حاورته: “المشاهد السياسي”
يعتبر الشاعر المصري علاء خالد منذ ديوانه الأول «جسد عالق بمشيئة حبر» شاعراً ذا رؤية خاصة، وصوتاً مجدّداً في لغة القصيدة المصرية ورؤيتها للإنسان وعالمه. علاء خالد المتعلّق بالإسكندرية مدينته الخالد، هو صوت من أصوات فتنتها. يهتمّ علاء خالد بالتحوّل من الحدث إلى التذكّر. فالقارئ يلتقي لديه بقصيدة نثر تعتبر نفسها، وفي الوقت نفسه، سرداً أوتوبيوغرافيّاً وتركيبة شعريّة. بينما يعقد الأوتوبيوغرافي في عمله ميثاقاً مع القارئ، يقوم الشعري فيه بتحطيم هذا التعاقد ليملي على القارئ أن يطمئنّ كمستمع وبشدّة إلى نغم الكلمات ورنينها. ولد علاء خالد في الإسكندرية في العام 1960 واتّـجه في البداية إلى دراسة العلوم الطبيعية. بدأ طريقه الأدبي في الثمانينيات بعد دراسة للكيمياء الحيوية في جامعة الإسكندرية. وانطلاقاً من التناقض بين الشعور بالأمان والشعور بالغربة داخل ثقافته، أخذ علاء خالد ينشر نقده لمجتمعه، متمنيّاً المشاركة في إنجاز وطن ثقافي جديد. بمجلّة «أمكنة» أسّس مجلّة ثقافية تمثّل استثناء، ليس من خلال مقالاتها غير التقليدية فقط، وإنما أيضاً لأنها تقيم علاقة وثيقة بين النص والصورة، مع الاشارة الى أن علاء خالد اشتهر بديوانه الأول «الجسد عالق بمشيئة حبر» 1990.
ألم خفيف كريشة طائر ينتقل بخفّة من مكان لآخر» عنوان أحدث كتب الشاعر والكاتب المصري علاء خالد، وهي رواية صدرت مؤخّراً عن دار «الشروق» المصرية. طول العنوان ليس وحده اللافت في الرواية الأولى لأحد أبرز الأسماء الشعرية لقصيدة النثر المصرية، إلا أن حجم الرواية أيضاً ـ 368 صفحة ـ يبدو لافتاً أيضاً وسط غالبية أحجام الروايات الصادرة في السنوات الأخيرة والغالب عليها الصغر.
علاء خالد الذي أصدر ديوانه الشعري الأول، والذي صدر ديوانه الأخير في العام 2007 بعنوان «تصبحين على خير»، خاض تجربة الكتابة النثرية عبر كتابيه «خطوط الضعف» 1995 و«طرف غائب يمكن أن يبعث الأمل» في العام 2003، اللذين شكّلا تجربة مغايرة على مستوى السرد والموضوعات المتناولة وخروجهما على أشكال الكتابة النمطية المعتادة. ومن بين الأعمال النثرية التي صدرت له حتى الآن، يمكن الاشارة بصورة خاصّة إلى كتابه خطوط الضعف. في هذه السردية يقيم علاء خالد علاقة بين عناصر أوتوبيوغرافيّة، وبين لحظات تاريخية لواحة «سيوة». فمن خلال المواجهة والمحاذاة بين الذاكرتين: الشخصيّة والثقافية، يتطوّر حوار بين المبدع وخط الزمن الذي تعكس الرحلة عبر الصحراء إبّانه طريقة حياته.
يقول الكاتب أحمد الفخراني: ذات يوم مرّ أحد أعضاء مجمع اللغة العربية مصادفة على غاليري علاء خالد في حي رشدي في الإسكندرية، توقّف أمام اسم الغاليري «فراديس»، فدخل على صاحب الاسم معترضاً على جمع الكلمة «لا يوجد سوى فردوس واحد في الجنّة، لا أحد يملك فردوسه على الأرض، ولا يمكن جمع الكلمة». لكن الغاليري بالفعل هو فردوس علاء خالد الخاص، جنّته التي أنشأها في العام 1996 مع زوجته سلوى رشاد، رفيقة حياته ونصفه الذي قاسمه أحد أهمّ المطبوعات الثقافية في مصر «أمكنة».
خبرات عديدة اكتسبها صاحب «حياة مبيّتة»، كان أكثر قلقاً من الناس ومن الاحتكاك المباشر بهم «كنت أخشى البقاء بمفردي في البداية، وأصرّ على بقاء سلوى زوجتي معي في الغاليري». رويداً رويداً اكتسب علاء خالد حساسيات المكان الذي يمتلك قدرة على صنع علاقة حميمة وأليفة مع من يدخله، صارت خبراته مع الناس أكثر صقلاً ورهافة، أعطاه وقتاً أكبر للكتابة والقراءة والتأمّل. ثماني ساعات يومياً من البقاء وسط أيقونات بهذه الدقّة والجمال والتناسق، أشاع حالة جمالية داخله على حد تعبيره.
«كرسيّان متقابلان» ديوانه الشعري الثاني، كتب قصائده كلّها بطريقة خاصّة ومميّزة في أصل محرّضاتها وأسبابها الصغيرة. يقول: القصائد كتبتها من خلال ما رأيته من خلف زجاج الغاليري الذي يكشف الشارع، تلك العجوز السويسرية التي لا تعرفني، ثم دخلت عليّ لتحكي من دون مبرّر عن حياتها ومأساتها، ليس مكاناً للاعتراف، لكنه مكان للبوح، حالة التخفّف التي تعتري كل من يدخل الغاليري سمحت بذلك: تصميم المكان، تناسقه، نوعيّة معروضاته التي تتنوّع بين الموازييك والخياميّة والفوتوغرافيا والألبسة، والزجاج اليدوي، كلّها أشياء تمنح المكان روحاً تتلبّس من يدخله روح من يدخل فردوس على الأرض. وكما يرى الفخراني، إنها علاقة لا تتورّط فيها ولا يتورّط معك أحد فيها، هي نفسها العلاقة بين علاء خالد والآخرين في الوسط الثقافي، سواء من الأجيال السابقة أو الحالية «أتعامل مع كل فرد بوصفه مشروعاً مستقلاًّ» يقول صاحب «جسد عالق بمشيئة حبر». كان علاء خالد وزوجته سلوى رشاد يسافران كثيراً، حرصاً على أن يعرفا ما يميّز المكان بصناعته، هنا في الغاليري منتجات من كرداسة والفيّوم والحرّانية وسيوة.
«ليست الأماكن فقط، لكن أرواح الصانعين، تراها هنا بوضوح، الأمر الذي يفرّق الشغل اليدوي عن أي شيء آخر. تبقى بصمة صاحبه، طريقته في الحياة في الحب في استقبال التفاصيل».
يبدو علاء خالد إنساناً حدودياً بامتياز.. يكتب شعراً منثوراً ونثراً كأنه جمل شعرية طويلة. يكتب أدباً قريباً من الصحافة وصحافة تلامس الأدب. يعيش في الإسكندرية والتي كانت في فترة خلت هي الوطن الذي تختفي فيه الحدود، أو على الأقلّ هكذا يحب الإسكندريون أن يروا مدينتهم. ما بين اليوناني والإيطالي وإبن البلد والأرمني والنوبي. كان يمكن لعلاء خالد أن يكتفي بأن يكون شاعراً إسكندريّاً مهمّاً، ولكنه فضّل شيئاً آخر، الاشتباك مع الواقع، تمزيق الحدود ما بين مجالات الثقافة المختلفة عبر مجلّته «أمكنة»، مثلما مزّقها عبر كتابته، ومثلما عنى العدد الأخير منها، وهو العدد المعنون بـ«الحدود»، بينما حمل عنواناً ضمنياً آخر «انتهاك الحدود».
يقول الشاعر إنه غير ممنهج في تربيته، إنه لم يترب أدبياً بصرامة، وأنه لم يلجأ للأدب إلا كنوع من الحاجة النفسية، وإن كل اللحظات التي كتب فيها كانت لحظات تحوّل. يقول: «هناك من يكتب لأنه مؤهّل للكتابة من تلقاء ذاته. ليس في حياته تحوّلات جذريّة وإنما هي قائمة على الاستمرارية. أنا معك في العنصر الحدودي في الديوان الأول لي. عندما كتبته لم أكن أعرف إن كان شعراً أم لا. كان الكتاب قائماً على حكاية غير واقعية، وكان يحتوي على سرد كثير، وكان واضحاً ساعتها أن الشعر هو أحاسيس ستتحكّم في شكل معيّـن بالقصيدة». اختلف الأمر بعد ذلك في «خطوط الضعف»، كتابه الثاني عن رحلته الى سيوة، فهو كتاب نثري يمكن أن نعدّه بكثير من التبسيط في أدب المكان أو أدب الرحلات، وهو يكتبه كان يحسّ بانهيار داخلي وكان يخاف من مواصلة الكتابة، حيث الأداة اللغوية فيه محمّلة بتاريخ شخصي، وتجري وراء أشياء في الكاتب ذاته.
> وأسال الشاعر المتعلّق بأدب الرحلة والمتعلّق بخفّة العلاقة بين الإنسان والإنسان والإنسان والمكان.. هل تحرّكك فكرة التسامح في فهمك للوجود؟
< محاولة للتسامح! لم أكن أملك الأداة لفكرة التسامح، لكنني كنت أحسّ بأن هناك لحظات يكون من المهمّ جدّاً فيها أن تفهم من أمامك ولو لم تفهمه قد تنتهي. يجب كذلك أن تملك الأدوات الحقيقية للاتصال به، الكتاب كان محاولة بعد ذلك.
هذا الأب/الآخر ثار عليه علاء خالد في مقتبل حياته. هذا الأب الذي كان عضواً في فرق تمثيلية في فترة من فترات حياته، وزامل محمود مرسي وزكي العشماوي، انتهى موظّفاً ينتمي للأسرة الوسطى، ولم يبق منه إلا حكايات أسطورية يستمع إليها علاء الطفل مشدوهاً، ومكتبة يبدأ يتحسّس طريقه إليها، وسؤال يظلّ يتردّد: لماذا انقطع تاريخ الأب فجأة؟! لماذا لم يكمل طريقه بينما أكمله زملاؤه؟ على العموم. ربما يتشرّب الطفل بعد ذلك حدودية كهذه، بين التمثيل والوظيفة، بين أخلاق الطبقة الوسطى وبين ما نظر إليه الواقع الثقافي المصري على أنه أخلاق المثقّفين. والأكثر من ذلك، ربما كان عليه أن يخرج قليلاً من عائلته ليراها، ليستطيع التسامح معها. يقول: «الاحساس الفنّي الصادر عن والدي لم أكن أراه ساعتها. كنت أتلقّاه لكنني لم أنتبه له. كانت هناك طبقة متوسّطة لها قوانينها المعوّقة وقيودها، ولن تستطيع رؤية ما هو جميل فيها إلا بعد أن تخرج منها.
وكما عبّر الشاعر في البدء، كان علاء الطفل يشعر بالاختلاف، وسيظلّ يلازمه هذا إلى أن يتفجّر في شعر ومشروع ثقافي. في البدء لم يكن يستطيع التعبير عن الشحنة في داخله، بعدها، ومع دخوله ضابطاً احتياطياً في مرسي مطروح، واطّلاعه على أشياء مغايرة، حيث اطّلع مثلاً على دورية الكرمل، بدأ ينظر الى الشعر بشكل أكثر جدّيّة. كان هذا قبل تنقّله ما بين القاهرة والإسكندرية وتعرّفه الى مجموعة من الأصدقاء مثل أسامة الديناصوري، شحاتة العريان ومجدي الجابري، واندماجه بشكل ما في ما يصطلح على تسميته بالوسط الثقافي، حيث كان يقرأ ويسمع ولكنه لا ينتج، لا يكتب. مع هذا، بدأ وعي يتكوّن في داخله، وعي قاس ضد الأسرة والمجتمع والتقاليد، بدأ يمشي على كورنيش الإسكندرية لساعات طويلة «أحسست أنني أتغيّر، كأن ذاتاً أخرى تخرج مني. بدأت لغتي تتغيّر. على ما يبدو، فإن الإنسان عندما يتغيّر ترحل لغته القديمة وتولد أخرى جديدة».
> أنت مهتمّ بالسفر كما أنت مهتمّ بالأمكنة. حدّثنا عن هذا البعد، عن السفر بالنسبة إلى الشاعر والكاتب؟
< نعم. نحن نسافر مع المكان لأننا ننشد الغياب في الطبيعة. لا تنس أن الطبيعة، بما فيها من تراث رومانسي بعيداً عن صخب المدينة، يمكن أن تمنح الاحساس بالأبوّة. من المؤكّد أن الإنسان يملك حنيناً رومانسياً ما. هذا لم يبدأ إلا بعد انكسار الجملة الأيديولوجية التي ميّزت الخمسينيات والستينيات.
كان حنين كهذا بذرة، من ضمن بذور أخرى، لولادة مشروعي النشري «أمكنة». هذا ما يعترف به الشاعر. وهو الحنين الذي ظهر منذ ديوانه الأول والذي كتب فيه أنه يريد الذهاب الى أبعد نقطة الى مصر، الى «سيوة»، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك في «خطوط الضعف» الذي وصف فيه رحلته إلى سيوة ذاتها، كما ظهر بتواتر أشد في أساس عمله كلّه على مجلّة أمكنة، هو وسلوى رشاد ومهاب نصر. يفلسف علاء خالد المكان: «الأديان كلّها تتحرّك من خلال زمن. هي تقيم عقداً مع المجهول، الزمن، أما المكان ففيه الاحتكاك المباشر بموضوعك. هي فكرة علمية فيها نوع من المعرفة المادية والقريبة أكثر من تلقّيك المعلومة من خلال زمن».
لأيام كان الموت يكتنف الواقع الثقافي المصري، حيث هاجر كل زملاء علاء خالد وبدا أن كل شيء إلى انتهاء، وأن كل المثقّفين موظّفون سيغلقون مكاتبهم ويرحلون غداً. هنا يتكرّر مجاز علاء خالد بأنه في لحظة الموت تحسّ بصحوة جديدة. شعر بأن شيئاً ينبغي أن يحدث هنا ليحرّك الركود القائم. ومع نقاشاته مع زملائه، الذين اقترحوا مشروعاً فكريّاً تنويرياً، ومع قراءته أنماطاً مختلفة من الكتابة في مجلّة الكرمل وغيرها، تمزج بين حقول مختلفة من الثقافة، من كل هذا ولدت فكرة مجلّة «الأمكنة» عن علاقة الإنسان بالمكان. فكرة تبدو للوهلة الأولى تصلح لعمل ملفّ ممتاز، ولكن يبدو استمرار المجلّة لسبعة أعداد كاملة شيئاً غير مفهوم، بالتحديد، الموازنة بين التنوّع في الموضوع وبين الالتزام بالخط الرئيسي. يقول الشاعر: «الفكرة كان فيها شيء مجرّد وبسيط يسمح بالتعدّد. كذلك كنا ننضج من عدد الى آخر. مثلاً في العدد الأول كنا نسمع عن أن الفكرة الأنثروبولوجيّة هي السائدة، أي رصد لثقافة في مكان ما. بدأت هذه الفكرة تحضر في المجلّة تدريجياً. فكرة الحكي في الحوارات كانت تنمو منذ أول عدد. كذلك كنا نحرص على أن تكون فكرة المكان أكثر مجازيّة.
الشاعر والشيخ والكاتب الفيلسوف إبن عربي هو أول شخصية ثقافية إسلامية كبيرة عنيت بفكرة الأنوثة، وهو يستند في ذلك إلى فلسفته في مبدأ وحدة الوجود. التأثير الذي تركه إبن عربي في الثقافة العربية الحديثة لا يزال بسيطاً، على العكس من تأثيره في مثقّفي أوروبا. إنما لسبب ما أو لآخر، ارتبط الشاعر علاء خالد بالمخيّلة الأنثوية، كما تشي «أمكنة» بهذا. هذه القدرة على رصد التفاصيل، على تأمّل العالم لا ممارسته، هي أنثوية بامتياز. يوافقني على هذا الأساس. يقول إن فكرة التفصيل كانت أساسية منذ أول عدد. كان يريد قول الحقيقة خارج أي إطار مثالي، فكانت موضوع الجري على التفاصيل بدقّة أنثوية. كما أن الجانب الذي يرصد الشعرية هو الجانب الأنثوي داخل الرجل، ليس القدرة على رصد التفاصيل فقط، ولكن رصد الحميمية حول التفاصيل، وهو طموح من طموحات المجلّة.
> الناقد محمد فرج سألك مرّة عن كتابك «ألم خفيف كريشة طائر ينتقل بخفّة من من مكان لأخر»… ألم يكن مضمون السؤال يدور حول ما إن كنت ترى الى أن العنوان يبدو طويلاً بالنسبة للمتلقّي العادي؟
< بداية أنا أفضّل أن يكون العنوان دالاًّ على العمل من دون أن يكون مستقلاًّ عنه، وأشعر بأن عنوان الرواية يحقّق ذلك بشكل ما. بالطبع، العنوان طويل ولم يكن هذا هو اختياري للعنوان في البداية، كان لي مجموعة اقتراحات كانت تبدو كلاسيكية بعض الشيء، أو شعرية قليلاً، أو غير دالّة على العمل، وبالمناقشة مع الناشر طرحت مجموعة من الاقتراحات وظللنا فترة طويلة نتناقش حول العنوان، إلى أن أشار الى جملة في الصفحة الأخيرة من الرواية طويلة بعض الشيء، ولكنها دالّة، وتحمل شيئاً من المفاجأة، فاقتنعت بالفكرة وأيضاً بطول العنوان.
> كيف ترى الى العلاقة بين العنوان وبين تاريخنا الشخصي وذكرياتنا، ومتى يتحوّل التاريخ الى «ألم خفيف»؟
< بعد مرور فترة زمنية تسمح بالابتعاد عن ثقل الحدث، أو بحدوث أشياء أثقلت تحوّل هذا التاريخ. الألم الخفيف يعني أنه تّم تجاوز شيء ما. إن الألم الأصعب قد مرّ وبالتالي يخفّ وزنه. أظنّ أن العنوان يحمل فكرة مرور الزمن. فهناك تجربة زمنية قد مرّت وهذه التجربة هي زمن الرواية، أو زمن ما له بدايات ونهايات وأيضاً تحوّلات، فالألم يتحوّل بطريقتين: أما بمرور ألم أصعب، أو بالنسيان الذي يحمل في طيّاته أيضاً عامل الزمن.
> رغم أن كل الأحداث تدور في الإسكندرية، إلا أن المدينة لا تبدو مركزية في الرواية. هل توافقني الرأي في ذلك؟
< الحقيقة أنني لم أكن مشغولاً بالكتابة عن الإسكندرية كمدينة، هذا أمر مطروق ومعروف، وعمل عليه الكثير من الأدباء والكتّاب من قبل. ولم أنظر من قبل الى الإسكندرية بهذا المعنى، لأنني بالفعل إبن لحظة مختلفة لم تكن فيها الإسكندرية «كوزموبوليتانية»..
> لكن لماذا نثبّت الإسكندرية عند هذه اللحظة «الكوزموبوليتانية» فقط ولا نتعدّاها؟
< لأن هذا هو المفهوم الأدبي للمدينة، وهذه مشكلة، فبطريقة ما تحوّل الموضوع الى فكرة سياسية. ربما ردّاً على اللحظة الآنيّة التي لا تحمل أي تنوّع. الآن تبدو الكتابات حول الإسكندرية وكأنها محمّلة ضد أو مع أفكار معيّنة، فهي تحمل منهجاً وتريد أن تدحض به منهجاً آخر. أحياناً تودّ أن ترى اليهودي، والإيطالي واليوناني، الذي كان يعيش في هذه اللحظة المتنوّعة كإثبات لها، بغضّ النظر عن الأدوار الحقيقية التي كان يمارسها كلّ منهم.
ـــــــــــــــــــــــــ
*نقلا عن مجلة “المشاهد السياسي”