هذا ماحدث بالتمام مع مرثية: “تصبحين على خير”، كنت أحايل نفسي، بشراب القرفة باللبن ثم بالنعناع مع الشاي الأخضر، طالبة تخفيض ضغطي الذي تصاعد بعد ركاكة مروعة داهمتني في صفحة أولى لجريدة صباحية.
متهيبة قرأت الصفحة الأخيرة: “في آخر كل حزن فرح في آخر كل موت حياة نعم تصبحين على خير.” قلت لنفسي: صحيح في آخر كل موت حياة لكن من يضمن الفرح؟
دخلت البداية متشجعة: “بروح شابة تنظرين إلى يدك المسنة بدهشة كأنها ليست لك وأن هذه التجاعيد تخص امرأة أخري، أفنت نور يديها في غسيل الملابس والصحون. يد عمياء تتحسس طريقها إلى التراب قبل العملية بقليل نزعت خاتمك وابتسمت كموظف يستريح بعد أن يسلم آخر عهدة له.”
لقطات تتتالى، خطوات رشيقة في حديقة الحزن الأخضر. يأسرني خفوت نواحها. تدمع عيناي رغم رسم ابتسامة عريضة.
أيجوز لي أن أكسر إيقاع التوليف الراسم للملامح العزيزة درءا للإضمحلال؟ أجذب : “كل مساء، ولساعات متأخرة من الليل تظلين ساهرة تحتفلين بقطع أواصر المحبة مع الماضي تحولين صورك النادرة إلى آلاف المزق الصغيرة المبعثرة على السرير تكسرين الأحجار الكبيرة للذكرى وتحولينها إلى تراب لم يبق دليل على حياة كنت أحد أبطالها لا أعرف أي مخبر سري كنت تتوقعين ظهوره بعد موتك ليقيم الحجة عليك.”
قصيد طويل سحبني معه إلى شاطئ الطيبة يطعمني فاكهة فواكه الآلام :”كان بيتنا حزينا ولكنه حزن شفيف لايورث كان نصيبك فائقا منه بموتك، انحسر هذا الحزن وأصبح كندبة وردية لحرق قديم كوسام من ماض غير قابل للتكرار.”
حملت المرثية بيدي ووضعتها بإحترام واجب عند رف بمكتبتي قريب شاكرة لها صنيعها في مداواتي، وعند النظرة المودعة تأكدت أن غلافها جزء لا يتجزأ من صوتها الناطق من تحت الشباك: “تصبحين على خير“.