في عتمة الخذلان ألتمس الإجابات 

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

سارة طوبار

 (1)

خلا صباحي منك، والساعات التي اختصرنا بها المسافات أحرقها الغياب، كل مرة أتحدث فيها عنك أحسبها الأخيرة، أُفرغ غضبي .. وجعي وأسئلتي .. أحسبني توصلت لاجابات شافية كافية لانسحابك ، أهدأ قليلا ، ألتمس عذرا ولا أسامح، ثم أعود للحياة، أحاول الانشغال فأتعثر بك، تطل علي من كل الأشياء التي تركتها، الأشياء تفقد متعتها حين يغيب أصحابها، لا يمكنني الفصل بينها وبينك، لا أتمنى أبدًا عودة رجل هشم ثقتي بالرحيل المفاجئ، سحب بساط الأمان من تحت قدمي دون مراعاة لسقوطي، لم أعد أنتظر كتفك لأتكئ عليه، أتمنى لو أن ما حدث لم يحدث، لكني أبدًا لا أتمنى عودتك ثانية، أعرف أني قريبا سأنتهي منك، سأتوقف عن الثرثرة عنك، سأهزم احتياجي لك، سأعتاد صباحاتي بدونك، وستغيب تفاصيلك من يومي، ذات يوم سأستيقظ وأنسى أنك مررت بي، أنك اخترقت مساحة أماني التي لا أسمح لأحد الاقتراب منها ، سأنسى وأتذكر فقط أنك في اللحظة التي أمنت فيها أنك مرساي، فردت شراعك وأبحرت بعيدًا.

  (2)

اعتقدت دائمًا أنني أتقن الحذر، لكنك تفوقت علي فأتقنت الحضور .. والتواجد الدائم .. والاحتيال على المسافات والبعد ، ثم بعد ذلك أتقنت الغياب بنفس البراعة، أمام بابنا المغلق أقف دون فهم، أقع كثيرا في المسافة الفاصلة بين وجودك وغيابك، ولا أصدق أنك كنت هنا بالفعل، شواهد حضورك .. حنيني .. حديثي عنك يؤكد مرورك بي، لم تكن سوى عابر يعرف وجهته مسبقا، ورغم ذلك اقتحمت خلوتي بإصرار، واقتربت بدأب، وأقسمت ألف مرة كذبًا، وطمئنت مخاوفي بوعود لا أثر لها، أغلقت الباب خلفك وتركتني لأسئلة تفترس هدوئي، كيف صدقتك؟ لماذا أمنت بك؟ لماذا اقتربت؟ ولماذا رحلت؟ كيف حياتك بدوني؟ساعاتك التي كنت تزيح مواعيدك عنها كي تملئها بي؟ تفاصيل يومك التي كنت تقسم أن لا أحد يعرفها غيري .. من يعرفها الآن؟ ، والسؤال الذي يدور ليل نهار ولا يهدأ ألا تفتقدني؟ ألا تفتقد كل ما كنت تخبرني به عني؟ كيف أصدق أن مابيننا كان حقيقيًا وصادقًا كما أخبرتني في المرة الأخيرة، وأنت بكل يسر قررت وحدك، اعتذرت، نفضت يديك من وعودك، من مشاعرك التي باتت موضع شك منذ بدايتها ورحلت لأسباب مبهمة، لظروف لطالما أكدت بيقين على حلولها، لم أعد أصدقك ياعزيزي، وكيف أصدق من أمنت بنوره، فأغلق بابه حين اكتفى، وتركني في عتمة الخذلان ألتمس الإجابات علي أرى، أحصي الوعود الكاذبة، أرمم روحي من جديد، أتكأ على نفسي مرة أخرى بحذر أكثر مما قبل، لعلي هذه المره أتقنه فيقيني السقوط فيما بعد.

 

(3)

في آخر اليوم كان لدي الكثير من الأمور التي تشغلني ، لماذا لست هنا كما عودتني؟ كنت تسمعني وتطمئنني ، تهون كل الأمور التي تبدو مصيرية بالنسبة لي، تضعها في مكانها وتزرع حولها أزهارا ملونة، محبتك للحياة أضفت على أيامي سلاما، وعلى قلبي سرور، وعلى مخاوفي شال حريري ناعم ومبهج وعازل للقلق، المحبون للحياة قليلون جدا، أفتقد حديث بيننا لم يكن ينقطع ، “أصبحت في صلب يومي” كنت تخبرني، كما أخبرتني بأمور غيرها كثيرة، أسمع صداها يتردد فأضحك على سذاجتي، كيف اختلط الكذب بالصدق، أحاول استيعاب الأمر .. لا أصدق أن الأرض التي راهنت على صلابتها انهارت بي، اليوم لا أستطيع مسامحتك، ربما غدا أو بعد عام، ربما حين أتخلص من افتقادي، أو حين أستعيد ثقتي، ربما أبدا لن أفعل..أعلى النموذج

 

(4)

أنا اليوم أكرهك بشدة ياعزيزى لأني أفتقدك ولا أجدك، بالأمس زرت صفحتك من حساب لم أحظرك منه، قرأت ما أعدت نشره من منشورات تتحدث في إحداها عن الثقة وفي آخر عن قدسية الكلمة، إنه الوجه الذي ترتديه ببراعة، مدعي ومخادع وذكي جدا مثل كل هؤلاء الرجال الذين كنت تنتقد كذبهم ليل نهار ، الرجال الذين طالما ادعيت أنك لاتشبههم،
قريبا لن يدفعني حنيني أو فضولي لمعرفة ما تكتبه، لأني على يقين الآن انه لا يمثلك.
أسأل نفسي فيما ستفيديني الإجابات؟ إنها لن تعيد ثقتي، و لن تعيدني لما قبل اختراقك حياتي.. أفتقد الحالة ياعزيزي .. أفتقد نفسي التي اكتشتفها معك وأحببتها أكثر بك.. رغم ذلك أنا لا أرضى بنصف حب، سلامي أهم من حضورك المتذبذب، وكبريائي أهم من لهفتك التي بهتت، زيفك لا يليق بي… لا وجود لتلك الحقيقة الواضحة الناصعة التي أحببت.. لا وجود لها ، وبالرغم من يقيني بأنك لم تكن سوى كذبة مبهرة إلا انك رفعت سقف أمنياتي لرجل يشبه تلك الحقيقة التي اختبرتها، رجل يعرف كل الأشياء ويبرع في الحب والحضور، ويجيد الاهتمام بكامل تفاصيلي، يشبهني ، يقرأني، يراني، يدعمني، ويحنو.. ولا يشبهك في الغياب.

(5)

أنا اليوم لست بخير، ليس لأني أفتقدك، ولكن وعدك بأنك لن تخذلني  يطاردني منذ الأمس، يركض خلف مقاومتي ليفترسها، يقف عائق بيني وبين ثقتي بأني أتجاوز الوجع، لم تعد أنت الحكاية، كيف تم خداعي بتلك البراعة هو ما يشغلني، 
سألتني صديقة لي عن خططي لسد الثغرات التي كنت تملؤها، أضع خطط عظيمة لالهاء عقلي، لا أفعل منها شئ، أحدق في الفيس بوك بلا تركيز، أتأرجح بين أفكاري ودهشتي، أحاول استيعاب خديعتي مرارا، أقف أمام سذاجتي ببلاهة، لا أصدق أنني وقعت في فخ محكم وماكر، أريد أن أغرق كليا دون مهامي المفروضة، وأتوقف عن الادعاء بأني بخير كي ألفظ غضبي كما يليق بسقوطي، لكن لا وقت لحداد ..لا أستطيع ارتداء حزني، لا أتمكن من اعلان هزيمتي.. لا سبيل إلا محاولات المقاومة حتى أصدق كذبة النسيان والتخطي

(6)

هل أرسل لك رسالة تشتعل بغضبي منك؟ اخبرك أن صورتك التي أحببت لم يعد لها آثر، وأنك أسوء من عرفت إلى الآن، هل تصدق ذلك؟.. ما كنت أتخيل أنني سأمر بأسوء مما فات، أخبرك كم أنت مدعي وجبان، تجيد الاختباء خلف شعارات واهية ومبادئ كاذبة؟ فهمت الدرس جيدا، تعلمت أن الذين يثرثرون كثيرا حول الضمير والصدق والاختلاف، لا يجيدون الفعل، وأن الذين يقسمون بشرفهم لا شرف لهم، وأن صراحتك وهم، لن أكتب لك، أنت لا تحب الضغوط، تحب أن تعيش حرًا وسعيدا دون أن يزعجك أحد، أو أن يوقظ ضميرك النائم في سبات عميق، ليس لهذا فقط لن أرسل لك، الأمر يتعلق بكبريائي، وأنا أصغر بسنوات كنت أكثر صخبا، أرسل العديد من الرسائل قبل الرحيل، أنتظر لوقت أطول، أثير ضجة بقدر وجعي إذا ما خُذلت، لكني هذه المرة انهيت الأمر بهدوء ودون تطويل في الحكاية، سمعتك، أغلقت الهاتف، قمت بحظرك وانتهى الأمر، أقاوم فكرة الكتابة إليك، لأني لم أعد انتظرك، الأمان إذا تهشم لايُرمم .. والثقة أيضاً .. ثمة لحظة واحدة فاصلة لاتعود فيها أبدا الأمور كما كانت قبلها، تتبدل كليا، تختلف نظرتنا للأشياء، وتقيمنا للمفاهيم التي طالما آمننا بها، بعدها نصبح غرباء .. غرباء كأننا لم نكن معًا .. .العتاب واللوم والأسئلة وأنت أيضا سقطت في الفجوة التي صنعتها برحيلك، لم يتبق لي سوى الخذلان، سأجعله نصب عيني دائما كي لا أنسى ماعلمتني إياه، وكي أتذكر أن أضعك على رأس قائمة خيباتي، وكي لا أثق مرة أخرى.

 

(7)

رسالة لعلها الأخيرة خاصة بعد أن صدقت ظنوني، وتأكدت من أنك كاذب ومتلون، تسير الأمور كما توقعتها، لقد كذبت حدسي طوال الفترة الماضية ليس لأنك كنت تنفي مخاوفي طوال الوقت، ولكن لأنني كنت أريدك أن تصدق وتبقى، صنعتك بأمنياتي، ما كنت أضفيه عليك من مثالية لم يكن سوى انعكاسي، أعيد رؤية ماكان منذ اللحظة الاولى بصورتك الحالية ،فأسمع صوتك عارٍ تمامًا وقبيح جدا، وأرى بعض شرٍ بملامحك، شر كنت أنفيه مرات كثيرة، رأيتك دون حب، أفسر كلماتك بوعي مختلف، ورؤية أوضح لترتيب الأحداث، الغضب يسيطر علي أحيانا خاصة إذا زادت الضغوط التي يجب أن أحلها وحدي دون الرجوع إليك، لم أعد أفتقدك، ولا أستطيع مسامحتك ،ربما لو كنت أظهرت صدقا لالتمست لك عذرا، ومع ذلك يجب أن أمتن لك لأنك لم تتركني لنهاية معلقة، جاءت الإجابات حاسمة وواضحة لأتيقن أن الإشارات التي غضضت نظري عنها، كانت تحمل حقيقتك التي كذبتها أنذاك، أرسل غضبي إلى السماء دعوات، يردها الله لي سلاما وبردا، وأثق أنه ذات يوم سيردها عدل بما تستحق.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

كاتبة مصريّة

مقالات من نفس القسم