صفاء النجار
ميليسا مكارثى بدأت حياتها الفنية كوميديانة على المسرح فى مدينة نيويورك قبل انتقالها للعيش فى لوس أنجلوس فى أواخر التسعينيات
قدرة الإنسان على التطور والتجدد هى التى تحفظ للإنسان وجوده، بل وتدفعه قدمًا للأمام.. ألا يحبس الإنسان نفسه فى صورة، أو إطار معين حتى إذا حقق من ورائه نجاحًا وشهرة، المعادلات دائمًا متغيرة، خاصة فيما يخص أذواق الجماهير، والفنان الذكى هو الذى يجدد جلده باستمرار ويغير شروط نجاحه.
هذا ما فعلته الممثلة الأمريكية «ميليسا مكارثى» فى دورها الجديد فى فيلم «هل يمكن أن تغفروا لى» «?can you forgive me»، المرشحة عنه لجائزة الأوسكار كأحسن ممثلة هذا العام.
بدأت الممثلة الأمريكية، البالغة من العمر ٤٧ عامًا، حياتها الفنية كوميديانة على المسرح فى مدينة نيويورك، قبل انتقالها للعيش فى لوس أنجلوس فى أواخر التسعينيات.. وعبر خطوات بطيئة، ومن خلال العديد من المسلسلات والأفلام التليفزيونية، وصلت «مكارثى» إلى المسلسل التليفزيونى، الذى وضعها على طريق الشهرة «Gilmore Girls» الذى بدأ عام ٢٠٠٠، وبدأت تلفت الانتباه إلى أدوارها مع فيلمى «The Kid»،«Charlie›s Angels»، وإن لم تحظَ بالشهرة والنجومية، حتى جاء عام ٢٠٠١١، وشاركت فى فيلم «Bridesmaids»، حيث رُشحت لجائزة الأوسكار عن دورها لشخصية «ميجان» عن فئة أفضل ممثلة دور مساعد، وتوالى نجاحها باشتراكها مع النجمة «ساندرا بولوك» فى فيلم «the heat» ٢٠١٣.
تعرضت «ميليسيا مكارثى»، خلال مسيرتها الفنية لانتقادات عديدة بسبب زيادة وزنها، حتى إن أحد النقاد وصفها، فى عام ٢٠١٣، بأنها «أنثى فرس النهر»، وكيف أنها نموذج غير جيد للفتيات الصغيرات، وأنها تتخذ من الكوميديا وسيلة للتحايل على المجتمع كى يتقبلها بصورتها البدينة.. وكان رد «مكارثى»: «إذا قرأت هذا المقال فى العشرينات من عمرى لربما صُدمت، ولكن الآن تعلمت أن تشوه الجسد يأتى من الداخل وليس من الخارج».
ورغم الثقة التى أبدتها «مكارثى» تجاه شكلها وجسدها، إلا أنها بدأت فى اتباع حمية غذائية جعلتها تنقص أكثر من ٣٥ كيلو خلال شهور قليلة، وما زال الطريق أمامها طويلًا للوصول للوزن المناسب، إن لم يكن من أجل الجمال فمن أجل المحافظة على صحتها، وهى الأهم.
تستند قصة فيلم «هل يمكن أن تغفروا لى؟» إلى واقعة حقيقية، بطلتها كاتبة السير الذاتية «لى إزرائيل»، التى تراجعت شهرتها وتأخرت مهنيًا ولم يعد هناك إقبال على ما تكتب، ولم يعد هناك ناشر يقبل بأن تعمل لديه، فلجأت إلى تزوير رسائل المشاهير وبيعها، وبعد ظهور الحقيقة ومحاكمتها، سجّلت «لى إزرائيل» ما حدث فى كتاب حظى على شهرة كبيرة.
وقد ساعدت الملامح الجسدية، وزيادة الوزن لـ«مكارثى»، فى التعبير عن جوانب الشخصية التى قدمتها بمهارة وإتقان، جعلتنا نتعاطف مع الشخصية ونتفهم دوافع جريمتها، لكننا لم نحبها بسبب الفوضى والاستهتار اللذين رافقا أفعالها، وعندما بحثت فى سيرة الكاتبة «لى إزرائيل» وجدتها تطابق الصورة التى ظهرت عليها «مكارثى» فى الفيلم، من حيث الحجم وعدم الاهتمام بالمظهر، وإن كانت مكارثى أكثر جمالًا.
سبق لمكارثى أن لعبت دور السارقة فى فيلم «Identity Thief»، وكان أداؤها كوميديًا مبهجًا، دون إحساس بالندم أو تقدير للعواقب، لكن «مكارثى» فى دورها الجديد استطاعت، من خلال تعبيرات وجهها فقط ودون كلمات، أن تجسد الصراع داخل الشخصية بين حاجتها للمال التى وصلت إلى حد عجزها عن دفع إيجار شقتها لشهور، وتوفير الدواء لقطتها المريضة، وبين ما تقوم به من تزوير لرسائل نجوم سينما وكتاب مشهورين والادعاء أنها رسائل أصلية، وعندما بدأت الشكوك حول الرسائل التى تبيعها لجامعى الوثائق، لجأت إلى سرقة الرسائل الأصلية من أرشيف النجوم ووضع رسائل مزيفة بدلًا منها.
وقد أظهر الفيلم أن عدم قدرة الشخصية الرئيسية على التأقلم وحسن تقدير الأمور والاستماع لنصائح وتوجيهات الخبراء فى مجال العمل، وتجديد طاقة الإنسان، قد يؤدى به إلى التجمد والتراجع والانزلاق لهاوية لا يتخيل عواقبها.
وقد استفادت «مكارثى» بخروجها من ثوب الكوميديا إلى الأداء الدرامى الذى رشحها للأوسكار، ولفت الأنظار إلى إمكانياتها الفنية المتنوعة.