“نصف حالة” على الأعراف بين المرض والموت

"نصف حالة" على الأعراف بين المرض والموت
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

أحمد جاد الكريم 


تقف قصص القاصة ابتهال الشايب على الأعراف؛ فأبطال القصص يقعون في منطقة وسطى بين المرض والموت، بين العقل والجنون؛ فهم يعيشون في عالم كابوسي يضغط على أرواحهم؛ فإما أنهم متأهبون لموتٍ أو هم ميتون بالفعل؛ فقصة "صدأ" تدور فكرتها حول وجود الهاتف المحمول ومدى سيطرته على الإنسان العصري؛ حيث يمثل "الموبايل، الحياة بكل زخمها وعلاقة الإنسان بالآخر، والتي اختصرت تلك العلاقات في طيَّات هذا الجهاز الصغير الذي يجلب العالم كله عبر شاشته الصغيرة.


عنوان المجموعة “نصف حالة” والذي يحمل اسم القصة الأولى فضلا عن أن القصص أغلبها تعبر عن حالة ليست مكتملة، فهي بالضبط “نصف حالة” لشخوصها الواقفين على الأعراف بين حياتين؛ واحدة حقيقية والأخرى واهمة.
كما أنَّ المرض هو التيمة الأساسية في المجموعة؛ ففي القصة الأولى “نصف حالة”، بطلها مخنث يعاني من ازدواج في شخصيته، فهو يعيش في منزله وسط الملابس النسائية مرة وبين ملابس الرجال التي تسكن مساحات في عقله، بالنهار في عمله “صالون الحلاقة” يعود لينظر إلى زبائنه نظرة شهوانية مستمتعا بشعرهم الذي يقوم بحلقه وهو علامة رجلتهم أو فحولتهم من وجهة نظره، وبالليل يمارس شذوذه منفردًا.
القصة الثانية “جزيء” بطلها شخص مريض أيضًا؛ وإن كان مرضه هنا عضويًا بخلافِ بطل “نصف حالة”، فهومقيم في المستشفى وسط المحاليل والأدوية وحبوب الدواء، يريد التخلص من حياته واستقبال الموت قبل أن يأتي يذهب له هو بنفسه، يصوِّب المسدس لرأسه، لصدره، وأخيرًا لفمه، يريد أن يقتل كل جزء متألم في جسده، لكنه يأمل ألا تخترق رصاصته حبه لخطيبته “أرى حبيبتي تغمسني بداخل روحها، كم أود أن أقول لها إنني أُحبك، وأنَّ القطعة المعدنية لم تجرؤ على اختراق حبكِ في قلبي حينما اخترقتني”
تبدو الحياة وسط عتمة المرض والموت من خلال فرع الشجرة المطلة من نافذة الحجرة التي يقيم فيها البطل في المستشفى.
الحياة كانت مجرد فرع شجرة كبيرة يُطل دومًا من نافذة غُرفة مستشفى مكثتُ فيه، تحديدًا عندما احتلَّ المرض جزءًا من جسدي”
إلا أن حياة البطل كانت تسير نحو العدم؛ فهو متهيئٌ للموت؛ ففرع الشجرة المعادل الموضوعي لحياة البطل يختفي فجأة “حينما تناثر الحزن في جوارحي، تحوَّل بصري إلى النافذة بلا حياة، تساءلتُ أين الحياة الآن؟….”
جاءت جميع القصص سردًا خاليًا تمامًا من الحوار، كانت اللغة هادئة سلسة غير زاعقة أو محتدة في شاعريتها، القصص أغلبها تنتمي إلى عالمٍ آخر موازٍ لعالم الواقع، يقاربه لكن لا يمسه بشكل مباشر، القصص تخلق بيئة خاصة لها وزمان ومكان وأبطال لهم خصوصيتهم وعالمهم العجائبي.

………………………

نصف حالة” المجموعة القصصية الفائزة بجائزة الدولة التشجيعية لهذا العام

 أحمد جاد الكريم

 روائي وقاص مصري

مقالات من نفس القسم