شريف الشافعي
لم أشعر أنني في ألمانيا إلا بعد أن احتوتني الطائرة الصغيرة التي بدأت على متنها الرحلة من مطار فرانكفورت إلى مطار شتوتجارت، ففي مطار فرانكفورت شعرت بأنني في متاهة حقيقية لا نهاية لها.
شعور بالتيه والضياع، لكنني حفزت إحساسي بالفردية الذي اكتسبته خلال السنوات الأخيرة التي عشتها في القاهرة، وانطلقت مهرولاً متتبعاً الإشارات والعلامات حتى وجدت نفسي أخيراً بعد رحلة اجتزت خلالها السلالم والمشايات المتحركة وبينها عربة صغيرة تشبه المترو أمام مكتب تحويل الرحلات الذي كان بمثابة المنفذ إلى طائرة شتوتجارت!« هكذا يبدأ القاص والروائي إبراهيم فرغلي يومياته الإبداعية التي كتبها عن مدينة شتوتجارت الألمانية التي قضى فيها شهراً كاملاً قبل عودته إلى مدينته (القاهرة)، ويقول مستطرداً:»أخبرتني السيدة التي تقف خلف (الكونتر) أنهم سيبدأون إجراءات الدخول بعد عشر دقائق، فتنفست الصعداء؛ فقد كان ذلك يعني أنني أهرول إلى المكان الصحيح، بالإضافة إلى إمكانية تناول قدح القهوة الأول لي في ألمانيا، وأن أدخن أول سيجارة منذ غادرت مطار القاهرة. وكان عليّ مقاومة الإحساس الطاغي بغربة المكان، ربما بسبب الهدوء غير المعتاد، بينما أتامل النظافة والنظام المبهرين. وقبل أن أتوجه لاحظت جهازاً أدركتُ أنه كمبييوتر للاستخدام العام. فكرتُ أن أرسل لزوجتي رسالة إلكترونية، لكنني ترددت بسبب ضيق الوقت مؤجلاً ذلك إلى ما بعد وصولي إلى شتوتجارت.
وإبراهيم فرغلي (37 عاماً) هو المصري الوحيد الذي اختير ليكون راوياً لمدينة شتوتجارت في إطار مشروع «رواة المدن» (مدن الشرق والغرب بعيون شباب الأدباء) التابع للمنتدى الأدبي الألماني العربي والذي جرى تنفيذه مؤخراً بالتعاون بين معاهد جوته المتواجدة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبعض الدور الأدبية الألمانية وإحدى القنوات التليفزيونية العالمية، ويهدف المشروع إلى المساهمة في تحسين القدرة على فهم وإدراك «الآخر» سواء بالنسبة للعرب أو بالنسبة للألمان والغربيين عموماً. وفرغلي من مواليد مدينة المنصورة، وقد درس علوم الإدارة بجامعة المنصورة، وصدرت له روايتان هما «كهف الفراشات» و«ابتسامات القديسين»، ومجموعتان قصصيتان هما «أشباح الحواس» و«باتجاه المآقي”.
ويواصل فرغلي يومياته التي خرج بها من دائرة المذكرات الضيقة إلى فضاء البوح قائلاً: «الانطباعات الأولى تدوم، وأعتقد أن هذا ينطبق على انطباعاتي الأولى عن شتوتجارت منذ وطأت قدماي الطائرة الصغيرة التي أقلتنا من فرانكفورت. فعلى عكس الرحلة الأولى من القاهرة كان أغلب المسافرين على متن الطائرة ألماناً، وبعضهم بدوا وكأنهم يعرفون بعضهم بعضاً وقد التقوا بالصدفة، وهو ما أكد إحساسي بالحميمية. كما أن الانطباع الذي حاول بعض أصدقائي ترسيخه حول قلة نسبة الجمال بين الفتيات الألمانيات إجمالاً بدا لي غير حقيقي على متن الطائرة، فقد كانت النسبة الغالبة من الإناث جميلات بشكل لافت! والآن ومنذ وصلت إلى «شتوتجارت» وأنا أشعر بتصاعد الإحساس بالحميمية والجمال. وبالرغم من أن شتوتجارت هي المدينة التي تضم اثنين من أهم مصانع السيارات في العالم «بورش» و«مرسيدس»؛ وهو ما قد يعطي الشعور بمدينة صناعية باردة؛ لكن الأمر كان عكس ذلك تماماً؛ إذ أن هناك دائماً ذلك الشعور بالحميمية والألفة الذي لم أستطع تفسيره حتى الآن. ربما بسبب الخضرة التي تفيض بها هذه المدينة أينما وجه الفرد نظره، حيث توجد الأشجار الوارفة في كل مكان بالإضافة إلى أن المدينة كلها تقع أعلى مجموعة من التلال الخضراء التي تكون حلقة واسعة، بينما يقع مركز المدينة وأسواقها التجارية أسفل هذه الهضاب. وربما بسبب تشابه بعض الشوارع مع مثائل لها في الإسكندرية حيث يفصل الشارعين المتعاكسين المحتويين للسيارات طريق ثالث مخصص للترام، بينما تتراص إلى يمين الطريق ويساره المباني ذات العمارة الكلاسيكية العتيقة!.