ذات الجلباب الأزرق

حميد اليوسفي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاميد الوسفي

عندما وصل احميدة إلى السوق جهّز العربة بالسلعة وقادها إلى المكان الذي ألف أن يقف فيه.. يعتني دائما بهندامه ويعتقد بأن ذلك يجلب له السعد ويجعله يحظى باحترام وثقة الزبناء.. اليوم.. مرّ الوقت بشكل عادي.. بعد الانتهاء من صلاة الظهر، تخلص من جزء كبير من السلعة. لما خَفّ ضغط المارة وقفت على يمين عربته امرأة في العشرينات رفقة صغيرتها، ترتدي جلبابا أزرق يكشف مفاتن جسدها البض، جلباب مفتوح في الأسفل من الجانبين والوسط بشكل يعري أعلى الساقين أثناء المشي، سمرة خفيفة تعلو بشرتها ربما بسبب كثرة تعرضها لأشعة الشمس.. كُحل شديد السواد يغطي أهداب عينيها و قصة شعر فوق الكتفين.. حمرة قانية تطبع الشفتين…

 سألته بصوت عذب وهي تضغط على الحروف والكلمات بغنج أنثوي مبالغ فيه وتعُضُّ على شفتيها بأسنان شديدة البياض :

ـ بكم الرمان يا بائع الرمان ؟

كل الباعة المتجولين بالجوار وقفوا مشدوهين وتركوا ما بأيديهم  ووجهوا مدفعيات عيونهم إلى جسد المرأة ذات الجلباب الأزرق يفحصونها من أسفل إلى أعلى وتمنى كل واحد منهم لو توقفت لبرهة أمام عربته..

حدد لها الثمن، وطلب من الله أن يستر، خمّن بأن المرأة ترغب في شيء آخر غير الرمان ! وتمنى أن يكون خاطئا..!!

ردت وهي تركز النظر في عينيه بتدلل وتودد :

 ـ (بزاف) ياغالي على امرأة هجرها زوجها في عز شبابها وترك لها (هاد البروصي ) في إشارة إلى الطفلة التي بجانبها..

ليتجنب الرصاصة التي أطلقتها عليه بشكل واضح، قدم لها قطعة صغيرة لتتذوقها وتحكم بنفسها وعلق على ذلك بقوله :

ـ الرمان فيه الرخيص وفيه الغالي.. فيه الحلو والمر.. والسلعة التي أمامك جاءت من أشهر المناطق في إنتاج الرمان بإقليم بني ملال..

تناولت جزءا وقدمت الباقي لابنتها.. أدركت بتجربتها وهي تنظر إلى عينيه بأنه يهرب من شباكها، وأرادت أن تخرج من هذه المعركة بأقل الخسائر الممكنة، فقالت وهي تمضغ حبات الرمان :

ـ والله حلو ولذيذ.. لا يبيع الحلو إلا الحلو ! ولكن الله غالب ليس معي الآن نقود..

ابتسم وناولها رمانة كبيرة بالمجان وطلب منها أن تقدمها للصغيرة.. وهي تنصرف، التفتت ورمته بحركة خفيفة من عينيها تشبه السهم ثم قالت : مع السلامة يا صاحب الرمان..

صدح صوت أحد جيرانه وهو يلعن أبو الرمان وعم البطاطس وجد الطماطم أمام امرأة تفيض حيوية و تنضح بالجمال مثل ذات الجلباب الأزرق..

ضحكت بصوت عالي، وعيون الباعة تتمايل مع حركات جسدها وهي تمشي بخطى تسكب فيها بعض الدلال الأنثوي.. انعطفت على يمين الزقاق ثم اختفت..

تعجب كيف تطوف امرأة بكل هذه الفتنة في سوق متواضع بين باعة متجولين غارقين في الفقر والأوساخ من الرأس إلى أخمص القدمين، وعزفت عن أصحاب المال الذين يموتون في البحث عن متعة عابرة مع نساء بهذا القد وهذا القدر من الجمال في شوارع خمس نجوم.. ربما شظايا الأزمة مست الناس اللذين يعيشون فوق..

لعن ظروف الحياة القاسية التي تشبه عربة أزبال لا تطحن غير الفقراء..

قال في نفسه وهو يجلس بجانب عربته ليستريح من كثرة الوقوف التي تكاد تقصِم ظهره :

ـ أحمد الله وأشكره.. لو فعلتْ ذلك أمام زوجته فاطمة لقامت حرب عالمية ثالثة وتحول معها الرمان إلى حجر..!!

…………….

مراكش 20 أكتوبر 2019

 

مقالات من نفس القسم