اشتقت إلى أشعة الشمس المتوهجة، إلى دفئها الذي يسري في بدني وينعشني..
أغادرُ السرير… أغادر البيت، وأدُسُّ جسدي بين جموع الناس، فتزهرُ الحياة، للحظة، في أوردتي.. أُمَلّي نفسي بنظراتها، بكلماتها عَلَّها تَنْفُضُ عني بعضاً من خوفي ومن خجلي..
في ظلمة حالكة أتحسَّسُ طريقي عن مسلك يوصلني إليك، والقلقُ يعتريني، أتحسَّسُ صدري باحثاً عن زَرِّ قلبي، عَلَّني أجدُهُ وأضغَطُ عليه لينير مسالكَ تُوصلني إليك، مُسْتَحضراً كلام أمّي:
” ثق بقلبك.. اختيارات القلب دوماً صائبة.. القلب لا يخدع..”.
خدعني القلب خدع.. خدعني الليل خدع..
ظلمة الليل تَحُفُّ بي، وتسَيِّجُني في حالك الظلام.. ضَلَّ النور سبيله نحوي..
من أين يأتي الظلام؟ كل هذا الظلام؟ “هذا الليل لا تجري كواكبه”[1]
من قبلُ كنت ترمينني بابتسامات مهذبة، فأحتفظ بها في دهاليز قلبي، ما عاد الأمر كذلك، اليوم، ابتسامتك أضحت غامضة ونادرة.. أتَطَلَّعُ إليك في حبور، أسعى لفتح حصن قلب استعصى عليَّ فتحُهُ، أَدوس بقدميَّ الثقيلتين المُكَبَّلَتين بسلاسل الحرمان، أدوس الحصى وهو ينجرف تحت قدمي، أهوي وأغوص في لجيج يم الضياع..
” ما بالُ الدجى ليس يبرحُ..[2]“
أُمَلِّي نفسي بنسيم صباح يروي جذوري..
لم أنعم بنور اليوم..
مَنَّيْتُ نفسي بابتسامة منها، ابتسامة كنور قمر في ليل ربيعي تُعيدُ الدفء لقلب هزمته الحسرة.. تقدمتُ منها، مسحتني بنظرة جافة.. هوى قلبي وتَسَلَّلَ الألمُ إلى داخلي، أحسَسْتُ بإنهاكٍ ويأْس.. صَمتٌ باردٌ يَلُفُّ المكان.. يُجَمِّدُ أحلامي..
شارف النهارُ على الأفول.. سقط ضوءُ الشمس مائلاً، فاسحاً المجالَ لِلَيْلٍ كالح ليرخي أستارهُ من جديد.. علي أن أكتشفه في أسفاري الطويلة في اتجاه النسيان..
الدَّابةُ العرجاء تتقدمُ نحوي في بطء وتجثُمُ على صدري..
أغيب للحظات لا أدري مداها.. أستيقظ على أصوات عصافير.. نظرات الواقفين أمامي تحثني على الكلام، على البوح والاعتراف.. كلمات غامضة تنتصب في رأسي وتتدحرج على لساني، ويخرج صوتي خافتاً:
في ظلمةٍ غاشية..
أتجَرَّعُ غَصَّ الألم..
أُجيلُ حدْقَتَيْ عَينَيَّ حولي..
باحثاً عَنِّي..
عن ذاتٍ مُمَزَّقة تناثرت..
كَوُرَيقاتٍ يتلاعبُ بها النسيم..