اختلال

اختلال
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد عبدالرحيم عبدالله

قالوا لي أن أضع يدي في جيبه وأن انتبه حتى لا يشعر. جلست بجانبه بعد أن أنهضوه ليجلس على حافة السرير استعدادا للخروج. أحد أطراف جلبابه علق أثناء نهوضه بوسط ساقة الوحيدة، أما الطرف الآخر فقد انثنى مع انثناء الملاءة. ولنحافته اتسع جلبابه عليه، فارتمي جيب جلبابه على السرير فلم يشعر ويدي تخرج علبة السجائر وتعطيها لهم بعد أن أسندوه ورفعوه على حمارته خارج البيت.

*** 

حملت الريح ما كنسته في القرى المجاورة وألقته في قريتنا.

في الصباح، بدأت البهائم في أكل الأكياس والأوراق، وفي المدارس ألغوا الطابور وبدء التلاميذ في كنس الحوش. كل شيء كان مغطى بالغبار. بسبب ذلك لم أذهب إلى المدرسة لعلة بصدري. إلا أني صعدت خلسة إلى سطح البيت وبدأت أرسم بأصابعي على الغبار الذي يغطيه. كانت أشعة الشمس مليئة بذرات الغبار. كنت أتنفس وضيقا بصدري. من أعلى رأيت أهل القرية ينظفون داخل وخارج البيوت. كانت أمي تبحث عني واهتدت إليّ  بسبب شدة سعالي، الذي لم ينقطع إلا بعد أن جذبتني من يدي إلى غرفة الخزين ووضعتني في ركنها بجوار جدي الجالس على حصيرة ومتكئا على مخدة مسندة إلى الحائط. خرجت وأسدلت الستارة خلفها وبدأت في كنس البيت.

بدأ يلاعبني مخبئا وجهه بكلتا يديه ثم يباعد بينهما فجأة، ويظهر على وجهه الفرح. لم يكن يرتدي نظارته التي كلما اقتربت منها يبعد يدي عنها. لم أضحك له. حرك اصبعيه على الأرض، السبابة والوسطى. كانا يتحركان كساقين واحدة تلو الأخرى. لم أهرب جريا حين اقتربا مني إلى الركن كما كنت أفعل سابقا، فرفعهما عن الأرض. أخرج من جيبه قطعة حلوى مغلفة بكيس بلاستيكي شفاف. أمسكتها بيدي بعد أن رفضت طلبه أن يخرجها لي. لم أستطع أن أخرجها بأصابعي، فاستخدمت أسناني وفشلت. لعابي جعلها مبللة فكانت تنزلق من بين أصابعي ورفضت طلبه مجددا. ضممت أسناني عليها فكُسر جزء صغير منها. ضغطت بسنتي في هذا الجزء فنخلع الغلاف، وسقط الجزء الصغير على الحصيرة. لم يتمكن من أن يتكئ على يده ليرفعها لي بسبب احتكاك قدمه المقطوعة بالأرض. فرفعتها له ووضعتها في فمه. أخذني بين ذراعيه ودمعت عينيه. بعد فترة انسالت من بين يديه، كان نائما.

أدخلت يدي في جيبه، لم يتحرك. أخرجت ما بها، كانت النظارة. أزحت الستارة بهدوء. لم يكن من الممكن أن أذهب إلى المرآة لأرى نفسي وأنا أرتديها، حتى لا تراني أمي. خرجت من البيت أتنفس غبارا، جريت ناحية الترعة مجتازا الغيطان دون أن أتوقف. سعلت بشدة، فتوقفت خلف نخلة حتى لا يراني أحد. اقتربت من الترعة. وقطعت من شجرة صفصاف فرعا، ومشيت على المجرى الأسمنتي الذي يربط جانبيها، كان ضيقا يتسع لقدم واحدة. رفعت قدامي أضعهما واحدة أمام الأخرى، أتقدم ببطئ. في منتصفه انحنيت ضاما ركبتاي إلى صدري المتحشرج. حركت فرع الشجرة في ماء الترعة فأزاحت أوراقه الغبار والورق المتساقط عليه، فجلي وجه الماء. رأيت وجهي يتموج على سطحه وأنا أرتدي نظارة جدي. بعد ذلك وكنت قد حركت ماء الترعة كثيرا رميت الفرع ليأخذه التيار الذي أحدثته. أملت وجهي بعيدا كي أرى اتساع عيني كما كنت أرى اتساع عيناي جدي. فسقطت النظارة في الماء وغاصت.

ــــــــــــــــــــــــ

*قاص من مصر

مقالات من نفس القسم