قصائد من “عن الضحك والغيتار البرتقالي والحرب”

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
أعرفُ كم أتعبتْكَ المرافئُ الباردةُ، يا حبيبي ..

رجاء غانم

ضوءٌ خافت 

‫ بقَدَمَيْن حافيَتَيْن

مشيتُ الطريقَ المُؤدِّيةَ إليكَ

بقَدَمَيْن صغيرَتَيْن

‫ لا تُشبهان أقدامَ النساءِ

في هذه البقعةِ

الجغرافيةِ من العالم

‫ بقَدَمَيْن وحيدَتَيْن

عاشقَتَيْن

‫ قرَّرتُ المضي إليكَ

كنتُ مريضةً بالحُبِّ

‫ وببلادٍ طردتْني

من مُدُنِها وشواطئِها كلِّها

وبعصفورٍ مشاكسٍ

أُرجعُهُ كلّ مرَّةٍ إلى قفصِ الروح

‫ كنتُ محمَّلةً بورقِ تبغٍ كثيرٍ،

وأغانٍ لم يعد يسمعُها أحد

‫ قَدَمَايَ مشقَّقتان

ومن تلك الشقوقِ المتعَبةِ

كان يلمعُ نور ‫ لشيءٍ نعرفُ طعمَهُ جيِّدًا

‫ واسمُهُ الحبُّ

‫ امرأةً

مشتْ بقَدَمَيْها العاريَتَيْن فوقَ خرائطَ لا تعترفُ بمعجزة

‫ وتخافُ أن ترجعَ إلى القبيلةِ هناك

‫ حيثُ تلمعُ عيونُ الرجالِ بثأر

‫ وتنتظرُها

‫ أربعون جَلْدَة

………………………………….

 دثّريني 

أعرفُ كم أتعبتْكَ المرافئُ الباردةُ، يا حبيبي

أعرفُ كم رماكَ المارَّةُ بحجارة

‫ أَدْمَتْ جبينَكَ وباطنَ قَدَمِكَ المصابة

‫ أعرفُ كم نورسًا فرَّ منكَ ‫

وكم نرجسةً خبَّأتْ عطرَهَا عنكَ

فتعالَ إلى كهفِنَا الذي تعرفُ

وقلْ ما يقولُهُ رجلٌ في التماعةِ السُّكْرِ الإلهيِّ لامرأتِهِ: ‫

«دَثِّرِيْني»

لأرى اسمِيَ من جديد

بأحرفٍ أربعةٍ واضحة ‫

دَثِّرِيْني،

فقلبُكِ أصغرُ من قلبِ عصفور

‫وأوسعُ من نبعٍ على رأسِ الجبل

‫خُذينِي إليكِ مرَّةً واحدة ‫

لأعرفَ أن الجهاتِ أربع

‫ وأن الفصولَ أربعة

‫وأساساتِ بيتِ السَّكَنِ أربع

وأن للقلبِ حجراتٍ أربع، تملئينَها وحدَكِ

‫وأنا لن أقولَ شيئًا، يا حبيبي

سأفتحُ ذراعَيَّ لتهربَ إليَّ

‫ تهربَ وقد حملتَ من كلِّ نوعٍ زوجان ‫

من كلِّ نوعٍ أحببناه

ستُبحِرُ بكَ سفينتي

فيما يخرجُ الجنُّ من باطنِ الأرض

‫ بسهامٍ من نارٍ يرموننا

‫ يرمقُنا الرَّبُّ بنظرةِ الشَّكِّ

من عليائِهِ

ونُبحِرُ

‫ وسنأخذُ حصَّتَنا كاملةً من اللعنات

‫ ستُسبِّحُ الملائكةُ أن أَحرِقُوا السفينةَ

ومَنْ عليها.

‫ أمِّي تخرجُ مُفتِّشةً العتباتِ كلَّها، البيوتَ كلَّها، عن بنتٍ اختفتْ في ليلةٍ من ليالي آذار.‫

فيما أمُّكَ تُشعِلُ شموعًا للأولياء،

وتبكي كأيَّةِ فلَّاحةٍ أضاعتْ ابنَهَا في العاصمةِ المزدحمةِ ‫ سأمسحُ جروحَكَ

وأضعُ يدي على ظهرِكَ هناكَ بين الفقرةِ الرابعةِ والخامسةِ، حيثُ أكلَكَ ألمُ الديسكِ لسنواتٍ وسنوات

‫ وتألَّمتْ معكَ، يا ألمَ كمنجاتي كلِّها

 سأضعُ يدي وأفاوضُكَ، يا ألمُ،

أُساومُكَ كي تغادرَ جسدَ حبيبي

‫ أُساومُكَ على جسدي،

على غلَّةِ القمحِ في حقلي،

على حصَّتي من الغزلانِ البرِّيَّة

‫ وعلى مقعدي في جنَّةِ الرَّبِّ البعيدة،

وعلى العشبِ الطَّرِيِّ يزحفُ تحتَ أقدامِ الغابة ‫

سأُقبِّلُكَ وأُساومُكَ، يا ألمُ،

كي تخرجَ من جسدِ حبيبي

‫ فأُدَثِّرَهُ كما يجبُ، وأنتظرَ نبوءَتنا القادمة

‫ من نظرةٍ، أَلِفْتُها في عَينَيْه.

……………………….

عن الضّحكِ وفساتينِ الأمَّهات

‫ أُغمضُ عينَيّ

‫ عَتْمَةٌ أيضًا

‫ تُضافُ للعَتْمَةِ الراقدةِ على مَدِّ البصر

‫ الفرقُ أنها عَتمتِي أنا، أمشي إليها بإرادتي

‫ على عكسِ العَتْمَةِ المبصرَةِ، تأكلُني بأنيابٍ يومية

‫ كنَّا صغارًا

‫ نضحكُ كثيرًا

‫ نغرفُ قَدْرَ ما نشتهي من جِرارِ الضحك

‫ لا نشبع

‫ لا تنضبُ الجِرار

‫ كنَّا صغارًا

‫ نضحكُ كثيرًا

‫ في الزمانِ البعيدِ حين ارتدتْ أمَّهاتُنا فساتينَ تصلُ لفوقِ الرُّكبة

‫ وأشعلنَ سجائرَ كينت طويل

في زمانٍ بعيد ‫ كان الضحكُ ملءَ الجِرار

‫ سأعدُّ: واحدٌ اثنان ثلاثةٌ، وأقولُ أحبُّكَ

‫ ستعدُّ أنتَ: واحدٌ اثنان ثلاثةٌ، وتُطلقُ الرصاصةَ نحوي ‫ أشياءُ بسيطةٌ لم أقلْها لكَ

كمثلِ أنني أحبُّ أن أقولَ لكَ أشيائي البسيطة ‫

لم يجمعْنا شيء ‫

لا كتاباتُ شمبورسكا، ولا بكاءُ الأفلامِ الساذج

، ولا الخوفُ من انتهاء الربيع،

‫ ولا الحوارُ الدائرُ عن ارتفاعِ حرارةِ الأرض

‫ ولكنْ، بشكلٍ ما أسَّسنا حياةً معًا

أهكذا تُسمَّى: حياة؟ ‫ فنلعب اللعبةَ إذًا حتَّى آخرَها

ننظرُ للعدمِ في عينِهِ، ونقولُ: أنتُ المنتصرُ الوحيد

‫ كان حُبُّنا محظورًا

‫ يشبهُ بلادَنا التي تمنعُ تجمُّع أكثرِ من عشرةِ أشخاصٍ في مكانٍ عامٍّ

‫ نشبهُ بلادَنا وتُشبهُنا ‫

البلادُ التي تخافُ التَّجمُّعاتِ هي ذاتُها التي تقبرُ الحُبَّ

سيموتُ الجنرالُ، ويخلِّفُ وراءَهُ عددًا لا بأسَ به من الأحفاد ‫

وسيموتُ الجَدُّ الفقيرُ مُخلِّفًا عددًا جيِّدًا من الأحفادِ أيضًا ‫

وبهذه الأعدادِ الدسمةِ سنُكملُ إعطاءَ العدمِ اسمَهُ من جديد

سنموت بقدسيّة لنخلقه كل يومٍ من جديد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعرة فلسطينية، الديوان صدر عن دار المتوسط 2019

مقالات من نفس القسم