د. مصطفى الضبع
في حياة الأمم كما في حياة الأفراد لا تقدم بدون طرح أسئلة من شأنها استشراف المستقبل، أو مراجعة الماضي، أو البحث عن حلول للمشكلات، أو محاولة فهم مايستعصي على الفهم ولا غنى للإنسان عن فهمه.
في ثقافتنا العربية عامة والمصرية خاصة نحن معنيون بطرح أسئلة فاسدة، لا علاقة لها بالواقع ولا هي تدفعنا للتقدم تكشف عن مساحات هائلة من التغابي لا الغباء (الأول صناعة قائمة على جينات التعمد ومركبات من (الاستهبال )، والثاني مرض يمكن العلاج منه، وعرض يمكن الوقاية منه إن صح التعليم واستقامت التربية ).
إننا لا نواجه مشكلاتنا بأسئلة صحيحة عن الأسباب وما ترتب عليها جادين في تحمل مسؤولية حلها أو البحث فيها وعنها، وإنما نواجهها بأسئلة ساذجة نعلم جميعا سطحيتها ونتغاضى عن مجرد التفكير في قيمتها أو جدوى طرحها.
إن سؤالا يتكرر كل يوم في حياة الإنسان دون أن نتجاوزه بالإجابة المستمدة من طبيعة اللحظة الزمنية ومكتسبات البشرية لهو سؤال يكشف عن فشل صاحبه الذريع وجهله المريع، أن تسأل كل يوم لماذا نحن هكذا؟ فهذا يعني أمرا من اثنين: إما أنك لا تعرف ولا تريد أن تعرف، وإما أنك تعرف وتتغابى عن معرفة وضع جديد لا تسعى إليه مستكينا لوضع تفضل الركون إليه متنعما بمركبات كسلك وجهلك وأشياء أخرى لا قبل لحياة الفرد بها فما بالنا بحياة المجتمع الإنساني التي تتشكل من مقدرات الأفراد والجماعات على حد سواء.
إن سؤالا يطرحه مسؤول – مقارنة بسؤال الفرد- لهو سؤال مصيري يتحكم في مصير البشرية جميعها (وفق نظرية وحدة الوجود وترابط الكائنات والظواهر وتراكم المعارف والمناشط الإنسانية )، إن سؤالا يطرحه مسؤول ولا يوسع من دائرة الإجابة أو مقترحات الحل لهو سؤال الفشل الذي يجعل من المسؤول عبئا على من هو مسؤول عنهم ( في كل بقاع الأرض يكون الشعب عبئا على المسؤول إلا في مجتمعاتنا حيث يصبح المسؤول عبئا على الشعب وهو حال كثير من الوزراء المحسوبين على الحكومات والأنظمة والشعوب على امتداد البسيطة ).
إن سؤالا يطرحه مسؤول وراء مسؤول، ووزير وراء وزير لهو كارثة على الجميع تؤكد أننا نتحرك في دائرة مفرغة، يشعرنا فراغها باتساعها دون أن نشعر بأننا نسجن أنفسنا في فرضياتها القاتلة.
المنطقي في تاريخ البشرية أن السؤال يطرح مرة واحدة كل سنوات أو كل عقد من الزمن (إن لم يكن كل قرون) مما يعني نوعا من التجديد والتطوير في التفكير، فتغير الأسئلة – ولو في صياغتها – دليل على حيوية الحياة، ومؤشر على تطورها أو سعيها لذلك، ومن العار أن تظل أمة تطرح الأسئلة نفسها التي أجاب عنها الآخرون أو السابقون (راجع أسئلة طرحها زمن الأفغاني ومحمد عبده وعلي عبد الرازق وغيرهم، قدموا لها إجابات شافية ومازلنا نطرحها حتى الآن كأن الزمن لم يتحرك وكأن الحياة لم تقفز قفزاتها التي ندركها جميعا).
على مستوى الفرد أن يكرر شخص واحد سؤالا واحدا عدة مرات، سؤال عن كيفية أداء عمل ما أو فريضة ما (راجع أسئلة الكبار عن بديهيات الصيام بداية كل رمضان من كل عام وكأنهم يصومون للمرة الأولى أو أنهم يحفظون متطلبات الفريضة ولا يفهمونها أو تصبح لديهم نوعا من الخبرة المكتسبة بالممارسة )، وعلى مستوى المجتمع ومسؤوليه تعود مسؤولونا طرح أسئلتهم المفعمة بالسطحية والمكررة حد اعتبارها دستورا ينتهجه الجميع ما دون المسؤول وهو ما يؤذن بفوضى لا طاقة لمجتمع بها ويمنح الفرصة للفساد أن يسيطر حد التجبر ويتمكن حد التغول ويصبح دستورا لا مجال لتغيير مواده الأكثر رسوخا بفعل الوقت والممارسة.
يتسم مسؤولونا بطرحهم المكرور من القول دون محاولة الخروج من الدائرة القاتلة، وهو ما يتجلى في عدد من المظاهر الأكثر وضوحا، منها على سبيل المثال لا الحصر :
- استكانة المسؤول لما هو قائم وكأنه جاء ليحافظ على وضع قائم مهما طال به الزمن (راجع أنظمة التعليم قبل الجامعي والجامعي وما بينهما، و نظام القبول بالجامعات وأبرزها مكتب التنسيق )كما يمكنك أيضا مراجعة صفر المونديال الذي لم تتحرك جهة واحدة لدراسة نقطة الضعف أو أسباب الكبوة لتجاوزها.
- شكوى المسؤول من الأوضاع القائمة، وهي شكوى لا تظهر إلا في الكوارث الطبيعية (راجع تصريحات المسؤولين عند كوارث الإهمال وخاصة حوادث القطارات التي باتت تمثل ظاهرة ).
- افتقاد المسؤولين للتخطيط وغياب الرؤية القادرة على استثمار الممكنات والعمل على إزالة السلبيات ونقاط الضعف، وهو ما يعني صمت المسؤول عن طرح أية خطط من شأنها إصلاح ماهو قائم أو الوقاية مما هو قادم إذ إننا لا نستفيد من الماضي في رسم خطط المستقبل ولا نفكر في المستقبل إلا وفق منهج التواكل لا التوكل.
- إجبارنا على طرح أسئلة من مثل: وما الحل؟، ولماذا وصلنا إلى هذه المراحل من التردي؟
إن كثيرا من مشكلات البشرية تجد حلها عبر طرح الأسئلة والبحث عن حلول ذات طابع علمي يتجنب ما تمليه الخرافة وما تفرضه ضغوط الجهل، وكم من أمم تجاوزت كوارثها بطرح أسئلتها المتجددة ( راجع أوروبا بعد الحرب العالمية، وراجع اليابان بعد واقعة هيروشيما وناجازاكي ).
إن مشاكلنا (هي ليست مشكلات على مستوى العقل البشري الذي بلغ سن النضج منذ قرون) في جملتها لا تستعصي على الحل وإنما مشكلتنا تكمن في أن طريقة طرح الأسئلة نحو الحل في حاجة إلى إعادة نظر ففي ظل غياب الرؤية، وفي الإحجام عن التفكير وفي ظل أنانية المسؤول يصبح طرح السؤال عاجزا عن الوقوف على أول طرق الحل وما أيسرها لمن يحسن طرح السؤال.