حسين عبد الرحيم
ـ أكان لابد ان تكون هذه النهاية؟
تقول في نفسها وهي تجلس وسط الحشائش البرية لتتذكر أيامه الأخيره، أيامهما معا، ركضه صوب حتفه. هي لا تعي الآن دلالة القدر ولكنها منتبهة لدلالة الأشياء، وضرورة أن تكون هذه خاتمته. طلق ناري صائب بعد طلقة واحدة تبعد ملي واحد عن منتصف الجبين، لبسطا مدونات على جهازاللاب توب. قل هي شبه سيرة، رؤيته لحياة متخيلة.
صبي يهرب من عمه الوحيد الأوحد بعد وفاة أبيه بسبعه أيام. أتى من شمال البلاد ليهرب إلى صخب الشرق وقد رأى نفسه في حلم تكرر مرات ست بأنه يطوف بسفينة تتجه نحو المكسيك. يغفو ويتقلب في الفراش.ثم يبكي من جديد كلما تذكر مأساة الأب الذي داس قطار الجنوب جسده حتى قبل صدره النحيل العظمي.ورفض العم أن يرى بسطا أشلاء الجسد المنثورة على قضبان للسكك الحديدية خصصت كجراج لعربات النوم المتهالكة.تعود هي لتقلب في سيرته، بسطا جوزيف أبانوب.مولود في الساحل.؟!!
لاتدرك، ولا تعي بل لاتفهم دلالة كلمة الساحل.هل هي مدينة أم ميناء أم رمزا متخيلا يزيد من أسطورة هذا الشخص الذي عرفته منذ عامين بضاحية مصر الجديدة قبل ميدان روكسي، والذي يحمل بطاقة هوية باسم يوسف إبراهيم علاوي، وباسبور سفر باسم بسطا أبانوب.
باتت هذه اللحظة متكررة، تتوقف في نفس موقع الحدث، تطييل النظر لعيدان البوص وظلال زرعات الهيش في الطريق الصحراوي الموصل لثكنتها القريبة من مفارق أرض الجولف، تلك هي الزيارة العاشرة.والوقفة التي طالت على الطريق، وصورته على شاشة اللاب وعباراته التي لاتنسي.
ـ دائما ما يتملكني إحساس بأنني عشت من الأعوام ثلاثمائة ويزيد وأن نهايتي القتل. وفي البراري أيضاً.أو قرب ساحل بعيد أعرفه ولا يعرفني.دائماً أنا على سفر، حتى وإن لم أفارق فراشي أو مقعدي أو حتى رقدتي في سريري؟!
تقلب في صوره وتبكي بلا دموع. تجتر لقاءاتهم المتعددة قرب البارون إمبان والكوربة، والسير ليلا في شارع غاندي والصهاريج، أو رياض السنباطي حالياً. عربتها الإيطالية الحمراء وبلوزتها الفيرساتشي.وظلال الجفون الموف الرقيق.والجوب البلاسيه الأسود وخذاء نبيذي. والجاكت الجلدي الأبيض معلقا في الخلف أعلي الباب الأيسر، تطل لوجهه فنار قديم في صورة أبيض × أسود، أزمنة سحيقة مضت وخطى لجسور تطول وتتعثر أقدامي.
يضرب كعوبه بخفة قبل حديقة الميرلاند، والفيلم الأمريكي الوحيد الذي شاهداه سويا من خمسة عشر عاما عن لص عاش الحياة طولا وعرض ومات مقتولا في مطار أوروبي بعيدا عن حدود موطنه، ترقب اهتزاز عيدان البوص في الليلة الـ30 من أيام ديسمبر، تجفف دمعة وحيدة هوت من عينيها فجأة وهو يحتضنها ليلة الكريسماس واحتفالات أعياد الميلاد والإتيان بزجاجات النبيذ من بار توماس بالزمالك وعبور النهر وهو النائم بين فخذيها يتشمم رائحة العطر الهاجج من طاقة البلوزة الشفيفة.ليمدن رأسه أسفل البطن متثائبا لتضحك وقد شعرت بخدر من جنان تتوه معه طارة دركسيون العربة الحمراء التي تفر بجانب الطوبان المتهالك.
تقول وقد حطت الإطارات بجانب سينما الحمراء.
ـ طالما مازلت بإصرارك على مشاهدة هذا الفيلم، فلك أن تعدني بأننا نراه سويا غدا في حفل منتصف الليل، وقتها لم يدرك مغزى الاختيار، فاستفسربالقول: ولماذا حفلة منتصف الليل لتجيب: أشعر بأنني أسبح طواعيه في حلم يخصني لا حاجز فيه بين الوهم والحقيقة. لقد رأيتك بالأمس وأنت تجري على جسر مسفلت يشبه هذا.وتشير للأرض.تحدق لموطئ قدميك وسط مطر ينهمر بغزارة وأنا أجري خلفك وقد تعالى صراخي وقت أن سقطت من بين أصابعي تلك الزهرة الحمراء.وحدقت في الأفق لأنظرك فمابان منك إلا خيوط من ثلج؟!! فألتفت ملهوفة أطل لشرفات المواجهة لأشجار الميرلاند فلم أر ألا صوت الريح تهز أشجار السيسبان. وثمة ملابس فارغة تفر في الخلاء.
……………
* من يوميات البناية.