رجاء غانم
ضوءٌ خافت
بقَدَمَيْن حافيَتَيْن
مشيتُ الطريقَ المُؤدِّيةَ إليكَ
بقَدَمَيْن صغيرَتَيْن
لا تُشبهان أقدامَ النساءِ
في هذه البقعةِ
الجغرافيةِ من العالم
بقَدَمَيْن وحيدَتَيْن
عاشقَتَيْن
قرَّرتُ المضي إليكَ
كنتُ مريضةً بالحُبِّ
وببلادٍ طردتْني
من مُدُنِها وشواطئِها كلِّها
وبعصفورٍ مشاكسٍ
أُرجعُهُ كلّ مرَّةٍ إلى قفصِ الروح
كنتُ محمَّلةً بورقِ تبغٍ كثيرٍ،
وأغانٍ لم يعد يسمعُها أحد
قَدَمَايَ مشقَّقتان
ومن تلك الشقوقِ المتعَبةِ
كان يلمعُ نور لشيءٍ نعرفُ طعمَهُ جيِّدًا
واسمُهُ الحبُّ
امرأةً
مشتْ بقَدَمَيْها العاريَتَيْن فوقَ خرائطَ لا تعترفُ بمعجزة
وتخافُ أن ترجعَ إلى القبيلةِ هناك
حيثُ تلمعُ عيونُ الرجالِ بثأر
وتنتظرُها
أربعون جَلْدَة
………………………………….
دثّريني
أعرفُ كم أتعبتْكَ المرافئُ الباردةُ، يا حبيبي
أعرفُ كم رماكَ المارَّةُ بحجارة
أَدْمَتْ جبينَكَ وباطنَ قَدَمِكَ المصابة
أعرفُ كم نورسًا فرَّ منكَ
وكم نرجسةً خبَّأتْ عطرَهَا عنكَ
فتعالَ إلى كهفِنَا الذي تعرفُ
وقلْ ما يقولُهُ رجلٌ في التماعةِ السُّكْرِ الإلهيِّ لامرأتِهِ:
«دَثِّرِيْني»
لأرى اسمِيَ من جديد
بأحرفٍ أربعةٍ واضحة
دَثِّرِيْني،
فقلبُكِ أصغرُ من قلبِ عصفور
وأوسعُ من نبعٍ على رأسِ الجبل
خُذينِي إليكِ مرَّةً واحدة
لأعرفَ أن الجهاتِ أربع
وأن الفصولَ أربعة
وأساساتِ بيتِ السَّكَنِ أربع
وأن للقلبِ حجراتٍ أربع، تملئينَها وحدَكِ
وأنا لن أقولَ شيئًا، يا حبيبي
سأفتحُ ذراعَيَّ لتهربَ إليَّ
تهربَ وقد حملتَ من كلِّ نوعٍ زوجان
من كلِّ نوعٍ أحببناه
ستُبحِرُ بكَ سفينتي
فيما يخرجُ الجنُّ من باطنِ الأرض
بسهامٍ من نارٍ يرموننا
يرمقُنا الرَّبُّ بنظرةِ الشَّكِّ
من عليائِهِ
ونُبحِرُ
وسنأخذُ حصَّتَنا كاملةً من اللعنات
ستُسبِّحُ الملائكةُ أن أَحرِقُوا السفينةَ
ومَنْ عليها.
أمِّي تخرجُ مُفتِّشةً العتباتِ كلَّها، البيوتَ كلَّها، عن بنتٍ اختفتْ في ليلةٍ من ليالي آذار.
فيما أمُّكَ تُشعِلُ شموعًا للأولياء،
وتبكي كأيَّةِ فلَّاحةٍ أضاعتْ ابنَهَا في العاصمةِ المزدحمةِ سأمسحُ جروحَكَ
وأضعُ يدي على ظهرِكَ هناكَ بين الفقرةِ الرابعةِ والخامسةِ، حيثُ أكلَكَ ألمُ الديسكِ لسنواتٍ وسنوات
وتألَّمتْ معكَ، يا ألمَ كمنجاتي كلِّها
سأضعُ يدي وأفاوضُكَ، يا ألمُ،
أُساومُكَ كي تغادرَ جسدَ حبيبي
أُساومُكَ على جسدي،
على غلَّةِ القمحِ في حقلي،
على حصَّتي من الغزلانِ البرِّيَّة
وعلى مقعدي في جنَّةِ الرَّبِّ البعيدة،
وعلى العشبِ الطَّرِيِّ يزحفُ تحتَ أقدامِ الغابة
سأُقبِّلُكَ وأُساومُكَ، يا ألمُ،
كي تخرجَ من جسدِ حبيبي
فأُدَثِّرَهُ كما يجبُ، وأنتظرَ نبوءَتنا القادمة
من نظرةٍ، أَلِفْتُها في عَينَيْه.
……………………….
عن الضّحكِ وفساتينِ الأمَّهات
أُغمضُ عينَيّ
عَتْمَةٌ أيضًا
تُضافُ للعَتْمَةِ الراقدةِ على مَدِّ البصر
الفرقُ أنها عَتمتِي أنا، أمشي إليها بإرادتي
على عكسِ العَتْمَةِ المبصرَةِ، تأكلُني بأنيابٍ يومية
كنَّا صغارًا
نضحكُ كثيرًا
نغرفُ قَدْرَ ما نشتهي من جِرارِ الضحك
لا نشبع
لا تنضبُ الجِرار
كنَّا صغارًا
نضحكُ كثيرًا
في الزمانِ البعيدِ حين ارتدتْ أمَّهاتُنا فساتينَ تصلُ لفوقِ الرُّكبة
وأشعلنَ سجائرَ كينت طويل
في زمانٍ بعيد كان الضحكُ ملءَ الجِرار
سأعدُّ: واحدٌ اثنان ثلاثةٌ، وأقولُ أحبُّكَ
ستعدُّ أنتَ: واحدٌ اثنان ثلاثةٌ، وتُطلقُ الرصاصةَ نحوي أشياءُ بسيطةٌ لم أقلْها لكَ
كمثلِ أنني أحبُّ أن أقولَ لكَ أشيائي البسيطة
لم يجمعْنا شيء
لا كتاباتُ شمبورسكا، ولا بكاءُ الأفلامِ الساذج
، ولا الخوفُ من انتهاء الربيع،
ولا الحوارُ الدائرُ عن ارتفاعِ حرارةِ الأرض
ولكنْ، بشكلٍ ما أسَّسنا حياةً معًا
أهكذا تُسمَّى: حياة؟ فنلعب اللعبةَ إذًا حتَّى آخرَها
ننظرُ للعدمِ في عينِهِ، ونقولُ: أنتُ المنتصرُ الوحيد
كان حُبُّنا محظورًا
يشبهُ بلادَنا التي تمنعُ تجمُّع أكثرِ من عشرةِ أشخاصٍ في مكانٍ عامٍّ
نشبهُ بلادَنا وتُشبهُنا
البلادُ التي تخافُ التَّجمُّعاتِ هي ذاتُها التي تقبرُ الحُبَّ
سيموتُ الجنرالُ، ويخلِّفُ وراءَهُ عددًا لا بأسَ به من الأحفاد
وسيموتُ الجَدُّ الفقيرُ مُخلِّفًا عددًا جيِّدًا من الأحفادِ أيضًا
وبهذه الأعدادِ الدسمةِ سنُكملُ إعطاءَ العدمِ اسمَهُ من جديد
سنموت بقدسيّة لنخلقه كل يومٍ من جديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعرة فلسطينية، الديوان صدر عن دار المتوسط 2019




