د.مصطفى الضبع
ليس تعميما مخلا القول بأن للنص / النصوص جميعها سلطتها الخاصة، وما التفاضل بين النصوص إلا تنازع سلطاتها على متلقيها، وقدراتها على التأثير في جمهورها وإحداث التأثير الجمالي والمعرفي والأيديولوجي المقصود، وهو ما يفسر حفاظ النصوص القديمة على سلطتها المتجددة وتأثيرها على متلقيها المتعدد عبر العصور مع اختلاف الثقافة و آليات التلقي والعوامل المؤثرة فيه ومابقاء هذه النصوص سوى نوع من بقاء السلطة غير القابلة للضعف أو التخلي عن مكتسباتها والسعي نحو تحقيق أهدافها عبر الزمن / الأزمنة المتوالية.
وليس من المنطقي الحديث عن السلطة دون معرفة المكون الأساسي أو المنطلق الأساسي لها، أعني المعرفة التي تمثل حجر الأساس في تشكلها، فالمعرفة سلطة، ولأنه لا سلطة دونما ثروة، فالمعرفة ثروة من الرموز على حد تعبير ألين توفلر ( [1] ) وهو ما يجعل منها قوة متعددة الأبعاد.
والسلطة بما استقر من مفاهيمها تتخذ ثلاث صور:
- سلطة غير منظمة تمنحها جماعة بشرية لنفسها وتعتمد على القوة المادية لتنفيذ قانونها / مصلحتها الخاصة وتكاد تكون تطوير مخل لنظام القبيلة.
- سلطة الدولة وتعتمد على قوة تأخذ شكلين أساسيين: قوة التشريع (نظريا تعتمد على الشعب )، قوة التنفيذ ( تعتمد على قوة الدولة نفسها في تنفيذ التشريعات وتطبيقها عمليا )، وهي سلطة يمثلها نظام حاكم تقر له الجماعة بالسلطة الممكنة له من تسيير أمور الدولة.
- سلطة الشعب بوصفه مجموعة من الجماعات التي تفككت لصالح الوطن وتخلت عن قبليتها لصالح الانتماء الأعلى للكيان النفسي والإنساني الأسمى ( الوطن )، وهو ما يجعل منه شعبا محكوما بسلطة فوقية ولكنه يمارس سلطة محدودة وفق درجة وعيه بنفسه وبمتطلبات لحظته التاريخية.
ولأن السلطة الأولى مرفوضة وفاقدة منطقيتها وشرعيتها، تبقى السلطتان الأول والثانية النظام المعترف به في الدولة الحديثة، مع الوضع في الاعتبار استمرار الصراع بينهما (معلنا أو خفيا أو هما معا )، وحيث يسعى النظام الحاكم للاستقرار مخالفا اللحظة التاريخية، تسعى السلطة الشعبية للتغيير بوصفها أكثر توافقا مع اللحظة التاريخية ففي الوقت الذي أصبح العالم فيه يتغير بشكل مذهل، كان النظام المصري يصرح بأهمية الاستقرار في عالم متحرك ( [2])، وفي الوقت الذي كان فيه المصريون يتابعون (خلال الفضائيات ) المنجز الحضاري لشعوب العالم، وهو ما أدركه البسطاء من أبناء الشعب كانت القنوات الحكومية تبث البرامج عن مشروعات وهمية ينحصر دورها في إنتاج صورة مزيفة للنظام ( تكفي الإشارة لمشروع توشكى على سبيل المثال الذي اعتمده النظام ورقة إعلامية ذات تأثير تخديري على الشعب ).
والحال هكذا كانت الساحة معدة تماما لثورة شعبية تعمل على إحداث تغيير طال انتظاره، وبعيدا عن الأسباب والوسائل والفصائل وحديث من خاض (الثورة ) ومن خاب (مسعاه ) ومن خان (الوطن سعيا لمصلحته الخاصة فإن الثورة في موجتيها وخاصة الموجة الأولى الأشد والمؤسسة للثانية فتحت وعي الشعب في منظومته العريضة إلى أهمية أن يكون له سلطته الخاصة التي تحمل رؤيته وتعبر عن تطلعاته أولا وغاياته التي عليها أن تزيح معوقاتها ثانيا لذا لجأ المصريون على عدد من الأسلحة للمقاومة تبلورت في فنون قولية وبصرية شكلت منظومة كبرى تمثل خطابا إعلاميا شعبيا اعتمده الشعب بمختلف طوائفه
اعتمد الفعل الشعبي على عدد من الفنون:
- فنون سمعية: وتتعامل مع المتلقي سمعيا، منها:
- النكتة: بوصفها السلاح المصري الأقدم الذي استخدمه ضد حكامه جميعهم وخاصة حكام العصر الحديث ( عبد الناصر – السادات – مبارك – مرسي ).
- الشعر: وقد أفرزت فترة ما قبل ثورة يناير عددا من القصائد التي آذنت بالثورة في نغمة لم يتعودها النظام المصري تشارك في عزفها عدد من الشعراء ، وتشارك عدد كبير من الشعراء في مصر تقديم معزوفة وطنية.
- الأغنية: وتقوم بالأساس على إعادة إنتاج الأغنيات الشهيرة معتمدة تقنية المعارضة الشعرية وقد طورت أدواتها باستخدام الصورة.
- فنون بصرية: ( موضوع دراستنا )تتعامل مع المتلقي بصريا، ومنها:
- الجرافيتي.
- الصور الفوتوغرافية.
- الرسوم الكاريكاتيرية.
- الملصق الإلكتروني.
أولا: الجرافيتي:
الجرافيتي (Graffiti وبالإيطالية Graffito) أو “الرسم على الجدران ” فن قديم تمتد جذوره الأولى إلى الفراعنة (ويمكنك العودة إلى الإنسان في حياة الكهوف ومحاولاته الأولى للرسم على جدران الكهف )، وهو فن عرفته البشرية منذ القدم:” وعرف ن الجرافيتي Graffiti منذ القدم وتطور في الحضارات المتعاقبة وأصبح الآن من أهم الفنون التشكيلية التي تحتك بالمجتمع بشكل مباشر لما يحمله من تعبيرات صادقة تدل عن بعض الأحداث والمشاكل التي يعاني منها الإنسان سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية ” ( [3] ) وهو مايعني ارتباطه بالتعبير عن الإنسان في لحظته التاريخية وإنه لم يقف عند حدود جغرافية محددة وإنما تجاوز الثقافات الإنسانية حيث استورده الإنسان نظريا ليجد تطبيقاته في كل الثقافات الإنسانية الحديثة ” وبفضل سهولة وسرعة تنفيذ أعمال هذا الفن على الأسطح المختلفة وقلة التكلفة المادية التي يتطلبها انتشر بسرعة، كما ساهم التقدم المذهل في عالم الاتصال والتكنولوجيا في سهولة نشر هذا الفن وظهر له أسلوب ومقومات جمالية ميزته عن غيره من الفنون فبجانب كونه فنا يتسم بالعفوية والتنفيذ المباشر على الأسطح، إلا أنه أصبح من أهم الفنون التي تخدم قطاعات عريضة من الفنون الأخرى بشكل منظم بالاعتماد على عناصره التشكيلية والفنية، ومن تلك الفنون التي استقت بعض ملامحها من عناصر فن الجرافيتي فن الزخرفة (الديكور ) وفن الرسم على الجسد ( الوشم )، وفنون الرسوم المتحركة ( الكارتون )، واستفاد الجرافيتي من فن الكاريكاتير، ورسوم الطفل، وفن الخداع البصري” ( [4] ) مما يقرب الجرافيتي من مسرحية المشهد الإنساني في حلوله على مساحات ممتدة في ميادين مصر بعد أن وجد طريقه بقوة إلى شوارع المدن المصرية وميادينها إبان ثورة يناير ووصل إلى قمة حضوره في أحداث شارع محمد محمود وما بعدها حتى الموجة الثانية من الثورة (30 يونيو ).
ولأن الجرافيتي فن شعبي بالأساس فإنه يمثل صوت الشعب المعبر عن سلطة شعبية لها وسائلها الخاصة في التعبير، وهي وسائل تقوم على عدد من الأبعاد الأساسية:
- استخدام الألوان المتداولة وخاصة ألوان علم مصر.
- استخدام التيمات الشعبية المتداولة كإعادة انتاج المقولات المشهورة في الأفلام والأعمال الدرامية.
- الميل إلى السخرية وهي السلاح المصري الأقوى والأكثر حضوره وقد عبر عن نفسه عبر أشكال مختلفة في مقدمتها النكتة التي تعد سلاحا صناعة مصرية بالأساس، ذلك السلاح الذي استخدمه المصري في مقاومة الديكتاتورية والاحتلال والاستحلال (استحلال الطغاة دماء الشعب )والاستعمار والاستحمار (استحمار الديكتاتور واستهباله في الحكم واستغفال المحكومين ).
الجرافيتي والثقافة الشعبية
هو بلاغة المقاومة الأكثر تأثيرا في مقابل الخطاب السياسي ذي البلاغة السطحية مما أفقده بلاغة الاتصال، وفي الوقت الذي تفرق فيه الخطاب السياسي عبر الفضائيات حيث اعتمد النظام على الفضائيات بوصفها وسيلة إعلامية أكير انتشارا (ولكنها أقل تأثيرا لما فيها من تشتت )،في هذا الوقت عمد الشعب إلى وسيلة أكثر ثباتا ( الجرافيتي)، وفي الوقت الذي سعى فيه الخطاب السياسي لتخدير الشعب، عمد الخطاب الشعبي إلى التنبيه والكشف عن قواه الكامنة عبر مجموعة من الفعاليات، مستثمرا مخزونه من عناصر الاستنهاض:
- الهلال مع الصليب: علامة على الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين:
وقد ظهرت العلامتان في أكثر من جرافيتي، منها:
- جرافيتي شارع محمد محمود ويصور قبضة قوية منتصبة تحمل وشما: 25 وتحته الهلال وبداخله الصليب ( [5] )
- جرافيتي شارع عباس العقاد بمدينة نصر وقد تم توظيف الهلال مع الصليب ليكونا عبارة (Take Care ) حيث تم تحوير الصليب ليكون حرف (T) والهلال ليكون حرف (C) وفي الأسفل يدان تتلامسان تحمل إحداهما المسبحة وتحمل الأخرى الصليب ( [6] )
- جرافيتي شارع الجبلاية بالزمالك، يتضمن الهلال مع الصليب مع كلمة (إخوة ) باللون الأسود وفي الأعلى قليلا قلبان باللون الأحمر ([7] )
يعتمد الجرافيتي في تعبيره بالأشخاص ( طريقة البورتريه ) على وجوه لأشخاص:
- سابقين من الماضي ممن يعدون رموزا استعارية لمعان محددة تمثل شفرة تحقق الاتصال بين المنتج والجمهور (جرافيتي جمال عبد الناصر، جرافيتي الفريق سعد الشاذلي بشارع محمد محمود ([8]) جرافيتي سعد زغلول بقميص أبو تريكة ( [9] )
- شهداء الثورة وقد تعددت أشكال الجرافيتي والملصقات للشهداء وجميعها تؤطر فكرة الشهيد وتكشف عن طبيعة اللحظة التي يعايشها الشعب على اختلاف طوائفه، وفي عمق الأزمة بين الشعب والشرطة لم يغب وعي الفنان الجرافيتي عن حقيقة أن وضع الجميع في سلة واحدة نوع من التجني، حيث يظهر جرافيتي للشهيد اللواء محمد البطران ( [10] ) وهو ما يؤكد الوعي المبكر للفنان ففي الوقت الذي أشيع فيه أن البطران راح ضحية نظام مبارك وقبل أن يتكشف للجميع أن حرق أقسام الشرطة وموقعة الجمل وقتل البطران تم بفعل ماعرف وقتها بالطرف الثالث ولكن سرعان ما أدرك الجميع حقيقة الأمور.
بلاغة الجرافيتي
في سبيله لإنتاج دلالته وأداء رسالته يعمد الجرافيتي إلى إنتاج بلاغته الخاصة القائمة بالأساس على بلاغة التوصيل، مما يؤكد سلطته النفسية والاجتماعية قبل السياسية، الجرافيتي يرسخ نفسه بوصفه عنصرا من عناصر التشكيل الجغرافي والطبوغرافي للمكان الذي يتعود الناس المرور فيه، وهم طوال الوقت يبحثون عن التغيير أو محاولة دفع الملل المتراكم من التعود على العلاقة التقليدية بالمكان، وبحلول الجرافيتي يجد المتلقي مساحات من التغيير التي يكاشفه بها الشارع ويجعله مرتبطا بجانب واحد من الطريق، جانب ينافس جانبه المقابل، ففي الغالب يعمد منتجو الجرافيتي إلى الرسم على جانب واحد من الطريق لسببين، أولهما: ألا يشغل المتلقي بالجانبين فيشتت انتباهه وإنما يدعوه للتركيز على جانب واحد لتتاح له الفرصة للتوصل إلى الرسالة المرجوة، وثانيهما أنه يجعل من رسمه منافسا لما يتضمنه الجانب الثاني من الشارع وهو في الغالب محلات تجارية أو مداخل بيوت وجميعها قد لا تخضع لمعايير فنية أو مضامين ثورية وغيرها مما يوفره الجرافيتي
- الجرافيتي بوصفه كناية: عندما يعمد الجرافيتي إلى استنساخ صورة وتحوليها إلى شكل كاريكاتيري فإنه يعتمد على إنتاج الكناية عبر إطلاق التغيير بإضافة عناصر أو تغيير الملامح وهو تغيير لا يراد لذاته وإنما يراد لازم معناه إذ يهدف إلى التركيز على علامة محددة لأداء الرسالة فيما تقوم ملامح الوجه الأخرى ببث طاقة تعريفية للشخص بهدف تركيز الدلالة على ذات بعينها تدخل في نسق أعم من أنساق تشكيل المشهد الإنساني في ارتباطه بلحظة تاريخية محددة، وقد تعددت أشكال الكناية وفق هذا التصور ومنها:
صورة القرآن مع الصليب، أو الهلال مع الصليب كناية عن الوحدة الوطنية، وقد تعددت أشكال الحضور لتعانق العلامتين، سواء بالشكل السابق أو بشخصيتين لشيخ معمم وملتح وقسيس يرتدي الملابس التقليدية لرجل الدين المسيحي وقد انتشرت الصورة على نطاق واسع بالقدر الذي يتجاوز كونها رسما تعبيريا عن حالة طارئة وإنما هي تنويعة على معنى أعمق يتغياه منتجها عبر الإلحاح والتكرار تذكيرا للمتلقي بقيمة لابد من الحفاظ عليها أو على الأقل تذكرها عند الإقدام على فعل يناقضها.
وتحقيقا لبلاغة التوصيل يعتمد منتج الجرافيتي على عدة طرق، منها:
- استخدام عناصر تصويرية دالة.:
- جرافيتي ميدان أم كلثوم بالزمالك (كاميرا تحتها كلمة سلاحنا في مقابل البندقية تحتها كلمة سلاحهم ) ( [11] )
- جرافيتي الأندلس بالزمالك: لوحة قيادة سيارة (تابلوه ) مقسم إلى ثلاثة إشارات (War- Fear- Peace) حرب – خوف – سلام والمؤشر ينتقل من الخوف مقتربا من السلام ( [12] ) في إشارة دالة إلى مراحل ثلاثة تمر بها الأمم في اللحظات الخاصة.
- إعادة إنتاج عبارة لاقت رواجا في المجتمع المصري:
- جرافيتي شارع الجزيرة بالزمالك (صورة لنظيم شعراوي من المسرحية الشهيرة ” شاهد ماشافش حاجة ” وأعلى الصورة عبارة: يا ابيض يااسود ( [13]).
- جرافيتي ” أنا الشعب ” يصور الممثل نجاح الموجي وهو يلقي جملته الشهيرة، من مسرحية ” المتزوجون ” ( [14] )
- جرافيتي هند رستم وهي تررد عبارتها الشهيرة في فيلم ” إشاعة حب “: هنجيبك من شرف ياسونة ياخاين ” في إشارة إلى مبارك في مدينته الأثيرة شرم الشيخ ( [15] )
- جرافيتي للصبر حدود، يصور أم كلثوم وأسفل الرسم عبارة “للصبر حدود ” في إشارة إلى أغنيتها الشهيرة ( [16] ) تعبيرا عن مشاعر الشعب تجاه النظام الحاكم ( [17])
- جرافيتي أبيات عبد الرحمن الأبنودي: “الثورة مش حكر.. لا ملكك ولا ملكي، ملك اللي يومها سند صدره على السونكي، واللي الرصاصة شالت عينه ولم يبكي ” ( [18])
- جرافيتي شارع الشيخ ريحان: يتضمن عبارة أمل دنقل من ديوانه: آه ما أقسى الجدار، عندما ينهض في وجه الشروق، ربما ننفق كل العمر.. كي ننقب ثغرة ليمر النور للأجيال مرة “.
- تصوير شخص معروف وإحداث تغيير في ملامحه لإنتاج كناية خاصة
- جرافيتي باب اللوق ويحمل تصويرا للمشير طنطاوي وقد ركبت له لحية سلفية في إشارة إلى اعتقاد البعض أن المشير قد مكن الإخوان من الحكم ( [19])
- جرافيتي الجبلاية بالزمالك ويتضمن صورة للشايب (من ورق اللعب ) وعليها صورة مبارك ( [20] )
- الجرافيتي بوصفه استعارة: لأنه ليس هناك مساحة فاصلة بين الكناية والاستعارة فإن التوصيف السابق للكناية قد يحول الصورة إلى استعارة ( بالكناية ) عبر استعارة عنصر من إنسان أو حيوان أو طائر مثلا وإدراجه في صورة شخص ما ( تماما مثل إدراج شارب هتلر على صورة حسني مبارك أو تصويره بأنياب حيوان مفترس أو تصويره قابضا على عنق امرأة ترتدي علم مصر بيد وفي الأخرى سكين يرفعها لذبحها )
بلاغة الاتصال
تعتمد بلاغة الاتصال في النص البصري على عدد من الإمكانيات ذات الطبيعة الخاصة بالصورة، ومنها:
- الألوان: حيث تعتمد على الألوان المتداولة والأكثر انتشارا، كاستخدام ألوان علم مصر ( الأحمر – الأبيض – الأسود ) مما يمزج بين رمزية الانتماء والشعور به ويعمد في لعبه على العلامات اللونية المتداولة إلى تقريب المنتج من ذهن متلقيه والكشف عن قدرات الألوان على إنتاج دلالات متعددة غير ما يعرف المتلقي.
- الخطوط المتنوعة والحروف المتداخلة في كتابة الكلمات وهي طريقة من شأنها أن تستوقف العين التي لا يمكنها المرور عليها دون تأملها ليس لاكتشاف الجانب الجمالي في التشكيل فحسب وإنما نوع من الشوق للاكتشاف مما يعني أن المتلقي ليس بإمكانه قراءة الرسالة دونما قدر من التأني ( المقصود )لإلزامه بالتوقف مما يكون له أثره في توسيع زمن التلقي ومن ثم تعميق الإدراك للرسالة وما تتضمنه من تفاصيل دالة.
- اعتماد ماهو متداول من الرموز والصور مما يدخل في إدراك الوعي الجمعي، ومما يجعل منها شفرة مكشوفة لا يصعب على المتلقي مكاشفتها والتوصل لمضمونها وهنا تكمن القدرة على التشكيل التي يترتب عليها القدرة على التوصيل.
- اقتناص ماهو متاح لتشكيل نص بصري يقوم على المصادفة بإضافة تفصيلة واحدة تمنح اللوحة دلالتها، مما يشعر المتلقي بأن هناك مرجعية قدرية، في واحدة من اللوحات يستثمر المنتج لوحة تحمل اسم شارع 26 يوليو وبجوارها لوحة أصغر تحمل الرقم البريدي للمنطقة، وقم أدرج الرسام قلبا باللون الأحمر أسفل اللوحتين، والشاهد في اللوحة الثانية يقوم على الرقم البريدي 11211 فأينما تقرأ الرقم (من اليمين أو من الشمال ) فهو يشير إلى الحادي عشر من فبراير تاريخ تنحي حسني مبارك وهو ما يجعل من القلب دلالة على حب الحدث ومن قبله حب الفعل القدري ( [21])
ثانيا: الصورة الفوتوغرافية
بعد الثورة انتشرت على المركبات العسكرية وعلى منشآت القوات المسلحة وعلى بعض المؤسسات المدنية وعلى جدران بعض العمارات السكنية وعلى عدد غير قليل من السيارات الخاصة صورة لعسكري مصري يحمل طفلا صغيرا ” والتعليق المتداول على الصورة:” الجيش والشعب إيد واحدة “.
للوهلة الأولى ومن خلال نظرة أولى ( ومعظمنا اكتفى بالأولى ربما بفعل فاعل ) فالصورة معبرة عن علاقة سوية بين الجيش والشعب، ولكن إذا ذهبت إلى نظرة أخرى أكثر عمقا ووفق البحث عن بلاغة الصورة تكشفت جوانب أخرى يمكن اكتشافها فور الوقوف على بعض التفاصيل الخاصة بمكونات الصورة ( العسكري + الطفل) وبما ترمى إليه مقاصد من اختارها.
المستوى الأول من زاوية تلقائية الصورة وبراءة الاختيار، هى لقطة عشوائية أو تلقائية لاقت قبولا لدى شخص ما فقرر اختيارها لتعبر عن علاقة ذات دلالة خاصة، طارحة وضعا له بلاغته الخاصة، تلك البلاغة التي تكمن في الاختيار فلتكن اللقطة غير معدة مسبقا للتصوير ولكنها لقطة تلقائية تدخل المصور في لحظة ما لالتقاطها ولكن كان من المفترض مثلا أن تبقى حبيسة الكاميرا أو حبيسة مطبوعة صحفية ما لولا أنها ظهرت على المدرعات، وانتشرت خارج القاهرة بانتشار المدرعات والدبابات، فكانت بمثابة الصورة الرسمية التي أريد لها أن تقدم مشهدا أوليا أو رسالة قصيرة بوصفها نوعا من الإعلان عن سلمية التحرك وبالطبع لم يكن هدف تحرك المدرعات هو نشر الصورة فالصورة هنا تابع ليس داخلا في خطة التحرك ولكنها مظهر لجوهر غير مطابق.
فى المستوى الثاني الصورة تحمل عددا من مظاهر عدم التكافؤ بين عنصريها: العسكري بكامل عتاده ينتمي للقوات الخاصة (الصاعقة) والطفل (الشعب ) بكامل عتاده الطفولي: اللون الأبيض البرئ والحذاء الخفيف والنظرة المستكشفة حد الحياد وليس بإمكانه الوقوف سوى بمساندة من حضن العسكري الذى لا يكتفى بإحكام قبضته عليه وإنما يحكم حوله ابتسامة ذات مغزى، فيما تسند يد العسكري القوية قدم الطفل تتعلق قدمه الأخرى فى الفضاء وفيما تبدو اليد اليمنى الطفولية مفرودة لا تلوى على شيئ تتشبث اليد اليسرى بعلم مصر الذى يتوارى على استحياء ولولا لونه الأحمر ما أدركه متلقى الصورة.
الشخصيتان نموذج تمثيلي للشعب والجيش ولكن ليس ثمة تكافؤ في معطيات الصورة فمن المفترض أن الجيش ابن الشعب وهنا تأتى المغالطة الأولى فكيف للابن أن يبدو في هيئة المحتضن (بالكسر) لا المحتضن (بالفتح).
الجيش في كامل عتاده – الشعب في كامل وضعه الطفولي، ذلك الوضع غير القابل للتطور مالم يتدخل المسيطر، و لن يرتفع عن مستوى الأرض مالم يرفعه الجيش ولن يصل لمستوى من مستويات الحوار مالم يمر زمن كاف لإنضاج الشعب (الصغير ) لتكتمل أدوات الحوار وليكون لديه القدرة على حوار من هو أكبر منه.
وفق نظرية الاحتمالات القريبة من نظرية التأويلات المتعددة لك أن ترى الصورة كما روج لها في ظاهرها: حنو الجيش ( بسلطته) على الشعب ( ببراءته )، ولك أن ترى المشهد محاولة مبكرة لتحويل الشخصية إلى نموذج مصغر للشخصية العسكرية العابرة للشخصية المدنية أو القائمة – أحيانا – على أنقاضها (فأن يدخل الشخص للتجربة العسكرية عليه التخلص من بعض مواصفات الشخصية المدنية ولو مؤقتا ليكون مؤهلا للشخصية الجديدة وتجنبا لازدواج الشخصية الذى لا تحمد عقباه )، ولك أن ترى ابتسامة العسكرى محاولة لاستقطاب (سلمى طبعا ) للنموذج المدنى الذى يدرك الجميع صعوبة إنضوائه فى الشخصية الجديدة بسهولة.
لك أن ترى فيها الكثير مما يثير أسئلة ( بريئة بالطبع ) عن مغزى اختيار الصورة دون غيرها من عشرات الصور التى تداولتها الصحف والمواقع الالكترونية ومنها الكثير مما يصلح استثماره للإعلان عن العلاقة أو تقديم رسالة مقصودة لذاتها ولكن فكرا ما (فوقيا بالأساس ) قارن بين الصور المتعددة وقرر اختيار الصورة التي أصبحت بمثابة الإعلان الرسمي عن رؤية الجيش لقضية العلاقة، والاختيار هنا هو حجر الزاوية في طرح بلاغة الصورة وتأويل دلالتها المتعددة ( [22]).
ولأننا وقفنا عند ظاهر الصورة متأثرين بالآلة الإعلامية ومتكرراتها فى بداية الثورة ومنشغلين بالانضمام لخندق دون الآخر أو على الأقل لتحييد فريق معارض لإتاحة الفرصة لصوت واحد أن يسود، فإن صورة تصدرت المشهد وباتت نوعا من الإعلان عن علاقة مرت بمراحل قلق حد الصدام دون أن ننتبه أننا ونحن نردد: الجيش والشعب إيد واحدة كنا غارقين فى مشهد وضعت الصورة قانونه، وحددت مواصفاته بعناية فائقة وهو ما تجلى عبر سلطة الصورة التي أريد لها أن تسيطر على ذهن المتلقي.
ثالثا: الكاريكاتير
الكاريكاتير ( [23]) فن جماهيري يتموقع بين الشعبية والرسمية، يكتسب شعبيته من كونه ذا سلطة واضحة للمعارضة، يعتمد على عناصر بنائية متعددة، منها:
- المبالغة في تغيير الملامح الشخصية ( تضخيما أو تصغيرا أو إضافة ).
- استبدال الملامح الشخصية بملامح حيوانية.
- ابتكار شخصيات تلعب دور الأيقونة ذات الطاقة الرمزية الممثلة للكثير من القضايا التي تقاربها صناعة الكاريكاتير وهو ما لعب عليه الكثير من رسامي الكاريكاتير الذين كان ابتكار الواحد منهم شخصية خاصة به بمثابة علامة النضج الفني والوصول إلى المرحلة الأخيرة في بلوغه القمة ( [24] ) وقد قدمت مدرسة الكاريكاتير المصرية عددا من الرسامين الذين قدموا عددا كبيرا من الشخصيات الكاريكاتيرية التي أصبحت علامة على شخصية منتجها، ومن أشهرها:
- شخصية المصري أفندي التي ابتكرها صاروخان (1898- 1977) وأطلقها “على صفحات مجلة روز اليوسف كرمز لرجل الشارع، واستطاعت هذه الشخصية التعبير عن رجل الشارع الذي يواجه الساسة والزعماء، ويدخل المعارك ويلعب دورا هاما على امتداد السنوات وكان الظهور الأول لها في مارس 1932” ( [25] ) وقد اعتمد عليها عدد من فناني الكاريكاتير في أعمالهم (رخا – زهدي – طوغان – عبد السميع ) ([26] ).
- ابن البلد للفنان رخا.
- حنظلة للفنان الفلسطيني ناجي العلى ( 1938-1987 )
- شخصية بهجاتوس التي ابتكرها بهجت عثمان (1931-2001).
- شخصيات الثنائي الأشهر (أحمد رجب ومصطفى حسين ): كمبورة – فلاح كفر الهنادوة – قاسم السماوي – عزيز بيه الأليت – الكحيت – عبد الروتين – مطرب الأخبار – عباس العرسة – علي الكومندا – عبده حريقة، وجميعها شخصيات لاقت رواجا على المستوى الجماهيري ولعبت دورها ليس على مستوى استاتيكي ينحصر في الوسيط الورقي وإنما انتقلت إلى الدراما التلفزيونية فتحولت إلى عمل درامي جمع عددا كبيرا من الفنانين المصريين ( [27] )
عالمية الكاريكاتير
يعتمد الكاريكاتير على قنوات اتصال متعددة ( الصحف – المجلات – الجرافيكي – الملصقات الالكترونية المستخدمة على المواقع الالكترونية ) وهو ما يجعله أكثر قدرة على الانتشار من غيره من أشكال النصوص البصرية ولأنه مقصود لغيره فهو يدفعك إلى درجة من درجات الحزن ولكن عبر الابتسامة، فمع الكاريكاتير لن تبكى قبل أن تضحك ولكن العكس هو الصحيح، وذلك ما يجعله نظاما عالميا لتحريك العواطف وتنبيه المشاعر الإنسانية والوطنية، لأنك مع الكاريكاتير لا تحتاج إلى ترجمة فهو يؤسس للغة عالمية منتجا نصا عالميا وإن كانت له مرجعيته المحلية.
شخصية أساحبي
شخصية ابتكرها شاب مصري (حسام حامد مصطفى 22 سنة، يدرس الإعلام بالفرقة الثالثة بإحدى الجامعات الخاصة ) استوحاها لفظا من سائق ميكروباص، وتشكيلا من صورة مغربية لا يتذكر مصدرها ( [28] ) تعتمد على الصورة الكاريكاتيرية مع اللغة أو اللغة فقط عبر مجموعة من الملصقات التي اعتمدت على صفحات التواصل الاجتماعي في انتشارها محددة مجال عملها ( النقدي بالأساس ) وموسعة مجال رؤيتها للحظة التاريخية الراهنة معبرة عن النقد الاجتماعي والسياسي، مستلهمة الواقع بكل طبقاته، ويرسم مبتكر الشخصية منهجه بالقول:” في البداية أحب أن أؤكد أنني أردت توصل رسالة معينة، أن هؤلاء الناس يفهمون جيدا ولا يعيبهم شيء، فقط هذه هي طريقتهم في الكلام، أما عن الأفكار التي نكتبها فهي مستوحاه من الواقع أيضا، مثلا كلام لمرشح رئاسي، كلام لوزير، نفكر في “القلشة” المناسبة لكلامه، فأساحبي شخصية “قلاشة”، ونضع ما يقوله على لسانه.
في بعض الأحيان لا نجد ” القلشة ” المناسبة، مثلا في حلقة أحمد مكي مع باسم يوسف لم نجد قلشة مناسبة، فكتبنا على الصفحة “ايه رأيك في الحلقة؟” فكتب لنا الناس قفشات كثيرة ضحكنا عليها واخترنا منها ما يصلح للكاريكاتير، أيضا هناك أفكار من المواقف التي تمر بي وبأصدقائي، ونركز على ما يمر في منزلنا مع أبائنا وأمهاتنا، مثلا أمي دخلت وقالت لي ” امتحانك بكره قوم ذاكر” فقلت لها خمسة دقائق، فدخلت مرة أخرى وقالت ” اتزفت قوم ذاكر وسيب الكمبيوتر” فقلت لها خلاص هقوم، في المرة الثالثة كنت نمت أمام الكمبيوتر، ما يحدث في الواقع نحوله لكاريكاتير.
أيضا مما نحب التركيز عليه هو كيفية تعامل الأهل في الخارج مع أبنائهم ومقارنتها مع ما يحدث في مصر.” ( [29] ) وقد بلغت الشخصية قمة انتشارها بين الشباب والفئات الشعبية وحققت رواجها الكبير حتى ادعى البعض امتلاك فكرتها (وصل الأمر للقضاء المصري للفصل بين المتحاكمين المدعين امتلاكها ) و بلغ عدد الصفحات التي تحمل اسم ( أساحبي ) إلى 600 صفحة تتضمن مئات من الملصقات التي عملت على تطوير النكتة المصرية بنقلها من مرحلة شفويتها إلى مرحلة الكتابة حيث استثمرت الملصقات قدرة المصريين على إنتاج الكم الهائل من النكت في تقديم منتج له طبيعته الإعلامية والتربوية والتاريخية، مما يجعل منه سلطة لها طبيعتها الخاصة المؤسسة على معرفة المصري بواقعه وقدرته الاشتباك مع عناصره برؤية عميقة تليق به.
الكاريكاتير ( وهو ما قد ينسحب على غيره من النصوص البصرية ولكنه يأتي في مقدمتها ) يؤسس لعدد من الوظائف المانحة سلطته، أو المؤهلة لهذه السلطة:
- معارضة الأزمة: حيث يقف الكاريكاتير موقف الراصد للأزمات مستجيبا للوعي الجمعي وآخذا جانب المجتمع في معناه الأوسع وليس جانب السلطة في معناها الأضيق، مما يجعل منه سلطة معارضة للنظام ومستقطبة للقوي الشعبية عبر التأثير الواضح على الوعي الشعبي وهو ما يتجلى من خلال متابعة الحياة اليومية التي يتسلل إليها التعبيرات الكاريكاتورية أو ما يسمى فنيا بالإفيه وشعبيا بـ ( القفشة ) أو ( الأفشة ) باللهجة الدارجة المصرية القاهرية تحديدا، ومثال ذلك ما انتشر من تعبيرات مستمدة من شخصيات مصطفى حسين الكاريكاتيرية اليومية على الأخبار: فلاح كفر الهنادوة ( [30] ) في تعبيره الدراج:… ويجعله عامر، قاسم السماوي ( نموذج الحقد الأسود ) في تعبيره الأثير: جاتنا نيلة في حظنا الهباب
- قراءة التاريخ / قراءة المجتمع: حيث يمكن للمتلقي اللاحق في الزمن لقراءة شبكة القضايا الاجتماعية ومساحات الوعي التي كشفت عنها رسوم الكاريكاتير ( [31] ) ويمكن للباحث في تاريخ المشكلات الاجتماعية المصرية أن يرسم خارطة واضحة المعالم عبر تجميع التفاصيل الصغيرة والطاقات الترميزية للكاريكاتير في المجلات والصحف المصرية وخاصة تلك التي تحرص على استثمار طاقة الكاريكاتير، أو تلك التي تقوم عليه بالأساس أفكارها ( روز اليوسف- صباح الخير – كاريكاتير ) وغيرها.
رابعا: الملصق الإلكتروني
في زمن مضى ( زمن الاحتلال وعهد الملكية ) اعتمد النشطاء السياسيون على المنشورات بوصفها وسيلة تحمل قدرة تعريفية وطاقة تحريضية، فالمنشور:
صفحة تتضمن كلمات تكشف ( تطرح ماهو غائب عن وعي متلقيه ) فتعرَف (تضع في يدك معرفة مفتقدة ) فتحرض (تمنحك سلطة المعرفة الدافعة للثورة أو التمرد على أقل تقدير ) وهو مايعني أن المنشور يختزل سلطة تتبلور عبر ثلاثة أفعال ( يكشف – يعرف – يحرض ) وعلى الرغم من تطور الحياة بقيت للمنشور رسالته واحتفظ بخطابه التحريضي مع تطور آليات هذا الخطاب.
في زمن لاحق تحول المنشور إلى وسيلة مغايرة حيث تخلى عن سريته محافظا على شفريته ومحولا تقنياته وطرائق عمله بتغيير أساليبه المناسبة للحظة التاريخية والمتوافقة مع طبيعة الشخصية المصرية (الساخرة ) وهو ما عمل على توسيع دائرة عمل المنشور ومنتجيه، حيث كانت كتابة المنشور قديما تقتصر على عدد من التنظيمات السرية وهو ما انفتح في الحاضر على نطاق أوسع مما أحدث عددا من المتغيرات، من أهمها:
- الانتقال من السرية للعلنية، حيث الخروج من عصر القطب الواحد إلى عصر الأقطاب المتعددة والسماوات المفتوحة، والانتقال من الدولة واحدية الحزب إلى الدولة متعددة الأحزاب، والانتقال من النظام المجبر ( بالكسر ) على الديكتاتورية إلى النظام المجبر ( بالفتح ) على الاتجاه نحو الديمقراطية وإن لم يصلها صراحة أو ادعى العمل بها.
- الانتقال من طريقة التوزيع التقليدية (التوزيع باليد على أشخاص بعينهم معلومي الثقة ومحددين مسبقا في دائرة جغرافية ضيقة غير مؤهلة للاتساع فكل من يصله المنشور يتخلص منه بعد قراءته مما يهدد مضمونه بافتقاده جانبا من رسالته ) إلى الطريقة العلنية التي تغير فيها وضع المتلقي من الواحد إلى المتعدد ( الآلاف من متصفحي مواقع الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي والعدد مؤهل للزيادة نتيجة العلنية وبفضل ما تتيحه تقنيات الشبكة من خاصية المشاركة والتفاعلية ودوام البقاء على الشبكة إضافة إلى تخلصه من الأسباب الأمنية التي حدت من انتشاره قديما وكلها عوامل لصالح المنشور في صيغته الجديدة.
- اعتماده على تقنيات بصرية لم تكن متاحة من قبل مما يجعله قادرا على أداء رسالته بشكل أقوى وأسرع ليس على مستوى الانتشار بين الأفراد ولكن على مستوى الوصول لذهن متلقيه.
- امتلاكه عناصر جمالية عبر التشكيل القائم على المزج بين الوسائط المتعددة ( الرسم – اللغة – الصورة – الموسيقى – الفن التشكيلي).
- الميل إلى السخرية في مقابل جدية المضمون في المنشور القديم، وهو ما يجعله رسالة شفرية سريعة الأداء لقدرتها على اكتناز سمات بلاغية مؤثرة في التوصيل ومنجزة على مستوى عملية الاتصال.
- تنوع المضمون وتعدد أبعاده وقضاياه، فالمنشور القديم اعتمد على مضمون واحد (سياسي في الغالب )، خلافا للمضمون المتعدد في المنشور الجديد.
وقد استثمر مستخدمو الانترنت والوسائط الحديثة الإمكانيات الإلكترونية المتاحة في إنتاج كم هائل من الملصقات متنوعة الأسلوب متعددة الأهداف جامعة بين الصورة واللغة وظهرت ملصقات لكل المناسبات الاجتماعية والإنسانية والأحداث السياسية والاقتصادية التي اعتمدت في جانب منها على إعادة إنتاج النكتة الشفوية وتحريرها من شفويتها لتؤكد سلطة النص السابق وقدرة الوسائط على تشكيل سلطة جديدة أكثر قدرة على التأثير.
لقد نجح النص البصري في أن يؤسس للمعرفة القادرة بدورها على تدشين سلطة الوعي، فالميدان الحقيقي للنص البصري هو المساحات المتاحة والمساحات التي يخلقها لنفسه في الواقع المتعين معتمدا بلاغته الخاصة ووعيه الحضاري في ممارسة سلطته وتدشين دوره في الوعي الإنساني.
……………
المصادر والمراجع
- د. أحمد سليم: جرافيتي شاهد على الثورة – دار أخبار اليوم – القاهرة 2013.
- أحمد عبد النعيم: حكايات في الفكاهة والكاريكاتير – دار العلوم للنشر والتوزيع – القاهرة 2009.
- بهجت: حكومة وأهالي وخلافه – كتاب الأهالي – حزب التجمع – القاهرة مارس 1987.
- شريف عبد المجيد: أرض. أرض، حكاية ثورة الجرافيتي – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2012.
- شريف عبد المجيد: الحرية جاية لابد، جرافيتي الأولتراس – دار نهضة مصر- القاهرة 2012.
- شريف عبد المجيد: مكملين، حكاية ثورة الجرافيتي 2– الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 2013.
- شوقية هجرس: فن الكاريكاتير – الدار المصرية اللبنانية – القاهرة 2005.
- عادل حمودة: النكتة السياسية، كيف يسخر المصريون من حكامهم – دار سفنكس للطباعة والنشر والتوزيع – القاهرة 1990.
- عادل كامل: الكاريكاتير في مصر – المجلس الأعلى للثقافة – القاهرة 2008.
- مجموعة من رسامي الكاريكاتير: الكاريكاتير وحقوق الإنسان – دار المستقبل العربي – القاهرة 1990.
- د. ممدوح حمادة: فن الكاريكاتير من جدران الكهوف إلى أعمدة الصحافة – دار عشتروت للنشر – دمشق 1999.
هوامش وتعليقات
[1] – ألين توفلر: تحول السلطة، المعرفة والثروة والعنف على أعتاب القرن الحادي والعشرين – ترجمة: لبنى الريدي – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1995، ص 82.
[2] – في خطاباته جميعها كان الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك يردد عددا من المقولات، منها: الاستقرار – السلام – الخيار الاستراتيجي – محدود الدخل، وكان المصريون دائمي التعليق سخرية على هذه المقولات، ولم يكن الرئيس أو مستشاروه أو من يكتب خطبه على وعي بالمفارقة بين مقولات الرئيس عن الاستقرار ومايدور في العالم من تغيير دائم.
[3] – د. أحمد سليم: جرافيتي شاهد على الثورة – دار أخبار اليوم – القاهرة 2013، ص 97.
[4] – السابق ص 98.
[5] – ثورة الجدران تهتف ص 70
[6] – ثورة الجدران تهتف ص 74.
[7] – ثورة الجدران تهتف ص 100، تصوير: مايا جويلي.
[8] – أحمد سليم: جرافيتي شاهد على الثورة –ص 58.
[9] – ثورة الجدران تهتف ص 59، تصوير: مايا جويلي.
[10] – ثورة الجدران تهتف ص 546، عمار أبو بكر، المشير، ليلى ماجد – تصوير: مايا جويلي.و اللواء محمد عباس حمزة البطران رئيس مباحث قطاع السجون. توفي رميا بالرصاص في محاولة من مجهولين اقتحام سجن القطا فجر يوم 29 يناير 2011.
[11] – ثورة الجدران تهتف ص 160، تصوير: مايا جويلي.
[12] – ثورة الجدران تهتف ص 230، كايزر – تصوير: مايا جويلي.
[13] – ثورة الجدران تهتف ص 166، تصوير: مايا جويلي.
[14] – ثورة الجدران تهتف ص 174، شارل عقل وعمرو جمال، تصوير: مايا جويلي.
[15] – ثورة الجدران تهتف ص 176، هند خيرة، تصوير: مايا جويلي.
[16] – للصبر حدود ” من كلمات: عبد الوهاب محمد، ومن ألحان: محمد الموجي، غنتها أم كلثوم (1964) ويقول مطلعها الذي يمكن تأويله تأويلا سياسيا:
ماتصبرنيش بوعود / وكلام معسول وعهود / انا ياما صبرت زمان / على نار وعذاب وهوان / وهي غلطة ومش ح تعود / ولو ان الشوق موجود / وحنيني اليك موجود / انما للصبر حدود… يا حبيبي
[17] – ثورة الجدران تهتف ص 284، تصوير: مايا جويلي.
[18] – ثورة الجدران تهتف ص 166، تصوير: مايا جويلي.
[19] – ثورة الجدران تهتف ص 138 تصوير: عثمان الشرنوبي.
[20] – ثورة الجدران تهتف ص 132، تصوير: مايا جويلي.
[21] – انظر اللوحة ضمن لوحات كتاب أرض أرض، مصدر سابق.
[22] – يحدث الأمر نفسه في عبارة عند المطار وفى كثير من المواقع المصرية تجد لافتة تحمل عبارة:” أدخلوا مصر آمنين ” وهى مقولة تتناص مع قوله تعالى في سورة يوسف: أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين ” وعلى الرغم من أن الآية تخاطب اليهود، فإن أحدا لم يتوقف إزاء اللافتة ولم يتنبه لخطابها المتضمن إذ استمدت سلطتها من سلطة النص القرآني.
[23] – الكاريكاتير (بالفرنسية: Caricature) هو فن ساخر من فنون الرسم، وهو صورة تبالغ في إظهار تحريف الملامح الطبيعية أو خصائص ومميزات شخص أو جسم ما، بهدف السخرية أو النقد الاجتماعي والسياسي، فن الكاريكاتير له القدرة على النقد بما يفوق المقالات والتقارير الصحفية أحياناً. والكاريكاتير اسم مشتق من الكلمة الإيطالية “كاريكير” (بالإيطالية: Caricare)، التي تعني ” يبالغ، أو يحمَّل مالا يطيق “، والتي كان موسيني (M0sini) أول من استخدمها، سنة 1646. وفي القرن السابع عشر، كان جيان لورينزو برنيني Gian Lorenzo Bernini))، وهو مثّال ورسام كاركاتيري ماهر، أول من قدمها إلى المجتمع الفرنسي، حين ذهب إلى فرنسا، عام 1665.
وفن الكاريكاتير فن قديم، كان معروفاً عند المصريين القدماء، والآشوريين، واليونانيين. فأقدم صور ومشاهد كاريكاتيرية، حفظها التاريخ، تلك التي حرص المصري القديم على تسجيلها، على قطع من الفخار والأحجار الصلبة، وتشمل رسوماً لحيوانات مختلفة، أُبرزت بشكل ساخر (الأشكال من الرقم 1 إلى الرقم 4)؛ اضطلع برسمها العاملون في تشييد مقابر وادي الملوك، بدير المدينة، في عصور الرعامسة، ويرجع تاريخها إلى عام 1250 قبل الميلاد. ولا تُعرف الغاية، التي توخاها الفنان المصري من هذه الرسومات؛ فلعلها كانت إشارة غير صريحة، إلى العلاقة غير المتوازنة، بين الحاكم والمحكوم، التي كانت سائدة في تلك الفترة، جسّدها النحاتون في أسلوب ساخر، خفي المعنى.
– ويكيبيديا: الموسوعة الحرة
- يحدد أحمد عبد النعيم أربعة مراحل يمر بها أسلوب رسام الكاريكاتير: الرؤية – التأثير- التقليد – التمرد، حيث المرحلة الأخيرة تعني تجاوزه مرحلة التقليد إلى التمرد على السائد باتكاره نموذجه الخاص الذي يصبح علامة عليه. انظر: أحمد عبد النعيم: حكايات في الفكاهة والكاريكاتير – دار العلوم للنشر والتوزيع – القاهرة 2009، ص 121.
[25] – السابق ص 227.
[26] – انظر: السابق نفسه.
[27] – المسلسل من إنتاج طارق نور في حلقات منفصلة متصلة سنة 1989، سيناريو وحوار عاطف بشاي ومن إخراج رائد لبيب.
[28] – راجع الحوار الذي أجراه شريف بديع النور مع حسام حامد بعنوان: حصرياً.. ( أساحبي ) الحقيقي يتحدث للشباب: سائق ميكروباص أوحى لي بالفكرة !بمجلة الشباب الصادرة عن مؤسسة الأهرام 18 أغسطس 2012، وتجده على الرابط http://shabab.ahram.org.eg/News/4856.aspx
وراجع الحوار الذي أجراه: محمد خميس وشيرين مصطفى على موقع حريتنا بعنوان: “حريتنا” تحاور “أساحبي”.. ملك ابتسامة ملايين المصريين” والحوار على الرابط:
http://horytna.net/Articles/Details.aspx?AID=57700
[29] – السابق نفسه في حوار مجلة الشباب، والقلشة تعبير مصري يطبق على الإفيه أو الطريقة التي يتناول بها بعضهم الأمور بطريقة كاريكاتيرية ساخرة، وقد استثمره السباب في صفحات متعددة على الفيس بوك، منها صفحة بعنوان أكاديمية القلش تضم قرابة 24 ألف عضو، صفحة أنا باقلش إذن أنا موجود، حزب القلش، وقد بلغ من رواج هذه الصفحات وتأثيرها أن استثمرها البعض في الإعلان التجارية عن بيع المنتجات والعقارات وغيرها (و للكلمة مرجعيتها في الحياة المصرية حيث تعني التغيير مستمدة هذا المعنى من تغيير الطيور لريشها في مراحل النمو، بجامع معنى التغيير بوصفه العلاقة بين الطرحين).
[30] – شخصية كاريكاتيرية تنشر دوريا على صفحة جريدة أخبار اليوم ، فكرة أحمد رجب وتوارد على رسمها مصطفى حسين ثم عمرو فهمي قبل أن يعود لرسمها مصطفى حسين، والشخصية ترمز للفلاح المصري أو المصر الفلاح الذي يأخذ موضعه الدال عند شخصية حكومية في الغالب رئيس الوزراء بداية من عاطف صدقي والشخصية تمثل صوت الشعب في مواجهة الحكومة عبر القضايا التي يثيرها الفلاح ( انظر الصورة المرفقة ).
[31] – راجع على سبيل المثال: الكاريكاتير وحقوق الإنسان – دار المستقبل العربي – القاهرة 1990.