المغرب في عيون مصرية

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أيمن عبد العزيز

1

ما إن تصعد درجات السلم وصولا لباب الطائرة وتنظر للوجوه ذات الملامح المغربية المميزة التى تستقبلك عند باب الطائرة وتسمع كلمة مرحبا باللهجة المغربية"بفتح الميم وتسكين الراء الحاء وفتح الباء" إلا وينتابك إحساس بأنك فى مكان مختلف وأنك فى طريقك لرحلة مميزة بكل المقاييس

وبالنسبة لقاهرى النشأة مثلى يعانى من صخب المدن الكبيرة المزدحمة كمدينة القاهرة بكل إيجابياتها وسلبياتها ما إن تعلن مضيفة الطائرة أننا نحلق فوق الأجواء المغربية وإقتربنا من الهبوط بمطار محمد الخامس الدولى فى الدار البيضاء إلا وتتأكد أنك فعلا فى مكان مختلف حيث يبدأ العرض المبهر للجغرافيا

 

ما إن هبطت الطائرة وبدأت تسير بإستقرارعلى الممر الطويل بالمطار حتى بدت من النافذة ملامح الأماكن مختلفة عما ألفته وودعته لحظة الاقلاع من مطار القاهرة من زحام

ومبانى أسمنتية كالحة بلا ملامح تبدو من الطائرة كمكعبات أسمنتية قبيحة تتجاور فى نفور وعشوائية مستفزة .

وأول ما تلاحظه العين على الارض حتى من داخل الطائرة هو الإتساع الشديد والإحساس بالإمتداد المكانى حيث أن المطار فى مكان فسيح جدا وبعيد تماما عن المناطق السكنيه ولا يحيط به على إمتداد الرؤية البصرية فى الأفق إلا مساحات شاسعه جدا من الحقول والأراضى الزراعية المحروثه والتى إكتمل إخضرار بعضها بوضوح و يجاورها قطع أخرى في انتظار الزراعة في مشهد يبدو من أعلي كرقعة ضخمة للشطرنج بلونيها المتمايزين الفاتح و الغامق.

ويمتد عبر هذه الاراضي الشاسعة كخيط أسود طويل الخط الحديدى الذى يربط المطار بمدينة الدار البيضاء, وغيرها من المدن ، وهو ما يبعث فى النفس شعورا بالراحة والصفاء ويدفعك للاحساس التلقائي بأن رئتيك قد اتسعتا وإمتلئتا عن آخرهما بالهواء المنعش الممزوج برائحة العشب في الأراضي المزروعه

2

أقلعت الطائرة حوالى الساعه 6 صباحا بتوقيت القاهرة واستغرقت الرحلة ما يقارب الـ 5 ساعات وصلنا بعدها الى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء .و كان المنظر من الجو رائعا جدا ونحن نهبط وسط تلك الرقع الخضراء الضخمة من المساحات الزراعية حول المطار .

لم تكن الشمس قد بدأت تسخن فى الافق بعد وهو ما منح الجو لمسه باردة قليلا فى وجود دفيء الشمس البازغة فى الافق إلا أنها كانت منعشه بعد الخروج من الطائرة بهوائها المصطنع خاصة وأن رائحة الجو عند الوصول كانت ممزوجة برائحة العشب من المناطق الخضراء حول منطقة المطارعلى عكس ما يحيط بمطار القاهرة من زحام تبدو غاية فى القبح من اعلى.

يستوقف النظر و يسترعى الانتباه اولا عند اقتراب الطائرة من الهبوط الابنية البسيطة الموجودة داخل المطار بالوانها المميزة و طرازها المغربى المميز وخاصة اللون الابيض والاحمر والاخضر وهو ما يشعر النفس بالراحة والاتساع و الهدوء المعطر برائحة الطبيعة المغربية.

لحظات ونقلنا الاوتوبيس الى صالات الوصول بالمطار و بعدها وصلنا لمكاتب الجوازات للفحص وكان من اللافت مع نظافة المكان, رغم بساطة المطار وعدم ضخامة صالة الوصول, تعدد الوان أزياء الموظفين على اختلاف ادوارهم فموظفى الجوازات كانوا يرتدون زيا ازرق سماوى وكانوا يجلسون بشكل زوجي فى كل شباك, كما ان موظفات ركن الاستقبال بصالة الوصول كن يرتدين زيا شتويا بلون بني غامق فوق قميص بيج اضافة الى الوان ازياء المسافرين انفسهم و مستقبليهم فكان المشهد اشبه بكرنفال للألوان.

وقفت انا وصديقى فى الصف الى ان وصلنا فى ثوان امام شباك الجوازات وبينما اخذ احد الموظفين يراجع بيانات ” الباسبور” و كارت البيانات الذى ملأناه داخل الطائره قال لى الاخر مبتسما: انتا مصرى مرحبا بيك, وقال لى ضاحكا بعد إجابتى له عن ان سبب زيارتى للمغرب هو السياحة هل ستذهب لشرب عصير العنب فى عين دياب ؟ ونظر إلى هو وزميله ضاحكين ضحكة لعوب مستفسرة فتعجبت لبعض ثوانى وقلت فى نفسي ولماذا عصير العنب بالذات ما سأل عنه صاحبنا, وهل يشتهر المغرب بشكل خاص بعصير العنب؟ الا ان المعنى الذى قصده ضابط الجوازات قفز الى ذهنى فى التو فإنفجرت ضاحكا بدورى مع الضابطين الناظرين الى فى مكر ومرح وأجبته بالنفى وأن هذا ليس هدفى من الزيارة و كان يقصد هل ستذهب لشرب الخمور كما يفعل السياح كثيرا… وكان ذلك اول لقاء لنا مع خفة الظل للاخوة المغاربة.

3

توجهنا لشباك التذاكر وفى ثوان حصلنا عليها وكان لافتا ان الحجز يتم آليا من خلال الكمبيوتر فقط دون الكتابة بأية اقلام كما يحدث عندنا, حيث ان موظفى حجز التذاكر فى مصر يقومون بكتابة بعض البيانات على التذاكر المطبوعة آليا وغالبا ما يكون ذلك بخط غير مقروء, وبعد ذلك رحنا نجذب حقائبنا بهدوء بينما ننظر بشغف للمسافرين من حولنا وخاصة النساء بملامحهن وأزيائهن المغربية المميزة خلال جلوسنا فى انتظارنا القطار الذى كان موعد وصوله بعد حوالى نصف ساعه.

كنت قد عزمت على تلك الرحلة للمغرب للتعرف على هذا البلد الذى اثار فضولى لزيارته والتعرف عليه عن قرب والزواج من فتاة مغربية إن أمكننى ذلك, وكان صديقى ورفيق رحلتى محمود الذى جاوز الخمسين من عمره بقليل وتقاعد مبكرا عن العمل بأحد البنوك.

وبينما جلسنا على مقاعد الانتظار بمحطة القطار اسفل المطار رحنا نقارن بعيوننا بين ملامح من حولنا وخاصة النساء بملامح الناس فى بلادنا خاصة خاصة وكنا قد قرأنا بعض سطور عن اختلاف وتميز المرأه المغربية عن غيرها من النساء العرب سواء فى الملامح او الملابس او الطباع , وبينما انهمك صديقى فى حوار مع احدي السيدات عن القطار و كم من الوقت تستغرقه الرحلة للوصول الى كازابلانكا رحت اتنقل بعينى بين المسافرين من حولنا وأتفحص محطة القطار .

وقطع انهماكنا الصامت فى التفرس فى الوجوه والاشياء من حولنا صوت وصول القطار الى مدخل المحطة و بدأ الجميع يتأهب للركوب, وما إن استقر القطارعلى الرصيف وكنا بالقرب مقدمة القطارعندما دخل الى المحطة وما ان اقتربنا من كابينة القيادة حتى لمحت بداخلها شعرأصفر طويل ومعقود على شكل ذيل الحصان اعتقدت انه ربما يكون رجلا قد ترك شعره يسترسل على كتفيه أو ربما سيدة بجوار سائق القطار لأى سبب كان , إلا أن صاحبة الشعر الاصفر الداكن لم تكن إلا قائدة ذلك القطار وهو ما كان مفاجئا تماما بالنسبة لى وتأكدت حينها ان المرأه المغربية لابد وأن لها فى هذا البلد مكانة مميزة مكنتها من غرفة القيادة بالقطار كأول امراه عربية فى ذلك المجال منذ عام 1999، تلك المهمة التى تتطلب من الرجال فى مصر اعواما طويلة من الخبرة والتدريب فى العمل كمساعد لقائد القطار قبل أن يجاز لأداء هذه المهمة منفردا0

4

ركبنا القطار وتحرك بنا الى مدينة الدار البيضاء ووصلها بعد حوالى 40 دقيقه مر خلالها على العديد من المناطق السكنيه التي تشبه مناطق فى بلدنا ومر كذلك أيضا على مناطق عشوائيه قرأت عنها من قبل, تسمي فى المغرب مناطق الصفيح وهى مناطق يسكنها الفقراء والمهمشون, وخلال تلك الفترة انشغلت أنا وصديقى بتفحص المسافرين وركاب القطار من حولنا,وبالنظر من نافذة القطار لمشاهدة وملاحظة شكل الناس والأماكن التى يمر عليها القطار.

بطبيعة الحال كان ملحوظا جدا إتساع الأماكن وعدم اكتظاظها بالناس كما عندنا, وكذلك كان ملحوظا إنتشار الأعلام فوق العديد من الأبنيه وهو مشهد كان جدير بالملاحظة نظرا لعدم انتشار الاعلام فوق المباني عندنا بنفس الكثافة.

وفى تلك الاثناء مر موظف التذاكر أو”الكمسارى” كما نسميه فى مصر وطلب التذاكر و اعطيناها له وكان فى يده أله صغيرة أحدث بها ثقبا فى التذاكر كدليل على فحصها, وكان ذلك ايضا يحدث عندنا فى مصر فى قديم الزمان قبل ان يتغير ذلك الى ان يقوم الكمسارى برسم “شخابيط” أو خطوط غير مفهومة على التذاكر للغرض نفسه.

بعد حوالى40 دقيقة وصل بنا القطار لمحطة الوصول وهى محطة الدار البيضاء المسافرين أو” كازا فواياجور” كما تسمي هنا, وعلمنا بإقترابنا من الوصول اليها من خلال الاذاعه الداخليه بالقطار حيث يتم التنبيه على الركاب قبيل دقائق من وصول القطار الى المحطة التاليه بصوت نسائي قوى وواضح ونقى باللغة العربية اولا ثم بالفرنسية وتذكرت خفوت وعدم وضوح صوت الاذاعة الداخلية عندنا ليس فى محطة القطارات المركزية فى ميدان رمسيس بالقاهرة وإنما حتى بمطار القاهرة نفسه احيانا .

ويوجد بالدار البيضاء محطتان للقطار قريبتان من وسط المدينه ولا تبعدان عن بعضهما كثيرا, أولاهما تسمي الدار البيضاء المسافرين والاخرى الدار البيضاء الميناء, وكان علينا ان ننزل فى الاولىٍ .

نزلت من القطار أنا وصديقى وجلسنا قليلا على المحطة نتأمل الاشياء وندخن سيجارتين ونتأهب للخطوة القادمة وخلال ذلك كنا نستمع الى الاذاعة الداخلية وهى تعطي المعلومات للمسافرين فى كل الاتجاهات, ونشاهد الطراز المعمارى المميز والأنيق للمحطة نفسها بأرصفتها التى لا تعلو عن الأرض إلا بنحو 20-30 سنتيمترا فقط وعندما يتوقف القطار فى الرصيف وبمجرد أن تجذب

مقبض الباب لتفتحه ينزل من القطار فى نفس اللحظة سلم حديدي ويستقر أعلى الرصيف بسنتيمترات قليلة ليتمكن الركاب من الصعود او النزول من القطار.

كما توجد على ارصفة القطار فى مختلف الاتجاهات لافتات إليكترونيه تبين مواعيد القطارات القادمة على كل رصيف.

وجميع محطات القطارات فى المغرب لها تقريبا نفس النموذج المعمارى الموحد و المميز, وبينما يجلس المسافرون علي المقاعد الحديثة في انتظار القطار تهب عليهم نسمات منعشة محملة بروائح أشجار البرتقال التي تحيط بالمحطات وتزين أرصفتها في الشتاء والخريف.

ــــــــــــــــــ

*مقاطع من كتاب “المغرب في عيون مصرية” صدر أخيرا بالقاهرة

مقالات من نفس القسم