نخل ضياء.. شجر العشرين

مريم حسين
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

مريم حسين

أدارت وفاء التليفون المحمول الصغير أبو زراير لتتحدث فيه من الخلف. هكذا تسمع الصوت أوضح، وهكذا سمعت الرسالة المسجلة أن الهاتف المطلوب ربما يكون مغلقا وسبّت الدين لنادية.                 

اتكأت وفاء على جزع النخلة الضامرة وهي تصعد الرصيف المدهون حديثا. حَجَر أبيض وحَجَر أسود. وبين اليمين واليسار يمتد رصيف عشبي عرضه متر ونصف يقطع شارع فيصل. حيث أقامت   نصبة الشاي وسط الرصيف عند محطة شارع ضياء، معتمدة بشكل أساسي على لقمة عيش تبدأ في السادسة صباحا.                                                                                            

يوم أن قررت اقتناص هذا المكان أوصت طلعت بائع الروبابيكيا بأن يستلقط لها كرسي أنتريه وعين بوتاجاز كبيرة بعض الشيء تتحمل بستلّة مياه متوسطة الحجم. كما نفخت في سيد جارها وهي تدعوه برئيس الحتة الدكتور سيد أن يعرفها على مسؤل الفردة في محطة ضياء، كي تُأمّن مكانها وتحجزه.

يجلس حولها كل صباح مابين عشرين لخمسة وعشرين عاملا تعرف أسماء معظمهم، يتناثرون حولها في ملابس مترّبة واسعة دائما وشبه بالية. قمصان وبناطيل أو جلاليب أسفلها بناطيل يبرمون عماماتهم بحنو يجعلها سهلة التحريك. معظم الوقت يجلسون في وضع القرفصاء يحدقون في أطر السيارات التي تتحرك حولهم بلا مبالاة، سود الوجوه إثر لسعات الشمس المستمرة، وأمام كل منهم أدواته شاكوش ومطرقة وأجنة وأزميل مربوطين بقماشة قوية معا، كل يمسك في يده كوب شاي من عند وفاء، حتى أكواب الشاي الكبيرة كانت تغوص في ضخامة أصابعهم وكفوفهم الصلبة الداكنة. لعل كل منهم كان يعلم جيدا أنه إذا جذب رباط عِمّته قليلا لفقأت رأسه.

يتلطّعون حول وفاء كنبتات صبار كئيبة غارقة بالتراب وسط النخيل العجوز والحشائش الباهتة. تجلس هي وسطهم على كرسي أنتريه من موديلات الثمانينيات بتلاثة رجول والرابعة عبارة عن رصّة قوالب طوب. على الكرسي مرسوم ورد كبير أحمر وبنفسجي ووردي باهت، بمرور الوقت تلاشت الألوان تحت طبقة سواد وجلخ جلّدت القماش. تملأ وفاء البستلة بخرطوم من حنفية ريّ الحديقة، تشعل العين وتضع البستله عليها، تحاوط النار بألواح أبلكاش تفاديا لتيارات الهواء. تجلس على الكرسي يجاورها لوح خشب كبير أبيض ونظيف، تتراص عليه الأكواب لامعة مقلوبة وثلاثة جراكن متوسطة الحجم، جركن سكر وجركن شاي وجركن بن، تقطع رأس الجركن وجزء بسيط من مقدمته وتغرس به ملعقة مقعّرة بيد طويلة، تتمم على البرطمان الزجاجي الكبير الممتلئ بأعواد النعناع الخضراء الزاهية. تجرّ ناحيتها جردل بلاستيك به ماء بصابون وجردل آخر به ماء فقط. تشرع بهدوء في صنع أكواب الشاي للعمال المنتظرين فرج الله، في نفس التوقيت عند النخلة التالية لنخلة وفاء تجلس نادية تصنع بينما تصنع سندوتشات الفول والجبنة والحلاوة.

لكن نادية تأخرت اليوم وبكل هذا التأخير والهاتف الغير متاح، شرعت وفاء في ظن الظنون بخصوص ما حدث بالأمس.

يسألها الرجال الجائعون عن نادية وهل ستأتي أم يذهبون لتناول الإفطار عند عربة الفول. لم تعرف بماذا ترد، خاصة وأن سيد لم يبت أيضا في بيته أمس. تحيرت وفاء وهي تسأل نفسها: ولم ستأخذهم الحكومة، هما بعيدين عن الموضوع، أم أخذوهما كشهود؟

من يومها نادية وهي تعير اهتماما لفعل الإشباع، ملء البطون. تركت كرداسة بعد فشل زيجتها الثانية حيث لم يشفع لها جمالها ولا شهوتها المستمرة في تحمّل عقمها. نطقها الزوج آسفا، إنها تطلبه كثيرا وهذا ظلم، فهذه مياه تلقى على الأرض هدراً. ابتلعت عجزها وأخذت أمها وذهبت من كرداسة بحالها، فقر بفقر يبقى نعيش براحتنا. استقرتا في شارع يقع بين ترسا والهرم عند محطة شارع العشرين أو جامع السلام، سكنتا غرفة بحمام في بيت مكون من دورين، الدور الأرضي عبارة عن فرن أفرنجي كبير يعلوه دور يستخدمه المالك كمخزن دقيق، وبتقلص الإنتاج قسم صاحب البيت المخزن نصفه غرفة خزين ونصفه سكن لمن يقدر على تحمل صهد الفرن.

تحمّلت المرأتان، وبمرور الوقت صادقت نادية السيدات في المنطقة، وعملت جدولا طبقا لظروف كل سيدة منهن لتنظف لها شقتها، وإن غابت زوجة بواب تتولى هي مسح السلم وإحضار الخضار، لكن عيون نادية العسلية المائلة للاخضرار زاغت على شارع الهرم، أبهرتها نظافة الشارع والحديقة الكبيرة المجاورة لجامع السلام، وضخامة مبنى داري البنفسجي وشكل تصميمه الأسطواني. فكانت كلما تجد وقت فراغ، تذهب لتجلس في الحديقة ذات الاشجار الكثيفة والصبار الملون. تجلس تتسلى بتناول اللب أسفل أكبر شجرة في الحديقة تشاهد الغادي والرائح، تراقب الفتيات في الكافيهات المجاورة، والنساء الشيك في عزاءات الجامع، أضواء السيارات الملاكي التي تجمح ليلا عندما تهدأ حركة  الشارع وتخرج من شبابيكها أصوات موسيقى عالية وضحك صاخب. تطيل النظر للزينة الخاصة بكل كافيه حيث تتخلل الأشجارأمام مداخله خيوط إضاءة صفراء داخل وحول الشجر، حتى يكاد يتحرك ويراقص بعضه من فرط الطاقة، بينما تحاصر الأرصفة أشرطة أنوار نيون حمراء وزرقاء توقد وتنطفئ بانتظام. قررت نادية الإسهام في المشهد. أحضرت صاجا وفحما وبعض أكواز الذرة. واستقرت أسفل الشجرة الكبيرة. أوقدت جمرها وجلست وسط أوراق الشجر والزهر الأصفر الذي يتساقط حولها طوال الوقت. تشاهد الشارع والناس وتُشبع العابرين. حبات الذرة عنيدة لا تهضم بسهولة بل تصطف حبة فوق حبة من الجوف إلى الحلق. كل حبة تنتظر دورها في الهضم ببطء فيشبع المرء خاصة إذا تناولها مع مياه غازية.

انتبه لها سيد، التقطها بسرعة. يعبر أمامها عدة مرات في الحديقة المجاورة لعمله يوميا، فهو يعمل تمرجي في العيادات التابعة لجامع السلام كما يعمل تمرجيا في مستشفى الجيزة الملاصق للجامع. ونادية تحمر خدودها بشكل لافت عندما يبدأ الفحم في الاتقاد مما يبرز بياضها ولون عينيها، تتعالى طقّات الفحم ويتناثر الشرر لتتراص على الصاج كتل صغيرة من الوهج الأحمر المال للبرتقالي، كما انتبه بالأخص إلى الطريقة التي تدثر بها كوز الذرة المشوي، تجهز له مهدا في بطن كفها، قشرة طويلة خضراء فاتحة ثم تفرش القشرة بشعيرات طرية بلون العسل ليستقر الكوز هانئا في حضنها قبل لحظات من انتهاء أمره بين أسنان الجوعى.

أضافت نادية إلى مشروعها الغذائي الصغير سندوتشات جبنه رومي وجبنة بيضاء ونستو ومربى وحلاوة ولانشون، تحضر كل ذلك معها في علب بلاستيك نظيفة، للموظفين الذاهبين لأشغالهم صباحا ولطلبة الكليات في ذلك المربع السكني. مما جعل الناس في المنطقة يتعرفون إليها، وكوّنت صداقات مع علي صاحب محل الورد الذي يقع في الجهة المقابلة من الشارع، وممرضات الجامع والمستشفى وبالطبع سيد. كلهم يفطرون من عندها صباحا، ويسدون جوع الليل بكيزان الذرة. انحازت نادية لفعل الإشباع، ومن يُشبِع لابد أن يكون ممتلئا بالشبع.                        

في الثانية عشرة صباحا يسمع سيد صوت الماء الذي تسكبه نادية لتطفئ الفحم، يسمعها جيدا من شباك الاستقبال. ينظر لنفسه في المرآة. أسمر وطويل و نحيف. ينزعج بعض الشيء من زرقة قميصه موحّد اللون لكل التمرجية. ثم يهم بالنزول قبل أن ترحل نادية.

كان باله طويلا، حكى لها ما حدث مع علي صاحب محل الورد. وحكى لها أيضا جبروت السيدة الوحش الساكنة في الدور الأخير في العمارة المقابلة لمحل الورد، هي ليست ساكنة، هي مالكة للعمارة واستطاعت أكل حقوق إخوتها للتخلي عن أنصبتهم فيها واستطاعت تطفيش معظم السكان الذين يسكنون “إيجار قديم” بدون أن تدفع مليما، ولم يتبق سوي ثلاث شقق. وأنها تحتمي في علاقات زوجها الضابط المتقاعد، بالإضافة لسوء أخلاقها مع أمها التي تركت لها كل شيء وذهبت لتعيش مع أختها في أمريكا. أخذت نادية وعداً من سيد بأن تخدم في تلك العمارة. تريد أن ترى كل شيء عن قرب. وبعد نصف ساعة من المناهدة استطاع سيد إقناع نادية أن غرفة تخزين الأدوية تحوي برطمانات عسل أبيض ملقمة بعين الجمل والبندق واللوز، يتم توزيعها على المرضى. ولأنه فيه شفاء للناس اختارت نادية الاستشفاء. ولم تسمح لسيد بفك منديل رأسها الأحمر المرسوم عليه ورد أخضر وأصفر إلا بعد أن كتب لها مضطرا عقد عرفي على كرتونة دواء سيولة. حينها فقط انفرد شعر نادية البني الفاتح داعما لون عينيها وهي تدور وتتلوى، تزيح خصلاته الطويلة من على وجهها إلى خلف رقبتها ببطء وبسرعة على هدي ضوء عامود النور الأصفر المجاور لشباك الغرفة. كانت هي مصدر الصهد، لا الفرن ولا الفحم.

بلّ الريق.. ذلك فقط ما كانت تعلم وفاء أنها لا تستطيع تقديم سواه.. لم تعطها الظروف مساحة في جوفها للطعام. فقط تتنفس وتشرب الشاي والقهوة وسط زبائنها وتنتظر سيد بجوار النخل ليعطيها ما يتمكن من سرقته من مسكنات وأدوية للضغط والعظام. وهو يعلم في قراره نفسه أن وفاء تحتاج للصحبة أكثر من احتياجها للأدوية. كانت تعيش في بولاق الدكرور، وبعد موت زوجها اقتسم ولداها الشابان منطقتهما لبيع المخدرات بعد موافقة عبد الشكور المسؤل عن التوزيع لعقود طويلة. ازدهرت تجارة الشابين ووقفت هي تعترض بمقاطعتهما تارة والدعاء لهما بالهداية تارة. سألها الابن الأكبر: معاكي تدينا؟ تجيب باكية: منين. يحسم الأمر: خلاص يبقى كلي واشربي وانتي ساكته. إلى أن سهرا مع صديق لهما للفجر على ناصية شارعهما وثقلت أجساد الثلاثة من المخدر، تشاجر الأخان على الجلوس على الحجر الكبير. بدون وعي أخرج الأخ الأصغر مطواة بقر بها بطن أخيه ليقتله ويجلس إلى جواره يبكي حتى جاءت الشرطة وأخذته. لمّت وفاء هدومها وخرجت إلى فيصل تبحث عن مأوى حتى وجدت بيتا قديما من أربعة أدوار. لم تستطع سوى دفع أجرة المحل في الدور الأرضي الذي بنى حائطه صاحب المنزل وحوله إلى غرفة بحمام ليؤجره للسكن. وبعد قليل تعرفت إلى زوجة سيد الذي يسكن معها في نفس البيت عندما طلبت منها كبريت.

 

أحبت نادية أستاذة داليا بصدق. بعد شهرين من خدمة الثلاثة شقق في عمارة السيدة الوحش، لم تحب سوى داليا. كل ما فهمته أنها تعيش مع أمها متصدية لضغوط الوحش لترك الشقة وأنها تعمل في التمثيل على المسرح. وكثيرا ما راقبتها من جلستها أسفل الشجر وهي تتحدث بالساعات في التليفون أو تسهر تأكل أو تكتب. تلوّح لها داليا من البلكونة الواسعة على شكل قوس ضخم تقف في منتصفها كالسهم، أمامها أفرع ممتدة من نبات الصبار العملاق الذي زرعه جد السيدة الوحش عندما بني تلك العمارة. تفرح نادية وتلوّح لها بكوز ذرة بحماس. وبنفس الحماس كانت تنظف حمام شقة داليا وهي مبهورة من شكل الرخام القديم، أبيض بخطوط مموجة سوداء وفي كل ركن تمثال لسيدة عارية. كانت تشعر أنها تقف في نافورة.

في يوم وجدت على مخدة داليا ورقة صفراء كتبت عليها بالأحمر:

اقتربت تهمس في أذنه: الأمر سهل يا عزيزي. التقط في راحتي الطبق الزجاجي الصغير ذو الضي الأزرق. افترش جوفه بملعقة كبيرة من البن. جميل البني الداكن مع انعكاس الأزرق الخفيف، بسرعة وعشوائية تتراص طبقات واهنة لخيوط العسل التي تنحدر من طرف الملعقة في خط واحد بلا انقطاع، ذلك لأن نوع العسل جيد للغاية. يقضم كل ذلك عصرة ليمون تعقد العسل وتبلّ البن، أحمل بين أصابعي المعجون البني وأوزعه على وجهي وانا احاول تجنب سقوطه في فمي. أتذكر جيدا أنه كلما التهب حلقي وانا طفلة تعجن لي جدتي بن بالليمون وتدهن لي حلقي بالكامل، أذكر طعمه جيدا، تماما كما أذكر طعمك مهما غبت.

تفاجأ نادية بداليا تدخل عليها، تنظر لها وللورقة في بلاهة ثم تسألها بصدق: أعملك قهوة يا أستاذة؟! تنخرط داليا في موجة ضحك متواصلة وهي تجهز لنادية بلوزة ومساحيق تجميل وطلاء أظافر أحمر داكن كما طلبته منها.

أخطأ علي ونسى مخلفات محل الورد في حديقة الوحش، ليفاجأ الجميع بالبلدية تكسر له المحل وتأخذ الورد. عاند معها علي. أعاد إقامة المحل تاركا جزءا من الرصيف. طالما قالت داليا إنه شجاع ومقاتل وهو الذي أنقذ شقتها يوم الحريق. كان يعلم أن داليا وأمها خرجتا لتوهما لحضور عرض مسرحي بطولة خطيب داليا المرتقب. لمح النيران من شباك السلم المطل على الشارع وطلب المطافئ أولا وبعدها داليا. نفذت السيدة الوحش خطتها بحذر. ترقبت خروج داليا وأمها وقامت بسكب البنزين على باب الشقة وقبل أن تشعل النار كتبت على الحائط “بحبك ياداليا ” لتبعد عنها الشبهة وأن الموضوع غرام وانتقام. لاتعلم نادية كيف عبرت شارع الهرم كالنحلة ظنا منها أن داليا بالداخل. جاءت الشرطة ولم يسفر التحقيق عن شيء. الجميع يعلم أنها هي لكن لا دليل. حذرت السيدة نادية من التواجد داخل العمارة ومن تشويه الحديقة بالذرة والساندوتشات وأنها ستبلغ البلدية بأمرها. هنا تدخل سيد. واقترح على نادية مشاركة وفاء في المكان. هي بالطعام ووفاء بالمشاريب. بينما خافت داليا على أمها واستسلمت وتركت الشقة. أوصت علي على نفسه وعلى نادية وأخذت عدة صور للحمّام والحديقة ثم ذهبت.

لم تعترض وفاء فهي احتاجت للصحبة النسائية، فمن كثرة جلوسها مع الرجال شعرت أنه سينبت لها عضو ذكري. كانت نادية أصغر منها بعشرة أعوام. عاملتها برفق. علمت أنها طيبة وشعنونة بعض الشيء، تشاركتا الإفطار معا كل صباح. في البداية أطعمتها نادية بالغصب ثم بعد ذلك خللت وفاء برطمان زيتون لتأخذ لهما حفنة منه كل صباح كما أحضرت كوب زجاجي له يد كبيرة لأن أكوابها “تلسوع” أصابع نادية الناعمة.

ولأول مرة منذ مجيء وفاء إلى تلك الغرفة، تظهر بها رائحة طبخ. على نفس عين البوتاجاز التي تصنع عليها وفاء المشاريب. صنعت لنادية غداء معتبرا. صينية بطاطس بالفراخ، بينما انهمكت نادية في إدخال القطن المدلّى من مرتبة السرير ورتق المرتبة جيدا وكنس وترتيب الغرفة. وعندما تلاءمت نادية واقترحت عليها أن تتناولا الطعام على السطح زغدتها: مش موجود ياختي ريّحي نفسك. لكنها وفي مرّة أخرى بينما كانت تشوي سمكاً في بئر السلّم أمام الغرفة ونادية منهمكة في تقطيع الطماطم لمربعات صغيرة، التفتت لها بعد أن قلبت آخر سمكة على الصاج وهي حانقة تقول لها إن سيد لابد أن يكتب عليها عند مأذون ذلك أسلم وأأمن. ليجدوه ينزل على السلّم مسرعا يكلم نادية مداعبا أنها بلطية وأن وفاء ديك البحر اللي هايصيحلنا. تلحقه وفاء تكيده ضاحكة: طب اتلم بديك أمك.

حكت نادية لوفاء أن السيدة الوحش رأتها صدفة في الشارع بالأمس ونظرت لها بشرّ واحتقار شديد. دفست وفاء عود النعناع في الشاي وهي تتنهد قائلة إن مثل هؤلاء القوم تأتيهم الضربة من عقر دارهم. وقد كان.

بعدها بشهر واحد في الثانية صباحا احتد نقاش بين الوحش وزوجها. انفعلت عليه بشدة، أحضرت سكينا من المطبخ وطعنته في ظهرة عدة طعنات، فتح هو درج الكومود وأخرج مسدسه وصوب طلقة على رأسها. على الفجر انتشر الخبر في فيصل والهرم، علمت به وفاء وهي تعد نصبتها. قلقت على نادية التي لم تأت كعادتها لنصبة الطعام. وجاع العمال من ترديد القصة المستمر. تطلب وفاء نادية لتجد رقمها ربما يكون مغلقا. تسب وتلعن فيها وقد أكلها قلبها على البت. إلى أن لمحتها في الحادية عشرة تسير متهادية وعلى مقربة منها يتمخطر سيد. باقترابها تفهم من حركة اتساع ما بين قدميها وعرجة خفيفة في قدمها اليمنى أنها قضت مع سيد ليلة طالت. يتجها ناحيتها وهما يضحكان بينما تسند هي رأسها بين إصبعيها وتعوج لهما فمها المغلق، ناظرة بغضب ونفاذ صبر.

 

مقالات من نفس القسم

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 12
تراب الحكايات
عبد الرحمن أقريش

المجنون