يَتَحَـــرَّكُ اللَّـيْلُ*

يَتَحَـــرَّكُ اللَّـيْلُ*
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد هلالي

I.

يتحرك الليلُ في أحشائي

وعلى رصيف القلب امرأة

تغالب ضحكتها

وتحتسي شايَ وحشَتها الدَّافئ.

تقلقني جوقة صراصير

تعزف أناشيد الغياب،

و من نشيد لآخر

تستطيب طعم دمي المراق على الأوتار.

II.

يتحرك الليلُ

لا شتلة ضوء في الكون

تستطيع أن تمد جذور أشعتها في حناياي

و تبلسم صيحتي بالفراشات.

III.

يتحرك الليلُ

و قد لا تأتي النسمة المشتهاة

لكن من المهم جدا

أن أبقى عرضة لريح أسئلتك أيها الشعر،

ففي الغُرَفِ العميقة للرُّوح

تركن تنكات الخمر المجيدة

منتظرة حفل الدم البهيج.

IV.

يتحرك الليلُ

فيما السماء يحتلها أطفال عمالقة،

يبتهجون لكل حبة مطر تسقط في عيونهم

يرافقون الله إلى حيث تُنْسَجُ خيوط الصباح.

إذْ لطالما تساءلت و أنا صغير

مثل حجر الوادي الصقيل

عن الصباح و قدرته الهائلة على مسح حلكة الليل

دون مواد كيميائية

عن الليل و قدرته العجيبة على محو كل تمايزات النهار

دون طلاء

عن الأمل و حدّة منقاره المعدني

إذ يخترق جدران اليأس الواقفة في فوهة الوقت.

V.

يتحرك الليلُ،

لا يتخذ وجهة محددة

قريبة أو بعيدة.

أخشى أن تزيغ قرنه الشبقة

لتمحو نقوش الأمل عن صوان الحقيقة

فتضيع في رمل التيه كل الجهات.

يا سليل الضياع

دُسَّ نقطة ماء في جراب سفرك

قد توقظ شهوة المسافات في قدميك

و تولد من هيبتها،

في صحراء الأعماق، عشبة سحرية

تبلسم وجه الحقيقة في المرآة المهشَّمة.

VI.

يتحرك الليلُ،

معه تتحرك دقائق الذكرى

في أعماقي

لفيف من السمك يتجول

في بحيرة الأحلام

مثل نساء خرجن للتو من أمسية ماجنة.

و أنا كلما جلست إلى قهوتي المفردة

أتأمل قمر الصحراء البعيد

تساءلت

عن هوية الصبي الذي يفقأ عين النهار بزهو

جندي عائد من ساحة انتصار.

VII.

يتحرك الليل،

تهتز من حولي الصحون في المطبخ

و الكتب في الرفوف

تختلط أرقام صفحاتها

وحده أنين أبي في الطابق الأخير من سلم الألم

يبقى مرتبا،

و منظما مثل خطوط نار في الحنايا.

و حدها صرخته في حجرةِ الليل

حادة و مسنَّنة،

حارة و مسمَّمة،

ترقص على حافة الموت

و تلعب مع الليل لعبة “الغميضة“.

VIII.

يتحرك الليل في أبعد نقطة مني

و يستمني الفجر على قارعة أحلامي

و أنا وحدي أستلذ ملمس الخنجر في صدري

أراوغ صمت الطرقات

و نبض الطعنات

و شكل الضربات

بكلمة أو حرف

لا تستطيب ماؤه الصحاري.

IX.

يتحرك الليل،

لا حديث في مقاهي الفقراء

سوى عن أسعار البنزين و الخبز

و كرة القدم الإسبانية

أمي في بيتها تخلط عجين عزلتها بالدموع

و تكور الحزن كويْراتٍ

تنضجُها فوق سعير قلبها.

X.

الأسماء التي علقت بجدران ذاكرتي

بدأت تتقشَّر بفعل شمس الألم

مثل طلاء رخيصٍ،

ثمة من يعمد من حين لآخر

على أن يمد كهرباء حزنِك بمزيد من الخيوط

كي يعم ضوؤها كامل عمارة الجسد.

لولا مطر الروح الذي لا يملك سرَّها الرعاةُ المبتدؤون،

لولاه لكانت أعشاب الروح احترقت

و ماتت حبَّاتُ الضوء المنتشرة في ظلالها.

XI.

يتحرك الليل و تبقى السماء

من فوقنا مثل سقف هدَّته أفكار الشرِّ

لا أمل في الوصول إلى سطح رأسي

حيث الأفكار تنعم بالحرية

و تعيش في كنفها فيلة مجهرية

همها الوحيد أن تخرب شعب الأشجار

و تمدَّ الغابة بمزيد من الصراخ.

هل يُصدِّق الله

أن ثمة من ينتحل دوْرَه

و أن ثمة من يتناكفون في السوق

من أجل أن يشتروا

خلطة خارقة تبقيهم أقرب إلى الوهم

و تزرع في بيوتهم

مصابيح افتراضية تُلْهِمُ أطفالهم

مزيدا من الوهم.

XII.

يتحرك الليلُ،

و تتحرك معه الكلمات في سريرتي،

يصعد الدم الأسود أدراج الشك

و ترتوي شجرة اليقين من ماء توجساتي.

يد ما، لا علم لي بمذاقها

تعصر عناقيد الحزن فوق صدري

و تلوي أعناق الأزهار الصغيرة في ضحكتي.

XIII.

يتحرك الليل في ذاكرتي

ترسم طائرة الوجع سطرها الأخير

في سماء حيرتي

يد من شمع قطفت قرص الشمس

و تركتني في الظلام

أتخبط مثل طير جريح.

XIV.

يتحرك الليل في شرايني

مثل موكب امبراطور في طريقه إلى قصره

تختنق خلاياي بالزعيق و النعيق

زحمة لا أملك أن أخرج من تفاصيلها الشائكة

إلا بإغراق الرأس في كأس زرقاء

خلَّفها المساء على حافَّة الوقت.

أين أخبئُ أغراضي، و قد داهمني النهار

و دمُ الكلمة لا يزال يقطر من خنجر المجاز!!

هل ثمة متسع بين نهديك أيها الفجر

كي أخفي فواصلي و حروفي و حبري لليلة قادمة؟

XV.

يتحرك الليل، يخفره عسَسُ

من كل الجهات

و أنا أحتسي كأس يقيني المهشَّمة

و أغني لطفلي الهش

و للعصافير المقيمة في شباك الحقيقة

نشيد الانكسار.

من شرفتي أراهم يحملون ما خَفَّ نصّه

و ثَقُلَ مجازه

يحشونه في أكياس حديثة

ثم يختفون في صفحات التاريخ.

XVI.

يتحرك الليل،

النجمة الأنيقة في الأفق البعيد

و القمر المكتمل الاستدارة فوق رأسي يكتب سيرة الوجود،

يا الله! ماذا أفعل بهذا الندى المتكوكب فوق زجاج الروح؟

و اليد الجائعة للتراب

بماذا أطعمها،

و أين أواري ما تبقى من ملح السهرة في الدموع

و البرد المتجول في العروق

يحتطب بكل شره

مسافات الحنين،

و رصاصة الحب التي في صدري

من يوقف تجوالها في الجسد؟

XVII.

يتحرك الليل في المسافة الفاصلة

بين الجرح الغائر

و صمت القميص الملقى في الفراغ

شمس ما ترتعش على عتبة احتضاري،

يتحرك الليل

يتحرك الرمل الحار في عروقي

و المساء يتحركُ

و الصبح يتحركُ

و النهار و السنوات و الأيام التي بلا اسم

تتحرك في الضوء الفاصل بين رنين كلمتي

و أنين خطواتي،

يتحرك كل شيءٍ

في أعماقي

حولي

في طريقي

في قصيدتي

في أحلامي

و تبقى أنت أيها الألمُ

حقيقة لا شريك لها

واقفا في ساحة يقظتي

مثل ذنب باذح،

مثل حرف الألف.

ـــــــــــــــــــــ

*عنوان عمل للشاعر البلجيكي هنري ميشو La nuit remue .

*شاعر من المغرب

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم