كنت شجرة

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
فدوى عبود 
كنت شجـــــــــرة
قطعني حطّاب غاضب وفقير
أشعل أغصاني وجذعي الجميل
ثم راقب تحولي إلى رماد.
2
صرتُ باباً
هذه المرة ركلني جنودٌ غاضبون.
حملوني في عربة و ألقوا بي في النهر
جرفتني المياه إلى شاطئ مهجور
3
امرأة من خشب
صامتة وبلهاء ولا أستطيع الالتفات.
يلتقط الناس لي الصور
ولأني تمثال
ولأن هناك تماثيل كثيرة حولي
تنكرت بثياب امرأة حقيقية وهربت
اختبأت خلف شجرة مزهرة
سمعت رفرفة جناحين بين أغصانها.
الجناحان انتقلا لضلوعي.
“صار لي قلب”
4
الرجال الذين مرّوا من الدرب، سمعوا نبض قلبي فاقتادوني إلى مكان كئيب.
قدموا لي شراباً قرمزياً وطعاماً
رفضت تناوله، فالأشجار تتغذى بالضوء والندى.
ولأنيّ شجرة ،رموني في العراء وصوبوا نحوي السهام.
كانوا يطلقون على أنفسهم اسماً غريباً ” قريش”
5
امرأة من جديد
وهذه المرة في قصر كبير.
مع نساء كثر وملك غيور ووحيد.
سريره واسع وأنا عاريــــة.
أخبروني أني جاريّة.
الجاريتان الجميلتان تداعبان الملك.
الملك يقول: بأني جارية بلهاء.
أهداني إلى ملك بلاد بعيدة، فألقيت بنفسي من النافذة
دفنوني بصمت.
وكانوا يقولون كلاماً عن جسدي الجميل وعن الرعية النائمين
والملك الفاضل ..
وزوجته المسكينة
أنا الجارية البلهاء التي لها قلب عصفور…
6
استيقظت من جديد
كانت يداي مقيدتين .
في الجوار..
احتفالُ ونارُ وجثة رجل بدين.
عرفت أنيّ هندية.
وأنهم سيحرقونني مع زوجي
ومن بين خصل النار الزرقاء استطعت تمييز عينين باكيتين
“كانت تلك أمي”
7
استيقظت في مكان غريب ونظيف
وكنت حزينة
نظرت في المرآة….
عينان صغيرتان ووجه دمية.
أنام في غرفة باردة
أنا خادمة وأدعى “تومينا”
سيدي رجل قبيح
وزوجته غاضبة مني دونما سبب
في النهار أعمل دون توقف وأتلقى صفعاتها.
تسميني الفليبينية البلهاء.
تناديني (توماري)
في الليل يقفل سيدي باب غرفتي ويتحرش بي
اليوم نسي أن يقفل الباب وبينما يخدشني بأظافره المتّسِخة.
أضاءت في العتمة .
.(عينان حزينتان)
“عينا سيدتي التي وضعت ليّ السم”
8
سقطت في مكان غريب
ويبدو أني أفرطت في الشرب كي أخفيَ حزني
رقصت فوق خشبة.
ثم تعريت ببطء
ضاجعت الرجال الذين شتموني.
كنت أهذي بالحب، وهم يطلبون مني أن أقفل فمي القبيح..
أحببت متشرداً
ضربني بقسوة..
في الحمام ..صعقت نفسي بالكهرباء.
9
الآن أنا الآن هنا..
حشود كثيرة تجوب الشوارع
فرحة وجذلة. و أشعر بالحرية
أمسكت يد صديقي وعبرنا نحو حديقة “اللوفر”
مارسنا الحب دون خوف، فوق عشب ندي وتحت سماء زرقاء.
وكانت تلك طريقتي لإخباره أنيّ حزينة..
قال حبيبي : أني أجمل امرأة فرنسية وحرّة
الآن أنا حرة ..وأحمل طفلاً “قلت لحبيبي”
ذابت ملامحه.. وقال: أنت الآن فقط، الآن فقط، وليس للأبد أجمل امرأة…. فقط الآن.
لا أريدكما ” قال حبيبي”
بهدوء أجبت: وأنا كذلك.
في المشفى وبين يدي الطبيب طفوت في الهواء.
ورأيته يدفع الكثير من النقود.
الطبيب ومساعدته وضعاني في مكان بارد ثم تخلّصا من جثتي.
قذفا بجسدي من أعلى مكان في العالم
“يدعى برج أيفل”
10
سقطت في قرية مظلمة وباردة..
ينام أهلها كثيراً…
في نومي حلمت بحبيب أبدي.
أيقظني أحدهم وأخبرني أنه أخي.
حزّ رقبتي بسكين حادة،
ثم قبل جبيني وطلب المغفرة لي وللطفل الذي أحمله في أحشائي.
لم أعرف الأب!
ربما يكون الطفل ذاته الذي أحمله معي من حياتي السابقة “من حبيبي الفرنسي “
11
أنا الآن معروضة للبيع.
في سوق كبير،
ومن خلف ستارة شفيفة سوداء رأيت رجالاً مرعبين
يسمونني الجارية “الأيزيدية”
باعوني لرجلٍ مفزعٍ يطلقون عليه الأمير
حززت معصمي بسكين حادة
ورأيتهم يرمون جسدي في مقبرة جماعية.
وهناك أنجبت طفلي …
“كان حملي قد اكتمل”
12
أخيراً
عدت شجرة
تحت جذوري،
ترقد أجساد أطفال ونساء ورجال.
أشعر بطعم الدماء…
أنا شجرة حزينة …..
لا أتغذى بالضوء
شجرة آكلة لحوم البشر..
شجرة خائفة …..
منذ زمن طويل لم يمر حطاب فقير
ولا حطّ على أغصاني عصفور..
فالحرب لم تبق أحد …
لم تبق أحد
.
دمشق 2017
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة سورية 

مقالات من نفس القسم