يوم ابتكر فيه الإخراج

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام
بقلم: جاك نرسون* ترجمة: محمد رابحي* إلى متى يعود ظهور المخرج؟ حسب جاستون باتي (الذي يعد إلى جانب دولان وجوفيه وبيتويف، مجددي المسرح ما بين الحربين). "إن وظيفته أقدم من المسرح ذاته: في غابر العصور، وداخل معبد مصري كان هناك كاهن يعدل ويضبط أداء المنشدين الذين يمثلون الأسرة الكهنوتية لأوزيريس. فيما الندابات كن يبكين حول ايزيس. وما إن يبدأ المغنون عملهم يكون ذلك هو المخرج". إذن كنا منذ قرون نقوم بالإخراج مثل "السيد جوردان يقول النثر دون علمه" (مثل فرنسي دارج / المترجم). أحيانا كان المؤلف هو من يضبط العرض وأحيانا الممثل الرئيسي وأحيانا أخرى مدير المسرح،،، على أن الأمر لم يكن بالهين: فلما كان موليير يقدم مسرحياتة، لم يكن تمة من يعترض على سلطته كرئيس للفرقة. لكن أن يكون ممثلا من يفرض نفسه كـ"مسير" هكذا كان يوصف خلال القرون الوسطى. يكفي أن يشكوا في نيته الاستئثار بحصة الأسد أو يلمسوا ميله لأشخاص على حساب آخرين حتى ينخرطوا في الشجار.

تصوروا عدم انسجام الفساتين التي صممتها الممثلات دون الرجوع إلى أي كان. تصوروا كذلك توزيع الأدوار في زمن كان فيه الممثلون يحتكرون أدوارهم إلى غاية تقاعدهم. فنشاهد أبناء في سن الآباء وأدوار الجميلات تقمن بها ممثلات قبيحات..

فضيحة

حسب “قاموس لغة المسرح” لآنييس بييرون. فإن تعبير الإخراج يعود إلى العام 1874. على أننا نعتقد أن وظيفته الجديدة كما نعرفها اليوم ولدت مع اندريه انطوان بتاريخ 19 أكتوبر 1888. يوم قدمت “الجزارين” للكاتب فرناند ايكرس في تياتر ليبر بمونتمارتر. 

في مشهد تجري أحداثه في جزارة علق انطوان، المأخوذ بالواقعية، هيكلي كبشين حقيقيين، كثيرون وجدوا صعوبة في تقبل فظاظة اللحم المعروض. بيد أن الفضيحة سند والمخرج ولد.

وصار لانطوان أتباع عبر كل أوروبا: أوتو براهم في ألمانيا، ستانيسلافسكي في روسيا، جرانفيل باركر في انكلترا،،، كلهم ظهروا خلال العقد نفسه مثل مجموعة بيضات من حضنة واحدة.. تزامن متأت من ظهور جهاز العرض الكهربائي الذي زاد، مع تطورات تقنية أخرى، من تعقيد الممارسة المشهدية. وبتعبير برنار دور “إنه التحضير لمقدم المخرج”. 

مخرج أم ديكتاتور؟

بعد ذلك وباسم الرمزية يدمر لونيه بو “الطبيعية” التي عمل بها أستاذه انطوان حجرا حجرا. لكن تم على اثر ذلك الاعتراف بضرورة المخرج. الذي أخذ بزمام سلطته التي لا يتردد أحيانا في العبث بها. أكثر من ذلك لمسنا في انطوان نفسه بزوغ الديكتاتور: فالفنانون لا يعرفون شيئا عن المسرحيات التي عليهم أن يؤدوها.. (..) إنهم في الواقع تماثيل فترينة أو عرائس قراقوز..

عند جوفيه تمة نوعان من المخرجين “أولئك الذين ينتظرون من المسرحية كل شيء” و”أولئك الذين يجدون في المسرحية فرصتهم”.  و سيشهد النصف الثاني من القرن العشرين انتصار الصنف الثاني. إذ يعتبر العرض بالنسبة إليهم عمل مستقل عن المسرحية كنص. فتجد أسماءهم تستقر على الأفيش ببنط أعرض مما تكتب أسماء المؤلف والممثلين.

مع الأزمة اضطر هؤلاء المخرجون النجوم إلى خفض مطامحهم، كفى المصاريف المهولة، التي انتقد بسببها الناقد جيل ساندييه بقسوة باتريس شيرو. ها هي شخصية جديدة تسجل حضورها منذ مدة هي المؤلف المخرج، وأبرز أمثلته جويل بوميرا، الذي لا يكف عن وضع لمساته الأخيرة على المسرحية حتى أثناء التمرينات، على طريقة الخياط الذي كان يسوي فستان مارلين ديتريش وهو عليها لحظات قبل التصوير. حيث لا يمكن معها الشك في حرفية هذه العروض.  

وهذا لا يعني بأن أمر المخرج قد انتهى. أنكرنا أم باركنا لم يعد بمقدورنا مطلقا الاستغناء عنه. فدون قائد سترتكب الاوركسترا الكثير من النشاز. 

…………………………………

ـ* نشر المقال بصحيفة الأوبس في 17 يوليو 2016.

ـ * كاتب وناقد مسرحي فرنسي

ـ* كاتب وناقد جزائري

مقالات من نفس القسم