سيرة الاختباء (24)

ممدوح رزق
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ممدوح رزق

التسامح ليس سمة الأقوياء فقط

ولا الضعفاء فقط

وإنما الضجرين أيضًا

فاقدي الرغبة في تغذية رتابة العالم

بالانتقام.

والكسالى

المؤمنين بأن الاستلقاء فوق أريكة أغلب اليوم

أكثر ضرورة من الثأر.

والذين لا وقت لديهم لرد الأذى

حيث أعمارهم مشغولة دائمًا

في التلويح للغيب

بإصبع واحد.

كل كتابة ـ كأي شيء آخر ـ دافعها الغضب، وإن لم يكن ملموسًا لكاتبها.. الغضب الكامن في النقصان، أي في كل ما ينجم طوال الوقت عن تكوينك المناقض للألوهة.. ثمة من يعتبر أن تشريح الغضب ليس جوهرًا للكتابة فحسب، بل للحياة أيضًا.

أن تكتب انتقامًا موجهًا لأشخاص بعينهم فهذا حق لا يخضع للتفاوض.. لكن الأمر ـ مثلما كتبت في رسالة سابقة للصديقة الشاعرة مريم شريف ـ يتجاوز حتمًا تصفية حساب شاملة طال تأجيلها، أو انتظرت وقتًا كبيرًا للغاية حتى تتم في موعدها المناسب، وبالكيفية وحدها التي تلائمني كبصمة أو ما أطمع أن تكون كذلك.. دائمًا يتعلق الأمر بثأر يتخطى أشخاص بعينهم.. يتعلق بما يجسدونه.. بالعالم نفسه.. الموت.. أشباح السماء المتوارية داخل الأغوار الغامضة للذات.. الظلام القابض على ماوراء الوجود.. الصمت المبهم لحكمة الحياة الذي يحوم الخيال حول حصانته.. يتعلق الأمر بالألم كحتمية مطلقة، كقرار كوني ملغز ينبغي أن يكون له مصدر تتأمل المهانة روحها بواسطة غيابه.  

أن يدرك القارئ ـ والذي قد يكون أحد المستهدفين بالسخرية الانتقامية ـ هذا التجاوز فهو ما لا تُشغل الكتابة نفسها به.. ليس هناك تعمّد لتمرير ذلك الفهم بأن الثأر ليس شخصيًا كما يبدو.. تشكّل الكتابة كابوسها الخاص، أو دعابتها اللغوية وفقًا لما تمثله علاقتها بالعدم في تلك اللحظة دون حرص مستقل على ترك أدوات مساعدة يمكن لأحد استعمالها في تخطي “تصفية الحساب”.. إما أن تعثر أشلاء كينونتك على ذاكرة مختلفة لها في تلك الكلمات أو لا.. إما أن تتلصص على السر مستخدمًا بصيرتي أو تتسمّر وراء جدارك الشخصي مرددًا “إنه ينتقم فحسب”.

لأنني ضجر، وكسول، ولا وقت لدي لرد الأذى؛ فإنني أكتب.

مقالات من نفس القسم