعب الواقع البديل، بل وقطع شوطا في صناعة “واقعية بديلة”؛ هدم لاحقا من أجلها البيت:

(في طفولتي المبكرة رأيت بيتاً قديماً يتهدم، وأصحابه القدامى يقفون خارجه، سعداء فيما يبدو. لم أفهم لماذا يُهدم البيت ولا لماذا يبتسم أصحابه.. عرفت فيما بعد أنهم كانوا يبدلونه بآخر جديد، أشد قوة وأعلى ارتفاعاً.. رغم ذلك لا زلت أرتجف حتى هذه اللحظة كلما تذكرت ذلك المشهد. نحن، الكتاب، نهدم بيوتنا أيضاً مرة بعد أخرى لنعيد بناءها.. لكننا نبكي كلما هدمنا بيتًا، مثلما نبتسم في الوقت ذاته. نعيش هذا التناقض الأبدى؛ لكي تكون كاتبًا، عليك- للأسف- أن تنسى).

ربما يؤكد هذا المقطع على ما ذهبت إليه في تلك المقاربة؛ عن خط طارق إمام نحو “واقع بديل”، وقد أورده في شهادة له بعد روايتين مهمتين هما “هدوء القتلة، والأرملة تكتب الخطابات سرًّا“.

 

6 ـ حكاية عن ألعاب الصياغة

في “هدوء القتلة” وظف “طارق” كل العناصر التي جربها في إبداعاته السابقة، وصاغ من تردداتها عالما سينوغرافيًّا حافلا باللغة التصويرية؛ “الضوء والموسيقى والفوتوغرافيا والأزياء وآليات السينما والمسرح”، ليصنع مناخا شبحيًّا مدهشا يهبط به على أرض الواقع ويفرضه كواقع بديل؛ ليضع القارئ في حالة معايشة مع موضوعه الأثير “مأزقه/ مأزقنا الوجودي” في عالم التقابلات (الموت/ الحياة، الجسد/ الروح، الواقعي/ الميتافيزيقي) العالم الذي تُسلب فيه الحياة بزعم الإبقاء عليها، وقد صنع لعصب هذا الواقع شخصية قاتل متسلل، وبينما يؤسطره يفضح من خلاله واقع المدينة/ الدنيا؛ بداية من تحولات الناس وتقلباتهم، ومرورا بإذواجية البطل؛ كل ما في البطل، وصولا إلى الراوي نفسه، فهو قاتل ومقتول.

لم تنبع أهمية “هدوء القتلة” من فلسفية فكرتها، فـ”الاغتراب” مأزق رئيسي لدي طارق إمام كشخص عادي، بل يكاد يكون همه الخاص/ الحميم، لكن أهميتها تتمثل في قدرته على توظيف تيمات متشابكة ومتنوعة في نسق روائي صنع من خلاله واقعا بديلا في سياق يبدو بسيطًا؛ قاتل مبدع في القتل وكاتب مبدع في اقتناص هذا العالم المتناقض؛ يمارس قتل المادي معتقدا أن ذلك سيخلصه من مأزقه المعنوي المتمثل في العزلة والاغتراب والوحدة، ويمنحه الألفة والائتناس عبر كتابة قصيدة؛ أي تخليق “مادي جديد“.

 

7 ـ حكاية ليست أخيرة

رغم تشابك الأحداث والمضامين في روايات طارق إلا أن القتل/ الموت عامل مشترك؛ (انظر مثلا حكاية سائق التاكسي في “هدوء القتلة”، وحكاية سائق القطار في “شريعة القطة”)، ويبدو أن حادثة القتل الأولى على الأرض تشكل له هاجسًا ممتدًا.

بعد “هدوء القتلة” الرواية الأكثر شعبية في إنتاجه اتخذ طارق إمام منحى أكثر تريُّثًا، فجاءت “الأرملة تكتب الخطابات سرًّا” أكثر صفاء على المستوى الفني؛ إذ تترجم ببساطة مدهشة فكرة قتل “المادي/ الماضي/ الواقعي” لصالح “الروحي/ الحاضر/ الواقع السينوغرافي”؛ (أرملة فقدت حياتها وتعوضها بكتابة خطابات غرامية للمراهقات لتستعيد ماضيها)؛ إنها سيدة تصنع واقعا بديلا لتحيا وكأنها تعيش من خلاله أو فيه.

واصل الروائي خطه الفني المرتكز على آليات “الهدم والبناء والتكرار” في تنويعات متعددة تتردد فيها أصداء “الموت/ القتل/ المادي/ الكلمة/ الكتاب”؛ حدث ذلك في “حكاية رجل عجوز كلما حلم بمدينة مات فيها”، وكما هبط بمدينته من عل ليتفاعل مع إشكاليات الواقع في “هدوء القتلة” صعد بها في “ضريح أبي” عبر تمثيلات حرك فيها شخصية البطل الشبحي إلى “ولي غامض”، واستبدل مخطوط مدن الآخرة بنسخة الناسك، ليمارس مهمته المقدسة؛ فضح ازدواجية المجتمع وتطرفه، وكشف زيف ذلك الواقع/ الواقعية التي تتغذى على الخرافة.

 

8 ـصديقي السينوغرافي.. حكاية خاصة

لا بد أن لإهداءات طارق إمام دلالة تتعلق بموضوعه الدرامي؛ حيث الصراع بين المادي والمعنوي؛ فدائما ما يهدي أعماله إلى حقيقيين، ربما يراهم مثاليين أو بالأحرى أنبياء لا يناسبون ذلك الواقع الملوث المخادع، ولا شك أن وجودهم مدهشا ومحيرا ومؤرقا بالنسبة له، فهم المعادل الموضوعي للمعجزات التي فقد الإيمان بها؛ ربما تأسيًا على ما حدث لوالده في أرض الواقع.

أهدى “طيور جديدة” لأبيه، و”شريعة القطة” لأمه، و”الأرملة” إلى حبيبته، و”كفافيس” لابنته “كرمة”، و”ضريح أبي” لصديقه الأثير أحمد عبد اللطيف، و”هدوء القتلة” لفارس خضر؛ صديقه النبيل الذي عرفني به منذ نحو 20 عاما، وبينما أهم بالترحيب ب”طارق”، أضاف “فارس”: “ابن الأستاذ السيد إمام”، فاكتسب الترحيب جلاله، لما لوالده من تأثير وتقدير في وجداني، رغم أنني لم أشرف بمجالسته، حتى بعد صداقتي لطارق الذي أراه بانتظام بحكم زمالة العمل، لكني لا أضبطه متلبسا بالجلوس معي، وكثيرا ما يتساءل الأصدقاء المشتركون: فينك يا طارق؛ تعليقا على موقف ما أو “قفشة” أو جانب من عمل.

إنه باختصار يشبه السينوغرافي؛ (يبتهج بطبيعته في البحث عن الأشياء الزائلة من التاريخ وعلم الاجتماع، ويطرح نفسه كجزء من سحر هذا الموضوع).

ولا بد لكل كتابة نصيب من كاتبها، وكل كاتب نصيب من كتابته؛ لا يعيش “طارق” حالة انفصام؛ أصل وصورة، أو ضوء وظل، هو حالة واحدة نصيبها منه أن يكون هكذا؛ “سينوغرافي، شبحي”، أو كما يقول “لكي تكون كاتبا عليك- للأسف- أن تنسي“.

وأحيانا أنسى أن طارق روائي وقاص رائع أحب كتابته؛ وأذكر دائما أنه شاعر، لابد أنه شاعر؛ لقد وعدني بنسخة من مجموعته الجديدة “مدينة الحوائط اللانهائية”، ضرب لي موعدًا لكنه كالعادة لم يأتِ، ولم يعرف أنني لم أذهب، وربما تخيل أنه جاء ولم يجدني، وأنا في كل الأحوال أصدقه؛ إنه صديقي.. صديق السينوغرافيا.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم