لماذا تبتسم بهذه السعادة ؟، بهذه السذاجة؟ ، بهذا الهطل؟ كأنها على موقع ” أريد عريسا، ابتسامتها زاعقة ، مزدحمة ، تماما كالشوارع ، كالحياة، حيث يمكن أن نكتب في مديح الكلام البذيء وطاقته الكونية، و حيث يمكن لأي شخص أن يكون أي شيء. تسقط في هوة ابتسامتها التي تمتد على خط مستقيم مع ابتسامة السلفي لطالبات الجامعة في الاتوبيس النهري أو رحلة القناطر.. الفتيات القادمات من التخوم ، قبل أن تحولهن تعليمات “فؤاد المهندس” إلى “سيدتي الجميلة” .
تقرر: الابتسامة لا تليق بالمفكرين، لا تليق الكتاب، إلا أن تلتقط لهم صورة الابتسامة أو الضحكة على غفلة منه ، للتدليل على إنسانيتهم، ونزولهم من جبل الآلهة حيث الأرباب تقيد شفاههم مآسي العالم فلا تنفرج إلا عن تنهيدة أسى.. ضحكة يوسف إدريس الصاخبة ورأسه المائل للخلف، تماوج خصلات شعره الذهبية مع متابعة الجزع العلوي من جسده لمسارات الضحكة ، بينما يديه متشابكتين فوف ركبتيه. قهقهة نجيب محفوظ المباغتة، استناده لعصاه حتى لا يطير جسده النحيل من السحر والخفة .
عليها أن تحدد ما ستفعله بوجهها ، كيف ستشكل عضلاته؟
فكرت أن الابتسامة المباشرة للكاميرا تليق بفتاة دون البلوغ ، صغيرة ، غافلة ، لم تعاني من تأثير الهرمونات على الروح ، والجسد، لم تختبر الشقلبة وألعاب الحواة، لم تركب الدوامة الأفعوانية سوى في دريم بارك ، ويمكنها فقط أن تختبر عدم الاتزان في “مول مصر” عندما تذهب للتزلج على الجليد المصنوع في القاعات المبردة بتذكرة ت قيمتها خمسمائة جنيه.
الضحكة والقهقهة تليق بشابة “عايزة” تستعرض تماسك ورشاقة ساقيها، لكن “الست” قالت لشاعرها أحمد رامي ” الست المحترمة في بلدنا ” لا تقول عايزة” فسمعناها ” “بدي أشكي لك من نار حبي “، “بدي” اختصار بودي ، أتمنى، الأشياء المعلقة في الهواء، بين بين، التفاحة التي لا تسقط بإرادتها لكنها الجاذبية، القدر الذي لا يقاوم وهي تحاول أن تستر عريها بيديها، بينما ابتسامتها وضمة ساقيها و انثناء الركبتين توقد خيالات المشاهدين.
الابتسامة الغائمة تليق بالحكماء الذين يعرفون أن الملائكة كانت تمتلك من البصيرة وما لا تدرك هي عمقه وأن ما قالته صار لعنة أبدية ، ” أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟” أيهما أسبق اللعنة أم الرحمة؟ ، نظرة خاطفة على الصفحة الأولى لأي جريدة محلية ستقضي على أي أمل أو ابتسامة متراوحة.
الابتسامة العريضة الواثقة خالية البال تليق بالنجوم، تليق بمن يحملون بشارة الفرح والبهجة . تليق بقبطان سفينة، الأسنان القوية البيضاء المفرشة بمعجون أسنان في توده، تنشر الطمأنينة في القلوب الواجفة ، توازن اهتزازات الماء، تأخذك لكهف دافئ، وتقف حارسة لك من ذئاب العتمة وأفاعي الجحور.
تحاول أن تضبط عضلات فكيها وتبسط شفتيها عن ابتسامة تليق بنجمة مع نكهة سحر كاتبة. لا تنضبط الابتسامة كما تريد، تنحرف زاوية الشفتين قليلا إما أعلى أو أسفل. تعبت من التجريب ، عقدت حاجبيها وجبهتها .. التكشيرة تليق بالأشرار في أفلام الأبيض والأسود، وليس في زمن الألوان، سخرت من نفسها، أعجبتها نظرة عينيها الساخرتين. أدركت مرادها في الابتسامة المعلقة على زاوية الفم، الابتسامة الساخرة المستهينة، ابتسامة مخايلة، موجهة للذات أكثر مما هي للرائي. ضغطت على الزر وأرسلت وجهها الجديد لموقع الكتابة الثقافي.