جيهان الزهيرى.. والبوح بمكنون النفوس

عبد الخالق فاروق
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

د. عبد الخالق فاروق

“دع مائة زهرة تتفتح”

بهذا المعنى تخوض جيهان الزهيرى تجربتها الروائية الأولى (ريان) بجرأة واقتدار تحسد عليهما، وتضيف بها للحديقة الأدبية غصن جديد مثمر. فنحن إزاء عمل أدبى يمتزج بدرجة عالية من الشعرية اللغوية، والحكمة الإنسانية، ودرجة من العرفانية الصوفية، حينما تتلامس فيه مشاعر الرومانسية الهادئة الحنونة، بعمق فلسفى، ومستوى من التوحد الزمانى والمكانى بين القاص ومحيطه.

وعبر أربعمائة صفحة من القطع المتوسط، تجول بنا (ريان) بين شخصيات رواياتها، الغنية بالمضامين والمتعددة الأبعاد، حيث نكتشف أنفسنا وذواتنا الإنسانية، بكل ما فيها من تعقيدات نفسية، وتشوهات ثقافية، وتناقضات سلوكية، جديرة بالتأمل،  بدءا من ريان ذاتها، انتقالا إلى نديم ذلك الحبيب المسكون بالغدر والخيانة، مرورا بالطبيبة “إلهام”، وزوجها الدكتور كمال، وابنتهما “لولى” صديقة ريان، وصولا إلى صديق ريان وصاحب الصالة الرياضية  الشاب “سيف”، الذى فقد يقينه فى عدالة السماء، وعذبه التردد بين الشك واليقين على خلفية الانتحار الميلودرامى لشقيقه وتوأم روحه “كريم”، فجاءت الحوارات  الفلسفية بينهما شديدة العمق والمتعة، أحد المفاتيح الكاشفة على العالم الذى تستمد منه (ريان) فهمها للحياة والكون، وعلاقات البشر.

وتغتنى الرواية بشخصيات من قبيل “سمية” المنقبه، وشقيقها “عبد الله”، المحكومين بالمفاهيم المتزمتة والمغلوطة عن الدين والحياة، والنظرة الاستعلائية المحمولة على ركائز من الانكسار الإنسانى والتشوه النفسى،  ليشكل مسار الأحداث ونمط علاقتهما بالمحيط الاجتماعى، إضاءة على المكنون النفسى لدوافع هذا الفهم المغلوط، وانكسارات أصحابه الداخلية.

أما الثلاثى النسائى “المهندسة أمل فايز” وسيدة الأعمال “سمر السروجى” والإعلامية “مروة الديب”، فهن إطلاله غنية على نمط من سيدات الأعمال، ولكل منهن حكاية نحتاج إلى قراءة متعمقة فى الدوافع النفسية لبعض تلك التشوهات فى المشاعر والسلوك. 

ريان

ولا يخلو عالمنا الثقافى من وجود شخصية مثل الصحفى ورئيس التحرير الانتهازى “شكرى عبد المولى”، القادر على التقلب فى المواقف والشعارات والمبادئ، وفقا لمتطلبات المصلحة الشخصية، وبما يتواءم مع التغيرات والتقلبات السياسية. ذلك النمط الذى حفل به عالمنا الروائى، الذى خطه لنا كبار أدباءنا مثل الأديب فتحى غانم فى روايته الرائعة (الرجل الذى فقد ظله)، وفى شخصية (محفوظ عجب) التى رسمها ببراعة واقتدار الكاتب الصحفى “موسى صبرى “.

كما تحفل الرواية بشخصيات مفيدة للعمل من أمثال، شقيقتها “رضوى” و هانى تواضروس، والطيار “يامن” والست “لوزة”،  والصديقة اللبنانية “بدرية الحلبية”  وزوجها “وليد”، ليرسموا معا صورة للمحيط الاجتماعى المؤثر على شخصية  بطلة الرواية (ريان).

وبقدر ما انسابت رحلة حياة (ريان) من طفولتها حتى مرحلة نضجها كأنثى وامرأة، فى لغة جذابة وأسلوب حافل بالجمال والشاعرية، وعبر الثنائيات القيمية التى اختارتها جيهان الزهيرى  لكشف الصراعات الدائرة بين البشر، حيث صراع التسامح فى مواجهة التشدد والتطرف الدينى (عبد الله مقابل هانى تواضروس)، والحب مقابل الخيانة والغدر (ريان مقابل نديم)، والوطنية مقابل الأنانية والذاتية النرجسية، وغيرها تدور بنا (ريان ) بين عوالم شخصياتها، فى خوض مبدع فى أعماق تلك الشخصيات، والإمساك بالخيوط الرفيعة المختبئة بثنايا دوافع السلوك لدى كل هذا المحيط الاجتماعى لريان،  فإنها نجحت كذلك فى الابتعاد عن نمط الأدب النسوى الذى غلب على كثير من الأديبات المصريات – وربما العرب  – فى عقد التسعينات، والذى لم يبتعد كثيرا عن الذوات الشخصية والتجارب الحافلة بقصص الحب والتجارب المغرقة فى الحسية المادية.

فليبارك الوسط الأدبى والروائى المصرى والعربى، انضمام أديبة واعدة جديدة إلى نهره الغنى، ولتحتفل الأوساط النقدية بنص أدبى جديد حافل بالجمال والعمق والشاعرية.

فبراير 2021

القاهرة

مقالات من نفس القسم