حاوره: خالد حماد
تعتبر الطفولة وفكرة الخلود والموت من أهم التيمات المحركة للكتاب والدافعة بهم إلى عوالم الإبداع، لكن تظل صياغة أي فكرة هي الأهم من الفكرة في حد ذاتها، حيث يبقى المهم هو الكيف خاصة في ما يكتب من روايات اليوم. “العرب” التقت الروائي المصري الشاب طارق إمام في حديث حول الرواية وواقع الثقافة في مصر.
يعد طارق إمام أحد أهم الروائيين الشباب وأكثرهم غزارة من حيث إنتاجه الإبداعي وكذا الجوائز، فقد قدم الكاتب تسعة أعمال روائية وقصصية للمكتبة العربية، منها “الأرملة تكتب الخطابات سرا”، و”هدوء القتلة”، و”الحياة الثانية لكفافيس”، و”ضريح أبي”.
ومازال مشروعه الأدبي متواصلا بين كتابته للرواية والقصة القصيرة، وقد ساهم حصده للعديد من الجوائز في الدفع به أكثر إلى عوالم الكتابة، كتتويجه بجائزة «متحف الكلمة الأسبانية» للقصة القصيرة، والتي تنظم على مستوى 4 لغات هي الأسبانية والإنكليزية والعربية والعبرية.
تيمة محورية
البدايات في عالم الكتابة تمتاز بما يحرضها، ومن جهته يعتبر طارق إمام أنه ثمة أسئلة تبدو سهلة وهي غالبا في منتهى الصعوبة، مثل السؤال عن البدايات. فما حرضه على الكتابة، كما يقول، أولا هو أن والده رجل مثقف ويعمل بالترجمة والنقد الأدبي، وهذا له دور كبير في ارتباطه بالكتاب والقراءة، فمن يقرأ كثيرا، في رأي ضيفنا، لا بد أن يأتي يوم ويكتب. الغريب أنه بدأ بالرسم، وخلال المرحلة الثانوية اتجه إلى الكتابة.
يوضح إمام أن كل كاتب يبدأ مشروعه الإبداعي بقلق، ترافقه فيه أسئلة كبيرة ومهمة تشغله، وبالنسبة إليه فقد كان سؤال الموت هو أكثر ما يشغله، فقد طرحه في روايته “هدوء القتلة”، حيث كان البطل متصلا بالفكر الصوفي، وفكرة الحلول في المطلق. وكان سالم يقتل من وجهة نظر المخلص ويرى في قتل الناس خلاصا بالمعنى الصوفي.
القلق أكثر ما يشغل الكاتب
كما أن الموت أيضا كان هو السؤال المهيمن في رواية “الأرملة تكتب الخطابات سرا”، حيث تلك السيدة العجوز التي جاءت من المدينة لتشتري قبرا، ولكنها تبدأ في كتابات الخطابات الغرامية لفتيات القرية. وكذلك كان سؤال الموت قائما ويبحث بجدية عن إجابات في رواية طارق إمام “ضريح أبي”، إذ يطرح فكرة الموت كجزء من الحياة.
لكن المثير هو أن أبطال روايات طارق إمام لهم علاقة وطيدة بالكتابة، فرواية “كفافيس” على اسم شاعر، وكذلك في “هدوء القتلة” كان بطلها سالم وهو شاعر، وكذلك في “الأرملة تكتب الخطابات سرا” كانت للسيدة علاقة وطيدة بفن الكتابة، وحتى في “ضريح أبي” يفاجئنا إمام بأنه ثمة وصية من الأب يتركها لابنه لكي يكتب تاريخ حياته، وبدلا من أن يكتب تاريخ حياة والده يكتب تاريخ حياته هو.
انشغل إمام بتأكيد هوية كفافيس كشاعر إسكندري ومصري، ويؤكد الروائي أنه في الوقت الذي يتم فيه اختطاف كفافيس من مصر لصالح اليونان، جاءت روايته “كفافيس” لمحاولة اكتشاف الإسكندرية، وعلاقة كفافيس بها.
فهي المكان الأول لهذا الشاعر المهم، وهي تمثل علاقة جدلية بالنسبة إليه، وتبقى الإسكندرية دائما هي مدينة كفافيس الأولى، لكنه لم يجد العربية وكانت كتاباته دوما باليونانية، وحتى تلك الثقافة التي خرجت منها نصوصه الشعرية كانت لها علاقة بالثقافة الهلينية. وقد انشغل إمام في روايته “كفافيس” بتفكيك كل هذا، كي يمكن لنا التعاطي مع كفافيس كشاعر كوني وإنساني في المقام الأول.
البيت الأول
القلق أكثر ما يشغل الكاتب، فمتى يعلن هذا الأخير عن استراحة، يجيب إمام بأن الموت هو الشيء الوحيد الذي يوقف الكاتب. أما عن القلق والحيرة فهما ملازمان للكاتب، في رأيه، يقول “يمكن أن تقول إنه لا يولد كاتب دون قلق وغالبا ما يكون رهان الكاتب على الراحة خاسرا لأنه لا يحدث أبدا”. ففي الوقت الذي أنجز فيه إمام ما يزيد عن تسعة أعمال إبداعية ما بين القصة والرواية مازال يشغله تساؤل هل أنجزت شيئا رغم حصوله على أكثر من جائزة، إذ يقول “ما أطمح إليه لم يأتِ بعد، فثمة مشاريع حبيسة الأدراج، وخاصة من النصوص الشعرية”.
أما في ما يخص النصوص الشعرية التي تسللت إلى أغلب أعمال إمام الروائية فيعلق ضيفنا “لا يمكن أن أصنف تلك النصوص على أنها نصوص شعرية، ولكن هي نصوص فيها نفس شعري. من ناحية أخرى هناك الكثير من الشعراء يهربون من بيت الشعر إلى الرواية، ولكن بالنسبة إلي فالرواية هي بيتي الأول، وفيها المساحة الكافية لكي أسرب أشواقي الشعرية”.
أما عن النقد فيشير إمام إلى أنه يتعامل معه بلا اهتمام كبير إذ غالبا يبقى النقد بعيدا عن مواكبة الأعمال الإبداعية، لذا يقر بأن الكتابات النقدية لا تشغله أبدا عن مشروعه الإبداعي. فهو لا يكتب من أجل الكتابة النقدية.
يبقى الخلود هاجس كل مبدع، كفكرة وقيمة، لكن هذه الفكرة لم تشغل ضيفنا كثيرا إلا في بدايات مشروعه الإبداعي، يقول “كانت الفكرة ملحة في مواجهة العزاء. وهو أن تكتب كتابة جيدة كي تبقى في المواجهة مع الزمن، أدركت مع الوقت أن الكتابة الجيدة تنغرس جذورها في حاضرها وتشغل الناس بها في حينها كي تستمر وتبقى، ويكون لديها جمهورها. وفي رأيي إن الكاتب بشر لم يكن يوما ناسكا أو نبيا”.
كثيرا ما أثار وجود وزارة للثقافة بالبلدان العربية جدلا كبيرا، ويرى ضيفنا أنه لا يوجد وزير ثقافة في الدول المحترمة، ولا يدري كيف أن صابر عرب ظل جالسا بهذا الشكل على كرسي وزارة الثقافة وأن المثقفين ظلوا يصرخون على ما يزيد عن عشرين عاما بأن فاروق حسني حول الوزارة إلى مكان عقيم، ولكن عندما أقام مؤتمر وزارة الثقافة الذي لم يسمع به أحد لم يعترض المثقفون، لأن المسألة في نهاية الأمر صارت نفعية، لذا يجب أن تنتج الثقافة آليات ورؤى جديدة، وليس مجرد مؤتمر ثقافي لا يقدم أي جديد للحركة الثقافية، كما يقول.
ويرى طارق إمام أن أفضل سفير للثقافة المصرية هو الغرافيتي، لأنه فن الشارع، الذي يمثل أحد أشكال المقاومة المباشرة، ويجب على المثقفين أن يخرجوا من قوقعتهم، ويذهبوا إلى الناس، وهناك ثمة نفعية وخيال معلب تم استقطاب الشباب إليهما.
………….
*نقلا عن صحيفة “العرب”