الوباء

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 6
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

كريم عبد السلام
سنغادر
سنتركُ البيت والتلفزيون والكلب الأبيض المدلل والشجرة المعمرة والكتب ومجموعات الصور بالأبيض والأسود والشجارات العائلية ونمضى
سنتركُ الطريق والمدرسة والفصول والرصيف الملون والسيارة القديمة والمطلع الأسمنتى الذى صنعناه يوم الجمعة بأيدينا ونهرب
لكن أين نذهب ؟
…..
سنغادر المدينة كيفما كنا
بما نرتدى ومالا نرتدى
فورا
الآن يعنى الآن
نعم
سنغادر عدوا
سنغادر زحفا
فرادى
جماعات
صامتين أو نائحين
مذهولين أو فاهمين
منهارين أو رابطى الجأش
سنغادر حتما
حتما سنغادر
إلى الملاجئ
إلى بحر الظلمات
إلى الجحيم
……
أيها الجار الصالح الذى يقود شاحنته بغضب لأنه لم يستكمل إفطاره
الشوارع مقطوعة فى نهاياتها
أيها الشاب الرياضى الذى يعدو كمن يعرف وجهته
الأشجار تذبل وتتهاوى
والأحجار تتكوم كأنها تمنع الخطوات من التقدم
أيها الإمام المبجل
يا أبانا الكاهن
هل يجوز لنا أن نغادر اليوم
والطوفان يغرق الطرق ؟
لا أدرى فى أى يوم نحن ،
السبت الأسود
الأحد الكئيب
الإثنين الدامى
الثلاثاء الكريه
الأربعاء الباهت
الخميس الغبى
الجمعة الحزين
لكننا سنغادر
حتما سنغادر
مع البنت التى تعدو
إلى الأمام يا بنتُ، لا تنظرى وراءك
فستانك قصير وساقاك جميلتان
خسارة فى مشقة الهرب
إلى الأمام أيها البستانى
لم تريد تشذيب الحديقة قبل أن تغادر
ولمن؟
إلى الأمام أيها الصبى
اعدُ دون توقف
لا تبال بأبيك الشيخ
أو أمك العجوز
إلى الأمام يا لصَّ السيارات
لم تنفعكْ السيارات التى سرقتها فى حياتك
إلى الأمام يا قاتلُ
تستطيع أن تحصد اليوم دون حساب
إلى الأمام يا عامل الجراج
خذ فى يدك ضابط الشرطة الذى ترجل عن سيارته ويطلب كوبا من الماء
إلى الأمام يا حارس العقار ، لن تجد شيئا توليه عنايتك منذ الآن
إلى الأمام يا وكيل الوزارة البدين،
-ولا ألمّح إلى شيء-
إلى الأمام يا طلابَ المدرسة الابتدائية
لم تعرفوا الحياة ولن تعرفوها أبدا
إلى الأمام يا امرأة جارى الثالث
سوف يغتصبك الوحوش حتى الذل
حتى الكراهية
حتى الموت
ولكن بعد أن تمعنى فى الهرب
ولا أقول ذلك حتى تتوقفى أو تنظرى إلى بيتك
لم يعد هناك شيء تنظرين إليه
بعد أن أحرق الوباءُ الذكريات وملمس العشب
والموسيقى والندى الصباحى
والكتب المجلدة البنية والابتسامة وحجارة الرصيف
والأحلام ونظرة البنت إلى حبيبها
ودفتر اليوميات الأزرق واللوحة على الجدار
ودمية الطفل وحوض الزهور.
إلى الأمام يا طبيب الوحدة الصحية
أليس فى جيب معطفك علاج ضد الأوبئة
لأول مرة تتساوى مع مرضاك
وربما يتفوقون عليك فى الحياة.
……..
ها نحن نغادر
هانحن نمعن فى الهرب دون أن ننظر وراءنا
دون أن نعرف
إلى أين نذهب

مقالات من نفس القسم