سياقات شظايا الصورة الشعرية في قصيدة النثر المصرية.. دراسة في ثلاثة نماذج مختارة

محمد صلاح زايد
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 د. محمد صلاح زيد

تقديم:

    بعيدًا عن أي نقاش نظري حول قصيدة النثر، ومدى شرعية المصطلح، وتاريخ قصيدة النثر، وكل ما يثار حولها من جدل أو نقاش، فإن هذه الدراسة تطمح إلى الوقوف بالدرس والنقد والتحليل أمام نصوص شعرية مختارة لثلاثة شعراء من شعراء قصيدة النثر، يمثلون أجيالًا شعرية مختلفة فيما بينهم، ما بين أبناء جيل الثمنينات والتسعينات وحتى جيل شباب شعراء قصيدة النثر الآن، هم على الترتيب:”شريف رزق/ ديمة محمود/ الضوي محمد”.

    إن الغاية من الدراسة “إجراء ممارسات نقدية لاختبار هذا النوع الأدبي الجديد، والوقوف على خصائصه ومشكلاته، ومن هنا كان التعامل مع النصوص من داخلها، وقد تم اختيار قصيدة النثر لا لشيء إلا لأنها ظاهرة قائمة في الواقع الأدبي، ومن حقها أن تدرس، مثلها مثل قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية، فهذه كلها أنواع أدبية متحققة في الواقع ولها حضورها وفاعليتها”([1]).

    توظف قصيدة النثر لدى الشعراء “شريف رزق/ ديمة محمود/ الضوي محمد” مجموعة من التقنيات الشعرية الجديدة تجعلها تندرج ضمن ما يمكن تسميته بالنص الشعري التجريبي، فهي تخلق واقعها الخاص من خلال عوالمها التخييلية، والعلاقات التي تنسجها مع مختلف البنى الشعرية الفاعلة والمساهمة في تطوير الحدث الشعري، وتنامي مسار التخييل التصويري داخله.

    ولتناول النصوص الشعرية عند هؤلاء الشعراء ذات الصور المتراكبة، يجب الأخذ في الاعتبار هذا النضج الذي أبانت عنه لغتها وصورها، وتمكنها من خلق موضوعات شعرية متعددة مادة لصورها، دون أن تفقد سحر التخييل الشعري الذي يحقق متعة القراءة.

    إنها كتابة حول فوضوية النص الشعري، جزء من الفوضوية التي تؤثث البنى الشعرية لديه؛ فتقرب القاريء من تلك النصوص التي”تحكمها سلطة التغريب والألفة في بنية تقاطبية بين الداخل والخارج”([2]). يصير النص “عالمًا كاوسيًا، تتأسس كينونته الجمالية

نصيًا على المفارقة بين النظام والفوضى”([3])؛ لأن “الكاوس هو خليط من شكلنة ولا شكلنة أي نظام ولا نظام”([4]).

    يمكن أن نلمس هذه العلاقة (سياقات شظايا الصورة الشعرية في قصيدة النثر المصرية.. نماذج مختارة)، بالتشظيات المتنوعة التي تكشف عنها الصور الشعرية المؤطرة ببلاغة الفوضى والسديم التي تحكم النصوص على مستويات عدة، متمايزة ومتقاطعة، نخص منها على سبيل الحصر:

تداعي صور التيه في شعر “شريف رزق”.

الكيانات المحجوبة وإمكانات التخييل الشعري عند “ديمة محمود”.

الرؤى المتشابكة في الصورة الشعرية عند “الضوي محمد”.

    وهذه المستويات، سواء انفردت بمساراتها، أو تقاطعت فيما بينها، فهي تمارس بلاغة تشظي الصورة الشعرية داخل نصوصها، التي تؤسس بدورها لجمالية الشتات؛ حيث تتماثل شعريًا من خلفية كاوسية، شتات النص وفوضى العالم.

1ـ تداعي صور التيه في شعر “شريف رزق”

      يعد ديوان “هواء العائلة”([5]) للشاعر “شريف رزق” من الأعمال الشعرية الحديثة التي تنتمي لقصيدة النثر المصرية المعاصرة، والذي تتشكل نصوصه من العديد من الصور الشعرية التي تتعدد محافل التيه والسديم فيها، مما يجعلها سبيلًا نحو بناء عوالمه الشعرية، والتلميح بأبعادها الدلالية والرمزية، ومن هنا ارتأت هذه الدراسة أن يكون الحديث فيها عن تداعي صور التيه في شعر “شريف رزق”، وكيفية تشكيل تلك الصور المتشظية لديه داخل نصوصه، وكذلك كيفية خلقها لعوالمها الشعرية.

    وإن الناظر في نصوص الديوان، يجد ملامح صور التيه فيها متعددة، كل ذلك جاء في إطار شعري متشظٍ، ولقد حرص الشاعر في سياق هذه الكتابة الشعرية المتميزة على تحقيق شرط الإمتاع الجمالي والفني للنصوص عبر استدعاء صور التيه داخلها، فنراه وحيدًا في لقطة ليلية يخرج من قصيدته ليدخل في جحيمها، متدثرًا بهواء النهايات، وممتلئًا بعواء ذئب داخلي، وبحشد من الأيائل والضباع، ليرى على مقربة منه جثته، في نوبة شرسة من السعال، يتساءل:

أين جسده الآن؟

يحاوره، ويخبره أنه ينتظره على قارعة الظلام وحيدًا، بلا مأوى أو رفيف، ويشعر أنه محاصر، مفارقات الحصار عجيبة ومؤلمة في آن، بين ضحكات مكتومة تتقافز من حوله، وروائح شواء تستدعي إحدى صور اللذة، لكنها جثته تلوح في العراء لغيمة لا تراها ولا يراها:

“وحيدًا في لقطة ليلية
أخرج من القصيدة لأدخل
جحيمها
مُتدثرًا بهواء النهايات
وممتلئًا بعواء ذئب داخلي
وبحشد من الأيائل والضباع
على مقربة مني جثتي
في نوبة شرسة من السعال
تعبرها المنازل
أين أنت الآن يا جسدي؟
أنتظرك على قارعة الظلام وحدي
بلا مأوى أو رفيف
وأشعر أنني محاصر،
بين ضحكات مكتومة تتقافز من حولي،
وروائح شواء
جثتي تلوح في العراء
لغيمة لا تراها
الحرائق تنهش جثتي
وأنا أقهقه في العراء
تتفجر أحجار
في كليتي
قطة
تتمسح بعوائي
أيتها السماء
إلى أين يتوالى سحابك
بالرفاق؟.
تتهشم المرايا في ضلوعي
كلما صاح طائر
فوق رأسي سحابة دخان تتقد
تتساقط أدمعي
من سحابة على هيئتي
هواء القيامة يحملني إلى الأقاصي
في الكوابيس دائمًا وحدي” ص8:19([6]).

    سديم وتيه وحصار ممتليء بالأشباه (وحيدًا في لقطة ليلية/ أخرج من القصيدة لأدخل جحيمها/ مُتدثرًا بهواء النهايات/ ممتلئًا بعواء ذئب داخلي)، بجنازاته التي لا تنتهي (على مقربة مني جثتي
في نوبة شرسة من السعال تعبرها المنازل/ أين أنت الآن يا جسدي؟ أنتظرك على قارعة الظلام وحدي/ جثتي تلوح في العراء/ الحرائق تنهش جثتي)، بعيدًا حتى عن جسده، يجلس على الشاطيء وحده، بريئًا من كل ما يحدث، إنه تيه الجسد والروح في عالم الحصار، كنمر جريح ينتظر كارثة قادمة لا محالة أو قيامة، إن صورة التيه تتجلى في ذلك الانفصال عن العالم، عن الحياة والأحياء،     

    إن النص الشعري عند “شريف رزق” يحث على الابتعاد عن كون الشعر تصويرًا لما في الواقع، فالقصيدة الحداثية لديه “يرفض أن تكون انعكاسًا طبيعيًا للوضع الوجودي الذي يعيشه الشاعر الحداثي. إن القصيدة عنده لا تعكس ظروف الشاعر بقدر ما هي خلق وابتكار جديد”([7])، إن القصيدة الحداثية لديه بهذا الوصف تعد وعاءً للإبداع والتجديد، وليست مساحة للإخبار والتشخيص، “فالشاعر الحق هو الذي يقدم لنا شعره عالمًا شخصيًا خاصًا، لا مجموعة من الانطباعات والتزيينات. إذن كل إبداع تجاوز وتغيير”([8]):

“مثل أي جثةٍ لأتفجر في العراء
أو أتحول إلى نخلة
أو غيمة
أو مقبرة
أتشمم الحرائق في البعيد
أشتهي رائحتي
وألمح جمجمتي تضيء
وحدها
في الفضاء
أطلق النار على أشباح
تشبهني
أحتسي دمي
وأشعر برغبة عارمة في الانفجار
أريدُه انفجارًا كونيًا شاملًا
تتشقق الأرض منه
وتَخِرُّ له الجبال صرعى
وتتشظى السماء
باكيةً
على حطام المشهد
أريدها لقطةً
بانوراميةً
هائلةً
للجحيم الأرضي” ص23:25([9])،     

    وما بين متاهية الروح وحصار الجسد تتشظى الصورة في مخيلة الشاعر (مثل أي جثة لي أتفجر في العراء / أتحول إلى نخلة أو غيمة أو مقبرة)، لتولد صورًا سديمية متاهية، تعبر عنه (أتشمم الحرائق في البعيد/ أشتهي رائحتي/ ألمح جمجمتي تضيء وحدها/ أطلق النار على أشباح تشبهني/ أشعر برغبة عارمة في الانفجار/ أريده انفجارًا كونيًا شاملًا/ تخر له الجبال صرعى/ تتشظى السماء باكية/ أريدها لقطة بانورامية هائلة للجحيم الأرضي)، إنه صراع الأحياء على الأرض، صراعهم مع الوجود والكينونة البشرية، صراع يلقاه بصدره العاري على الشاطيء وحده، يستقبل قذائف الموج، على مقعده الشاغر في الغروب، وذلك القطار المشتعل بداخله، ولا يتوقف على العواء، لكنه في لحظة اشتهاء وانتشاء يرغب في التوحد مع الماضي والتماهي مع عناصره وأحيائه، مع الحياة والأحياء بلا أدنى تلوث، إن “شريف رزق” يعمل جاهدًا على أن يبين ما يجعل نصه الشعري نصًا شعريًا حداثيًا، فهو يؤكد في نصوصه على “أن شرط الفكرة لكي تكون شعرية أن تتوحد مع الكلمات في كل بنيوي واحد، بحيث لا نشعر أنها كانت موجودة سابقًا، بل نشعر على العكس أن الشاعر يبدعها شيئًا فشيئًا، ولا يتناولها من الكتاب أو مما هو جاهز، شائع، مكتفيًا بإعادة صياغتها”([10])، وهذا يعني أن نقل الأفكار جاهزة مباشرة لا يرقى للشعرية، حتى وإن بدا لنا بشكل جديد، وهو ما يتجاوزه الشاعر؛ ليؤسس بهذا إلى حداثة شعرية مبتكرة في نصوصه الشعرية:

“أريد أن أنظف قدمي من الشوارع
عيني من الرؤى
دمي من العناصر الموروثة
ذاكرتي من الأصدقاء
أشتهي الخروج في نزهة خلوية
مع نيتشه، ورامبو، وشجال.
تصحبنا فيلةٌ، وينابيعُ، وغزلانٌ، ومنازلُ، وقيانٌ.
نلتقي في الطريق، بامرئ القيس، وبيسوَّا، وابن عربي.
نخلع أقدامنا في الصحاري، ونمضي
فيدركنا النفريُّ، على ظهر غيمةٍ
تمضي إلى حانة الكلب؛
حيث في انتظارنا سركون بولص.
وعند مطلع الفجر ندخل بيضةً صغيرةً
على شاطئ تُرعةٍ مهجورةٍ” ص26،27([11]).

إنها ثمة محاولة لإعادة ترتيب الحياة داخله، محاولة للخروج من حالة التشظي التي تنتاب روحه (أريد أن أنظف قدمي من الشوارع/ عيني من الرؤى/ دمي من العناصر الموروثة/ ذاكرتي من الأصدقاء/ أشتهي الخروج في نزهة خلوية مع نيتشه، ورامبو، وشجال/ تصحبنا فيلةٌ، وينابيعُ، وغزلانٌ، ومنازلُ، وقيانٌ/ نلتقي في الطريق، بامرئ القيس، وبيسوَّا، وابن عربي/ نخلع أقدامنا في الصحاري/ نمضي فيدركنا النفريُّ، على ظهر غيمةٍ تمضي إلى حانة الكلب؛ حيث في انتظارنا سركون بولص)، لكنها محاولة بائسة، هي فقط محاولة ساكنة، لم تأخذ حيزًا فعليًا للتنفيذ، ولم تبرح مخيلته، استنفار لعوالم متباينة تقع في الماضي، مستحيلة الحدوث في الحاضر، لكنها تستحضر داخله هدوء روحه. إن حداثة النص الشعري عند “شريف رزق” تنبع من كونها تتجاوز الإطار الزمني للنص إلى إطار آخر يتصل بالرؤية التي يصدر عنها، وببنيته، وبأبعاده، فنصوصه تؤسس للبحث والهيام والرفض والتحول والانشقاق والتمرد والتجاوز، تبعث على خلق التساؤلات المتعددة في ذهن المتلقي.

    وفي رحلة التيه عبر صوره الشعرية، تذهب أكثر أنحائه تباعًا مع الموتى، يتساءل في حزن عميق:
“لماذا يموت الذين يحبهم فجأة؟”
    ويعقد حوارًا دراميًا متخيلًا مع أمه، يؤكد فيه على حياته، تلك الحياة الباكية المؤلمة:
“ـ يا أمي، إنه حي لم يمت،
إنني أراه منكمشًا بين الموتى، ولا يكف عن البكاء.
ـ الميت لا يرجع يا بني.
ـ افتحوا، وانظروه يا أمي، إنه يبكي وحده.
ـ رحمه الله يا بني، كانت روحه فيك.
ـ إنه يناديني يا أمي، ويبكي، صدقيني.
ـ وهل ذهبت إليه يا شريف؟
ـ إنني خائف يا أمي، وأصحو كل يوم على بكائه،
 وندائه لي.
كنت دون العاشرة بقليلٍ
حين مات الدرويش الذي لم يُعرف له أهلٌ
والذي قضى حياته على مقربة من المقابر
والذي حكم على المشيعين أن يدخلوا به في كل شارع
والذي رقص بينهم رقصة الوداع
فامتلأت الجنازة بالزغاريد وبالتصفيق
ظلوا يطوفون به في كل شارع
وحين تعبوا قادهم إلى مقبرته
فأقاموا حولها مسجده هذا، في شارع الرحمة.
سيأتي الموت، في يوم ما، في الهزيع الأخير من الليل، ساعتها،
سأكون مستغرقًا في رواية: انقطاعات الموت، لجوزيه ساراماجو،
سيتأمل أشيائي وأوراقي، سيتعثر أمام صورتي.
سيسعل، سيتمدد على الأريكة، في انتظار أن أعود من الرواية،
سوف ينتظر طويلًا، وسوف يموت، في النهاية، في سريري،
سأكون منهمكًا في حياة بلا انقطاع، هناك في رواية: انقطاعات
الموت، لجوزيه ساراماجو” ص63:65([12]).

إنها رحلة الموت الحقيقي، التي تبعث على التشظي التام، ويقينية التلاشي، الموت يطبق على أنفاسه، ورائحته تفوح من المكان (إني أراه في كل ليلة في المقبرة/ منكمشًا بين الموتى/ حين مات الدرويش الذي لم يعرف له أهل/ الذي قضى حياته على مقربة من المقابر/ امتلأت الجنازة بالزغاريد والتصفيق/ حين تعبوا قادهم إلى مقبرته/ سيأتي الموت في يوم ما، في الهزيع الأخير من الليل/ سأكون مستغرقًا في رواية انقطاعات الموت لجوزيه ساراماجو/ سوف ينتظر طويلًا وسوف يموت في النهاية في سريري)، تلك الصور الشعرية التي أصبحت حيزًا وفضاءً ينتشر فيه هذا السديم، تيه حقيقي أمام الموت، ورغبة في الخلاص والتلاشي (سأكون منهمكًا في حياة بلا انقطاع، هناك في رواية انقطاعات الموت لجوزيه ساراماجو)، لكن المفارقة كانت في ظنية انتظاره له طويلًا (سيتأمل أشيائي وأوراقي/ سيتعثر أمام صورتي/ سيسعل/ سيتمدد على الأريكة في انتظار أن أعود من الرواية). إنه بحث في النص عن كل غريب غير مألوف، وإطلاق لعنان النفس؛ لتبحر في عالم رؤياها بلا تقييد في أفق رحب، لا يعرف الانتهاء، ورفض لكل تقليد ولكل نهاية، وتحول يرمي به إلى الصيرورة وعدم التوقف، وانشقاق عن كل قديم، وتجاوز من الكائن إلى غير الكائن، وقفز على المباشر إلى غير المباشر. إن الحداثة الشعرية عند “شريف رزق”، “تتجسد في الإفضاء إلى المجهول، والابتعاد عن كل قالبية ونهائية، فكلما كان الشعر مؤديًا للمجهول ومحرضًا على التساؤل، ونائيًا عن كل نمطية، ومتحررًا من كل قاعدية ومرجعية، كان حريًا بأن يرقى إلى الحداثة الشعرية”([13]).
وفي النوم كان التيه حاضرًا، قلق وأرق، خوف ورجاء:

“لأسباب لم أعد في حل عن الإفصاح عنها
كنت أصحو في كل ليلةٍ
مُنهكًا ولاهثًا
في الساعة ذاتها
ولا أستطيع الرجوع إلى النوم
مرة أخرى.
ولأسباب فائضة عن بناء السرد هنا
كنت أشعر أنني أعيش في مقبرة بعيدة ومجهولة
وأشعر بكل ما أصنعه هناك
بعيدًا عن أسرتي التي أعيش بينها هنا.
معك حق تمامًا يا أبي:
أين شريف؟.” ص76،77([14]).

    استشراف للموت، ورثاء للجسد والروح حال الحياة، يبعث على الألم، ويؤكد على التيه الحقيقي داخل الذات (لأسباب لم أعد في حل عن الإفصاح عنها كنت أصحو في كل ليلةٍ/ مُنهكًا ولاهثًا في الساعة ذاتها/ لا أستطيع الرجوع إلى النوم مرة أخرى/ كنت أشعر أنني أعيش في مقبرة بعيدة ومجهولة/ أشعر بكل ما أصنعه هناك بعيدًا عن أسرتي التي أعيش بينها هنا/ معك حق تمامًا يا أبي: أين شريف؟)، إنه تيه يفسد الحياة، ويجعله عاجزًا عن العودة. إن شعرية “شريف رزق” الحداثية “لا تكمن في الشكل، ولا في تطور شكل إلى شكل آخر، ولا في الموضوعات، بل هي في اللغة نفسها، وفي طرق استخدامها”([15])، وهذا يعني أنه لديه أولية طريقة للتعبير في خلق معان جديدة من خلال اللغة:

“فجأة ومن دون أي مقدمات
رأيته أمامي مباشرة
الثعبان الأزرق الطويل
على بعد خطوة من قدميَّ
يسد الطريق ما بين سور الساحة الشعبية والغيط
فلم أستطع أن أقفز من فوقه
ولا أنا جرؤت على الرجوع مسرعًا
وكادت الكتب أن تسقط من يدي
وداهمتني رغبة في التبول
لست أعرف كيف بدأت التراجع
وقلبي يتخلع مني
طيلة الطريق إلى دارٍ
تتشقق الجدران في كل ليلة يا جدتي
وأنا مستيقظ وحدي
مرتعدًا تحت الغطاء
سطح الدار هو المكان الأثير لدي
آوي إليه، خلسةً، على
درجات السلم الخشبي، وما بين
جرار الجبن القديمة، وبقايا الأشياء، أستند
على الحائط الطيني الخفيض
مستمتعًا بتفاصيل المشهد الكلي.
قبيل أي امتحان لا أستطيع النوم ليلًا
فلماذا تعذبين نفسك بالجلوس إلى جانبي؟

أنت تنامين وأنت قاعدة
قومي أنت ولا تشغلي بالك يا جدتي” ص85:88([16]

     في محاولة بائسة لجلب الأمان وإضفاء الهدوء على روحه، يستدعي الشاعر مشاهد شعرية من الماضي مع جدته (تتشقق الجدران في كل ليلة يا جدتي/ سطح الدار هو المكان الأثير لدي/ آوي إليه، خلسةً، على درجات السلم الخشبي/ ما بين جرار الجبن القديمة، وبقايا الأشياء، أستند على الحائط الطيني الخفيض مستمتعًا بتفاصيل المشهد الكلي/ قبيل أي امتحان لا أستطيع النوم ليلًا/ لماذا تعذبين نفسك بالجلوس إلى جانبي؟/ أنت تنامين وأنت قاعدة/ قومي أنت ولا تشغلي بالك يا جدتي)، تلك حالات المحبة والحنان التي كانت تطمئن روحه، وتبعث على السعادة داخل نفسه، تخلصه من سديمية الروح وتيه الحياة، يستدعي تلك الصور مستمتعًا بتفاصيل المشهد الكلي، لكن البداية كانت مع ذلك الثعبان الأزرق الطويل الذي يهدده، ويجعله يرتعد (فجأة ومن دون أي مقدمات رأيته أمامي مباشرة/ الثعبان الأزرق الطويل على بعد خطوة من قدميَّ/ يسد الطريق ما بين سور الساحة الشعبية والغيط)، مشاهد متقاطعة من الماضي، تتجلى فيها متاهية الروح والجسد داخله، جاءت مكثفة وموحية من خلال الصور الشعرية التي سجل عبرها الشاعر هذه الفوضى التي تسكنه، فيتعارض نصه الشعري الحداثي في صوره مع المنطقي والعقلاني، وهذا التعارض ينتج عن خرق المألوف، الذي يثبته المنطق ويقره العقل، وهذا لا يتجسد إلا بالمجاز، حيث “نلمس السر في كون الشعر يتجاوز، بفعل المجاز، المنطق المألوف، ويضفي على الكلام (والأشياء أيضًا) وجودًا آخر. فالمجاز طبيعة ثانية في اللغة، واللغة تنفصل بفعل المجاز عن المنطقية، والوضوح العقلاني، ذلك أنها، بفعل المجاز، تتجاوز محدودية الألفاظ، وتعبر عما لا يقدر المنطق أو العقلانية أن تعبر عنه، وتقول ما يتجاوز العادة”([17]).
      لا تنتهي حالات التيه والسديم والتشظي داخله، فيظل يسجل مفرداتها، ذلك الانفجار العظيم للجمجمة، الذي أحدث دويًا كبيرًا لم يتوقعه:

“لم أكن أعلم أن انفجار جمجمة يمكن أن يُحدث كل هذا
الدوي
كنت منطلقًا بدراجتك الجديدة إلى آخر الحارة مسرعًا
وكنت أناديك أن تنتظر، وأنت تضحك
لم تكد تغادر الحارة وتتجه إلى الشارع حتى سمعت انفجارًا
وصياحًا جماعيًا.
كانت هي المرة الأولى التي أرى فيها الموت وجهًا لوجهٍ.
هو أصلًا كان يمثل علينا كثيرًا
ولهذا لم نصدق ونحن نناديه ونهزه أنه مات
بحثنا عنه كثيرًا حتى وجدناه بين المقابر
هتفنا ونحن ننقض عليه من كل جانب
ونسخر من سكونه وثباته بالكامل

وفجأة شعرنا بالموت يحيط بنا من كل ناحية” ص102،103([18]). الموت لم يستأذنه هذه المرة، ولم يمهله حتى ينهي دوره التمثيلي (لم أكن أعلم أن انفجار جمجمة يمكن أن يُحدث كل هذا الدوي/ لم تكد تغادر الحارة وتتجه إلى الشارع حتى سمعت انفجارًا وصياحًا جماعيًا/ كانت هي المرة الأولى التي أرى فيها الموت وجهًا لوجهٍ/ هو أصلًا كان يمثل علينا كثيرًا/ لهذا لم نصدق ونحن نناديه ونهزه أنه مات/ بحثنا عنه كثيرًا حتى وجدناه بين المقابر/ فجأة شعرنا بالموت يحيط بنا من كل ناحية)، لم يصدقوا أنه مات، وبحثوا عنه كثيرًا، حتى وجدوه بين المقابر، فجأة شعروا بالموت يحيط بهم من كل جانب، إنه الموت الخلاصي، الذي سينهي رحلة التيه والسديم التي طالت عبر حياة قصيرة فوضوية متشظية. والتعارض مع المنطقي والعقلاني خصيصة من خصائص الكتابة الجديدة في شعر “شريف رزق”، إذ نجده في المقطع الشعري السابق قد اعتمد على المجاز بصورة كبيرة _وغيره في الديوان كثيرًا_؛ وذلك ليدعونا إلى تنحية المنطق والعقل جانبًا، ويضطرنا للتفاعل مع غير المألوف، وبهذا يكون الشعر عنده قد ارتأى منزلة كبيرة في شعرية الحداثة.

 

الكيانات المحجوبة وإمكانات التخييل الشعري عند “ديمة محمود”

    ينتمي شعر “ديمة محمود” إلى هذا النحو من قصيدة النثر الحداثية، التي تماهي بين التخييل وحالة المروق الوجداني، في سعي واضح إلى تخطي الشكل التقليدي لقصيدة النثر القديمة، فشعرها يعقد مواجهة مع أسئلة سرمدية يحفل بها الوجدان. من هنا يتجلى التخييل الشعري لديها؛ ليستمد جماليته من مسارات التأمل والمراجعة لمفردات الحياة في اقترانها بالمطلق، دونما الخضوع لاشتراطات النسق التقليدي لها.
      صدر للشاعرة “ديمة محمود” ديوانان، الأول، بعنوان: “ضفائر روح”([19])، والثاني جاء بعنوان: “أشاكس الأفق بكمنجة”([20])، يتصل فيما بينهما التخييل الشعري عبر صورِ مفارقةٍ أكثر انشدادًا لصنعة الخيال والتخييل، لتلك الكيانات الذاتية الغائبة والمحجوبة، ما يجعل كل شيء يتشظى ويتقطع داخل الصور الشعرية لديها، تتحدث الشاعرة في قصيدتها “ستزهر في نيلِكِ النبيات” عن حالة التشظي والسديم الناتج عن انعدام الاكتمال، فقدان الحياة، وداع وارتباك:

“وأنا أودعك أيتها الأميرةُ العتيقةُ
أشعر بارتباك يغلف دماغي
يعتريني بطء لذيذ
وأنا أعقد ثنايا سلم الماء
وأدق زوارق النور
تلك تمائمي التي أُرقيكِ
جلُّ الماء والنور
وديعتي إليكِ
ريثما تدركين العودة والنجاة
وستدركين
***
أوقنُ بأنكِ لستِ البكماء ولا الضريرة
لكن الولادات القيصرية غالبًا ما تتعثر
ليخرج إلينا أطفالٌ كالأقمار
تُنسينا وجوههم الدرية
كل عذابات الوِحام
وكل الندوب وآثار الخياطة
وبقع الآلام ووخزات الحقن الوريدية
والقيامات تعلو وتهبط
تفور وتسكن مراتٍ ومراتٍ
قبل أن تنبلج عن ردهاتٍ من
الجنان والخيال والقصبِ والحنطةِ
وتجلوَ زنود الكادحين من العرَق والتراب
وتنفض عن تجاعيد وجوههم أدخنة الانتظار
وعوادم حافلات النقل
وتعطيهم نعالًا جديدةً بدلًا من تلك المهترئة
وتطهر أكبادهم ودماءهم من الفيروس اللعين”

(ضفائر روح ص5:7)([21]

    فمنذ البداية يكشف النص عن الحصار الذي تعاني منه الذات، وهو حصار يلازمها حتى نهايته، أمام سلطة عدم الاكتمال، والتشظي، لذا كانت الإمكانات التخييلية في النص كاشفة لتلك الحياة المحجوبة غير المكتملة (وأنا أودعك أيتها الأميرةُ العتيقةُ أشعر بارتباك يغلف دماغي/ يعتريني بطء لذيذ/ تلك تمائمي التي أُرقيكِ جلُّ الماء والنور وديعتي إليكِ ريثما تدركين العودة والحياة/ أوقنُ بأنكِ لستِ البكماء ولا الضريرة/ لكن الولادات القيصرية غالبًا ما تتعثر/ القيامات تعلو وتهبط/ تفور وتسكن مرات ومرات/ تنفض عن تجاعيد وجوههم أدخنة الانتظار)، وهو عدم اكتمال وحصار يتفاعل مع الصور الشعرية المتشظية داخل النص، ويسهم في بنائها وتطورها والتفاعل مع عناصرها البصرية الموحية والدالة لما يلفها من مشاهد تخييلية آثرت الصورة الشعرية في النص أن تجليها للقاريء؛ حتى يتفاعل معها بما يعكس سديميتها في ذات الشاعر. إن هدف الشعر عند “ديمة محمود” هو التوصل إلى الشيء الغريب اللامألوف، واللاواقعي، إلى الشيء الآخر، أو المختلف كليًا، وهذا ما أكده المقطع الشعري السابق، فانفجار النص الشعري لديها، وانطلاقه في عالم ما بعد الواقع، جاءا بمثابة التعبير عن الغرائز المحررة في جوانح الذات الشاعرة لديها، مع تشويه متعمد للواقع، تعمدته الشاعرة عن طريق صورها ومجازاتها الغريبة، فنصها الشعري “يخلق شيئًا جديدًا في الجزئيات والكليات منه، حين يحدث علاقات ودلالات وصورًا تحمل وسمه وذاتيته”([22])، تلك الذاتية التي تنبعث من لغتها الشعرية.
    وفي قصيدة “شهيق يتعتق بين كأسين”، تتضح أزمة الممكن في عوالم الصورة الشعرية المتشظية، متداخلة المعاني، إنها أزمة مزدوجة بين الذات الشاعرة والنص، فعبر صور شعرية متاهية يغيب منطق الممكن، ليصل حد التوتر والفوضى، فوضى الذات وفوضى النص:

“أستعيد قيثارتي القديمة بغبارها
ورائحة تبغك المختمرة
أُبحر في قوافي الهذيان العاري
إلا من صوتك
وأُسدل الخمائلَ
إلا من الشرفة التي وقفتْ عليها
آخرُ قشعريرة ارتدَتها عيناك
على مرأىً من قُبرةٍ وليدة
استرقت إلينا حين صلاةٍ
واستوطنتني
***
ذات ثُمالةٍ ألمت بي
أتسلل خلسةً
على سُلم اللُّحُون
وأذوب بين التقاسيم
فلا أمتلكُ الانعتاقَ
ولا يتملكني التوحد
وأصمد في حيرةٍ
أتأرجحُ بين كأسين:
انعتاقٍ وتوحد!
***
أتعلق في مدارات التصوف
أتدلى بين الأهازيج
وأروح أرددكَ وأردكَ
وأعُبُّ كل الاجترارات
انعتاقًا تلو انعتاق
وفي صيرورة التوحد
يبطل التيمم
ومثلُه الانعتاق
كلاهما باطل إلا منك
وأهل الانعتاق أدرى
بشعابِ التوحد
****
ناياتي المتربصة بالأفول
تجوب عُباب تبانتي المتأهبةِ
على نواصي الكرمةِ
تختال تارةً وتتراجعُ
حين عاصفةٍ نشوى
لا تلوي على فِكاك
حُبلى بأُهزوجةٍ ذات خريف
ريثما يمتزج الطين الناضج بماء المطر”

(ضفائر روح ص9:12)([23])،     

    محاولات تعقبها محاولات للالتئام وتجميع شتات الذات عبر التوحد بين الذات والحياة غير المكتملة، لكنها ما تلبث أن تنفك مرة ثانية (أستعيد قيثارتي القديمة بغبارها ورائحة تبغك المُختمرة/ أبحر في قوافي الهذيان العاري إلا من صوتك/ أسدل الخمائل إلا من الشرفة التي وقفت عليها/ آخر قشعريرة ارتدتها عيناك على مرأىً من قُبرة وليدة استرقت إلينا حين صلاة واستوطنتني/ أتسلل خلسة على سلم اللحون/ أذوب بين التقاسيم فلا أمتلك الانعتاق ولا يتملكني التوحد/ أصمد في حيرة/ أتأرجح بين كأسين: انعتاق وتوحد). لقد جاءت الصورة الشعرية محملة بالمدلولات الصوفية إلى كيان مفترضٍ آثم، أو حلت به جائحة يرجى له بالتوحد شفاعة. أو على الأقل تخفيف لما جاءت به المقادير (أتعلق في مدارات التصوف/ أتدلى بين الأهازيج/ أعب كل الاجترارات انعتاقًا تلو انعتاق/ في صيرورة التوحد يبطل التيمم/ أهل الانعتاق أدرى بشعاب التوحد). إن النص الشعري عند “ديمة محمود” نص استشرافي متطلع إلى المستقبل ببعد نظر، وعميق رؤية، وهذا من صميم فعل الحداثة الشعرية لديها، فـ”هي فعل وجداني وشمولي، يتحد بفعالية الرؤيا وهي حضور متجدد يرافق الروح المتوثب في استشراف عالمها المطلق. وبذلك يكون الشعر حدسًا إبداعيًا يستلهم إبداعيته من هاجس الخلق الأصيل. والشعر لا يضيء حياتنا فحسب، وإنما يتممها من حيث كونه يكشف لنا عما تعجز عن تلمسه حواسنا، وينقل لنا تلك العوالم الجديدة التي نرغب فيها، وليست العوالم التي نراها على الدوام”([24]).
    

    وفي قصيدتها “مرافيءُ مُكتظة”، ينهض النص على صور شعرية مدارها الفضائي تلك الحكايات المرسومة لتلك الحياة المتشظية غير المكتملة، التي تحاكي كيانات مبعثرة تائهة، وتضحي إمكانات التخييل الشعري للصورة داخل النص قادرة على التقاط تلك الشظايا المبعثرة لهذه الكيانات التائهة، تقول:

“المرافيء التي لا تكتظُّ بالعناق
لا تستحق الارتحال ولا الرسو
أشرعتُها حتمًا مهزومة
منتكصةٌ إلى الوراء
تتكسر على قمم الموج
النازف تجهمًا واغترابًا
تتناصفها الريح وأسماك القرش
وتستقر عظامها في الكهوف والقيعان
وتصاب بمرض التوحد والفصام
وتتلبدها الطحالب والعزلة
***
تتكافأ في ذلك
كل مرافيء الثائرين
في العشق وفي الغناء
في الحقيقة وفي الكرامة
ناثري الجمال
الخالق للحياة والمحقق للكينونة
المتسامي في معراج
التوهج وبلورة الذات” (ضفائر روح ص81،82) ([25]).

    وحتى لا نستبق الأحكام حول مدى علاقة الصورة الشعرية بالذات الشاعرة للمبدعة، يهمنا التأكيد، على ما يحمله المتخيل الشعري وإمكانات التخييل لديه من دلالات على التحول الداخلي للذات الشاعرة في نهاية النص (تتكافأ في ذلك كل مرافيء الثائرين في العشق والغناء/ في الحقيقة وفي الكرامة/ ناثري الجمال/ الخالق للحياة والمحقق للكينونة/ المتسامي في معراج التوهج وبلورة الذات)، فالشاعرة اختتمت نصها ختامًا مفارقًا ـ شيئًا ماـ لما بدأته به من صور التشظي والسديم لديها (المرافيء التي لا تكتظ بالعناق لا تستحق الارتحال ولا الرسو/ أشرعتها حتمًا مهزومة/ منتكصة إلى الوراء/ تتكسر على قمم الموج النازف تجهمًا واغترابًا/ تصاب بمرض التوحد والفصام)، وأوردت مفردات الجمال والحياة؛ مما يعكس هذه المفارقة التي تدلل على ذلك التحول الداخلي للذات الشاعرة لديها.

    إن الشعر إذا لم تكن الغاية منه هي المساعدة على استشراف ما لم تتمكن الأفئدة من معرفته، ولم يتمكن من استكشاف الخبايا التي تطمح النفوس للوصول إليها وإزاحة الغطاء عن مجاهيلها، فإن لا يرقى إلى أن يكون شعرًا بحق؛ بمعنى أن افتقاده لما قد سبق الإشارة إليه يجعله لا يستحق لأن يُلقب شعرًا حداثيًا، فقد لا يعدو ـ حينذاك ـ أن يكون مجرد عرض لأحوال مُعاشة أو مُعايشة، أو رصدًا لوقائع حدثت أو جارية الحدوث، وبذا يكون هذا النوع من الشعر شعرًا نقليًا إخباريًا، ومثل هذا الشعر لا تبقيه الحداثة داخل حيزها، بل تنبذه خارجه، وتتبرأ منه، لأنه يحمل في ثناياه سمة الوصف، والحداثة تنتفي الوصف من أدوات الشعر، فالحداثة ليست بالمخبرة الواصفة، وإنما هي المتنبئة الكاشفة([26]). وهذا ما تطمح نصوص “ديمة محمود” الشعرية أن تتبناه وتقدمه لنا.

    وفي قصيدتها “المجانين أكثر شغفًا!” تقدم لنا ملحمة عبثية، يتجلى فيها الواقع المأساوي لتلك الصورة المتشظية، وقد جاء النص عبر مشاكلة تخييلية لصورة شعرية مستوحاة من أنين الذات الشاعرة للمبدعة، تجعل التخييل الغرائبي والعجائبي مقبولًا وأكثر إدراكًا وقربًا من الواقع غير المقبول، تقول:

“خلع شاربه ومعطفه
هل ثمة ما يستحق أن يسير عليه أو لأجله
سترته المهترئة تقبع في زاوية مقهىً رثٍّ للسكارى
منذ عشرين عامًا
ولا قبعاتٍ في خزانته الجرباء
أغرق ثلاث ربطات عنقٍ كانت هدايا من عشيقته
في مستنقع يأكله البعوض خلف بيته
يجمع الصنوبر والفراشات والأكفانَ
والقباقيب وزجاجات الكونياك تحت سريره
ويقسمها بين رامبو وبوكوفسكي
***
استبدل الشارات الضوئية بحلماتٍ إفريقية
وقدم للأولاد حلوى المارشملوز المصنوعة من مؤخرات
البدينات
ووزع على المراهقين لففات سجائر من أصابع بنت
 الجيران
ولصق عاناتٍ في مثلثات لوحات المرور
وأكل المعكرونة بخشبتي صليب
وهدهد مولودته في هلال مئذنة
***
خطوط عرضية وطولية ومائلة تتقاطع أمامه
تتشابك وتسقط أو تصير طائرة هواء
يعلو ويعلو خفيفًا وبلا أجنحة
صنابير كثيرةٌ تندلق من بين أصابعه
يحرك قاع البحر
لا غطاء يحجبه ولا طريق مقفلة”

(أشاكس الأفق بكمنجة ص15:17)([27])، ولأن العوالم المشخصة، من فرط الانمساخ، لم تعد تشبه مثيلاتها، فقد شكلت الصورة الشعرية في النص عبر إمكانات التخييل داخلها حيوات متشظية تبعث على السخرية والتهكم (سترته المهترئة تقبع في زاوية مقهى رث للسكارى منذ عشرين عامًا/ لا قبعات في خزانته الجرباء/ أغرق ثلاث ربطات عنق كانت هدايا من عشيقته في مستنقع يأكله البعوض خلف بيته/ استبدل الشارات الضوئية بحلمات إفريقية/ قدم للأولاد حلوى المارشملوز المصنوعة من مؤخرات البدينات/ وزع على المراهقين لفافات سجائر من أصابع بنت الجيران/ لصق عانات في مثلثات لوحات المرور)، والمبالغة في التخييل الشعري كانت أهم الآليات لتجلية أقصى وأقسى درجات التشظي والانشطار والسديم الذي يحيل إلى انعكاس تلك الحالة المتوترة والتائهة للذات الشاعرة. إن النص الشعري عند “ديمة محمود” يكمن في معرفة المواقف التي يتخذها الإنسان حيال الكون بموجب تفاعله معه وتأثره به، فـ “الشعر الحديث موقف من الكون كله، لهذا كان موضوعه الوحيد وضع الإنسان في هذا الوجود، ولهذا أيضًا كانت أداته الوحيدة هي الرؤيا التي تعيد صياغة العالم على نحو جديد، وأصبحت وظيفة الشعر هي الكشف عن عالم يظل أبدًا في حاجة إلى الكشف كما يقول الشاعر الفرنسي رينه شار”([28]).
       وتتواتر هذه الصور المتشظية عبر إمكانات التخييل للنص الشعري لدى الشاعرة “ديمة محمود”؛ لتؤكد على عبثية الحياة داخل الذات الشاعرة لها، تقول في قصيدتها “مرثيةٌ لتذكرة الفقد والاغتيال”:

“هل كان من حق الصيف أن يطيل الغياب
ويتركنا لجحيم الصقيع
أم أن الرحى التي انشغلت بدك الجثث
أصرت أن تنظف حجارتها بسحق ما تبقى من مفاصلنا
هل كان على العين أن تقاوم المخرز
أم أن ثوب العرس الأبيض كان باهظ التكلفة
وكان الكفن أقرب من
***
هل كان من حق الصيف أن يماطل في مشيته
أم أن قدر الفلاحات أن يتعلقن بأستار الحاصدة
وتتلقى حجورهن من كل هذه الجماجم وبقايا الأظافر
***
هل كان الصيف يكيل بمكيالين عندما تعثر
أم أن من بدهيات الإمبريالية
أن تستفيض الوحوش في ابتلاع الغابة
ويلتئم النجارون ليقتاتوا من صناعة التوابيت
بحجة تنظيف المكان وترميمه
***
هل كان على الصيف أن يحضّر الأفرانَ
ليشوي قلوب الزوجات والعشيقات
أم أن سياسات ضبط النفس
تؤهلهن للملمة القُبل السائحة على حواف الأسرّة
بفعل الانتظار والخذلان” (أشاكس الأفق بكمنجة ص57:59)([29]).

     على اختلاف السياقات والجماليات والإنكارات التي عقدت بها الشاعرة المقارنة بين الواقع المؤسي والحقيقة الفاجعة المتوسل بها لدى كل سياق منهما على حدة (هل كان من حق الصيف أن يطيل الغياب ويتركنا لجحيم الصقيع/ أم أن الرحى التي انشغلت بدك الجثث أصرت أن تنظف جارتها بسحق ما تبقى من مفاصلنا/ هل كان على العين أن تقاوم المخرز لا/ أم أن ثوب العرس الأبيض كان باهظ التكلفة وكان الكفن أقرب منه/ هل كان من حق الصيف أن يماطل في مشيته/ أم أن قدر الفلاحات أن يتعلقن بأستار الحاصدة وتتلقى حجورهن كل هذه الجماجم وبقايا الأظفار/ هل كان الصيف يكيل بمكيالين عندما تعثر/ أم أن من بدهيات الإمبريالية أن تستفيض الوحوش في ابتلاع الغابة ويلتئم النجارون ليقتاتوا من صناعة التوابيت)، فلقد لامسا وبسخرية لاذعة وألم كبير توتر الذات الشاعرة، وعبرا عبر إمكانات التخييل الشعري للصورة لديهما عن عبثية ذلك الواقع المؤسي، وتلك الحقيقة الفاجعة. إن الشعر ما انفك عن سعيه الدؤوب “إلى استشراف ما ينبغي أن يكون باعتباره الصورة الرمزية المعادلة لما هو كائن، وحين يدرك الشاعر هذه القيمة يتلبس بها”([30]).

     وفي قصيدة “تراتيل في مقام البحر”، عودة مرة أخرى للتيه والضياع والغرق والاغتراب والخطيئة، حيث تتقدم الحكاية الإطار المتعلقة بالمعطل والتائه “الذات الشاعرة” عبر صور شعرية متداخلة، مخترقة بحكايات فرعية تمثلها صور شعرية متوازية معها، تتخذ أحيانًا صفة الحكاية الشعرية الأساس. فيتأسس المتخيل الشعري داخل الصورة على جمالية “التجاور الحكائي التصويري”؛ “حيث يتمفصل المتخيل الشعري إلى حكايات فرعية مرقمة ترقيمًا تصاعديًا”([31])، كل حكاية تعضد الحكاية الإطار وتدعمها:

“على وجه الماء
تكسرت جديلتي
ضمها نورس أوحد
وطار بها إليه
***
أنا البحر ضيع ظلَّه
فغوى في التيه
وغرق من لُجه
***
في رُدهة الطحلب
هذا البحر لي
يشدنا إليه
فيغرق لسانه
***
والزبد خطيئة البحر
وشهوة القاع
تُعمّدُ الرمل
فيولد شاطيء
***
والزرقة شبق اللون
تقذف الطحلب
في رعشة محراب الملح
فيخضر مدمعه
***
كلبلاب من كتف البحر
أتسلق الحلم
فيبحر بقاع أدرد” (أشاكس الأفق بكمنجة ص99:101)([32]).

    حكايات متشظية وصور متاهية تؤكد على حيوات غير مكتملة، ونازفة، متصارعة؛ لتعمق سؤال التيه داخل ذواتها الشعرية الهائمة بين الصور المتعددة، والمحاكية لها (على وجه الماء تكسرت جديلتي/ أنا البحر ضيع ظله فغوى في التيه وغرق من لُجة/ هذا البحر لي يشدنا إليه فيغرق لسانه/ الزبد خطيئة البحر وشهوة القاع/ الزرقة شبق اللون تقذف الطحلب في رعشة محراب الملح)، تطفو الشاعرية على لغتها التصويرية، وتظهر الكثير من الجماليات المؤطرة للتشظي، كما تعبر عنها الحكايات المتنوعة متمثلة بجماليتي التبنين الرمزي وتصوير عالم الذات الشاعرة الفوضوي.

     إن طبيعة الشعر لديها هي أن يرى أو ينبيء، فمهمة الشعر عندها تسعى إلى غايتين هما: الإنباء بما سيكون وتجاوز ما هو كائن، لذلك فإنه يخرج “من حيز الدراج والذائع ويدخل ضمن دائرة الاحتمالي الرؤيوي”([33]). فشعرها يبتعد عن المعهودية والمألوفية، ويقترب من التوقعية والترقبية، وهذا ما يؤهله للدخول في عالم شعرية الحداثة.

 

الرؤى المتشابكة في الصورة الشعرية عند “الضوي محمد”
          يوظف ديوان “إثر بلطة في القلب” للشاعر “الضوي محمد” مجموعة من الرؤى المتشابكة داخل نصوصه الشعرية، تجعله يندرج ضمن ما يمكن تسميته بقصيدة النثر الجديدة، تلك القصيدة التي تخلق واقعها الخاص من خلال عوالمها التخييلية التي تتكون منها الصورة الشعرية داخلها، والتشبيهات التي تنسجها مع مختلف البنى الشعرية المساهمة في بناء النص وتنامي مسار الحدث الشعري داخله.

     يمكن الحديث عن الشاعر “الضوي محمد”، كمبدع متعدد مجالات الموهبة الإبداعية، فهو يكتب قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر والمسرحية الشعرية، هذا غير اشتغاله بالنقد الأدبي كباحث فيه، صدر له في مجال قصيدة النثر ديوانه ـ محل الدراسةـ “إثرَ بلطةٍ في القلب”([34]) (ديوان شعر) عن الهيئة العامة لقصور الثقافة 2016م، وفيه يتجلى امتزاج كثافة الصورة الشعرية المتشظية، بسياقات متشابكة ومتعددة في آن، تبعث على الغرائبية، ويطفو فيها الكون الشعري عبر صور متماهية مع سديمية الحياة داخله؛ لتبدو دفقاته الشعرية ـ أحيانًاـ بمثابة ترجيعات مرآوية تختصر بكثافتها ما كان ممكنًا أو مستحيلًا في تجربته الشعرية برمتها، يتحدث الشاعر في قصيدته “النافذة” عن تلك الثقوب التي تعتري الحياة داخله، تلك الثقوب المتداخلة فيما بينها والمتقاطعة، التي بدورها تختبر العالم من حوله، وتكشفه له؛ ليبصره بعينين حزينتين، تلمع فيهما الخسارات الكبيرة التي صنعت حياته:
” أمضى عمرَه

واحدا من حوائط الغرفة التي لا نافذة لها

ولا تطلُّ على ناصيتين

حاكيًا للحوائط الثلاثة

عن الشارع..

عن المارة.. وشكل أصواتهم

عن زينة الأعياد

وأيَّام الميلاد.. ومآتم الموتى

أشجار المانجو التي تملأ الشارعَ بالعشّاق عادةً

وبالحصى والأطفالِ أيضًا ..

عن المخمورين الذين يستبقونَ أرواحَهم بمحاذاةِ الرصيفِ

وينصرفون دونها آخر كل ليلة

الحائط العجوز

تحسَّسَ ظهرَه الذي في الغرفةِ

وأسفَ له كثيرا ..!

كان يودُّ لو أنه كسطحهِ الخارجيِّ

معرَّضٌ للشمسِ

مطلٌّ على شارع .

صباح هذا النهار

السيدة التي استأجرت المنزلَ مؤخَّرًا

أحضرتْ عاملا ضخمًا وله قالت :

في قلبِ هذا الحائطِ

في قلبه تماما ..!

إحداث ثقبٍ بهذا الحجم كان أمرا مريرا صدِّقني،  كان -حتَّى- أكثرَ إيلامًا من كلِّ السنوات التي مضت.. من الظلام والضوضاء والوسخ والانتظار.. من الخوف الذي يملؤنا على رأس كل سنةٍ جديدة إذا ما تساءَلنا: من سيكونُ الساكنَ الجديد؟

أكثرَ إيلاما من الأطفال.. واللصوص.. والكراتين الفارغة والثقوب الصغيرة.. والوحشة.. الوحشة التي تحدثها العناكب بأعشاشها وعلى أصواتِها تتَّسعُ التجاعيد.. وامضةً كنصلٍ..

لو أنني لم أكن حائطا بهذا المنزلِ لم يكن لأحد أن ليجترئ عليَّ هكذا.. وبمنتهى الوقاحة..! يا أخي أنا حتَّى لو كنت حائطا في زنزانةٍ كان سيكون أُرحم ..!!

كنت سأصبحُ مصفَّحًا وأكثرَ مهابةً.. أستدفئ بحكايات المساجين

ويمتلئ وجهي بخطوط يهدهدون بها أرواحهم المتهالكة.. أحدهم كان سيقص على زميله: .. هكذا كانت صافيةً نظرة ابنتي يا صديق .. هكذا حضنتني آخرَ مرَّةٍ.. وانظر أيضا.. هل تريد أن تضحك؟ هكذا كان كبيرًا نهدُ الجارةِ التي نهرَتْهَا آخرَ الصيفِ الماضي.. سامحيني يا سميَّةُ يا ابنتي؛ لم أنتقم لكِ كما أخبرتكِ.. انشغلتُ.. -والسِّتُّ تتنهد منفعلة ًوتحكي كيف أفزعَ كلبُكِ دجاجاتِها- انشغلتُ بنهدِهَا هذا الذي يقطفُ البيوتَ والقرى والغيطانَ طازجةً

لو أنَّكَ تدري كيف راح العامل الضخمُ ينقرُ في قلبي، ويسَّاقط  فُتَاتُهُ حصىً ورملاً وأنصافَ قوالبَ وشطائرَ أسمنت..!

لم أمتلك في قلبي هذا فيما مضى إلا غصصًا وخرائبَ.. لم أمتلك ذكرى دافئةً أو أغنية مسليَة.. لم أحفظ فيه صورةً لساكنٍ مُسَالِمٍ.. أو وردةً في دورقٍ، لكنَّ تحطُّمَه هكذا أفجعني يا صديق.. هل تحطَّمَ لك قلبٌ من ذي قبل؟!

القَصْدُ

انحنت السيدةُ بمقشّتها على بقايايَ، وانزعَجَتْ كثيرًا لنِثَارَاتي التي تطايرت، على خدودِ رفاقِ العملِ الثلاثةِ، ممتزجةً بدموعِهم، ودعواتِهم لي بالنجاةِ والشفاء العاجل

كفَّ العامل أخيرا عن التكسير.. بعدما صار لي: جرحٌ مستطيلٌ، وجسدٌ مُنْتَهَكٌ.. وبلا قلبٍ.. ومشكورًا.. أعدَّ لي ضمادةً خشبيةً ونافذة -قيل- ملونةً

…..

على قلبي الجديد.. استقرت مزهريةٌ وزقزقَ عصفورٌ ورفَّتْ نحلَة ..

انحنت طفلة بخدِّها لتكتبَ الواجبَ.. ريثما تنهي أمُّهَا الطهي ..

وعلى قلبي الجديدِ عَلِقتْ طفلةُ من ياقةِ ثوبها قبيلَ سقوطٍ محقّقٍ..

وعلى قلبي الجديد كبرتْ فتاةٌ.. وانتظرتْ حبيبًا
سيعودُ آخر كلِّ ليلةٍ.. مرسلًا لها
قبلةً في الهواء  
ووردةً في السَبَتْ” ص4:6([35]).

     حكايات متشظية وصور متاهية، وسياقات متداخلة، تلك هي حكايات أيام الميلاد ومآتم الموتى، حكايات زينة الأعياد والمخمورين الذين يستبقونَ أرواحَهم بمحاذاةِ الرصيفِ وينصرفون دونها آخر كل ليلة، إحداث ثقبٍ بهذا الحجم كان أمرا مريرا صدِّقني،  كان -حتَّى- أكثرَ إيلامًا من كلِّ السنوات التي مضت.. من الظلام والضوضاء والوسخ والانتظار.. من الخوف الذي يملؤنا على رأس كل سنةٍ جديدة إذا ما تساءَلنا: من سيكونُ الساكنَ الجديد؟ (إحداث ثقبٍ بهذا الحجم كان أمرا مريرا صدِّقني/ كان – حتَّى- أكثرَ إيلامًا من كلِّ السنوات التي مضت.. من الظلام والضوضاء والوسخ والانتظار.. من الخوف الذي يملؤنا على رأس كل سنةٍ جديدة إذا ما تساءَلنا: من سيكونُ الساكنَ الجديد؟/ أكثرَ إيلاما من الأطفال.. واللصوص.. والكراتين الفارغة والثقوب الصغيرة.. والوحشة.. الوحشة التي تحدثها العناكب بأعشاشها وعلى أصواتِها تتَّسعُ التجاعيد..). رؤى متشابكة تخرج علينا من تلك الصور الشعرية المتاهية، رؤى متعددة، متقاطعة ومتباينة في آن، تعبر عن نأي الغياهب والحجب (يمتلئ وجهي بخطوط يهدهدون بها أرواحهم المتهالكة/ لم أمتلك في قلبي هذا فيما مضى إلا غصصًا وخرائبَ/ لم أمتلك ذكرى دافئةً أو أغنية مسليَة/ لم أحفظ فيه صورةً لساكنٍ مُسَالِمٍ.. أو وردةً في دورقٍ/ لكنَّ تحطُّمَه هكذا أفجعني يا صديق/ هل تحطَّمَ لك قلبٌ من ذي قبل؟!)، تصاعد من الأغوار السحيقة للذات الشاعرة لدى المبدع، تفتق صادحة هادرة، أشبه ما تكون بنشيد كورس، موصول بنداء لاعج، متبتل، متضرع للحياة، أن تنفك عنه، تاركة له آثام خطواته التي لم يقربها (انحنت السيدةُ بمقشّتها على بقايايَ/ انزعَجَتْ كثيرًا لنِثَارَاتي التي تطايرت/ على خدودِ رفاقِ العملِ الثلاثةِ، ممتزجةً بدموعِهم، ودعواتِهم لي بالنجاةِ والشفاء العاجل/ كفَّ العامل أخيرا عن التكسير/ صار لي: جرحٌ مستطيلٌ، وجسدٌ مُنْتَهَكٌ.. وبلا قلبٍ/ مشكورًا.. أعدَّ لي ضمادةً خشبيةً ونافذة ـ قيل ـ ملونةً). وهي ما تبقى أمام العجز من قدرة وما يحققه الخيال من انتصار على الواقع، بل ما يؤكد أن الذي يحدث في الخيال قد يكون أهم مما حدث بالفعل في الواقع، وأن لا وجود للممنوع فيها، وأن كل شيء مباح في عالمها الفوضوي الذي يشوه الحقيقة الخالصة، تلك الحقيقة الغائبة، المتعثرة في الحضور.

     وتتعمق صورة التشظي الفني في النصوص عبر مكون الذات الشاعرة، “التي “تنشطر لعوالم نفسية متصارعة ومتقاطبة”([36])، جراء ضبابية الحياة لديه وسديميتها، فتبدو الذات الشاعرة في مسارها الشعري منفتحة على التيه والاغتراب، وكل ما يدفعها للبحث عن هويتها وكينونتها الوجودية، أو ذات تعيش الشتات بين الجسد باعتباره “كينونة فيزيقية ووجودًا فكريًا”([37])، أو تعيش تشظيًا نفسيًا قويًا، يعبر عن انقسام الذات في علاقاتها بكل مفردات الحياة من حولها، كما تعبر عنها الرؤى المتشابكة داخل الصور المتشظية للنصوص، فالشاعر “الضوي محمد” عبثي؛ لأنه ينظر للعالم بازدراء، فلا يأبه بالحقيقة في أي شيء، ولا يقدس شيئًا، هو عدمي لأن المطاف ينتهي به دائمًا إلى غير شيء، فلا يرسو على حقيقة، ولا يقف عند يقين، وهو مقامر لأنه يراهن دائمًا على ترك الموجود والسعي إلى غير الموجود، وهو مبتغٍ للمجهول؛ لأنه يرى في البحث عنه تحقيقًا لمبدأ التجدد الذي يمجده، وكل هذه الرؤى المتشابكة لديه تعد ثورة على التقاليد الشعرية القديمة من حيث المعنى؛ ليؤسس بهذا إلى شعرية حداثية “تنطلق في أساسها من تحديث مفهوم الشعر، قبل أن تتمظهر في تصورات وأشكال، لا تمت لمفهوم حداثة الشعر ولا لجوهره وحقيقته بصلة”([38])، فشعر الحداثة لديه “لا يتوقف على كتابة قصيدة ناجحة أو فاشلة، عظيمة أو غير عظيمة، بل يراه ذلك البحث الدائم عن الشعر، بل هو طرح التساؤل باستمرار”([39])، وإذا كان لشعر الحداثة شعرية؛ أي جمالية، فهو يكمن عنده في “لغة الشعر؛ أي في اللغة التي يكتب بها، وبموجبها، وبالاستناد إليها يتأتى الحكم عليه” ([40])، يقول:
” يحدث أن يتعثَّرَ الوعلُ

في شالٍ أخضر

سقط سهوًا من عربة الغجرياتِ المُضْنيَاتِ

من دموعهنَّ كُنَّ نسجنَ الشالَ الأخضر

من صفاءِ الأيامِ الأُوُل

ومن نهنهاتِ قوس قُزَح… …

من حنينِ الملائكةِ إلى الناسِ ليلًا

ومن تأوُّهاتِ الألوانِ الباردة.

يحدث أنْ:

يسقطَ الوعلُ مُغْمَىً عليه

يحلم بإحداهنَّ

وقد أسلمتْ لهُ يدَها

مواعيدَها

حرابَها، ومساحيقَها

جرارَها، وصلاتَها

والخلاخيلَ العتيقةَ التي ابتاعتها بعرقِ السنوات

يحدثُ أن يفيقَ الوعلُ

على رائحةِ شواءِ رأسهِ الطيبِ

بعد أنْ نالَ منهُ

سائقُ عربةِ الغجرياتِ الماكر” ص6([41]). هنا تتعطل الحياة وتتشظى في الزمان والمكان، وتهيمن عوالم الاحتمالات المتعددة للذات الشاعرة لدى الشاعر عبر الصورة الشعرية المتاهية (يحدث أن يتعثَّرَ الوعلُ في شالٍ أخضر سقط سهوًا من عربة الغجرياتِ المُضْنيَاتِ/ من دموعهنَّ كُنَّ نسجنَ الشالَ الأخضر من صفاءِ الأيامِ الأُوُل/ من نهنهاتِ قوس قُزَح من حنينِ الملائكةِ إلى الناسِ ليلًا/ من تأوُّهاتِ الألوانِ الباردة/ يحدث أنْ: يسقطَ الوعلُ مُغْمَىً عليه يحلم بإحداهنَّ وقد أسلمتْ لهُ يدَها/ مواعيدَها/ حرابَها، ومساحيقَها/ جرارَها، وصلاتَها/ الخلاخيلَ العتيقةَ التي ابتاعتها بعرقِ السنوات/ يحدثُ أن يفيقَ الوعلُ على رائحةِ شواءِ رأسهِ الطيبِ بعد أنْ نالَ منهُ سائقُ عربةِ الغجرياتِ الماكر)، تلك الصورة التي تبعث على رؤى متشابكة: متقاطعة ومتباينة في آن، تعكس حيوات متصارعة، تغوص الصورة الشعرية في ذاكرة الأشياء والزمان؛ لتلتقط عبر رؤية شعرية حكايات متشابكة، ومحكيات أحياء يغيب منطق اللاتشظي في حيواتها، يتعطل الممكن في الصورة، وتهيمن عوالم التوتر والفوضى في لغتها، تتجول بطلاقة وحرية منعدمة النظير في عوالم الحكاية الشعرية للنصوص، ويزرع الخراب أينما حل وارتحل. تغوص الحكاية الشعرية في ذاكرة الأشياء؛ لتلتقط عبر رؤية تصويرية جوانية الحكي، محكيات ذوات يغيب منطق الممكن والتطور في حياتها، ذوات تخلت عنها الحياة وتركتها تواجه مصيرها الفوضوي، كلما أرادت أن تتحول وتصير ما تريد أن ترغب في تحقيقه، توقفت رحلة بحثها؛ لتتحول الحكاية الشعرية إلى حكاية أزمة الوعي الممكن للذات الشاعرة، إن اللغة الشعرية لدى “الضوي محمد” تضمن للشعر تجدده، فهي وسيلته لاختراق التقعيد وتجاوزه “خصوصًا أن التقنين والتقعيد يتناقضان مع طبيعة اللغة الشعرية. فهذه اللغة بما هي الإنسان في تفجره واندفاعه واختلافه، تظل في توهج وتجدد، وتغاير، وتظل في حركية وتفجر، إنها دائمًا شكل من أشكال اختراق التقنين والتقعيد”([42]) وهذا يعني أن لغة لا تتمتع بهذه السمات، فهي لغة غير شعرية في باب شعرية الحداثة، يقول:
“أتلصَّصُ على أحزانِ البناتِ

والفقراءِ

.. والسفنِ المُكَسّرَة

والمباني المهجورة..

وأسرقُها..
يلتفت ُملاكان لي: انظرْ ماذَا يفعل..!

أرصِّصُ الأحزانَ بعدما أحمِّمُها

وأطمئنُ على أنها دافئةٌ ونابضة

تعالين يا صديقاتي ويا أصدقائي..

تعالى أنتَ أيها الحزنُ الطيّبُ المنزوي..

أعرف أنك تنتظرُ منذُ زمنٍ طويل

ولم تُشْفَ بعد..

لم تصر جناحين أو ساحلًا

كما وعدَكَ صاحبُكَ الذي خانَتْهُ حبيبَتَهُ

هكذا قال لك:
عندما تعودُ حبيبتي

ستصيرُ يا حزني

جناحين أو معزوفةً..

ربما غدوتَ قطةً بيضاءَ لا أطردُها أبدًا..

تحضنُنِي حبيبتي وأمرِّرُ كفَّ يدي خلفَ ظَهْرِهَا لأربّتَ رأسَكَ..

أنتبهُ لحزنٍ آخر يبدو شرسًا وأشعثَ..

أنهره بقوّةٍ..

يبكي وينتحبُ

ويتكوّر في وضعِ الجنينِ..

يتضاءَلُ.. فأحضنُهُ وأحاولُ إسكاتَهُ..

وأبكي معه..

تبكي الأحزانُ كُلُّهَا حَوَالَيْنَا

أرفعُ رأسي قليلًا وأتساءلُ:

لماذا تتناهى إليّ في عزلتي اللطيفةِ هذه

صرخاتُ البناتِ والسفنِ والمباني والفقراءِ..

بالرغم من أنني حَرَّرْتُهم من أحزانِهِم

لماذَا يَدَّعُونَ الآنَ أنَّهم بلا أفئدةٍ..

بلا رؤوس..

وبلا جدوى” ص18،19([43]).

     إن كينونة جمالية الصورة الشعرية داخل النص تتأسس على المفارقة بين النظام والفوضى، فهي متموقعة بين جماليتي الانفصال والاتصال، انفصال داخلي بين الذات الشاعرة والصورة الشعرية الموازية لها، واتصال فيما بينها عبر الصورة الموازية لحالة اللاتشظي، ولما هو مأمول (أتلصَّصُ على أحزانِ البناتِ والفقراءِ والسفنِ المُكَسّرَة والمباني المهجورة وأسرقُها/ يلتفت ُملاكان لي: انظرْ ماذَا يفعل..!/ أرصِّصُ الأحزانَ بعدما أحمِّمُها/ أطمئنُ على أنها دافئةٌ ونابضة/ تعالين يا صديقاتي ويا أصدقائي/ تعالى أنتَ أيها الحزنُ الطيّبُ المنزوي/ ربما غدوتَ قطةً بيضاءَ لا أطردُها أبدًا/ تحضنُنِي حبيبتي وأمرِّرُ كفَّ يدي خلفَ ظَهْرِهَا لأربّتَ رأسَكَ/ أنتبهُ لحزنٍ آخر يبدو شرسًا وأشعثَ/ أنهره بقوّةٍ / يبكي وينتحبُ/ يتكوّر في وضعِ الجنينِ / يتضاءَلُ.. فأحضنُهُ وأحاولُ إسكاتَهُ / أبكي معه / تبكي الأحزانُ كُلُّهَا حَوَالَيْنَا / لماذَا يَدَّعُونَ الآنَ أنَّهم بلا أفئدةٍ.. بلا رؤوس.. وبلا جدوى)، وهذا يظهر في شعور الذات الشاعرة للمبدع داخل النص بالتيه والاضطراب عبر صوره الشعرية المتشظية التي يقوم عليها المكون الشعري له؛ مما يوحي بأن الفضاء المليء بالفوضى والمشرع على السديم يبعث على حالة اضطراب الذات الشاعرة، وشحنها بمؤثرات نفسية داخلية من شأنها أن تنشيء صورًا متاهية متشظية كثيرة، تعبر عن رؤى وسياقات دلالية موازية لها، متشابكة ومتنافرة في آنٍ.

     إن جمالية اللغة الشعرية هنا تنتج من خلال خلخلة الضوابط والعلاقات التي تتشكل من خلالها الرؤى في الصورة، والكلام الواقعي المنطقي، الذي غالبًا ما يأخذ طابعًا عقليًا وفكريًا، والذي يندر أو ينعدم فيه الإيحاء والمجاز، وبزوال تلك الضوابط القواعدية، والعلاقات المنطقية بين الكلمات، تبدو لغة جديدة ومعان، وتصبح بذلك القصيدة منفتحة على الحداثة الشعرية، فالتخلص من ضوابط اللغة والعادات (القواعد) المألوفة في إنتاجها، أحد أهم الأمور التي تنادي بها شعرية

الحداثة، يقول:
“السلامُ علينا..

على من غَدَرَتْ بهم مَحَارِيثُ النّجُومِ

السلامُ عليكِ.. في أبْهَائِكِ المُتَنَاثِرَة

على الآياتِ

التي لم تذكرْنَا حينَ عدَّدَتْ مُحِبِّيها؛

…خشيةَ أنْ نعرِف؛ فنطمَئِن..

السلامُ على الصّهِيل الحَارِق

و على الأصدقاءِ..

الطيِّبين

وعلى الأيادي البيضاءِ الطيِّبة

المُبَلَّلَة بِدَم..
أنا لا أخفيكم سرّا.. نحن غارقونَ في وحلٍ ولُجّة..

نحتفظُ بقليلٍ من الأنفاسِ الخضراءِ الذابلةِ..

ربما نفثناها لنقولَ “أحبك”

ربما ملأ الوحلُ أفواهَنا بعدها..

نحتفظُ بحركةٍ أخيرة لذراعينا..

سننفقُها في حضنٍ وارفٍ..
أو تشبُّثٍ أخيرٍ..
بحائط أو شجرةٍ..
اليماماتُ لا تبعدُ عنّي وعنكِ

إلا مقدارَ ما نغمضُ أعيننا
ونفتح صدورَنا لغمغمةِ العقارب..

النيازِكُ التي ننتظرُها لتنهي هذا العالم..
ربما نبتت بين أصابعِنا..

إذا أسلمنا أنفسَنا

لموسيقى ذاتِ أسنانٍ وفؤوس

لم تورق لدمعٍ..

ولم تؤاخِ عراءً” ص30،31([44]).

     إنه الانفتاح على الحياة والإحساس بضيق العالم وثقله، فالانشغال بميتافيزيقا الخلاص، القائمة على تذكر بقايا الصور المؤلمة العالقة في ذاكرة الذات الشاعرة، تلك الصور التي تؤكد أننا غارقونَ في وحلٍ ولُجّة.. نحتفظُ بقليلٍ من الأنفاسِ الخضراءِ الذابلةِ، توحي بعدم القدرة على تخليص تلك الذات من أزمتها (السلامُ علينا.. على من غَدَرَتْ بهم مَحَارِيثُ النّجُومِ/ السلامُ عليكِ.. في أبْهَائِكِ المُتَنَاثِرَة/ على الآياتِ التي لم تذكرْنَا حينَ عدَّدَتْ مُحِبِّيها؛…خشيةَ أنْ نعرِف؛ فنطمَئِن/ السلامُ على الصّهِيل الحَارِق و على الأصدقاءِ..الطيِّبين وعلى الأيادي البيضاءِ الطيِّبة المُبَلَّلَة بِدَم/ أنا لا أخفيكم سرّا.. نحن غارقونَ في وحلٍ ولُجّة/ نحتفظُ بقليلٍ من الأنفاسِ الخضراءِ الذابلةِ/ ربما نفثناها لنقولَ “أحبك”/ ربما ملأ الوحلُ أفواهَنا بعدها/ نحتفظُ بحركةٍ أخيرة لذراعينا/ سننفقُها في حضنٍ وارفٍ.. أو تشبُّثٍ أخيرٍ/ نفتح صدورَنا لغمغمةِ العقارب/ النيازِكُ التي ننتظرُها لتنهي هذا العالم)، التي تتعمق في فضاء التشظي والسديم عبر جمالية الاستغراق فيهما، فالذات الشاعرة لا تصارع من أجل تحقيق وجودها فحسب، بل هي ذات لم تتشكل بعد، تفتقد مصيرها الخاص وهويتها التي لم تشكلها بإرادتها الخاصة. والشاعر هنا يكتب في فضاء يهيمن فيه السديم والموت، ويسعى إلى شعرنة وجوده المأساوي عبر فعلي الكتابة والتصوير الشعري، وما هذا الفضاء سوى مفردات الحياة من حوله، فضاء تتشابك فيه “حكايات شخوص يؤثث اللامعنى مساراتها الوجودية، وينتهي بحثها في عوالم المجهول. هو فضاء العلاقات الخطيرة، بحكم أن اللامعنى هو الذي يوجه حيواتها ورحلة بحثها، ليمتزج بذلك اللامعنى بالموت والسديم”([45]) ويتحول المحكي في نصوصه إلى فسيفساء من محكيات يتحكم في تجلياتها ومتخيلها الشعري، منطق فوضوي يعيش أزمة ذاتية في صيرورته.

    لقد أخذ الشاعر على عاتقه الخروج عن النمطية التعبيرية التي عرفها الأولون القدامى، وسعى إلى تغيير طرق التعبير، وكأنه يريد أن يؤكد على أن “كل أثر شعري جديد حقًا، يكشف عن أمرين مترابطين: شيء جديد يُقال، وطريقة قول جديدة”([46]). حيث إن “كل إبداع يتضمن نقدًا للماضي الذي تجاوزناه، والحاضر الذي نغيره ونبنيه. وعلامة الجدة في الأثر الشعري هي طاقته المغيرة التي تتجلى في مدى الفروقات ومدى الإضافة: في مدى اختلافه عن الآثار الماضية، ومدى إغنائه الحاضر والمستقبل”([47]).

     إن شعرية “الضوي محمد”، تتمثل في قدرته على عدم التماثل مع من سبقه؛ لأنه يعمد إلى الحديث عما لم يُتحدث عنه من قبل، بكيفية غير معهودة في القول والتعبير، وهو بذلك قد أصاب حظًا كبيرًا من الحداثة الشعرية بمفهومها الواسع.

ختامًا تبقى كل حكايات الصور الشعرية داخل النصوص غير تامة الوضوح فيما يحيط بها من حيثيات، كما أن اتساعها وتماهيها عبر فتحها على سياقات شظايا أخرى، يحيلنا على تداعي صور التيه والسديم والألم التي تكتنف النصوص وأصحابها، كما تكتسي الرؤيوية من خلال اللعب بكثافة الشعري والغرائبي قيمًا رمزية تتقاطع داخل نسيج تلك الصور المتشظية عبر منحنى إيحائي يكرس انقلاب قطب الحياة إلى قطب التشظي والعدمية، والوجود إلى اللاوجود، واليقين إلى الشك.

……………………………………………………….

د. محمد صلاح زيد

ناقد وأكاديمي مصري

محاضر في النقد التأويلي والتفكيكي وأدب ما بعد الحداثة.

نشر دراسات ومقالات في عدد من المجلات الأدبية والكتب المشتركة.

له تحت الطبع:

1ـ خصائص الكتابة الجديدة في شعر الحداثة

   مقاربة تأولية في ثنائية الشعر والنثر.

2ـ رواية ما بعد الحداثة وقضايا التشكيل.

الجوائز:

جائزة إحسان عبد القدوس الأدبية، فرع النقد الأدبي

جائزة ربيع مفتاح الأدبية، فرع النقد الأدبي. 

…………………

([1]) انظر، أحمد زياد محبك، قصيدة النثر، اتحاد الكتاب العربي، دمشق، ص5،6.

([2]) انظر، عبدالرحمان تمارة، سردية التشظي، إعداد اللجنة الثقافية لجمعية الباحثين

    الشباب في اللغة والآداب، مطبعة PABAT NET MAROC، الرباط، ص49.

([3]) انظر، السابق، ص49.

([4]) انظر، د. سامي أدهم، فلسفة اللغة الطبيعية: التنبؤ والكارثي (الكومبيوتر، الكاوس

    المعرفي)، كتابات معاصرة، العدد 23، دجنبر/يناير1995م، ص22،23.

([5]) انظر، شريف رزق، ديوان هواء العائلة، دار ألف ليلة، ط(1).

([6]) انظر، شريف رزق، ديوان هواء العائلة، مرجع سابق، ص8:19.

([7]) أدونيس، زمن الشعر، دار العودة، بيروت، ط(2)، 1987م، ص11.

([8]) أدونيس، مقدمة الشعر العربي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط(5)،

    1986م، ص100.

([9]) انظر، شريف رزق، ديوان هواء العائلة، مرجع سابق، ص23:25.

([10]) أدونيس، الثابت والمتحول: بحث في الإبداع والاتباع عند العرب، ج3، صدمة

      الحداثة، دار العودة، بيروت، ط(1)، 1987م، ص289،290.

([11]) انظر، شريف رزق، ديوان هواء العائلة، مرجع سابق، ص26،27.

([12]) انظر، شريف رزق، ديوان هواء العائلة، مرجع سابق، ص63:65.

([13]) أحمد بن محمد إبليلة، شعرية الحداثة عند أدونيس، ماجستير، كلية الآداب، جامعة

      وهران، 2015م، إشراف أ.د. محمد الأمين خلادي، ص61.

([14]) انظر، شريف رزق، ديوان هواء العائلة، مرجع سابق، ص76،77.

([15]) أسامة إسبر، أدونيس: الحوارات الكاملة (2)، (1981-1986م)، بدايات للنشر

     والتوزيع، سوريا، ط(1)، 2010م ، ص38،39.

([16]) انظر، شريف رزق، ديوان هواء العائلة، مرجع سابق، ص85:88.

([17]) أسامة إسبر، أدونيس: الحوارات الكاملة (3)، (1987:1990م)، بدايات للنشر

      والتوزيع، جبلة.سوريا، ط(1)، 2010م، ص241.

([18]) انظر، شريف رزق، ديوان هواء العائلة، مرجع سابق، ص102،103.

([19]) انظر، ديمة محمود، ضفائر روح، دار الأدهم للنشر والتوزيع، القاهرة، ط(1)،  

      2015م.

([20]) انظر، ديمة محمود، أشاكس الأفق بكمنجة، دار العين للنشر، القاهرة، ط(1)،   

     2017م.

([21]) انظر، ديمة محمود، ضفائر روح، مرجع سابق، ص5:7.

([22]) انظر، د. إحسان عباس، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، فبراير 1978م، العدد 2، ص112.

([23]) انظر، ديمة محمود، ضفائر روح، مرجع سابق، ص9:12.

([24]) خيرة حُمر العين، جدل الحداثة في نقد الشعر العربي (دراسة)، منشورات اتحاد

     الكتاب العرب، دمشق، 1996م، ص81.

([25]) انظر، ديمة محمود، ضفائر روح، مرجع سابق، ص81،82.

([26]) أحمد بن محمد إبليلة، شعرية الحداثة عند أدونيس، مرجع سابق، ص77.

([27]) انظر، ديمة محمود، أشاكس الأفق بكمنجة، مرجع سابق، ص15:17.

([28]) د. غالي شكري، شعرنا الحديث إلى أين؟، دار الشروق، (القاهرة-بيروت)، ط(1)،  

      1991م، ص114.

([29]) انظر، ديمة محمود، أشاكس الأفق بكمنجة، مرجع سابق، ص57:59.

([30]) د. محمد مشعل الطويرقي، شعرية النبوءة بين الرؤية والرؤيا: تجليات زرقاء اليمامة   

         في الشعر العربي المعاصر، مجلة جامعة أم القرى لعلوم اللغات وآدابها، العدد    

         الثاني، (رجب 1430ه / يوليو2009م)، ص226.

([31]) انظر، عبد الرحمان التمارة، سردية التشظي، مرجع سابق، ص54.

([32]) انظر، ديمة محمود، أشاكس الأفق بكمنجة، مرجع سابق، ص99:101.

([33]) أسامة إسبر، الحوارات الكاملة (2)، مرجع سابق، ص15.

([34]) انظر، الضوي محمد، إثر بلطةٍ في القلب، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، ط(1)، 2016م.

([35]) انظر، الضوي محمد، إثر بلطةٍ في القلب، مرجع سابق، ص4:6.    

([36]) انظر، عبد الرحمان التمارة، سردية التشظي، مرجع سابق، ص55.

([37]) انظر، السابق، ص56.

([38]) أحمد بن محمد إبليلة، شعرية الحداثة عند أدونيس، مرجع سابق، ص52.

([39]) أسامة إسبر، أدونيس، الحوارات الكاملة (2)، مرجع سابق، ص110.

([40]) أحمد بن محمد إبليلة، شعرية الحداثة عند أدونيس، مرجع سابق، ص53.

([41]) انظر، الضوي محمد، إثر بلطةٍ في القلب، مرجع سابق، ص6.

([42]) أدونيس، الشعرية العربية، محاضرات ألقيت في الكوليدج دو. فرانس، باريس، آيار   

     1984م، دار الآداب، بيروت، ط(2)، 1989م، ص31.

([43]) انظر، الضوي محمد، إثر بلطةٍ في القلب، مرجع سابق، ص18،19.

([44]) انظر، الضوي محمد، إثر بلطةٍ في القلب، مرجع سابق، ص30،31.

([45]) انظر، محمد الدوهو، سيميئيات الممكن، إعداد اللجنة الثقافية لجمعية الباحثين

       الشباب في اللغة والآداب، مطبعة PABAT NET MAROC، الرباط.، ص70.

([46]) أدونيس، مقدمة الشعر العربي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت،

        ط(5)، 1986م ، ص100.

([47]) السابق، ص100.          

……………………………….

**تنشر هذه الدراسة بالاتفاق مع مؤتمر قصيدة النثر المصرية ـ الدورة السادسة

مقالات من نفس القسم