الغولة .. من مجموعة “كل الأكاذيب”

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

نهلة عبد السلام 

ألمح في عينيك فرحًا طالما انتظرته، وتزكم أنفي رائحة اشتياق تستميت في إخفائه، خانتك موهبتك في “المونتاج”، لأول مرة تنضب أفكارك، تفشل في إحكام أكاذيبك، وصلنا المحطة الأخيرة.. ولا مفر من المواجهة.

 تظنني غاضبة، تفترسني الغيرة ويأكل الحقد قلبي، لطالما آلمتني أحاديث الأمهات، لا تفتأ تدور في فلك أطفالهن، كثيرًا ما رغبت في إخراسهن، الهروب كان بديلًا عن رغبة مجنونة، أفتعل مكالمة تستدعي الذهاب فورًا.. ثم ما ألبث أن أنصرف.

أتدثر بآلامي في كهفي البارد، يبدو الماضى جليًّا رغم غمامة الدموع، تتساقط فتروي أوراقًا شاهدة على أعوام من المعاناة، رحلة الكعب الداير، ما من باب إلا طرَقته، ولا علاجًا إلا وجربته، لم يُقدَّر لي حصد ولو ثمرة، أعود إلى ظلام البئر بانتظار دلو قد ينتشلني، يراودني الأمل عن نفسي، فأهمُّ بجمع بقايا أحلامي ومدخراتي أيضًا.

أعلم أن لا دلو بعد الخمسين، جفَّ نبعي؛ فقررت ذبحي، ساعتها بكيت.. صرخت.. هدَّدت.. ورغم ذلك مضيت، تكفل فيض حبك بطمأنتي أن لا امرأة سواي تشاركني قلبك، وحده طفلك من سيفعلها، لا بأس مادام يشبهك.

اندهش من طلبي رؤية طفله، وهو ما لن يتسنَّى بالطبع إلا في حضرة أمه، التي لم أسمح قبلًا بالتلفظ حتى باسمها، نزل على رغبتي حقنًا للدماء وتوفيرًا للقطن والشاش، بعدما شهد بأم عينه اللوثة التي تصيبني إثر إتيانه على ذِكرها، بتُّ أظنني الغولة في روايته، وعلى النقيض من “تبارك”، تلك الدخيلة التي اقتحمت حياتي بلا “إحم أو دستور”، صحيح فقيرة لكن محظوظة، مؤكد ترفل في خير زوجي، ما جمعتُه وإياه على مدار سنوات الغربة.

عجزت عن تفسير مشاعري المتضاربة، تَوْقي إلى ضم “يوسف”، وفي ذات الوقت قلقي من انغماس زوجي في تفاصيل يشتاقها منذ سنين، ربما شيئًا فشيئًا أصير إلى عضو شرفي.. عضو يمكن الاستغناء عنه.

اجتهدت في تعطيل أجهزتي الدفاعية، لربما مرَّت الليلة بسلام، تمنيت لو نزلت السكينة على قلبي، انتُزعت منه غيرة النساء، استندت للحائط بينما أصعد الدرج تحت وطأة ثقل مخاوفي وهواجسي، بضع دقائق وأضحى في حضرة غريمتي، على أرضها وفي ملعبها، لتبدأ مباراة اختُزل مشاهدوها في شخص واحد، قطعًا سيميل قلبه لمن منحته مراده، ارتجفت حين دسَّ يده في جيبه فأخرج المفتاح.

لم يكن أثقل على لساني من مجاملتها، لذا تعمدت الزجَّ بزوجي في الحوار..”يتربَّى في عِزك وعِز منصور”، لست أدري أيَّ طبقة صوت وُهبت، نبرتها تقطر حنانًا.. “وفي حجرك وفي حضنك”، تطبطب على الروح.. “محظوظ “يوسف”.. له بدل الأم أُمِّين”.

للتو أتمت “تبارك” العشرين، سبق وأن تزوجت.. ستة أشهر وعادت حُبْلى، ربما تسبب ما لاقته من قهر في إجهاضها، وجد “منصور” ضالته فيها، صغيرة وجميلة، ولها تجربة منحته طمأنينة، لا خيارات كثيرة لمَن هن في مثل ظرفها، وإحقاقًا للحق هي لم تسعَ إلى جرحي أو مكايدتي، بل حاولت التودد إليَّ فصددتها، ربما حري بي النظر إليها بعين الرضا.

استأذَنَت لبعض الوقت، تركتني وزوجي وحدنا.. ما سمح بتبديد غربتي، عادت تحمله.. ناولتني إياه، ضممته وبلا إرادة منِّي بلَّلَت دموعي وجْهه!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 روائية وقاصّة مصرية .. والمجموعة تصدر عن بيت الحكمة .. معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025

مقالات من نفس القسم