“سوشانا والحذاء الطائر”.. ثمرة تأليف عائلي
برغم ميلي للقصة القصيرة التي أكتبها براحة نفسية كبيرة، لدي ميل آخر إلى التجريب والاشتباك مع قوالب وأجناس أدبية مختلفة تبعًا لمزاجي المتقلب.
ولأن كل كاتب بالضرورة عاش طفولة ما، فالكتابة للطفل تبدو مسألة طبيعية جدًا، حيث نكتب عما نعرفه، عن تجربة معيشة.. على عكس كل أنواع الكتابة الأخرى التي قد لا تشترط المعايشة. وبالتأكيد كل منا لديه ملاحظات عن تلك المرحلة التي شكلت وعيه وشخصيته.
المسألة الأخرى المهمة، هي انتقالي إلى مرحلة الأبوة، فجأة أصبح لدي طفلة تريد كل يوم حكاية قبل النوم. ورغم أنني حاولت قراءة بعض القصص من هنا وهناك لكن كل ما قرأته لم يف بماكينة الحكي كل ليلة، فكان علي أن أستلقي بجوارها وأغمض عيني وأبدأ في الحكي، وأنا لا أعرف عما سأحكي بالضبط، المهم أن أحافظ على درجة عالية من التشويق.
كان هذا أفضل تمرين كتابي عشته عمليًا مع ابنتي ثم مع ابني، وأتاح لي أيضًا الانتباه إلى رداءة نصوص كثيرة مما يكتب لهذه الفئة، فكنت أثناء الحكي أقوم بإعداد درامي أفضل للقصص التي أقرأها، واستكمال ما بها من ثغرات.
وندمت لأنني لم أهتم بتوثيق عشرات القصص التي اخترعتها قبل النوم. كنتُ أتعامل مع الأمر باعتباره مهمة أبوية فحسب.
ومتأخرًا جدًا، وجدتني أفكر في خوض تجربة الكتابة للطفل، وتوثيق ما بقي في ذاكرتي، ولقناعتي أن هذا المجال مغبون ولا يلقي ما يستحق من اهتمام.
كتبت بالفعل أربع مسرحيات للطفل، اثنتان منهما قدمتا بشكل رائع على خشبة المسرح الكويتي، هما مسرحية "عيون الغابة" التي نالت جائزة أفضل عرض في مهرجان المسرح العربي للطفل، ومسرحية "الأيدي الذهبية" مع مؤسسة لوياك.
كما بدأت أفكر في الاهتمام أكثر، بالنصوص التي تعتني بالخيال العلمي، وقضية العلم والتفكير. وهي مسألة تكاد أن تكون مغيبة بالمطلق في أدبنا العربي.
من هنا جاءت فكرة رواية "سوشانا والحذاء الطائر" للناشئين، من فرضية: ماذا لو اخترع الإنسان حذاء يطير به ويستغني عن القطارات والسيارات؟ ثم فكرت أيضًا طالما أن بطل الرواية "حذاء" أن أضمنها تأريخًا ثقافيًا عن الحذاء نفسه عبر العصور. ومن تضفير هذين الملمحين خرجت الرواية. وعمومًا أومن دائمًا بالجانب المعرفي لأية رواية، وليس فقط المتعة السردية.
عملت على المشروع عامًا كاملًا، وفي العام الثاني، أعدت كتابتها في ضوء ملاحظات الناشرة الصديقة أمل فرح مدير "دار شجرة" التي تحمست جدًا للرواية، ورأتها جديرة بأرفع الجوائز، بل سعت لأن تتبناها شركة أحذية كبرى مثل "باتا" أو "أديدس" لقناعتها بقيمة الجانب المعرفي فيها، وإمكانية أن تتحول مثلًا إلى فيلم كارتون.
ولأن للكتابة للطفل خصوصيتها الشديدة، لجأت أيضًا إلى بنتي وابني لقراءة فصول من المخطوط وإبداء ملاحظاتهم.. وبحكم أن زوجتي د.رضوى فرغلي معالجة نفسية، أخذت أيضًا بملاحظاتها التربوية المهمة.
أيضًا كنتُ حريصًا إلى جانب الخط السردي الخاص بالخيال العلمي، والآخر الخاص بتاريخ الحذاء، أن يكون هناك خط ثالث تشويقي يتعلق برحلة البطل الصبي المصري في العثور على صديقته النمساوية المفقودة "سوشانا". وبالتالي كانت أحداث الرواية تدور ما بين مصر والنمسا.. وهنا استعنت بإقامة صهري علي فرغلي في النمسا، لمراجعة الكثير من التفاصيل الخاصة بالشوارع والأماكن هناك.
باختصار تجربة "سوشانا" كانت من أجمل وأهم التجارب التي أعتز بها في مسيرتي مع الكتابة، وتقريبًا جاءت ثمرة تأليف عائلي.