النرجسي

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد الرحمن أقريش
وقف يحلق ذقنه بكثير من العناية والمتعة، عندما انتهى، أعاد حركة الموسى صعودا وهبوطا، مرر أطراف أنامله الرفيعة على بشرته الملساء، ثم عندما اقتنع أخيرا أنه حليق كما ينبغي، وجه بخاخ العطر إلى وجهه، رش العطر على دفعات قوية، أغمض عينيه، أحس بالحرارة تخترق مسام وجهه الصقيل، تقلصت عضلات وجهه بشكل تلقائي…

فتح عينيه، نظر لصورته في المرآة، بدا شابا وسيما، تملكه شعور بالسعادة…

ثم انتبه فجأة لشعيرات الشيب في مفرقه، تأملها، رفع رأسه إلى الأعلى قليلا، نظر للتجاعيد في عنقه، وإلى الخطوط الرفيعة الداكنة في محيط عينيه…
انمحت ابتسامته تدريجيا…

انخرط في لحظة بياض قوية، عاد الماضي فجأة، قويا مثل نهر جارف، استعاد بداخله شريط حياته في صور سريعة ومتلاحقة، صور بالألوان، بالأبيض والأسود، بالرمادي.

لسنوات وقع في غرام شاربه الطفولي، شارب أشقر خفيف، ثم تخلص منه ذات يوم من أيام الزمن الجميل…

لسنوات طويلة كان ضحية لنرجسية مزمنة.


انفتح الباب، وقفت مندهشة، تنظر إلى باقة الورود بين يديه، تنظر إليه وكأنها لا تصدق أنه هو، ابتسمت، احتضنته، طبعت قبلة خفيفة على شفتيه، انمحت ابتسامتها، تراجعت خطوة إلى الوراء، توقفت للحظة تتأمله، تتأمل شاربه، قطبت، رسمت ابتسامة امتعاض، ثم أشارت إليه وقالت.
– لم فعلت ذلك؟ إنه أمر فظيع… !!
كانت تلك الجملة حاسمة، انتهت معها سنوات شاربه الطفولي، وحلت محلها سنوات أناقة ملساء.


فكر في صمت.
– لم تعد شابا… أنت رجل خمسيني الآن… وتشرف على الحياة من الجهة الأخرى !!
ثم في نوع من العزاء.
– ومع ذلك، فأنت شاب رغم كل شيء…روحك شابة !!
تذكر كيف ينخرط كل مرة في عمليات حسابية، كلما وجد نفسه أمام حاسبة إلكترونية، يطرح، يقسم، يجمع، ليقف كل مرة أمام الرقم الحقيقي لعمره، متتالية حسابية تكبر أحيانا بسرعة، تكبر أحيانا ببطء، ولكنها لا تتوقف أبدا…
تذكر كيف اختار بعناية إطارات جميلة لصوره الشخصية، واكتشف فيما بعد أنها تعود لسنوات خلت، صور يظهر فيها شابا في مقتبل العمر…

يتساءل دوما.

– أهو اللاشعور ؟ أهو الحنين لطفولة أبدية ؟ أهو الأمل بالمعنى الفلسفي والديني ؟ أهي الرغبة في الخلود وفرملة الزمن ؟
لا يدري.


لسنوات كان الأمر أشبه بلعبة.
تمتدح النساء نضارته المتجددة، يجاملنه، ويراهن دائما على رقم صغير، أصغر بكثير من عمره الحقيقي…

يشعر بالرضا، ينظر إليهن بامتنان، وفي الأخير يعلن الرقم الحقيقي، ويسمع تعليقاتهن.
– أوووه…إنه أمر لا يصدق …

– لا لا، أنت تبدو أصغر من ذلك بكثير !!
لطالما استحضر فكرة الموت وتجربة الحدود القصوى، هو لا يخشى الموت، الآن على الأقل، رغم كل الغموض الذي يكتنفه، يظل الموت في نظره أقل قسوة من بؤس الحياة وأفاعيل الزمن، الموت أرحم من الشيخوخة والعجز والمرض !!

عندما عاد إلى نفسه، صفف شعره، عدل ياقة قميصه، ألقى نظرة أخيرة على المرآة، تذكر الموعد، ابتسم، نظر إلى ساعته اليدوية، غادر خفيفا، خاطب نفسه بصوت مسموع.
– نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا !!

 

مقالات من نفس القسم