«Jojo rabbit».. لا شىء منطقيًا الآن

جوجو رابت
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

صفاء النجار

على الرغم من مرور حوالى خمسة وسبعين عامًا على انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط الرايخ الثالث وانتحار هتلر إلا أن هذه الفترة التاريخية التى تمتد من عام ١٩٣٣- عام صعود الحزب النازى بزعامة هتلر لقيادة ألمانيا- إلى عام ١٩٤٥، ما زالت تشغل أذهان السينمائيين، فلا يكاد يمر عام دون أن تقدم معالجة جديدة لجانب من جوانب تلك الفترة. وقد كان شارلى شابلن أول من أشار بجرأة إلى مساوئ النازية وقائدها هتلر واستخدم الكوميديا لتصوير تلك المثالب فى فيلمه «الديكتاتور العظيم» (١٩٤٠).
بعدها توالت عشرات الأفلام التى ابتعدت عن الكوميديا فى تناولها لمآسى فترة الحرب العالمية الثانية، لكن خارج سرب الدراما قدمت السينما عددًا قليلًا من الأفلام التى مزجت الكوميديا الساخرة بالحقائق السوداء، مثل الفيلم الإيطالى «الحياة حلوة» (١٩٩٧) للمخرج روبيرتو بينينى.
وهذا العام تعود الكوميديا لتؤكد أنها تستطيع أن تعالج موضوعات إنسانية عميقة وصراعات نفسية مؤرقة، بفضل مخرجين يحملون رؤية وتصورًا خاصًا عن العالم.
من نيوزيلاندا يقدم لنا المخرج تايكا واتيتى «٤٤ عامًا» مخرج فيلم «ثور» (٢٠١٧) فيلمه الجديد «جوجو رابيت» أو (جوجو الأرنب)، الذى يصور فترة نهاية الحرب العالمية الثانية من منظور الأطفال، من منظور البراءة والثقة المطلقة فيما يقوله الكبار الذين نثق بهم، فالطفل الوحيد جوهنسن «جوجو»، الذى يبلغ من العمر العاشرة، ينضم إلى ما عرف بشبيبة هتلر، وهى منظمة شبه عسكرية أسسها هتلر عام ١٩٢٢ لتدريب الأطفال والمراهقين عسكريًا لتأهيلهم للمشاركة فى الحرب.
تملأ الحماسة نفس «جوجو» وهو يرتدى الزى العسكرى، يردد القسم «أقسم أن أكرس كل طاقتى وقوتى لخدمة منقذ بلدنا، أنا مستعد للتخلى عن حياتى من أجله».

 

ولأن ترديد الشعارات الحماسية قد يحرك القوة فى النفس، وقد يزيف الوعى كاملًا إلا أنه لا يستطيع أن ينقل «جوجو» من عالم الطفولة إلى عالم الكبار، فأثناء التدريب يأمره رفاقه الأكبر بكسر رقبة أرنب، لا يستطيع «جوجو» أن يقتل الأرنب بل يضعه على الأرض ويدعوه للهروب، فيتعرض للسخرية والتنمر من رفاقه، مما يجعله يجرى بعيدًا فى الغابة وينزوى وحيدًا، لكن صديقه الخيالى، والذى هو شخصية الفوهرر هتلر، ينصحه بالتماسك وعدم الاستسلام «الناس يقولون الكثير من الأشياء السيئة عنى، هذا الرجل مجنون، انظروا لهذا المعتوه، سيتسبب فى مقتلنا كلنا، الأرنب المتواضع يواجه مخاطر كل يوم وهو يبحث عن الجزر من أجل عائلته، من أجل بلده».
وفى عبارة تكشف عن زيف وعى هتلر نفسه، وتناقض ما يقوله مع ما يفعله، يحكى للصبى «ستكون إمبراطوريتى مليئة بكل الحيوانات، أسود، زرافات، حمر وحشية، وحيدى قرن، أخطوبوطات…».
هذا التعدد فى إمبراطورية هتلر الحيوانية المتخيلة لم يحدث فى إمبراطوريته الحقيقية التى اجتاح أوروبا لبنائها، فقد عمل على تسيد الجنس الآرى والقضاء على الأجناس الأخرى عبر الإبادة الجماعية.

واستجابة لتشجيع هتلر يندفع «جوجو» للمغامرة تمامًا مثل مرشده دون فهم أو حساب للعواقب.
وتكون النتيجة أن يمسك جوجو بقنبلة يدوية يقذفها دون أن يتعلم كيف يلقيها، فتنفجر فيه وتصيب جسده وتترك ندوبًا واضحة تشوه وجهه، ما يجعله يفقد الثقة فى نفسه، لكن والدته التى تعامله على أنه فيلد مارشال تشجعه على العودة للشبيبة. وبمرور الأحداث يكتشف جوجو أن والدته تخبئ فى السندرة فتاة يهودية، يبدأ «جوجو» فى التعامل معها واكتشاف أن اليهود بشر عاديون لا يختلفون عنه، فتبدأ حيرة طفل بين ما يقوله مرشده صديقه السحرى وأمله فى أن يقبض على يهودى يقدمه لهتلر حتى يصبح من حرسه الخاص ومن المقربين له، وبين حقيقة تعامله مع الفتاة «إلسا» التى تشبه أخته المتوفاة كثيرًا، والتى يتعرف من خلالها على وجه لم يكن يعرفه لأمه وهى أنها ضد هتلر وأفكاره، وقد دفعت به للشبيبة كى تحميه.
يتم القبض على الأم وإعدامها، ويجد جوجو نفسه وحيدًا ثانية لا يعرف أحدًا يثق به إلا «إلسا»، التى تعيد إليه الثقة فى نفسه، وتخفف من وطأة حزنه على والدته التى كانت تكره النازيين.
– جوجو أنت لست نازيًا، أنت طفل عمره عشر سنوات، يرتدى زيًا مضحكًا، ويريد أن ينضم لنادٍ ما.
لذا بعد هزيمة الألمان ودخول الحلفاء ألمانيا، يخبرها بأن ألمانيا انتصرت كى تبقى معه، بعد أن فقد كل عائلته، لكنه يعود ويخبرها بالحقيقة بعد أن يطلب منها أن تثق به كأخ أصغر.
الفيلم يجعلنا نضحك على موضوع اعتبرناه طوال الوقت مأساة، وهو ضحك مبكٍ حزين، لكنه ساخر ولاذع وحاد.
استخدم المخرج المفارقة والسخرية، طوال الفيلم، فعند دخول عناصر من الجستابو منزل جوجو تم ترديد تحية هاى هتلر ٣٣ مرة فى دقيقة واحدة، كى يظهر المخرج- فى لحظة مرحة- سخافة وعدم ضرورية البروتوكول النازى.
كما اهتم بتقديم المدينة الألمانية كمكان سعيد وعصرى وأشخاصه يتبعون الموضة فى ملابسهم ويرتدون ملابس زاهية وعلى الموضة.. صورة جميلة بعيدًا عن الصورة الكئيبة والمظلمة، كما تظهرها عادة أفلام الحرب، لكن تحت السطح كان الرايخ قد سقط وتمت الهزيمة فعلًا وتبخر الحلم.
ويبقى فى الأذن صوت طفل من الشبيبة يختبئ من هول الحرب، وهو يقول: لا شىء منطقيًا الآن.

مقالات من نفس القسم