النيل في الشعر العربي الحديث (قراءة تأسيسية)

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 د. مصطفي الضبع

عبر علاقة الإنسان بمكونات عالمه المنظور تتشكل مساحات حركته، وعبر تفاعله مع مفردات الوجود تتشكل ثقافته، ومن علاقة الشاعر بالمعنى الأعمق للأشياء تتشكل خارطة تجربته الشعرية، والأشياء في علاقتها بالبشر دائمة مادامت الحياة، يتكرر البشر وتتغير أزمانهم ولكن وجودهم وعلاقتهم بمفردات الوجود تبدو تكرارا عميقا، لا يفضى إلى الابتذال أو السطحية بقدر ما يفضى إلى العمق مستفيدا من التجربة الإنسانية المتكررة والقادرة على استثمار خبراتها البشرية.

والشاعر في تعامله مع الوجود  يكون في حاجة لتعميق رؤاه عبر توسيع دائرة الأشياء التي تبدو ضيقة أو تضيق مع مرور الوقت، فتعدد البشر يقابله تفرد عنصر من عناصر الوجود، فالبشر متعددون متغيرون والشمس واحدة، والبشر متعددون والقمر واحد والبحر واحد، وكلها أشياء تبدو ثابتة، لا يملك الإنسان سوى رؤية معانيها المتعددة متجاوزا تفردها وثباتها، وموسعا مجال العلاقة معها باستكشاف دلالاتها ، وهو ما يتطلب بدوره الاعتماد على الخيال وتفعيله في اكتشاف هذه المعاني والدلالات،  وليس غير الشاعر قادرا على هذا التفعيل المنتج.

الشاعر في تعامله مع الطبيعة يتركها ترصده لا يرصدها هو، فالطبيعة ترصد الشاعر لتجعله مفتونا بها، لا يرى حياته سوى ممررة عبر تفاصيلها ، خالقة ثنائية: الشاعر والوجود، تلك الثنائية التي تتكشف عن نوع من الصراع أحيانا والتوافق والتغني أحيانا أخرى. 

ساهم الوجود التاريخي للنيل في تشكيل وجدان الشخصية المصرية، متداخلا في كثير من سياقات حياته الاجتماعية والسياسية والنفسية، لنجد صداه في فنون النظم المختلفة: شعر الفصحى – شعر العامية – الأغاني ([1] )

في الشعر الحديث لم يكتف الشعراء برصد الصورة المشكلة للنيل بوصفها مشهدا وصفيا تتناوله القصيدة وإنما عمدوا إلى توظيف النيل بوصفه عنصرا فنيا يمكن توظيفه لإنتاج الدلالة، متجاوزا الصورة القديمة القائمة على المديح فحسب ( [2]) أو الصورة الوصفية التي اعتمدها شعراء المدرسة الكلاسيكية ومن حذا حذوهم من شعراء الرومانسية الأوائل.

ما بين أقدم صور عرفها الشعر العربي للنيل وفى مقدمتها الصورة التي رسمها الأعشى ( تضمنها ديوانه):

فما نيل مصر إذ تسامى عبابه       ولا بحر بانقيا إذا راح مفعما

بأجود منه نائلا أن بعضهم        إذا سئل المعروف صد وجمجما

و أحدث صورة رسمها الشاعر عبد المنعم كامل (نشرها على صفحته على الفيس بوك يوم 7 فبراير الجاري2012) يقول في مطلعها:

للنيل مفتَتَحُ القصيدةِ..،
يمنحُ الفجرَ الدَّمَ الريَّانَ
يمنَحُهُ الندى
يُصغي لبوح سرمديٍ غامضٍ
تتلوهُ ألفُ ربابةٍ
فَيَلُمُّ في صبواته ُ
ما شاء من شِعرِ الرياحِ..،
يذوقُ ظِلَّ السوسن البريِّ..،
ما فاضت به الأسرارُ..،
منفلتاً من الآثام في المدن القديمةِ..،
من كهوف الليل في وادي أبيه

ما بين القصيدتين تاريخ وحياة لبشر كان النيل أسطورتهم الخاصة، وكان معلمهم الأول وقانون حياتهم قبل أن تعرف البشرية قوانينها، ولم يكن النيل تاريخا قديما انتهى بقدر ما سيكون النيل تاريخا يصنعه المستقبل.

 ما بين القصيدتين ملامح يمكن لقارئها أن يكشف عددا من الملاحظات الدالة:

  • تصلح الصورة الأولى مفتتحا لقصيدة طويلة قوامها أربعة عشر قرنا من عمر الثقافة العربية ساهم شعراء العربية على مر العصور في كتابة القصيدة وبالطبع لا تكون القصيدة الثانية هي البيت الأخير في قصيدة النيل ولكنها ترجمة لرحلة النيل في عقول شعراء العربية.
  • ما بين القصيدتين تجربة شعرية مرت بمراحل مختلفة استهلها شعراء العربية الأوائل بالربط بين النيل والممدوح في الوصف بالكرم وتطورت إلى صورة لها أبعادها المتعددة المرتبطة بكل مناحي الحياة ( كما سيتكشف لنا من خلال قراءة المشهد الشعرى للنيل ).
  • ليست مصادفة ارتباط النيل بالمديح وكونه مرجعية لتصوير الكرم فعطاء النيل في مقدمة سماته والعطاء ليس لكونه سر الحياة ولا لكونه العلامة التاريخية و الجغرافية وإنما يتجاوزهما إلى كونه علامة بيولوجية يمكنك مكاشفتها إذا طابقت بين النيل في مشابهته المرئ وانبعاجه عند المعدة إذا تتبعت صورته على الخريطة من الشمال إلى الجنوب ووجدته يتخذ شكل المرىء حتى إذا وصلت إلى منطقة محافظة قنا وجدته يأخذ شكل المعدة.
  • في مقاربته للنيل يقدم الشعر وظيفتين أساسيتين: أولاهما وظيفة تسجيلية تقوم على أساس تسلسلي عبر العصور المختلفة التي قارب الشعراء فيها النيل رابطينه بأحداث عصورهم المختلفة وهو ما يتجلى من خلال عصور الشعر المختلفة من الجاهلي وإلى الحديث مرورا بالعصور الإسلامية المعروفة في تاريخ الثقافة العربية، وثانيتهما تقوم على أساس من التفسير والرصد لمساحات حضور النيل في نفوس البشر وهى وظيفة تتضام مع وظائف يقوم بها الفن عامة وتتعاضد فيها الفنون المختلفة من أغنية ورواية وشعر ومسرح وسينما ودراما تليفزيونية ودراما إذاعية في تشكيل الصورة.

إنه النيل وجه مصر الحضاري سواء كانت لديك القدرة على رؤيته عبر التاريخ أو عبر الحضارة الإنسانية، ذلك الوجه الذى شغل البشر وألهم الشعراء والفنانين واشتاق إليه الرحالة وعلم الفلاح المصري تفاصيل الحياة ومقوماتها فلم يدخل النيل بيوت المصريين مياها تقوم عليها حياتهم ولكنه دخل كل تفاصيل هذه الحياة التي قامت عليه وانتقل من اللحظة التاريخية إلى عمق العقل المصري عبر التاريخ، وتسرب إلى الفكر الإنساني متبلورا في مؤلفات الجغرافيين والمؤرخين والسياسيين وعلماء الاجتماع والفلك في تضفيرة شاهدة على دوره في حياة البشرية.

 

عبر تاريخه الطويل كان النيل علامة شاهدة على الشخصية المصرية إضافة إلى كونه  علامة شعرية وسع الشعراء من دائرة عملها لتنضاف إلى علامات يعرفها هؤلاء الذين عاشوا على ضفافه، هؤلاء الذى  يعرفونه بصورة تحمل كل معانى الحب والانتماء غير أن الشعراء يجعلونهم يرون صورة أكبر بكثير من كل هذه المعاني، وهى صورة ليس لشاعر فيها فضل على الآخر إلا بقدر قدرته على إشعار هؤلاء أن النيل الذى يعرفه أجمل بكثير حين يكون ممررا بخيال الشعراء هؤلاء الذين تبادلت قصائدهم الخلود مع النيل، قاربت قصائدهم النيل فمنحها طاقة الخلود.

النيل للشعراء حلم وأغنية وقصيدة، وكلها معان حولتها السياسة المصرية في سنواتها الأخيرة إلى ألعوبة للسياسيين وصفقة أطرافها هؤلاء الذين لا يدركون عمق الأشياء، فالشاعر يرى العالم حلما يسعى لتحقيقه، والسياسي يراه صفقة لا ينتهى العالم لو لم يكسبها وما بين الحلم والصفقة مساحات شاسعة من الوعى بقيمة النيل وتجربته الكونية الفريدة.

ليس الباحث في شأن  النيل أو الكاتب عنه في حاجة إلى أسباب تبرر انشغاله بالنيل، أو مبررات تؤكد العلاقة بين الكتابة والنيل وإنما هي أسباب قبلية تفسرها أسباب تتكشف عبر المقاربة ذاتها فلم أكن في حاجة إلى البحث عن النيل في الشعر عبر ثلاث سنوات قضيتها في قراءة مئات الدواوين من الشعر العربي بحثا عن النيل وتجلياته فى القصيدة العربية عبر عصورها الممتدة  تكشفت لي مساحات من الفن تحولت معها عملية البحث إلى رحلة لقراءة تاريخ الأمة العربية على مختلف المجالات، رحلة طرحت أسئلة لها أهميتها فى قراءة شخصية مصر وعلاقاتها عبر التاريخ، رحلة كشفت عن معدن الإنسان العربى والمصرى فى سياق لحظة تاريخية منحها النيل تميزها وخصوصيتها،  رحلة بين دواوين الشعر العربى فى العصر الحديث أسفرت عن قرابة 400 قصيدة  عن النيل، وقرابة عشرين ديوانا ،  كان للوقوف على عناوينها أحيانا سحر اكتشاف مساحات رسوخ النيل فى نفوس أبناء العربية.

يتحدد مستوى حضور النيل بداية من عناوين القصائد التى تراوح بين النيل مفردة لا تنازعها مفردة أخرى وتتعدد مستويات الحضور مؤسسة على العنوان المركب، وعلى الصورة وعلى سياقات ذات مضامين سياسية واجتماعية وتاريخية وإنسانية.

للوهلة الأولى ستتكشف لك ثلاثة أنواع من القصيدة:

  • قصيدة يتصدر النيل عنوانها لفظا مفردا لا تنازعه مفردة أخرى وقد تجلى ذلك فى قصائد لعدد من شعراء العربية منهم (حسب الترتيب الهجائى): أحمد الحوتى – أحمد زكى أبو شادى –  أحمد بن محمد الشامى – إدريس محمد جماع – بولس غانم – صالح عبد القادر – عامر بحيرى – عبد المنعم كامل –  فاروق شوشة – الهادى آدم وغيرهم.
  • قصيدة يطرح النيل نفسه فى سياق عنوان مركب يتأسس على النيل وفعله ومنها:
  • النيل حين يثور لحسن عبد الله القرشى.
  • النيل يعبر المواسم لفوزى خضر ( العنوان لديوانه أيضا ).
  • النيل يسأل عن وليفته لفاروق شوشة ( العنوان للديوان أيضا ).
  • النيل يتحدث إلى توأميه لمصطفى طيب الأسماء.
  • النيل يتدفق من جنبه للشاعر محمد أبو دومة.
  • سنابل النيل للشاعرة اللبنانية هدى ميقاتى ( والعنوان لديوانها أيضا )
  • قصيدة يفرد النيل نفسه على مساحتها بعد سماحه لعنوان من صفاته ليتصدر النص:
  • مسافر زاده الخيال لمحمود حسن إسماعيل.
  • من أغانى النهر لعبده بدوى.
  • ثقافة مصر للتيجانى يوسف بشير.
  • رحلة المتنبى إلى مصر لمحمود درويش.
  • مصر والسودان لمحمد مصطفى الماحى.
  • خواطر عربية لمحمد المهدى المجذوب.
  • الحب فوق الحدود لمحمد عبد الغنى حسن.

وليست قصائد النوع الثالث معناها تراجع مساحة النيل فيها فقط يبدل النيل موقعه مع معانيه وسماته دون مغادرة موقعه ملهما وشخصية لها قدرها ولها جمالياتها وقدراتها الفنية.

فى توقع أول اعتقدت أن النيل يقف ملهما لشعراء عصر معين أو بقعة عربية معينة (كما هو التوقع أن يفرض النيل نفسه على شعراء مصر والسودان على سبيل المثال ) ولكن البحث يهدم هذا الافتراض تماما فلم يقف النيل عند شعراء ثقافة بعينها ولا قومية بذاتها، ستجد شعراء على مساحة الوطن العربى، وستجد قصائد ولدت فى مصر وأخرى ولدت فى أقصى بلاد الوطن العربى شرقا وغربا، وستجد مساحة زمنية بعينها تختص بكم هائل من القصائد المرحلة الناصرية بما تميزت به من بروز للشخصية المصرية وتصدرها المشهد العربى، ستجد حضورا نيليا عند من يحبون مصر وعند من يعاتبونها دون تجاوز الحب إلى نقيضه ودون أن يتحول النيل إلى مدعاة لما هو خلاف الحب، ستجد قصائد لشعراء كلاسيكيين ورومانسيين وشعراء التفعيلة وحتى شعراء قصيدة النثر

تقف الصفحات القادمة عند قصائد مختارة من بين  قصائد النيل المشار إلى عددها سابقا النيل معتمدة منهجا واضحا ومحدد الملامح:

  • التعريف بالشاعر والقصيدة.
  • قراءة القصيدة واستجلاء طاقاتها الدلالية والمعرفية.
  • قراءة النيل بوصفه علامة شعرية نجحت القصيدة العربية فى استثمارها لتقديم  منتج جمالى له خصوصيته  وله حقوله الدلالية وله طرائق فهمه وتشكيل وعى قارئه.

إنها محاولة للإحاطة بالمشهد الشعرى للنيل عل قراء العربية يدركون مساحة حلم الشعراء الذى عبث به أهل السياسة، وربما لأننا أمة تهتم بمقولات السياسيين على حساب مقولات الشعراء فإننا فى أمس الحاجة لقراءة المشهد كاملا.

 

محددات أولية

خلافا للاعتقاد أن الشعراء المصريين انفردوا وحدهم بالانشغال بالنيل فالشعراء العرب من خارج مصر كان لهم مجال واسع للمشاركة في تشكيل الصورة ([3] )، وأن هذا يمثل إضافة توسع مساحة النيل في الشعر العربي، وتعمل على تضخيم الديوان الشعرى للنيل مما يجعل الحركة الفاحصة لدراسة هذا الديوان في حاجة إلى مساحات كبرى للرصد أكبر بكثير من مساحة هذه الورقة، مما جعلها تتوقف عند نماذج مختارة أقرب ما تكون إلى القصائد المنجزة عن النيل نصا أو عنونت بالنيل أو كان النيل نصا منفردا أو مشاركا في عنوانها إضافة إلى قصائد فرض النيل نفسه على موضوعها وإن لم يتصدر عنوانها، ومن ثم كانت القراءة التأسيسية بمثابة التحضير لقراءة أوسع تشمل كل النتاج الشعرى المتسع الذى يصعب على هذه الورقة أن تنهض بدراسته.

مستوى أولى للحضور

يتجلى حضور النيل في القصيدة وفق مستويات متعددة ، تتواشج في تشكيل الصورة الشعرية التي تتشكل للنيل وحضوره الشعرى وسنستكشفها في مواضعها من الدراسة، تتدرج من مستوى أولى  يتجلى فيه النيل بوصفه مفردة تتكرر في سياق القصيدة في معية عناصر أخرى يكون النيل – على الرغم من حضوره البارز – مفردة تحقق مستوى ما  من الدلالة، من خلال إدخالها في سياق دلالي تتشارك فيه مع غيرها لإنتاج الدلالة الكلية للنص، وهى سياقات تخضع في المقام الأول للأغراض الشعرية التي تتواشج فيها مع غيرها من العناصر للتعبير عن هذه الأغراض، وهو الجانب الذى يمكننا من خلاله رصد عدد من السياقات القائمة على الأغراض الشعرية الكاشفة، ومنها على سبيل المثال الرثاء: ويأخذ  النيل عددا من الوضعيات السياقية من أشهرها كونه شاهدا على الشخصية المذكورة، في قصيدته ” بكت القيود وضجت الأصفاد ” يرثى أحمد محرم وكيل الحزب  الوطني أحمد لطفي مستهلا مرثيته بقوله:

أَتنامُ عَينُكَ والعُيونُ سُهادُ       ويقَرُّ جنبُكَ والجُنوبُ قَتادُ

قُمْ للدّفاعِ فما لقومكَ مُنْصِفٌ       يُرجَى ليومِ ظَلامةٍ ويُرادُ ( [4] )

مستوى الصورة الجزئية

في محاولة للوقوف عند المستويين، مستوى الصورة الجزئية (التي تظهر في بيت واحد وقد لا تتكرر) ومستوى الصورة الكلية المطروحة عبر مساحة القصيدة بكاملها، نتوقف هنا عند بعض الأبيات المفردة التي تجلت فيها الصورة الجزئية دون أن نعيد هذه الصور في الوقوف على الصور الكلية:

  • أحمد تقي الدين، 9 صور منها:

أُسائل عنكَ النيلَ والنيلُ سائلٌ       أَفي مصرَ بعد المصطفي من يُناضل

  • أحمد الزين، 4 صور، منها:

قولوا لِحِفني استبق دَمعَك حَسبها       ما قَد بَكاها النيلُ وَالأَهرامُ

  • أحمد فارس الشدياق، 9 صور، منها:

وكوثرها النيل المبارك فائضا       بخير عميم لم تفضه السحائب

  • أحمد الكاشف، 51 صورة:

إن صفق النيل السعيد فإنما       تصفيقه عن حبها تعبير

  • أحمد محرم، 11 صور، منها:

النّيلُ ينظرُ أين قَادَتُه الأُلى       مَنعوا الحِمَى أَتفرَّقوا أم بادوا

  • أحمد نسيم، 36 صورة، منها:

نآى النيل حتى صرت أشوق مولع       إلى رشفاتٍ من لماه عِذاب

  • الأخرس، 6 صور، منها:

من يُنيلُ النَّيْل من إحسانه       والعطاءُ الجمَّ والمال الجزيلا

  • إسماعيل صبرى، 7 صور، منها:

لا تَقرَبوا النيلَ إن لم تَعمَلوا عملاً       فَماؤهُ العذبُ لم يُخلَق لِكَسلانِ

  • التجانى يوسف بشير، 15 صورة، منها:

أَيُّها النيل في القُلوب سَلام الخُل       د وَقف عَلى نَضير شَبابك

  • جليلة رضا، وتأتى في مقدمة إنتاجها قصيدة ” نيلنا الخالد ” تقول في مطلعها:

يانيل ما أبهــــى رؤاك بناظرى          يا سائرا فوق الزمان الســــائر

بك هينم الماضى البعيد بخاطرى    ومضى يشد غدى ويربط حاضرى ([5] )

وقصيدتها ” بين النيل والبحر ” ( [6] ).

  • حافظ إبراهيم 76 صورة، منها:

النيلُ قَد أَلقى إِلَيهِ بِسَمعِهِ       وَالماءُ أَمسَكَ فيهِ عَن جَرَيانِهِ

  • خليل مطران 62 صورة، منها:

أَيُّهَا النِّيلُ مَا جَنَيْتَ عَلَيْهِمْ       بَلْ جَنَى جَهْلُهُمْ وَلَسْتَ مُلِيمَا

  • زكى مبارك 27 صورة، منها:

فثار النيل يسأل ما شجاها       وما عين لأدمعها تثوب

  • على الجارم 62 صورة، منها:

النيلُ يستنجِدُ مُسْتَنْصِراً       فأَسْرعوا الْخَطْوَ إلى نَصْرِه

  • على محمود طه 31 صورة، منها:

ولِمَ اختلاجُ النيلِ فيه كأنه       شيخٌ يُذكرُ بالشبابِ ويحلمُ

  • أبو الفضل بن الوليد، 4 صور، منها:

 النيلُ جيشُ بني التاميز رنَّقهُ       وهو المعربدُ سكيراً وعضّابا.

  • محمد أبو المجد، 9 صور، منها:

” والنيلِ الذي ينسابُ من كفيْكِ”

            ” انتشى النيل،

                      بكـَى،

                        فارقَ مَجراهُ،

                وضمَّ العاشـقيْنْ” ( [7] )

  • محمد توفيق على 48  صورة، منها:

فَأَجفَلَ النيلُ مِن أَحلامِهِ وَجَرى       جَريَ الجَوادِ لَهُ مِن مِصرَ مِضمارُ

  • محمد عبد المطلب 98 صورة، منها:

يفي النيلُ فيها كلَّ عامٍ بعهده       لأبنائه والدهر جِدُّ مُضيع

  • محمود سامى البارودى 15 صورة، منها:

أَرْضٌ كَسَاهَا النِّيلُ مِنْ إِبْدَاعِهِ       وَلِبَاسِهِ الْمَوْشِيِّ أَيَّ لِباسِ

  • أبو مسلم العمانى، 3 صور منها:

إن هذا النيل أمّ حافل       كلنا يَرضع منها وَيَذر

  • مصطفي صادق الرافعى 6 صور، منها:

وما النيلُ في مصرٍ سوى دم قلبها       إذا حفظوهُ دامت الروح في مصرِ

  • ولى الدين يكن 6 صور، منها:

أيها النيل أنت تجري ودمعي       ليت شعري من سابق لأخيه.

مستوى التشخيص

من بين الصور المتعددة التي أنتجتها القصيدة الحديثة صورة النيل بوصفه شخصية لها بعدها التاريخي الأكثر وضوحا، حيث النيل إنسانا حكيما، شاهدا على الزمن والأحداث والعالم ومتغيرات النفس الإنسانية، ويكاد الشعراء منذ شوقي يتشاركون في تقديم هذه الصورة التي يمكن رصد إرهاصاتها الأولى عند شوقي وشعراء الجيل التالي أو المجايل له واكتسبت بعدها الإنساني عند شعراء الرومانسية، وتبلورت أكثر ما تبلورت عند شعراء الواقعية، الذين حملوا النيل طاقات دلالية كبرى تتماشى مع مهمته الشعرية أو المهمة التي يقوم بها في سياق الصورة الشعرية ويمكن رصد مساحات دالة لهذه الصورة عبر القصيدة الحديثة، مساحات تمثل أدلة كاشفة تقترب من الاستقصاء.

  • في قصيدته يعتمد بركة محمد ( [8]) تكرار صيغتي النداء: أنت، و يا نيل، معددا من الصفات ما ينهض بعناصر لها أثرها في تشكيل صورة النيل لدى المتلقي:
نحن الجسوم وأنت الروح يا نيلُ
 
وكلنا ألسنٌ تشدو أيا نيلُ
  
يا ذا الوفاء ويا أس النماء ويا
 
عقد الجواهر تجلو مصر يا نيلُ
  
معبود أجدادنا كم فيك من منن
 
أصبت بموردك الأقوام يا نيلُ
  
حتى السمّا إِذ غشتها غيرة زجرت
 
نهر المجرة أن يحكيك يا نيلُ
  
نسير فيك وتسرى في جوارحنا
 
فأنت نحن ونحن النيل يا نيلُ
  
مرنا فنحن أرقاء ذوو شمم
 
ولن نعق نداء منك يا نيلُ
  
نعدو لأمرك مهما كان من جللٍ
 
كما عدوت لنا بالروح يا نيل
  
لا كان من يجحد الخير الوفير جرى
 
ملء الكنانة من كفيك يا نيلُ
  
   

وما بين الانتقال الوظيفي للنيل من القصيدة التقليدية إلى القصيدة الواقعية يمنحه الشعراء طاقات دلالية ورمزية أكبر حين يضعه أمل دنقل في المواجهة مع قوى الطغيان، منتجا حوارية دالة بين صوتين: ممثل السلطة وتابعه، موضوعها النيل، وقوامها الصراع بين النيل بوصفه تاريخا وحضارة، والسلطة بوصفها قوة من قوى الظلام يستهلها ممثل السلطة بسؤال استنكاري، وتستمر الحوارية كاشفة عن رؤية السلطة للنيل فيما يتولى المجيب الكشف عن صفات النيل التي يتبناها الشاعر والتي تشى بالطاقة الرمزية والدلالية للنيل  :

” من ذلك الهائم في البرية؟
ينام تحت الشجر الملتفّ والقناطر الخيرية
ــ مولاي: هذا النيل..
نيلنا القديم
ــ أين ترى يعمل أو يقيم؟
ــ مولاي:
كنا صبية نندسّ في ثيابه الصيفية
فكيف لا تذكره ؟
وهو الذي يذكر في المذياع والقصائد الشعرية
ــ هل كان قائدا ؟
ــ مولاي: ليس قائدا
لكنما السيّاح في مطالع الأعوام
يأتون كي يروه
ــ آه.. ويصورونه لكي يشهّروا بنا
بوجهه الباكي وكوفيته القطنية ”  ( [9] ).

ولا يتوقف الأمر عند الأسئلة الاستنكارية الكاشفة بدورها عن عقلية ممثل السلطة وإنما يتخذ قرارا مضادا لإيداعه ملجأ الأيتام ، ثم يروح يسقط ما بداخله على النيل “:

أليس ذلك الذى…

                    كان يضاجع العذارى !؟

                                       ويحب الدم

  • مولاي قد تساقطت أسنانه في الفم
  • ولم يعد يقوى على الحب.. أو الفروسية
  • لابد أن يبرز لي أوراقه الشخصية فهو صموت.

يصادق الرعاع

يهبط القرى    ويدخل البيوت

ويحمل العشاق في الزوارق الليلية

مولاي ؟ هذا النيل…. ” ( [10] )

ولكن ممثل السلطة يقاطع محاوره متخذا  قراره النهائي الأخير الكاشف عن جهله بالنيل في رمزه التاريخي والحضاري والإنساني فلم يشفع له ما طرحه محاوره، ولم يشفع له النيل من حيث هو رمز للخلود، ولم يشفع له معرفة واجبة بهذا الكائن الذى يرمز لتبدل الزمن وسيطرة الجهل:

” – لا شأن لي بنيلك المشرد المجهول

أريد أن يبرز لي أوراقه الرسمية

شهادة الميلاد.. والتطعيم.. والتأجيل

والموطن الأصلي.. والجنسية

حتى يمارس الحرية ! ” ( [11])

ولا تختلف كثيرا رؤية  فاروق شوشة للنيل كثيرا عن رؤية أمل دنقل وإن اعتمد تيمة قريبة جاء النيل فيها شيخا هرما، مما أوجد علاقة بين قصيدة أمل ” ميتة عصرية ” و قصيدة فاروق شوشة  ” النيل”  فإذا كانت القصيدة الأولى تدعونا للتفكير في النيل على مستوى واقعه المتعين أولا وعلى مستواه الرمزي ثانيا، وما آل إليه حاله من سوء يدعو للتفكير في أسبابه  فإن القصيدة الثانية – على ما بينهما من مساحة زمنية – تلتقط الخيط وتنسج عليه نسيجها الخاص مبرزة  النيل فيها شيخا عجوزا أثقلته الأيام وتوحى الصورة الأولى في القصيدة – لمن يتابع القصيدتين متجاورتين – بأن النيل يأخذ وضعا اعتراضيا أو يقع منه رد فعل تجاه ممثل السلطة في قصيدة أمل، حيث تطرح الصورة الأولى في قصيدة شوشة النيل متخلصا من عبئه:

ألقى النيل عباءته فوق البر الشرقي, ونامْ

هذا الشيخ المحنيُّ الظهر,

احدودب..

ثم تقوّس عبر الأيام” ( [12] )

مهيئا النيل للقيام بوظيفتين دلاليتين: أولهما كونه دليلا على أثر الزمن في الأشياء فالنيل شأنه شأن البشر أو هو رامز للبشر بالأساس، وثانيتهما كونه عنصرا كاشفا لاستمرار القهر الممتد بامتداد الزمن، ذلك الزمن الموازي غير المتغير، وقد كان من المأمول أن تتبدل الأيام الممتدة بامتداد العمر:

العمر امتد

وليل القهر اشتد

وصاغ الوراقون فنون الكِذبة في إحكامْ

لكن الرحلة ماضية

والدرب سدود

والألغام “( [13] )

ويتشكل  النص  وفق فواصل سردية الطابع  تستهل بفعل مسند للنهر ( ألقى النيل ) يكون فاتحة لحركة كاشفة، دالة سواء على مستوى النيل أو على مستوى الواقع خارجه، وطارحة لأفعال تتشكل بوصفها تداعيات للفعل الأول أو ردود أفعال له، ويأتي الفعل الثاني مما هو مسند للنيل محدثا توازيا مع الفعل الأول على مستوى الحركة  وتوازنا على مستوى النتيجة:

حمل العُكَّازَ,

وسار يحدق في الشطآن, وفي البلدانْ

قيل: القاهرةُ ـ توقفَ..

جاء يدق الباب ـ ويحلمُ

هل سيصلي الجمعة في أزهرها

يمشي في الموسكي والعتبة ؟

يعبر نحو القلعةِ..

أو يتخايل عُجْباً في ظل الأهرام ” ([14]) ويأتي الفعل الثالث طارحا فعل التأمل أو الوقوف الإجباري إزاء فعل الواقع، فالفعل هنا يشى بموقف النيل إزاء فعل خارجي فرض غربة ما يستشعرها النيل في رحلته عبر المكان والزمان، ومن ثم جاء الفعل الثالث ذا طابع استكشافي بالأساس، وعلى الرغم من تكرار فعل التحديق (سار يحدق – وقف يحدق ) فإن الفعل الثاني يعمد إلى نوع من التدقيق في الوجوه يستقرئها مستكشفا صورة يوازنها بصورة قبلية يقيسها عليها، ولكن لحظة الاستكشاف تضطره إلى النكوص إلى الأحلام أو الانتقال من واقع مرئي إلى خيال حد الوهم:

” وقف الشيخ النيل يحدق

لم يلق وجوهاً يعرفها

وبيوتاً كان يطل عليها

وسماء كانت تعكس زرقته..

وهو يمد الخطو,

ويسبق عزف الريح,

ويفرد أشرعة الأحلام ” ( [15] ).

ومن ثم فإن تكرار فعل الوقوف له ما يبرره دلاليا حيث الحالة تستدعى وقوفا طويلا وإن تغير الأمر قليلا حيث الوقوف الأول كان بغرض الاستكشاف للظاهر  والثاني بغرض المساءلة لاستكشاف الباطن هناك من خلال مساءلة النفس في دلالتها على افتقاد الحوار مع الآخرين من الغرباء:

وقف الشيخ النيل.. يسائل نفسه:

هل تتغير سِحَن الناس..

كما يتغير لون الزيّ؟

وهل تتراجع لغة العين..

كما يتراجع مد البحر

وهل ينطفيء شعاع القلب

فتسقط جوهرة الإنسانِ

ويركلها زحف الأقدامْ

دق الشيخ النيل البابَ

فما اختلجت عين خلف الأبراجِ

ولا ارتدَّ صدى في المرسى الآسنِ

أو طار يمامْ

من يدري أن النيل أتى

أو أن له ميعاداً تصدح فيه الموسيقى

ويؤذّن فيه الفجر

فتختلج الأفئدة..

ويكسو العينين غمام ” ( [16] )ْ

ومع امتداد حركة النيل عبر الأفعال الداخلية الكاشفة للمتلقى والمستكشفة من قبل النيل نفسه تتشكل مجموعة من الأفعال المتوالية المترتبة على الفعل ” دق ” بوصفه ممثلا لفعل من نوع جديد حيث يسعى النيل الشيخ لاستكشاف ما وراء الأبواب، مستثمرا طاقة التنبيه في الفعل الواقع على الأبواب ( الفعل الوحيد المحدث صوتا من أفعال النيل ) ولكنه فعل لم يؤت ثماره على مستوى الآخرين ولم يكن ذا قيمة على مستوى الوعى مما يترتب عليه رد فعل أخير من النيل يتبلور في أربعة أفعال أخيرة:

وتنحنح مزدرداً غصته

عاود دق الباب.. الناس نيام

ألقى النيل عباءته فوق البر الغربي..

ونام” ( [17] )

وتفضى الأفعال إلى حركة سردية لفعل الختام الكاشف عن حركة يكون النص كاشفها عبر تفاصيله وحيث يتطابق الفعلان: فعل الاستهلال:

ألقى النيل عباءته فوق البر الشرقي, ونامْ”

مع فعل الختام دون تغيير إلا في حركة الانتقال من البر الشرقي إلى البر الغربي:

ألقى النيل عباءته فوق البر الغربي

و,يلتقط الشاعر درويش الأسيوطي  الخيط عبر حركة النيل المسافر ليقدم وجها آخر من وجوه النيل متحركا  في قصيدته ” غناء “:

 يا أيها النهر المسافر في مواجعنا

انتشق عطر البطالة….

مثلما يتنفس المتبطلون

ـ على مقاعدك الرخام ـ

ضياعك الأبدي في البحر البعيد..!!

يا أيها النهر الوحيد

أنصت إلى القصص القديم

إلى النكات المبكيات

وسائل الشطآن عن أفراحها

عن زفرة الناي المضمخ بالأسى

يا أيها النهر المسافر في جلال الصمت

لا تحسبْ تأوه أحرفي بالصدر مفتتح الغناء

هي ـ والذي أجراك من دمع القرى ـ 

          وجع تردده القصائد

                               للصباح.. وللمساء ” ( [18] )

ويستمر فعل السفر عبر قصائد الأسيوطي الأخرى كما في قصيدته ” ياسيدى النهر ” حيث يقول:

…..

ومستسلما للمقادير..

          ـ يا سيدي النهر ـ

          تمشي الهوينا

كأن القرى ألبستك التمهل

تمضي خجولا

وتدفع بالعشب والجثث الطافيات

                     تجاه الشمال…( [19] )

ولا يتوقف الأمر عند مستوى التشخيص وإنما يتجاوزه إلى الحوار مع النيل عبر قصائد متعددة منها حوارية  الشاعر الراحل “على قنديل” الذى يقول تحت عنوان:” النيل – حوار “:

ساجد

من بدء أول وردة قامت وصمتك ضفتان

عطش السنين صفاؤك السطحي ؟ أم ابد الحوار ؟

رأيت أدركت اختبأت مقلدا حزن اليمان موحدا

إني وحيد مثلك – الآن – التجأت إليك

دفئني فثلج القاهرة…. ” ( [20] )

حالة التشخيص حتى نصل إلى التوحد مع النيل ليتطابق صوت الشاعر مع صوت النيل في حالة تجمع بين رومانسية القصيدة وإطارها التقليدي إذ تعتمد الشكل العمودي المعروف، وهو ما تطرحه قصيدة ” أنا النيل”  للشاعر على زين الدين، الذى يكتفي بوضع النيل عبر صوته في العنوان ويتركه يعبر عن نفسه بضمير المتكلم في سيطرته على القصيدة بكاملها:

قد جئت ألتمس المودة بيننا      فلتبسطي كف الحنين سلاما

يا مصر إني عاشق فتزيني    مثل العروس تبسما وغراما

أنا لا أدارى في الغرام لأنني   صب تدفق في الضفاف هياما ( [21] )

صالح جودت: قصيدة أحلام المنصورة في ديوانه ” الله والنيل والحب ” ص

قصيدة النيل في الديوان نفسه ص 235

أحمد محرم:

إذا الشّعرُ أدّى الحقَّ للحقِّ خالصاً       فذلك صوتُ النّيلِ لا صوتُ شاعرِ

النيل مشبها متعالقا مع عناصر أخرى:

ابن أبى البشر ( [22] ):

أبدعتَ للناس منظراً عجبا       لا زلتَ تُحيي السرورَ والطَّربا

جمعتَ بين الضِّدينِ مقتدراً       فمن رأى الماء خالط اللهبَّا

كأنما النيلُ والشموعُ بهِ       أفقُ سماءٍ تألَّقَت شُهبُا

قد كان في فِضَّةٍ فَصَيَّره       توقُّدُ النارِ فوقَهُ ذَهَبا

شعراء النيل

من بين عشرات الشعراء العرب الذين ارتبطت أعمالهم بالنيل بدرجة أو بأخرى يبرز عدد من الشعراء المصريين أولا، وهى قائمة صغيرة العدد كبيرة التأثير الشعرى، يمثل كل منهم محطة في سياق الصورة الشعرية للنيل، وتؤكد تجربة كل منهم العلاقة الوطيدة بين الإنسان المصري والنيل، ( أحمد شوقي – حافظ إبراهيم – أحمد محرم – محمود حسن إسماعيل – عبد المنعم عواد يوسف – حسن طلب )، وهم بهذا الترتيب التاريخي يمثلون ثلاث مدارس شعرية كبرى في إطار القصيدة العربية ( ثلاثة يمثلون المدرسة الكلاسيكية، والرابع يمثل المدرسة الرومانسية، والشاعران الأخيران يمثلان المدرسة الواقعية وقصيدة التفعيلة خلافا للشعراء السابقين الذين يجمع بينهم الإطار العمودي للقصيدة الشعرية ).

يمثل النيل للشعراء المصريين فعل معايشة يومية داخلة في ثقافة المصري بكل تجلياتها، سواء كانت ثقافة مكتسبة بفعل اليومي – في الغالب ثقافة شعبية شفوية متداولة – أو مكتسبة بفعل الثقافة الرسمية مما هو مكتوب ومتداول عبر المؤلفات الإبداعية والفكرية، وهؤلاء الشعراء يمثل نتاجهم الشعرى علامة على الحضور الشعرى للنيل :

  • أحمد شوقي (1870-1932) يمثل نتاج شوقي صورة أوفي للنيل في القصيدة الكلاسيكية العربية، إحصائيا تكررت مفردة النيل في شعر شوقي (60 مرة )، ويكاد النيل يمثل شخصية مستقلة في شعر أمير الشعراء ليس اعتمادا على مرات التكرار وإنما لأن ثلاث قصائد في شعر شوقي لها طابعها الخاص الذى يجعل رؤية شوقي للنيل وتوظيفه له سابقة عصرها (كبار الحوادث في وادى النيل – النيل – الأندلسية )، فالشاعر لم يقف عند حد الصورة الكلاسيكية للنيل كما وردت عند مجايليه، تلك الصورة التي تعد جانبا من صورة تشكلت وفق أغراض القصيدة آنذاك فكان النيل عنصرا ( مجرد عنصر ) في سياق مجموعة من العناصر المشكلة للقصيدة بشكل عام، ولكن شوقي في قصائده تجاوز هذه الرؤية ليجعل من النيل شخصيته المستقلة حينا، أو جاعلا النيل مقصودا لغيره كما فعل شعراء الواقعية، جامعا بين رؤى مجايليه واللاحقين عليه.

ولشوقي عدد من القصائد التي استلهم النيل فيها، في مقدمتها ” كبار الحوادث في وادى النيل ” ملحمة شوقي الكبرى التي جعل النيل فيها بمثابة المكان والزمان وجعل حركة الزمن تتوازى وفق حركة النيل وخلوده عبر الزمن، تأتى بعدها قصيدته الثانية: النيل، التي تشكل ملحمة النيل الخالد معددا صفات النيل وما يمثله للبشرية من قيمة، وقد سارت على نسق أسلوبي يتنوع بين  ضمير المخاطب، وضمير الغائب :

مِن أَيِّ عَهدٍ في القُرى تَتَدَفَّقُ       وَبِأَيِّ كَفٍّ في المَدائِنِ تُغدِقُ

وَمِنَ السَماءِ نَزَلتَ أَم فُجِّرتَ مِن       عَليا الجِنانِ جَداوِلاً تَتَرَقرَقُ

ينتقل بعده إلى ضمير الغائب

وَبِهِ تَلوذُ الطَيرُ في طَلَبِ الكَرى       وَيَبيتُ قَيصَرُ وَهوَ مِنهُ مُؤَرَّقُ

عَمرٌو عَلى شَطبِ الحَصيرِ مُعَصَّبٌ       بِقِلادَةِ اللَهِ العَلِيِّ مُطَوَّقُ

يَدعو لَهُ الحاخامُ في صَلَواتِهِ       موسى وَيَسأَلُ فيهِ عيسى البَطرَقُ

ويأتي النداء كاشفا فيما يكشف عن المفردة الوحيدة التي يصرح فيها باسم النيل، حيث يختفي الاسم خالقا نوعا من التشويق وإثارة المتلقي ودفعه للتعرف على النيل ( موضوع القصيدة، والمفردة ترد في البيت الثالث والأربعين بعد المائة في قصيدة قوامها مائة وثلاث وخمسون بيتا   )، وجامعا بين النداء وضمير المخاطب مستثمرا الطاقة الدلالية لكليهما:

يا نيلُ أَنتَ يَطيبُ ما نَعَتَ الهُدى       وَبِمَدحَةِ التَوراةِ أَحرى أَخلَقُ

وَإِلَيكَ يُهدي الحَمدَ خَلقٌ حازَهُم       كَنَفٌ عَلى مَرِّ الدُهورِ مُرَهَّقُ

وقصيدته الثالثة على الرغم انتمائها إلى ما كتبه شوقي للناشئة فإنها تمثل إضافة لصورة النيل لديه:

النيلُ العَذبُ هُوَ الكَوثَر       وَالجَنَّةُ شاطِئُهُ الأَخضَر

  • حافظ إبراهيم (1872-1932) ارتبط اسمه بالنيل فلقب به ( شاعر النيل ) وعبر نتاجه الشعرى المتمثل في (299 قصيدة ) وردت للنيل لديه (85 صورة )، من أظهرها قصيدته ( 58 بيتا )  التي ألقاها في حفل أعضاء البرلمان بالإسكندرية ابتهاجا بنجاة سعد زغلول من حادث الاعتداء عليه، رابطا فيها بين سعد زغلول والنيل منذ مطلعها:

الشَعبُ يَدعو اللَهَ يا زَغلولُ       أَن يَستَقِلَّ عَلى يَدَيكَ النيلُ

إِنَّ الَّذي اِندَسَّ الأَثيمُ لِقَتلِهِ        قَد كانَ يَحرُسُهُ لَنا جِبريلُ ( [23] )

  • أحمد محرم (1877- 1945) يعد واحدا ممن كان للنيل حركة واسعة في مساحة نتاجه الشعرى تجلت أول ماتجلت في ديوانه الأول  بوصفه حجر الزاوية في علاقة الشاعر بالنيل حين تعامل معه بوصفه ذاتا وشخصية إنسانية لها وهو ما اتخذه الرافعي علامة يقينية على وطنية الشاعر:” تتجلى روحة الوطنية التي ألهمته الشعر أكثر ما تتجلى حين أصدر الجزء الأول من  ديوانه سنة 1908، فقد أهداه إلى ( النيل ) ( [24] ):”…………… فما استظهرت بغير أخ حفي، أو صديق صفي، ولا آثرت أن أهدى ديواني إلى غير النيل، ذلك الأب الأبر الذى وهبني نعمة الحياة، وأفاض على هذه المنح والصلات “

فَيا نيلُ أَنتَ الهَوى وَالحَياةُ          وَأَنتَ الأَمـــــيرُ وَأَنتَ الأَبُ

وَيا نيلُ أَنتَ الصَديقُ الوَفِيُّ         وَأَنتَ الأَخُ الأَصدَقُ الأَطيَبُ

        وَأَنتَ القَريضُ الَّذي أَقتَفي         فَيَزهى بِهِ الشــــرقُ وَالمَغرِبُ

         وَلَولاكَ تَعذِبُ لِلشارِبينَ         لَما ساغَ مَورِدُهُ الأَعــــــذَبُ ( [25] )

وعبر ديوانه أخذ النيل مواضع متنوعة بين ما هو وطني وما هو اجتماعي وقد تكررت لديه أنواع من الأساليب المرتبطة بالحماسة والوطنية: يا أمة النيل – يا شباب النيل – يا بني النيل – يا شهيد النيل، والصورة الأظهر في شعره تمثلت في قصيدته ” إلى النيل ” التي جاءت خطابا مباشرا إلى النيل يستهلها باستظهار قدرات النيل في صورة أقرب للأسطورة منها إلى الحقيقة:

   
  أَخا الدَهرِ ما الدَهرُ إِذ يُنسَبُ
 
وَأَينَ هِيَ الأُمَمُ الغُيَّبُ
  
  شَرِبتَ العُصورَ فَأَفنَيتَها
 
وَما زِلتَ مِن دَمِها تَشرَبُ
  
  تُميتُ وَتُحيي عَلى شِرعَةٍ
 
يَدورُ بِها الزَمَنُ القُلَّبُ
  
  تَثورُ وَتَسكُنُ تَقضي الأُمورَ
 
فَتَطفو الحَوادِثُ أَو تَرسُبُ
  
  أَخا الدَهرِ أَينَ حَديثُ القُرونِ
 
وَأَينَ المِدادُ لِمَن يَكتُبُ
  
  شَهِدتَ المَمالِكَ تُزجي الجُنودَ
 
وَعايَنتَها رِمَماً تُندَبُ
  
  وَما حَجَبَ الدَهرُ مِن سِرِّها
 
فَخافيهِ عِندَكَ لا يُحجَبُ
  
  إِلَيكَ اِنصَرَفتُ أَضُمُّ المُنى
 
وَأَبعَثُها نُزَّعاً تَدأَبُ
  
  غَوالِبَ تَأخُذُ أَقصى المَدى
 
وَيَأخُذُها القَدَرُ الأَغلَبُ
  
  يُصَرِّفُها في أَفانينِها
 
هَوىً لا يَضِلُّ وَلا يكذبُ
  
  عَلى مِلَّةٍ مِن شُعاعِ الضُحى
 
يُضاحِكُها الرَونَقُ المُعجَبُ
  
  يُجاوِرُهُ أَدَبٌ ساطِعٌ
 
كَما جاوَرَ الكَوكَبَ الكَوكَبُ
  
  فَيا نيلُ أَنتَ الهَوى وَالحَياةُ
 
وَأَنتَ الأَميرُ وَأَنتَ الأَبُ
  

( [26])

  • محمود حسن إسماعيل (1910- 1977) رغم تعدد قصائد النيل واتساع مساحة ما يمكن أن يسمى ديوان الشعرية النيلية في الشعر العربي، تبقى قصيدته.
  • حسن طلب (1944- )،تنتمى تجربته إلى جيل السبعينيات مما يضع نتاجه الشعرى في سياق قصيدة التفعيلة ذات الطرح الواقعي ، وهو نموذج للقصيدة التي ترى النيل مقصودا لذاته حيث يتجاوز الشاعر وصفية الكلاسيكي المقصودة لذاتها، ورومانسية الرومانسي المقصودة لذاته من إلى واقعية الطرح غير المقصود لذاته بقدر ما هو مقصود لذات أعلى هي ذات المجتمع    أفرد ديوانا كاملا للنيل ” لا نيل إلا النيل ” تدرج فيه زمنيا من القديم إلى الحديث من مستوى زمنى يشى ببداية التاريخ خالقا رحلة لها طابعها الإنساني الدال، رحلة محتشدة بالرموز ومفعمة بالدلالات الثرية، التي يستثمرها الشاعر لصالح رؤيته الخاصة، تلك الرؤية المتشكلة في ثمانية مشاهد تكون بمثابة الحركات الحيوية:
  • استضاءة: تطرح وعيا أوليا بالزمن من خلال صوت أولى لا تبين ملامحه: ” واقفا – كنت – على عقرب ساعة

أستعير الوقت من مقبل عمري

من بقايا الزمن المنسي من عهد الرضاعة ” ( [27] ).

  • استضاءة ثانية: تطرح مجالا أوسع للوعى بحركة النيل أو بحركة الإنسان معه:

” كنت مشدودا إلى حافر عنزة

أرقب البرق من الشرق

أهز النيل هزة

يتهاوى البرق نارا في العيون المشمئزة

ويميل الليل عنى

مبحرا كنت من النيل إلى ساحل غزة ” ( [28] ).

  • في البدء كان النيل، متمثلا المشهد النيلي منذ البداية، بداية التاريخ، طارحا النيل عبر أسطورته الخاصة التي يربطها بالذات في إدراكها مساحات وجودها، والشاعر يقترب من صيغة شوقي في كبار الحوادث، وإن انتهج نهجه الخاص الذى صنع فيه أسطورة النيل خلافا لشوقي الذى كان النيل لديه خلفية للمشهد يمنح الصورة بعدها التاريخي،محركا التاريخ شبيها بالنهر في تدفقه، مما يجعل النيل عند شوقي هامشا على صورة جعلها حسن طلب في عمق المشهد، رابطا النيل بالإنسان لا بالتاريخ، يقول حسن طلب:

النيل أقنوم الأزل

في البدء كان

وفي الختام يكون

إن النيل نيل خالص كدمى

حقيقي كأحلام الصبايا ” (  [29] )

  • قلت وقال النيل، ممثلا لحوارية بين النيل والذات، تقوم على الصراع أحيانا وعلى التفاهم أحيانا أخرى:

” النيل نيلا لم يزل

وأنا أميل الآن بين الضفتين الأوليين

وأهتدى

سأعود بين الضفتين وأعتدل”   ( [30] ).

  • النيل ليس النيل، مستهلا الصورة بالنداء المشخص للنيل:

” يا أيها النيل يارجائي

قضيت شيئا من القضاء

رويت غيرى بحر مائي

شفيت خصمي… فمن لدائي ” ( [31] ).

  • نيل السبعينيات يتحدث عن نفسه: وفيها يعتمد الشاعر على الرمز الذى يجعل النيل طارحا خطابه لهؤلاء الفانون والسادة والساسة والمستمصرون، طارحا بدوره وعى هذا الجيل صاحب الوعى الخاص سياسيا وشعريا، ومؤكدا على أسطورة النيل:

” لى مالكم من فطنة

لكنكم ليس لكم مالي من الجنون

فاحترسوا من فيضاني

وانظروا تجلياتي

لن تروني بمجرد العيون

وانتظروني حيث شئتم

إنني أوجد حيث لا أكون ” ( [32] )

  • الحاكمية للنيل ([33] )، مستمرا في طرح الأسطورة عبر مقولات النيل الكاشفة عن جوانب الوعى الأسطوري للنيل – إن صح التعبير – وتظل هيمنة النيل على النص عبر لغته الخاصة:

” الأولوية لي

نحت بضفتي الأبجدية

واتخذت حروفها جندا وأنفذت الجمل

الأولوية لي

وللأنهار ما قد يقرأ التاريخ في آثار حولياتها ” ( [34] ).

  • حركة، وتكون الفاصلة الأخيرة لمقولات النيل:

أوقفوا هذا الزمن

و أعيدوا وحدتي لي

وسلام الروح والأمن المواتي

و أعيدوا لي الكفن

و أتركوني الآن كي أحيا مماتي ” ( [35] )

أبعاد أخرى

  • النيل / الحلم

لم يتوقف تأثير النيل على الشاعر المصري  بفعل المعايشة اليومية وإنما تجاوزه إلى الشاعر العربي  في ارتباطه بالقاهرة بالدرجة الأولى، وهى السمة الغالبة على قصائد الشعراء العرب تعرب عن مصداقية الشاعر في رؤيته للقاهرة في اختزالها مصر والشاعر العربي الذى تمثل له القاهرة محط الرحلة تختزل مصر بالنسبة له في القاهرة ، مما يجعل الصورة تجمع بين القاهرة المدينة والنيل التاريخ وقد يكتشف قسوة المدينة فلا يتبقى غير ليونة النيل ونسماته القوية، وربما كان لعامل التوقيت أثره فالكثيرون ممن يزورون القاهرة من الشعراء العرب يزورونها صيفا فإن تشابهت القاهرة في مناخها مع مدنهم الأولى فإن ما يكون  عاملا للتغيير هو النيل الذى يتحول إلى حلم، يكون لاستراتيجية الحنين إليه الدور الأهم في تشكيل المشهد لدى الشاعر، وهى الرؤية التي يطرحها  الشاعر الكويتي على السبتى في قصيدته:” للنيل والقاهرة ” التي تقوم على خمس مقاطع تكون بمثابة الدرجات الصاعدة على السلم الدرامي، في أولها يحرق المسافات بقوة الحلم، ويستهلها بطريقة سردية يحدد فيها الزمان والمكان، فهو في بيته في الكويت يحلم بالقاهرة والنيل، وماخلو البيت الذى أتاحه سوى مساحة يملأها بحلمه، حيث يعمد إلى توسيع مساحة المكان ليكون متاحا لاستيعاب الحلم:

” الساعة العاشرة

والبيت خال من ضجيج الصغار

وفي دمى خيط نار

أحلم بالليل و بالقاهرة

أحلم بالشوارع المنورة

بالنيل يحمل الزوارق المنتثرة

فالموج أغنيات

” لننس عهدا فات

النيل جدنا الذى يمنحنا الحياة

النيل واهب الخيرات ” ( [36] )

وفي المقطع الثاني يروح يفسر ما يعنى له الهروب طارحا ما تعنيه القاهرة له إذ هو لا يهرب من مدينته بقدر ما يهرب من ثقافة الغرب التي يشير إليها بالجليد أو ما تعنيه هذه العناصر الجليدية من معانى الجمود والبرودة إلى الحيوية والحرارة، مستثمرا معانى التقوقع والجمود والضيق الكامنة في قواقع الجليد، وصولا إلى الشخصية المصرية بوصفها الشخصية الأكثر حيوية وانطلاقا :

” أحلم بالهروب من قواقع الجليد

فقد سئمت عيشي البليد

فقدت معنايا

من كثر شكوايا

أود أن أحطم الأسوار

وأركب الريح مع الأنوار

حيث الذين يعرفون كيف يمرحون

وكيف يجعلون من شقائهم سعادة

لأنهم قد خبروا مرارة الولادة…..( [37] )

ويستمر الحنين في المقطع الثالث مقتصرا على الشخصية ذاتها بوصفها وليدة حضارة مميزة، تكتسب تميزها من كونها مغايرة يرى الشاعر نفسه مرتبطا مع أفرادها أو كاشفا وشائج الارتباط بهم، مما يشى ببعد نفسى ضاغط يناوش الشاعر في حنينه:

” أحن للسواعد السمراء

لفتية بى منهم سيماء

أحن للهدى تشعه الكنانة

ليلق كل تائه أمانه ” (  [38] )

و يأتي المقطع الرابع مؤكدا على هذا الضغط النفسي الذى تأخذ الأمنية فيه فعل التطهر الدافع إلى المغامرة:

” أحلم بانطلاقة في ليلة غريبة

أغسل ما اعترى فؤادي المعذبا

أسمع لهفة من شرفة الحبيبة

تقول مرحبا

…….

…………

وهذه أمنيتي من ألف عام !” ( [39] )

وفي النهاية يعيدنا الشاعر إلى زمنه الراهن ولكنه يتجاوز مكانه منتقلا أو مستغرقا مكان الحلم، ومستبدله:”

الساعة العاشرة

وهذه مذيعة في القاهرة

تقول يا غريب الدار

الكل في انتظار

هنا يلاقى الحر أقرانه

يذيب أحزانه

هنا يعيش كل واحد كما يريد

فلا جليد لا صديد، لا حديد

هنا…

متى أضم القاهرة ؟

                            الكويت مساء 19/12/66    ( [40] ).

ويأتي ذكر تاريخ كتابة القصيدة ليطابق بين لحظة الشوق والتعبير عنها، ناقلا الدلالة من كونها لحظة تشوف وتشوف وحنين إلى لحظة تحقق للحلم.

النيل / الدور المصري

للوهلة الأولى يعتقد الباحث عن النيل في الشعر العربي أن الصورة تستقصى مداها في الشعرين المصري والسوداني باعتبار الطبيعة الجغرافية، ولكن تتبع الصورة خارج هذه المساحة تكشف عن أبعاد أخرى للنيل في الشعر العربي وتمتد خارطة الصورة على مساحة الشعر العربي في بلدانه المختلفة من المغرب غربا وأن النيل في الشعر العربي يحتل مساحة الشعر الجغرافية في العصر الحديث مما يكشف عن أبعاد قومية وانتماءات للنيل ثقافة وتاريخا وحضارة، ويعزز حركة النيل في القصيدة العربية وقدرة الشعراء على التفاعل مع معطياته الحضارية والقومية في المقام الأول، وفي هذا السياق يمكن رصد عينة كاشفة  من النصوص الشعرية العربية ، منها:

  • إبراهيم طوقان (فلسطين ) ( [41] ).
  • حسن عبد الرحمن (فلسطين ): قصيدة يقظة النيل.( [42] )
  • حسن عبد الله القرشي ( المملكة العربية السعودية ): النيل حين يثور ( [43] ).
  • طلعت الرفاعي (سورية ): النهر العاشق ( [44] ).
  • عبد الله الطيب ( السودان ): إلى الخرطوم ( [45] ).
  • عبد الله محمد جبر ( المملكة العربية السعودية ): القاهرة ( [46] ).
  • عبد الله مشعل بن زيد ( المملكة العربية السعودية ) : النيل ( [47] ).
  • على السبيتي ( الكويت ): للنيل والقاهرة ([48] ).
  • على محمد الحائري ( العراق  ): مصر ( [49] ).
  • فاضل خلف ( الكويت ): نفحة النيل ( [50] ).
  • مبارك المغربي ( السودان ): أخي في الشمال ( [51] ).
  • محمد بنيس ( المغرب ): موسم النيل ( [52] ).
  • محمد البوعناني ( المغرب ): نشتاق للنيل ( [53]).
  • محمد على شمس الدين (لبنان ): دفوف القمر ( [54] ).
  • محمود درويش ( فلسطين ): رحلة المتنبي إلى مصر ( [55] )، في مصر ( [56] ).
  • هاشم السبيتي ( الكويت ): أغنية لمصر ( [57] ).

ويلاحظ على صورة النيل عربيا الميل على ربط النيل بالقاهرة على مستوى العنوان كما في قصائد على السبيتي وعبد الله محمد جبر، وإنما على مستوى الصورة المشكلة عبر القصائد نفسها وفي إطار الصورة جامعة بين القاهرة والنيل لا يتوقف الأمر عند الشعراء العرب وإنما يتجاوزها إلى الشعراء المصريين الذين ربطوا بين العنصرين ( القاهرة – النيل ) ومن هؤلاء أحمد شوقي، وأحمد محرم، وإبراهيم ناجى، ومحمود حسن إسماعيل، وعلى قنديل ، وهو سياق يخلق صورة مقابلة ربط فيها الشعراء بين وفي مقابل القاهرة في ارتباطها بالنيل أو ارتباط النيل بها عند الشعراء العرب

موجة عابرة للأجيال

ما بين جيل الرواد للقصيدة العربية الحديثة، ممثلا في البارودي وحافظ وشوقي والأجيال التالية ممثلة في القصيدة الرومانسية ثم القصيدة الواقعية يتواصل حضور النيل،عبر أشكال متعددة الدلالة، متنوعة الأدوار،  وإذا كانت شعرية النيل قد تجلت بشكل واضح ومألوف عبر القصيدتين: العمودية، والتفعيلة، وعبرت عن نفسها في الكثير من الأشكال والموضوعات فإنها ظلت تتواصل كاشفة عن تجلياتها في قصيدة النثر ( [58]) وعلى الرغم من أن القصيدة العربية في مراحلها المختلفة تجاوزت نظام التعامل التقليدي مع النيل بوصفه موضوعا خارجا عن نطاق الذات يتناوله الشاعر أو تعبيرا عن ذاته بوصفه موضوعا معبرا عن الذات في بعض حالاتها، وعلى الرغم من تحلل القصيدة الأحدث من التعالق بالواقع المتعين فإن قصيدة النثر في بعض وجوهها تعيد العلاقة بالواقع وإن اختلفت وظيفته في سياق القصيدة.

في قصيدته ” نيل على نيل ” يربط الشاعر بينه والنيل جامعا بين طرحين: طرح مداره الذات، وطرح مداره النيل وهما معا يمثلان طرحا وجوديا، والشاعر يستهل بطرح النيل في علاقته بالذات أو في تداخله معها:

النيل متكئ على سببي

و أسبابي رؤى

نزفت مواقعها رواء مواقعي

ألقا يلائم سدرة الرؤيا ” ( [59] )

ولا يفتأ الشاعر يجمع بين النيل والذات عبر هؤلاء العشاق في تعبيرهم عن الذات في انتمائها لهم:

” ليت المترعين صبابة

يستبضعون شوارد الذكرى

إلى النيل المخضب باشتعالاتى ” ( [60] )

ويظل الشاعر يراوح بينه والنيل حتى يصل إلى مرحلة المزج الكامل عبر تعبير جديد ” أنا النيل ” ذلك التعبير المطروح نتيجة للربط عبر ضمير المتكلم المتكرر مرتين بصيغتين مختلفتين على حد ما:

  • النيل متكئ على سببي
  • إلى النيل المخضب باشتعالاتي ، حيث الصياغة تثبت النيل عنصرا له قيمته وتغير الذات عبر تجلياتها المتغيرة، ذلك التغير المبنى على تغير الصيغة على النحو التالي:
  • مبتدأ ( النيل ) +خبر (اسم فاعل )+ شبه الجملة ( متضمنة ضمير المتكلم المتصل بمفرد مسند للذات ).
  • مجرور ( النيل )+صفة (اسم مفعول )+ شبه الجملة ( متضمنة ضمير المتكلم المتصل بجمع مسند للذات ).
  • مع ملاحظة أن اسم الفاعل المسند للنيل في الجملة الأولى نكرة، وفي الثانية معرفة، وهو ما ينتج عنه ذلك الصراع بين قوتين ليس الارتباط بينهما سوى شكل من أشكال الصراع ، ولكن الصراع يأخذ منحى آخر حيث تعلن الذات انتماءها للنيل لتكون شهادة من الذات بماهو للنيل وحيث الذات تكتسب نوعا من القدسية بهذا الانتماء:

” أنا النيلي

أشرق في سماوات

تنازع أمرها القديس والوثني

بينا الله في ملكوته السامي

يعلم آدم الأسماء

ن

 ى

   ل ” ( [61] )

وتروح الذات تعدد سمات النيل متدرجا من الصفات وصولا إلى الوظيفة:

  • نيل حائر

في أبجديات تغشت بالزوال “

  • نيل

يؤسس ماعسى يبقى

من الوطن الجماد ” ( [62] )

ينتقل بعدها إلى تبيان الفارق بين “النيل والنيلي” وناقلا المعرفة  إلى الآخر من خلال فعل الأمر ” قل”:

” قل:

هو النيل انتشاء غامض

حلم تراوغه المواسم

بينما النيلي

يزجى في عيون الأفق موسيقى

يعيذ نيازك الأفكار بى منى

يسيج في مداي سنابل التكوين ” ( [63] )

ويعود الشاعر لطرح النيل بوصفه عنصرا خاصا بالإنسان، جامعا بين الاثنين في صور متعددة:

نيل على نيل

ويهدى من يشاء

لنيله الإنسان

آلاء

توشوش بهجة الأمواج

تختطف المجاز

من اشتعال رائع..

…….

هل يستميل النيل

سندسة المجاز إلى

في وطن يراوغه الخضار ( [64] )

ثم ينهى الشاعر قصيدته بصورة دائرية، حيث يعود النيل ألقا استهل به الصورة الكلية ، طارحا ما يشبه المعادلة، فالألق الذى انتمى للإنسان في البداية أصبح هو النيل، في حركتين متتاليتين متدرجتين، ربط فيها أولا بين النيلي والألق:

” والنيلي مستلق

على ألق الفصول ” ([65] )

ثم يربط بين النيل والألق بوصفهما حقيقة يجب أن تعرف ( لاحظ فعل الأمر في دلالته على الوجوب والإلزام ):

” قل:

هو النيل ائتلاق

واحتراق

وائتلاق

واحـ…/ تراقصه

قناديل التوحد

في مساء مفعم بالتوق

يا أرج الغواية

قل: هو

النـ

ى

ل…! ” ( [66])

دلاليا  لعب النيل  أدوارا لها قيمتها في إطار القصيدة العربية، معبرا عن الانتماء للوطن، والوطنية، والتعبير عن رصد الحياة السياسية والاجتماعية في مصر، وربط مصر تاريخيا وإنسانيا بالوطن العربي والعالم.

لم يكن النيل على مستوى حضوره مجرد مفردة أو صورة تتدرج من الجزئي إلى الكلى، وإنما كان للنيل حضوره على مستوى تشكيل القصيدة وعلى مستوى تلوين  موضوعاتها، وعلى مستوى رموزها الدالة.

…………………

هوامش وإحالات

[1] – اشتهرت في هذا السياق أغان كثيرة منها: عطشان يا اسمرانى محبة  كلمات: مرسى جميل عزيز، وغناء: نجاة الصغيرة، النيل نجاشى حليوة يا اسمر، كلمات أحمد شوقي وغناء عبد الوهاب، ورائعة محمود حسن إسماعيل النيل،التي تغنى بها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.

[2] – يراجع في ذلك:

– د. محمود رزق سليم: النيل في عصر المماليك – دار القلم – القاهرة 1965.

– أنطون ذكرى: النيل في عهد الفراعنة والعرب – القاهرة – د.ت.

[3] – تجاوز اهتمام الشعراء بالنيل نطاق الأدب العربي إلى الأدب الإنجليزي، يشير محمود حسن إسماعيل في ختام ديوانه ” أغاني الكوخ ” إلى تنافس ثلاثة شعراء إنجليز (ليهنت – كيتس- شيلي) في نظم أغنية عن النيل:” وكتب كل منهم أغنية شبب فيها بالنيل ومجده وسحره الخالد، حتى لقد قال ليهنت: ” إنني أسمع وسط خريره العذب ضحكات كليوباترة وأصداء سلطانها العظيم “،انظر: محمود حسن إسماعيل: الأعمال الكاملة – دار سعاد الصباح- القاهرة 1993 ص 181.

[4] – أحمد محرم: ديوان محرم – مكتبة الفلاح – الكويت 1984، جـ 1، ص 662.

-[5] جليلة رضا: اللحن الثائر – مكتبة مصر – القاهرة – د.ت، ص 95.

[6] – جليلة رضا: الأجنحة البيضاء – دار مصر للطباعة – القاهرة – د.ت، ص 67.

[7] – محمد أبو المجد: ورد الصمت – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 1995، ص 21، 69.، واعتمدنا في بقية الشعراء على موسوعة الشعر العربي الالكترونية.

[8] – بركة محمد. شاعر مصري حديث، كان وكيل بمصلحة التلغرافات والتليفونات المصرية.له ديوان شعر.

[9] – أمل دنقل: الأعمال الكاملة – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 1998، ص 231.

[10] – السابق ص 232.

[11] – السابق ص 233.

[12] – فاروق شوشة: سيدة الماء – الأعمال الشعرية الكاملة – المجلد الثاني – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2004، ص 219.

[13] – السابق ص 220.

[14] – السابق ص 220.

[15] – السابق ص 221.

[16] – السابق ص 221.

[17] – السابق ص 222.

[18] – درويش الأسيوطي: من فصول الزمن الرديء- مركز الحضارة العربية للإعلام والنشر – القاهرة 1994، ص68، وللشاعر قصيدتان أخريان:

– محمود والنيل، ديوان:  أغنية رمادية  – الهيئة العامة للكتاب ـ القاهرة  1987 ـ ص 52.

– علمتني المواسم – ديوان: من أسفار القلب  ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ القاهرة 1994 ص 37.

– نهر – ديوان:من أسفار القلب  ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ القاهرة 1994 ص 57.

[19] – درويش الأسيوطي: من أسفار القلب  ـ الهيئة العامة لقصور الثقافة ـ القاهرة 1994 ص 85.

[20] – على قنديل: الآثار الشعرية الكاملة – مركز إعلام الوطن العربي – القاهرة 1993، ص 94.

[21] – على زين العابدين: عاشق الفجر – طبعة خاصة – 2007، ص 51.

[22] – ابن أبي البشر? – 465 هـ / ? – 1072 م علي بن عبد الرحمن بن أبي البِشر الكاتب الصقلي البلنوبي الأنصاري. أديب وشاعر من القرن الخامس الهجري أصله من صقلية، هاجر منها الى مصر بعد احتلال النورمنديين لصقلية، في أيام وزارة اليازوري بمصر بين 442 – 450هـ، وقد مدحه في شعره  ومدح ابن حمدان وابن المقفي وابن المدبر ورئيس الرؤساء وعز الدولة واتصل فيها بأبي سليمان بن هبة الله الكاتب وهو من شعراء الخريدة، وكان من تلاميذه علي بن الحسن الدومراوي وعمر بن عيسى السوسي..كان أبوه أبو القاسم عبد الرحمن مؤدباً للتجيبي أبي طاهر بن أحمد بن زيادة الله. وأخوه أبو محمد عبد العزيز بن عبد الرحمن كاتب مبرز وشاعر مفلق.

[23] – حافظ إبراهيم: ديوان حافظ إبراهيم – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة 2007، ص 110.

[24] – عبد الرحمن الرافعى: شعراء الوطنية في مصر، تراجمهم وشعرهم الوطنى والمناسبات التي نظموها فيها قصائدهم – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2008، ص 177.

[25] – أحمد محرم: ديوان محرم – مكتبة الفلاح – الكويت – 1984، الجزء الأول، القسم الثانى ص 503.

[26] – السابق ص 116.

[27] – حسن طلب: لا نيل إلا النيل – دار شرقيات للنشر والتوزيع – القاهرة 1993، ص 7.

[28] – السابق ص 9.

[29] – السابق ص 11.

[30] – السابق ص 23.

[31] – السابق ص 37.

[32] – السابق ص 43.

[33] – نشرت القصيدة بعنوان ” صلوات للنيل ” – مجلة إبداع – العدد الثامن – أغسطس 1992– ص 4.

[34] – السابق ص 61.

[35] – السابق ص 85.

[36] – على السبيتي: بيت من نجوم الصيف – شركة الربيعان للنشر والتوزيع – الكويت – الطبعة الثانية 1982، ص 157.

[37] – السابق ص 157.

[38] – السابق ص 159.

[39] – السابق ص 160.

[40] السابق ص 161.

[41] – ومطلع قصيدته: رَوضنا مِن رِياضكم فينان       وَثَرانا مِن نيلكُم رَيانُ.

راجع الموسوعة الشعرية الالكترونية – المجمع الثقافي – أبو ظبى – الإصدار الثالث.

[42] – معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين.

[43] – حسن عبد الله القرشي: المشي على سطح الماء – دار الشروق – القاهرة 1994، ص 91.

[44] – طلعت الرفاعي: حسناء قاهرتي – منشورات د. طلعت الرفاعي – القاهرة 1990، ص 247.

[45] – معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين – مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعرى – الكويت –ط 1، 1995-  المجلد الثالث ص 338.

[46] – معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين – مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعرى – الكويت – ط 1، 1995 ( مج 3 ) ص 401.

[47] – معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين – مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعرى – الكويت – ط 1، 1995-  المجلد الثالث ص 404.

[48] – على السبيتي: بيت من نجوم الصيف –  مصدر سابق.

[49] – معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين – مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعرى – الكويت – ط 1، 1995-  المجلد الثالث ص 630.

[50] – فاضل خلف: على ضفاف مجردة – الكويت – د.ت، ص 135.

[51] – معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين – مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعرى – الكويت – ط 1، 1995-  المجلد الرابع  ص 106.

[52] – محمد بنيس: الأعمال الشعرية – دار توبقال للنشر – الدار البيضاء – ط 1- 2002،الجزء الأول  ص 428.

[53] – معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين – مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعرى – الكويت – ط 1، 1995-  المجلد الرابع  ص 184.

[54] محمد على شمس الدين: الأعمال الكاملة – دار سعاد الصباح – القاهرة 1993، ص 657.

[55] – محمود درويش: حصار لمدائح البحر – منشورات عويدات – بيروت ص 37.

[56] – محمود درويش: الأعمال الجديدة ( لا تعتذر عما فعلت ) – رياض الريس – بيروت 2004، ص 123.

[57] – معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين – مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعرى – الكويت – ط 1، 1995-  المجلد الخامس –  ص 131.

[58]– يؤكد هذا النموذج تواصل شعرية النيل من زاوية أخرى يحققها النموذج بوصفه ينتمى لشاعر شاب والقصيدة من ديوانه الأول ” سدرة الوصل.. شهوة الموصول “، والشاعر له ثلاثة مجموعات شعرية:

  • سدرة الوصل.. شهوة الموصول – الهيئة العامة لقصور الثقافة – القاهرة 2006.
  • طلع المحبة – طبعة محدودة – القاهرة 2006.
  • كتابة تخصنى – دار الحضارة للنشر – القاهرة 2008.

[59] – هشام محمود: سدرة الوصل.. شهوة الموصول  – ص 117.

[60] – السابق نفسه.

[61] السابق ص 121.

[62] – السابق ص 122.

[63] – السابق ص 123.

[64] – السابق ص 124.

[65] – السابق ص 125.

[66] – السابق ص 126.

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
ترقينات نقدية
د. مصطفى الضبع

تناغم (23)

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
ترقينات نقدية
د. مصطفى الضبع

تناغم (22)