مريم سمير
أبو الهول تكلم..كانت هذه هي الإشاعه التي سمعتها منذ ساعة والتي غطت مصر كلها ولم أصدقها..وكيف أصدقها وأنا كاللاجئ تحت قدمي أبو الهول انتظر منه الكلام ولم يتكلم، فكيف يفعلها الآن وكيف يتكلم مع غيري، أتراه نسى الأيام الطويلة التي كنت أجلس فيها عند قدميه والساعات التي كنت أتحدث فيها إليه بدون رد حتى حسبني العمال والسياح من المجاذيب أو من المدمنين الذين ذهبت المخدرات بعقولهم، لم يفهمني سوى سائح عجوز بوجه أحمر سلقته الشمس …فجأة انحنى عليّ وأنا جالس وربت على كتفي وقال بإنجليزية بريطانية: لن يتكلم فلا تتعب نفسك، لن يتكلم مهما انتظرت.
ألقيت إليه بنظرة تحدٍ ولم أرد، وها أنا الآن اسمع هذه الإشاعة التي تكاد تخلع قلبي من مكانه ولا أصدق… أصحيح تكلم؟ ومع من وماذا قال؟
أسئلة كثيرة حملتني حتى وصلت إلى مكانه، كان كما هو يجلس باسترخاء بجانب الاهرامات وينظر بضيق إلى البشر المتجمعين تحت قدميه، لم أكن وحدي من سمع الإشاعه لذا جاءت جموع من البشر لكي تراه وتقف على هذه المعجزة، كلام أبو الهول. لكنه لم يتكلم بل إنه حتى لم يتحرك فيه شيء وأنا اقدر واحد على هذا القول لإني رأيته كثيرا حتى حفظت ملامح وجه بكل ما فيه من أصغر ندبه على جبهته حتى أنفه وذقنه المكسورين.
وقفت وأنا أشارك أبو الهول نفس الضيق من هؤلاء البشر المختلفين في كل شيء لكنهم مجتمعين عليه، جلست غير بعيد في ظل حجر وركزت نظري على شفتيه…أتراه يتكلم حقا أتراه يفعلها؟ كان كل تفكيري يدور في هذا الفلك طوال اليوم ولم ألاحظ أن الشمس كلما تحركت نحو المغيب كلما اختفى عدد من الناس وعندما وصلت الشمس لمغربها كان لم يبقى سواي في الساحة الممتدة تحت قدميه جالسا في مكاني لم أتحرك وفتى صغير السن وحبيبته التي قالت: كنت أعتقد أن هذا اليوم سيكون رومانسيا لكنى لم أحصل منه سوى على صداع في رأسي.. هيا بنا.
انسحب الاثنان مكللين بخيبة الأمل، وهنا نظر أبو الهول إليهما بعينين تملأهما السخرية، صرخت لكي يصل صوتي إليه: أنت لم تتكلم أليس كذلك؟ وجه إليّ ابتسامه ساخرة ولم يعقب.