الحب أعمى

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد الرحمن أقريش

الرباط.

مدينة العرفان، الحي الجامعي السويسي.

خريف 1989.

ليلة هادئة، جميلة، تكاد تكون شاعرية، يظهر القمر ويختفي وراء بقايا سحابات عابرة، تهب ريح خفيفة من الجنوب، تهب معها زخات مطر باردة، أرفع بصري إلى الأعلى، أستشعر برودتها على وجهي، أنتعش، تنتعش روحي، أسمع حركة الأشجار، أمشي، أسمع خطواتي على الممر الحجري، وأسمع تحتها صوت انكسار أوراق الخريف الجافة…

يبدو الممر طويلا ومقفرا، والحديقة تغرق في صمت رهيب…

كنت في منتصف الطريق، عندما لمحت ظلالا لجسدين متلاحمين، كنت منتشيا، لذلك اعتقدت في البداية أنها خاطرة، أو هلوسة، أو صورة ذهنية دفينة طفت على السطح…

توقفت للحظات، أتبين الموقف.

طالب وطالبة من شباب الجامعة، ضريران، يجلسان على العشب الأخضر غير بعيد عن الممر، يتبادلان القبل، يتعانقان، يتمايلان، وينخرطان في احتكاك جسدي قوي، متناغم، لذيذ ورهيب.

بين الحين والآخر، ينفصلان، يتوقفان في وضعية جامدة، يتهامسان، يسترقان السمع، ينظران بعيدا في اتجاهين متعاكسين، فيبدوان مثل تمثالين…

ثم، يعودان إلى العناق والقبل…

كانت الريح تهب على دفعات منتظمة، وتحمل معها ما تبقى من زخات عابرة…

فكرت أن أمضي.

ولكنني، ولسبب ما أجهله، قررت أن أبقى.

جلست هناك على أقرب مقعد خشبي، أشعلت سيجارتي، ورحت أمتص رحيق اللحظة وأستمتع بالمشهد…

للحظات، تملكني شعور غريب، نوع من الهدوء والمتعة واللامبالاة، بدا الأمر كما لو أنني أشاهد فيلما، أو أقرأ في كتاب.

مرت ساعات…

غاب القمر تدريجيا، اختفى، وراحت الحديقة تغرق في ظلام مطلق، أخذت نفسا عميقا من سيجارتي ما قبل الأخيرة، سحقتها، أشعلت أخرى وانسحبت بهدوء.

غادرت وأنا أفكر.

– الحب أعمى…إنه أعمى حقا…

مقالات من نفس القسم