محمد حسني عليوة
كـ “وردةٍ” في بـزّة ِ عازفِ تشيللو!
= الصمتُ أكبر معضلةٍ
تُحدث صخبًا لدى البُغاةْ
.
اقتربي من النافذةِ المطلّةِ
على السديمِ الأضيقِ من فمكِ؛
لتـُثيري حفيظةَ الشِّعر
أسفل عاناتِ الرجالِ؛
لتُشعلي الزيتَ في البراميلِ
المـُشبّعة بالعتمةِ
والتلاشي؛
لتعهد إليكِ المحطاتُ بالأرصفةِ
بمن يُحطّم غُنجها السافرَ بحِداءٍ،
أو هرّاوةِ قائدِ أوركسترا
أزيحي الستارَ قليلًا..
حين يعبر الجنودُ إلى منصّاتِ القتالِ
بمعدلِ كلّ رصاصةٍ رأسُ ضحيةٍ بلا عينين
لوّحي إليهم “أنكم منتصرون لا محالةْ!”
-علامةُ النصرِ بوردتي نهدكِ الذابلتين-
كلما سمحتِ لهم بالمرورِ عبر فخذينِ توَرّمتا
من غزواتِ المحاربين القُدامى
قرّبي فمكِ
من رئيس الجُند واهمسي في أذنيه:
“عليكم أن تسفكوا الدماءَ على الشواطئ”
“أن تعيدوا قداسةَ الزمنِ
للبؤسِ الموغلِ في الحلوق..”
–
نادرًا ما يحصل الجنودُ
على دفعةٍ أخرى من الأصابعِ؛
ليعيدوا تلقيمَ المدافعِ بالذخيرةِ
ليبعثوا الروحَ مُجددًا في البنادقِ الصدئةِ
ليكتبَ أحدهم رسالته الملغومةِ بالشغفِ
لصدرِ حبيبته، المكلومِ
وقد شوّه الغبارُ حلقه
وأتلفَ رئتيه هواءُ المروحةِ؛
وهي تطنّ على قُرصِ مكتبهِ المفتوحِ
ولا وعيدَ يأتي بانتصارٍ وشيك!
–
أزيحي الستارَ قليلًا..
ثم دَعي الأجراسَ تدقّ
تُدوّي صرختها الكئيبة
دعِي الأمطارَ تغسلُ القلوبَ من حماقتها
تفضّ المشيمةَ من حبلِ المدينةِ السُرّي
لتستقطبَ النازحين بلا محلِّ لجوءٍ
أو تصريحِ دفنٍ يجيد التماسَ العذر لجثثٍ
لم تجد وردةَ حزنٍ فوق مقعدها الشاغر
لم تجد في السكك الحامية الوطيس
أيَّ عائلٍ
سوى الريحِ/
سوى العنقاء على صمتِ الينابيعِ/
والنهاياتِ المنتصبةِ في المدى المقيتْ
.
ارتدي جَوربكِ الممطوطَ الأزرق
-يليق الأزرقُ بالتنزّهِ في الجحيمِ
خُوني مسافةَ البدءِ – وارتجلي الطريق
كوني شيطانتنا – لا تغسلُ الخفّةَ باليقين
لا يردعها الليلُ عن البزوغِ
كلما انتقلنا زمانًا من أولِ الحقيقةِ
حتى انتفاء النطق بالنفسِ الأخير
.-.
بمفردكِ صانعةَ الخروجِ
بمفردكِ حاملةَ الخصوبة بين الترائب
بمفردكِ راعيةَ الولاءِ للكهنةِ
والربوبيـّين
فتكون المدينةُ وكلُّ من فيها
يجرُّكِ؛
لأنكِ منذ الضوءِ..
-بُورك المجدُ في العِلّيين-
منذ عُريكِ المرسل في الضواحي؛
ليس فضيحةَ جسدكِ؛
أينما لعَنـْتهِ بجرّةِ فمِكِ
على حلبةِ رقصْ..
بل صلاةُ أنشادٍ رعويٍّ
وهويسُ كِرازاتٍ
فُتحَ بفعلِ الريحِ على المصارعِ
وجعلكِ أيتها المخلوقةُ
من عينِ الماءِ/والنارِ
أيتها المسكونةُ
في شررِ البرقِ/ وأنغامِ الرعدِ
وخشخشةِ الصقيعِ الراقصِ
فوق زجاجِ الزمنِ/المحنيّ الظلِّ
مباركةٌ بقلبٍ يفعمُهُ الموتُ
وزلزلةُ الطمسِ/ الشهواني الجائع
–
كوني، مستقر الوجع الأزليّ
كوني، للمرةِ الألفِ، على حَذرٍ
من أراذلِ الرابضين في الأوديةِ السحيقةْ
وانتعلي حذاءَكِ
- سيكون أوْلى أن ترفعيه
على الرؤوسِ؛
وسيقومُ جسمُكِ المتعرّق مِلحًا
بعقدِ صفقةِ تطهيرٍ
مع بائعي الصكوكِ
وحاملي المشاعل في حاشيةِ الكهنةْ
كوني، للمرةِ الألفِ، على حَذرٍ منّي
وقلّمي رعشتكِ بحرفةِ نجّارٍ
يتجمّل عُنقكِ أسفل إزميله/ البارع.
-*-
= ولا تسأليني لماذا أبكي؟
إذا ما بكيتُ على طرفِ تنورتكِ الشائك؛
- لأن لديَّ وجعٌ منذ ولادتي وشَموه على نهدِك الصغير،
يُسمّى فمي
- لديَّ أرنبٌ برّي يُطلّ من غرفتهِ المعتمةِ ويطلبُ تذكرةَ سينما؛ ليشاهد فيلمه المفضّل قبْلما تُفلِس الإدارةُ، وتُباع الحوائطُ والمقاعدُ والشاشةُ في المزادِ المبارك!
[بعد تجاوز الخمسين، ستعرف وحدك كيف ستجد مفتاح الحديقة الخليفة لمقعدٍ تبكي إليه وتظن أنه أشار عليك أن تغطس في أحلامك القديمة]
.*.
الأسقفُ معروشةٌ حتى الركبتين ضجيجًا
الأرضيةُ ملساء كـ وَبرِ الثعالب
- النخّاسون؛
يرفعون سِعر السيوفِ في السوقِ،
ويخسِفون بثمنِ الرقاب!
- النجّارون؛
يفتحون شِقًّا
بطولِ الضلوع؛
تبيت فيها النوارسُ
للدفءِ
وترتاحُ القواربُ
من حماقةِ البحار
وزلّات الألويةِ المنكّسةِ بلا صواري
–
لا تسأليني، إذن
لماذا…
أتلصّص عبر شيشِ ضلوعك؟:
- كي ما أسترقُ السمعَ
لمن يهمس خلفه
لمن يبكي – ولا حظّ في أُذنٍ ترِقّ لحاله
لمن ينتحب – وقد صار وعاءً من شجون
لمن ترك مذياعه الصغير مفتوحًا
على صوتِ نشراتِ النميمة
وهي تصدح بالبلادِ التي
تمجّد القادةَ المبجّلين
الذين يعرفون تسعيرةَ الحياةِ
بلا أسئلةٍ تعوق مسيرةَ المباخر.. فوق المضاجعْ
يعرفون تناسقَ الألوانِ
في رُدهاتِ القصورِ، والغبْشة في الأزقة
ولا يعرفون لماذا يموت جائعٌ
– تلو جائعٍ!
– تلو جائعْ!
= لا تسأليني لماذا أصرخ؟:
- لمن فقد ذراعيه؛ يلعن الصرخات في عظامه
- لمن أشعل ما معه من التبغ وأفلس عطشًا،
- لمن ترك بصمته المنوية
فوق ملاءةٍ تغطي أنفاسَ السريرِ الباردةِ/
الباردةِ ولا تدري:
“أيّ جنون في فِعلِ الحبِّ بلا حب؟!”
“أيّ جنونٍ في قُبُلِ الحبِّ بلا حب؟!”
“أيّ إدانةٍ حب في اللاحب؛ فأطلقوا الكلابَ عليه بحُجّةِ الحفاظِ على الحب!”
..[..*..]..
أعرفكِ
من العشبِ الذي أنبتته القراصنةُ
كمأوى شهوتين:
تفرّان من مُدنٍ
لا تجد الوردةُ فيها
غُرفةَ نومٍ
أو كِسرةَ عشبٍ تلتحفُ على فخذيها الزنابقُ..
واللصوصُ
– والصادقون بوعد الملذات
..
أعرفكِ
ولا أنوي أن أجهلَ جسدكِ..
من بدانته التي تُعطي إحساسًا بالسهولِ الجارية
حول ضفافِ نهر
من وعورةِ بُنيانه المرصوصِ فوق شواطئ نسوةٍ
ستَرنَ البحرَ بِعُريهنّ
وتَعَرّين ليكشفن بهاءَ الماءِ
خلعن طفولتهن على مشارفِ القريةِ
ونزحن يقطفن الجرارَ من عباءاتِ السواقي؟!
– ودهشةَ الألويةِ المنبطحةِ
فوق الرمالِ –والقُبّرةُ
يعيد الرقصاتِ بلا أحذيةٍ ترفع رأسها للحضيض!
*-*
خذي مني ما أقوله لكِ؛
فإن البحرَ يتنبأ بي،
بخشخشةِ المرساةِ على نبضهِ الرجراج
يتنبأ بأنني البدوي/الغارق في بداوةِ النعاج
بأنني الثوري/ الشاهق في الظلمةِ بالسراج
تناوبتُ والبحر ممارسةَ الفرارِ
على رذيلةِ الحوائط
لكنني الآن، بعدما أخصوها -ذاكرتي؛
ما عدتُ أصلحُ للتلويح كـ “وردةٍ” ميّتةٍ
في بزّةِ عازفِ “تشيللو”
ينوي أن يموتَ واقفًا
كوهجِ الشمعةِ، في المشكاةِ:
أتلمّسُ الدفءَ من الزجاج!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعر مصري، والديوان صادر مؤخرًا عن دار صفصافة