تعال بأي هيئة تعال

تعال بأي هيئة تعال
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

إلى أيمن ساعي دائما

بالمناسبة يا أيمن.. أنا لا أرثيك، أنا أكتب إليك.. مثلما كنت أفعل عندما كنت حيا.. بالنسبة لي.. أنت ما زلت حيا.

يوما ما

حين تضجر من موتك

وتقرر أن تعود،

حين تفتقد قصائدك،

حربك الشرسة

ببنادقها، وخنادقها

بألغامها، التي كانت لا تنفجر

إلا في قلبك.

.

يوما ما

حين تفتقد ريتا

حبيبتك، التي كانت تكلمك

فيعيدك صوتها شابا

تبتسم لك

فيصير قلبك حديقة

تستريح في ظلها البلاد

بعد حرب طويلة، طويلة..

.

يوما ما

حين تمل رقودك الطويل

وتصمم أن تعود

تسير فوق خطاك

المحفورة في ذاكرة الطريق

تستعير ملامحك من صورك القديمة

تسحب صوتك من ذرات الهواء

وتعيده لحنجرتك،

تترك حزنك هادلا

فوق أحد الكراسي،

كمعطف منسي

وتغادر

تقطف الأزهار

وتعود بها إلى المنزل.

.

يوما ما

حين تفتقد حياتك القديمة

حياتك الخالية من الحرب واللجوء، والصواريخ

وجثث أصدقائك الموتى

بأعينهم المفتوحة على السماء

كصرخة مكتومة.

حين تفتقد حياتك

حياتك التي لم تعشها

لم يمنحها لك العالم أبدا

وإنما اكتفيت

كأي نبي مخذول ومنسي

بتمنيها.

.

يوما ما

حين تفتقد سارا وتانيا وتمارا وتيم

حين تفتقد قصائدهم، أصواتهم، ضحكاتهم العالية

أحزانهم التي بكيتها بالنيابة عنهم

أحزاننا التي بكيتها بالنيابة عنا.

حين تفتقد شدونا

نحن، عصافيرك الصغيرة

التي كانت حين تضيق بها السماء

تمد لها أغصان قلبك

فتهرع نحوها، لتستريح.

.

ويوما ما

حين تنظر للسماء

وأنت مستلق على ظهرك

في ليلة باردة وحزينة،

وتتذكرني

أنا الصبية الخضراء

التي صارت يباسا

وجرفت

شيئا باليا في عروق البلاد.

الصبية

التي نحت الفقد وجهها

واحتلت صوتها الفجيعة

أنا الصبية،

التي يفرك الحزن قلبها

فيتفتت

مثل كتلة رمل متحجرة.

.

يوما

حين تفيق في الصباح

وتبدأ بإزاحة الحجارة الصغيرة

التي كانت تتحرك بقلق تحت رأسك

وكأنها كانت تحاول

بالنيابة عنا،

أن تبقيك حيا.

حين تتكئ على عظامك، كعكازة

لتنهض.

حين تمسك قلبك،

الذي يتدلى من جسدك

كقلادة على وشك أن تسقط

وتعيده إلى مكانه

بالرصاصة المستريحة في أعماقه

بأحبتك الذين يملأون حجراته

وبأحزانك السرية

بأحزاننا

التي كنت تقطفها من قلوبنا

وتخبئها بخفة، في قلبك.

يوما ما

حين تقرر

ولو بعد ألف عام يا أيمن –

أن تعود.

تعال.

اتبع صوتي

صوتي العالق في الهواء

صوتي الذي

تستعير منه النايات، حزنها

صوتي الذي منذ ألف عام

ما زال ينادي عليك.

حين تقرر أن تنهض من ضجرك

وأنت تقول: لا أريد أن أستمر في كل هذا.

حين تدرك يا أيمن

أنت الذي جربت أن تموت مرات كثيرة

أن الحياة، ليست سيئة إلى هذا الحد

حين تدرك ذلك

تعال

ببزة الحرب التي على كتفك

بالرصاص المتناثر كبذور قمح في جسدك

بحزن عينيك

الذي من أكثر من ألف عام

لم تخسر منه شيئا.

.

تعال

بذراعيك اللتين صارتا شتلات ورد

بجسدك الذي صار جذعا

بالأنهار

الأنهار الطويلة

التي تسري بدل الدم في عروقك

في عروق البلاد

.

تعال.

بقلبك الذي كقلوب الأنبياء

ممتلئ بالخذلان، الرصاص، الجراح والأصدقاء

تعال

يا أيمن تعال

بأية هيئة تعال

.

كن سحابة صيفية دافئة

كن ضحكة عاشق أو تنهيدة

كن حماما كن هتافا كن أغنية

كن ما تريد أن تكون..

لكن تعال.

.

ستجد الباب مشرعا

ينتظر دخولك

أضواء الدرج

ستجدها مضاءة

لربما عدت في وقت متأخر

.

ستجد الطعام على الطاولة

النار في المدفأة

نرمي فيها قلوبنا

حطبة حطبة

كي تحافظ على اشتعالها

لربما عدت في الشتاء

بأطراف باردة وقلب متجمد.

.

تعال

يا أيمن، تعال

مقابر بلادنا أزهرت

البنادق

صارت عصيا، يلعب بها الصبية البيسبول.

القصائد الحزينة

صارت طيورا، وغادرت قلوبنا

.

تعال

على الأقل

لنقطف الحزن من عينيك

لننزع الرصاص من جسدك

لنضمد جراحك

التي لأكثر من ألف عام

ما تزال تنزف في شرايين البلاد

.

تعال يا أيمن

لنلتقط على الأقل صورة جماعية

صورة أخيرة

لشخص عائد من حربه

سليما ومعافى

يضع يده على أكتاف أصدقائه

ويقول

من خلال ضحكته التي تعلن نصرا واضحا

إن القصص العظيمة..

ليست كلها،

يموت أبطالها في النهاية

تعال.. يا أيمن

بأية هيئة تعال.

آلاء حسانين

28 أبريل 2015 .

…………………………………

* أيمن ساعي، شاعر وصديق سوري.. استشهد على أبواب إدلب ليلة الثامن والعشرون من مارس. وأقيم عزاؤه في القدس.

مقالات من نفس القسم

خالد السنديوني
يتبعهم الغاوون
خالد السنديوني

Project