وشم الغياب

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مروة عبد الفتاح

أكتب إليكَ هذا المساء كما تكتب النوافذ ضوءها على وجوه العابرين؛ النجوم توقفت لتنصت والليل كُتب على مقاس حزنك، أمدّ يدي نحو فراغٍ يشبهك، الحرف وحده يملك جرأة لمس وجهك دون أن يراك ..

أكتبُ بقلبٍ تَشرّب الغياب حتى بات ظلًّا، بقلمٍ كلّما تحرك على الورق نزف، أكتب لأُنقذ ما تبقّى منّي، لأبقى على قيد الشعور أناديك دون صوت! أعلم أنك لن تسمعني لكني أستمر كمن ينقذ ظلّه من الغرق – ذلك الجزء الذي أضعته في منتصف الخسارات ثمّ قررت أن أبحث عنه في ملامح رجلٍ روحه مألوفة حدّ الألم ..

أشعر بكَ في لحظات لا تفسير لها، في صمت الغرفة حين تتوقف عقارب الساعة عن التصنّع وارتباك الضوء حين يمرّ طيف يشبهك على المرايا، في شهقةٍ خافتة داخل صدري لا يسمعها سواي، في انحناءة كتفيك، وتجاهلك العابر لظلّك حين يمرُّ بكَ كما لو أنه غريب عنك، في نظرتك التي تعرف كل شئٍ، لكنها تُنكر كل شئٍ بإتقان عاشقٍ جريح ..

كم هو غريب هذا الحزن حين يتأنّق في هيئة رجل، يمرّ ولا يوجع بينما كل ما فيه يئن، الانكسار مخلوقًا وسيمًا يسكن ملامحك، خُلق ليُخفي الألم بوسامةٍ خادعة!
ثمة أنينٌ خافتٌ في صوتك، أنينٌ يعرف كيف يرتّب نفسه، كيف يتوارى خلف الكلمات، يُدرب حزنك على ألا ينكشف؛ الليل لم يحتضنك، يلتهمك برفقٍ حتى صدّقتَ أن العتمة وطن! والخيبة – انكمشت في صدرك – اختبأت، تخاف من اللغة ولا تثق بها ..

أيها الغريب القريب البعيد :
هل تدرك كم مرة مشيتَ داخل روحي دون أن تعلم؟
كم مرة رفعتَ رأسي عن وسادتي من حلمٍ لم أُكمله؟
وكم مرةً سمعتكَ تقول “أنا هنا” بينما لم تكن، ولن تكون

إن كنتَ لا تسمع لنداء ضل طريقَه إليكَ، سأظل أُرمّمُكَ في قصيدةٍ ينقصها صوتك، في بيتٍ لا يكتمل إلّا بك، أُدركُ أن بعضَ الحكاياتِ قُدّر لها أن تظلّ أطيافًا تُحاصرُ الروح، وبعضَ الغيابِ صارَ حضورًا أبديًا في وجدانٍ يأبى النسيان، وأنّ أشدَّ أنواعِ الوصالِ هو ذاكَ الذي يكتُبُهُ الفقدُ على صفحاتِ القلبِ دونَ لقاء ..

وها أنا
أطوي رسالتي كما تُطوى الأجنحةُ بعد الرحيل، أتركها على عتبةِ قلبٍ لا يفتح، كالوهم الذي تعلّق بالدم، كالأمل حين يُقاوم الذبولَ في قلبِ زهرةٍ تُسقى بالحسرات!

وفي المرة القادمة، إن مررتَ بقلبٍ يخفق دون سبب، فلا تندهش ربما كنتُ أنا، ألوّحُ لكَ من جهة النسيان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية 

مقالات من نفس القسم