حوار نادر مع نجيب محفوظ: “الحرافيش” أحب أعمالي.. وهيأت نفسي لأقضي حياتي أكتب عن التاريخ الفرعوني

أشرف الصباغ مع نجيب محفوظ1
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

حاوره: أشرف الصباغ

أُجرى هذا الحوار في صيف عام 1987 مع الكاتب المصري نجيب محفوظ، في كازينو “كليوباتره”، على كورنيش النيل، بالزمالك. أي قبل حصوله على جائزة نوبل عام 1988. وكان محفوظ قد أجرى حوارا مع إحدى الصحف الكويية آنذاك، وأعلن عن العديد من آرائه السياسية التي فتحت عليه النار من جميع الجهات والجبهات، وبالذات في ما يتعلق بمعاهدة السلام والصلح مع إسرائيل. وتَعَرَّض الكاتب للعديد من الانتقادات التي وصلت إلى حد “التخوين”، بل والتشكيك في قيمة أعماله الأدبية. ولكنه لم يخضع أو ينعزل أمام تلك الهجمات، وواصل طريقه الإبداعي، وبلورة آرائه ومعتقداته دون الخضوع للانتقادات والهجمات الشرسة.

كانت الأوضاع والظروف في تلك الفترة مغرية بإجراء حوار آخر للإلمام بآراء كاتب غزير الإنتاج. واصل الكتابة بصبر ودأب شديدين لما يزيد على خمسين عاما، حتى صارت الكتابة تمثل لديه عادة مثل الأكل والشرب والتدخين، على حد قوله. وهو في هذا الشأن شديد الخصوصية والتفرد، لأنه عندما كان يريد أن يكتب، يجلس ليكتب. وبالتالي، أصبح غزير الإنتاج. والمسافات الزمنية بين أعماله متقاربة، تكاد تكون متساوية ومنتظمة.

– بداية، كنا نود أن نعرف نبذة مركزة عن القوانين التي حكمت مشوار نجيب محفوظ منذ مرحلة الجامعة إلى أن دخل مجال الكتابة الروائية!

– يخضع الكاتب عادة لقوانين الوجود التي تحكم بقية الظواهر والكائنات. خلال دراستي الجامعية لم يخطر ببالي أن أكون قصاصا أو روائيا. وبعد أن تخَرَّجْتُ من الجامعة كمتخصص في الفلسفة عام 1934، وضعتُ برنامجا جادا للقراءة في مجال الرواية. هذا على الرغم من أنني كنت قد جَهَّزتُ موضوعا للماجستير في الفلسفة بعد تخرجي. ولكن بعد تنازع نفسي وصراع شديد بين الأدب والفلسفة، حسمتُ الأمر لصالح الأول، وكَرَّستُ نفسي لفن الرواية والقصة القصيرة. وبطبيعة الحال، جرَّبتُ قلمي في كتابة القصة القصيرة من خلال عشق الأساليب الجميلة والحصيلة اللغوية التي أعجبت مَنْ حولي.

– ولكن ماذا عن الدوافع الذاتية للكتابة عند نجيب محفوظ؟

– من أجل أن نعرف هذه الحقيقة، لابد من العودة إلى الوراء، تقريبا إلى سن الصبا. في أوائل المرحلة الثانوية، كنتُ أقرأ الأدب وأشعر برغبة في تأكيد ما أقرأه. ورحتُ أكتب في فترات العطل والإجازات. كنتُ أشعر بحاجة إلى الكتابة كحاجتي إلى الطعام. وبالفعل، كانت تحدث لي عملية تشبع أو إشباع. وفي ضوء ذلك، أرى أن الكتابة في سرها الأول نوع من الجوع النفسي والإشباع.

مع مرور الوقت والنضج، تتراكم أغراض وأهداف أخرى لعملية الكتابة، مثل ما تطرحه الحياة من أسئلة، يجيب عن بعضها الإنسان، وينفر أو يهرب من بعضها الآخر. وعندما تسأل الأديب، في سن متأخرة، هذا السؤال، يجيب إجابة غير دقيقة. فيضيف بأنه بقاوم الظلم ويدافع عن المظلومين، ويدعو إلى الحب والعدالة والحرية. والواقع أنه عشق الكتابة قبل أن يعرف معنى هذه الكلمات. ومن ثم، عندما تأتي هذه الأهداف والأغراض، تكون حقيقية، وتصبح فعليا من الدوافع للكتابة. وبالتالي، تصير إشباعا روحيا.

– ولكن، كيف تكتب أنت؟!

– أنا أعيش في الحياة. أتلقى منها جزئيات وتفاصيل معينة، وأشياء أخرى تضغط على الوجدان ضغطا خاصا، فتجعله ينفعل انفعالا خاصا، ولا يستريح إلا بالتعبير عن ذاته. أما مسألة ممارسة طقوس معينة وقت الكتابة، فتعتبر عملية إضافية لا علاقة لها بالأصل، مثل اعتيادك على شرب فنجان من القهوة، أو تدخين سيجارة. فالكتابة ترتبط في ذهنك بشروق الشمس أو بمغيبها أو مع الناس.. إلخ

– في ضوء ذلك، ما هي قضية نجيب محفوظ تحديدا؟

– تستطيع أن تتبين من جملة كتاباتي رؤية معينة. أعني أن الكاتب يصور الحياة، فتجد أنه يدافع عن قيم ويقف ضد أخرى. أعتقد، وقد أكون مخطئا، أنه لابد أن أتطلع إلى الحرية والعدالة كما أتطلع إلى الأمور الأخرى غير المعروفة، أو المجهولة.

– هل المسألة بشكل مطلق أم لها ظروفها الذاتية والموضوعية، وخصوصيتها بالنسبة للواقع المصري؟

– عموما، المعنى العام يتبلور بدرجة أو بأخرى إلى معنى خاص. وأنا أعني هنا أن ما كان، وما زال، يحركنا كثيرا هو طموحنا للحرية والعدالة الاجتماعية في واقعنا.

– هل هناك أمثلة معينة، من وجهة نظرك، على ذلك؟

– لقد تناولت المرأة، على سبيل المثال، في جميع أعمالي ككائن اجتماعي مستقل له كيانه الكامل والمتكامل، وعالجتُ مشاكل الاستهتار والضعف والسقوط. بالإضافة إلى نماذج مثل الغانيات والدوافع القهرية لسقوطهن. لقد بدأت الثلاثية، على سبيل المثال، بالمرأة التقليدية وانتهت بالمرأة الحديثة. أما عن قضية حرية المرأة، فلستُ بحاجة إلى جهد كبير لتبنيها، لأنني عاصرتُ مشروعات حصولها على مكاسب ضخمة، مثل التعليم والعمل، وتولي العديد من المنصب، وإشراكها في البرلمان. وقد يكون لي رأي خاص بي بشكل شخصي في بيتي وفي عملي.

– والمرأة في ملحمة “الحرافيش”؟

– كانت نموذجا متطورا للغاية. ففي روايتي “خان الخليلي” و”بداية ونهاية”، كانت المرأة، هي البنت فلانة اسما وشخصا. لكنني هنا، في الحرافيش، اهتممتُ بها وعمَّقتُها فأصبحت أكثر من كونها فلانة أو علانة. بمعنى أنها مَثَّلَت بالفعل نماذج مختلفة ودلالات أكثر اختلافا وعمقا كالحب والأمومة والبنوة والطموح إلى حد الحلم.

– هل تتفق مع النقاد بأن ملحمة “الحرافيش” هي أفضل أعمالك في الفترة الأخيرة؟

– هي من أحب أعمالي، ومن أفضل الأعمال القليلة التي تتضمن رؤية متكاملة.

– وماذا عن نقلها إلى السينما؟

– لا يمكن التعبير عن “الحرافيش” بحكاية فيلم. وأعتقد أنها لا تصلح إلا أن تكون مسلسلا تليفزيونيا في عشر حكايات. وبالتالي، يمكن أن يظهر ما فيها مترابطا في ذهن المتلقي. والغريب أن أول فيلم كان عن الحكاية السادسة. وهذا أظهر مدى شغف المنتج والمخرج بالفتوات والنبابيت وقصص الحب عند الناس الشعبيين البسطاء. ولذلك لم أتفق كليا مع تقديمهم لها.

–  من الواضح أنك مشغول بتقديم التيمات الشعبية. لكن بداياتك كانت عن الفراعنة في “عبث الأقدار” و”رادوبيس” و”كفاح طيبة”. فهل هذا يتعلق بشكل أو بآخر بالآراء السياسية لنجيب محفوظ مؤخرا؟

– الحقيقة أن نشأتنا جعلتنا نهتم بتاريخنا الفرعوني. فعندما تم اكتشاف توت عنخ آمون، ثارت ضجة كبيرة وقتها، وكانت هناك دعوات للمصرية الشديدة. بل وثورة 1919 في أساسها كانت من أجل التحرر المصري. وقد ساعد هذا مجتمعنا على الافتتان بالتاريخ الفرعوني، حتى تصورتُ أنني سأقضي حياتي كلها في الكتابة عنه. وبالفعل، درسته واستخلصت منه موضوعات تكفيني عمرا بأكمله، مثل ما فعل جورجي زيدان بالتاريخ الإسلامي. لكن رغبتي انطفأت بعد الرواية الثالثة، ووجدتُ نفسي أنتقل من طيبة القديمة إلى القاهرة الحديثة ويزداد اهتمامي بالواقع الراهن، حيث تظهر الموضوعات التي تخصنا حاليا بدلالات أكثر منها تاريخا، كعلاقة الحاكم بالمحكوم، وعبث الملوك.

– تُرْجِمَت بعض أعمالك إلى لغات أجنبية. فهل هذه إشارة لنيل جائزة نوبل؟

– ليس عندي أي فكرة عن هذا الموضوع. ولا أعمل على هذا أيضا. فاللذين يتجهون صوب هذا الهدف لديهم علاقات خارجية لكنني لم أخرج من بلدي، ولا أكاد أعرف أحدا، وأعمالي تُرْجِمَت لجودتها. أي أن هذا الباب مغلق تماما بالنسبة لي.

– لكن ما رأيك في هذه الجائزة؟

– لم أدرس ذلك بشكل جيد. فقد حصل عليها عمالقة. وإذا كانت بهذا المستوى، فنحن بعيدون عنها بكثير. وهناك آخرون حصلوا عليها، ولم أفهم حتى الآن لماذا حدث ذلك! وربما تدخل السياسة بشكل ما. لكن الغريب أنني ألاحظ في حالة الأدباء الروس المنشقين أنهم ينالون هذه الجائزة بمجرد انشقاقهم، على الرغم من أن أعمالهم لا يمكن أن تصل إلى مستوى وقيمة أعمال دوستويفسكي وتولستوي أو تشيخوف. ولا أدري، هل هذا تشجيع على الانشقاق أم تعصب للقيم الغربية!

– لو خُيِّرت بين معتقداتك الفكرية وجائزة نوبل، فماذا تختار؟

– لا أتصور ذلك. وأرجو أن لا تضعني الظروف في هذا الموقف القذر الذي ينكره كل من ينتمي إلى شرف الفكر، وأنا لستُ انتهازيا.

– فماذا عن علاقتك بإسرائيل وأدبائها، ورسائل الدكتوراه التي تم إعدادها عن أعمالك هناك؟

– بعد الصلح، طلب بعضهم مقابلتي. وتم ذلك. لكن لندخل في ما تقصده مباشرة. عندما تحدثتُ عن المفاوضات أو السلام، كنتُ أنطلق من كوني مصري – عربي. وكلامي هذا موجه للجميع. وقتها كانت سيناء محتلة – قبل حرب 1973 – وكنتُ متأكدا أننا إذا لم ندخل في مفاوضات، قد نفقد الكثير. فمصر كانت تُسْتَنْزَف بشكل خطير في هذه الفترة. وما زالت تُسْتَنْزَف حتى الآن وبعد عشر سنوات من السلام.

– ولكن هل السلام مع إسرائيل أو أمريكا له دخل في ذلك؟

– كيف!! إن التدهور الذي نعاني منه حاليا، هو امتداد للتدهور الذي كان موجودا قبل عام 1973، ولا دخل لأمريكا أو إسرائيل فيه. لقد خسرنا وقتها كل شيء. وديوننا كانت لإصلاح هياكلنا الأساسية. وعموما فلكل الأجيال في الدول التي عانت من ويلات الحروب، فترة استجمام تستعيد فيها قواها لتكمل مرحلة إعادة البناء.

– إذاً، أنت متفق مع الآراء التي تحبذ الصلح مع إسرائيل..

– هم الذين يتفقون معي. فأنا الذي ناديتُ بالسلام قبل حرب 1973. وقد عَيَّرني الناس وقالوا، إنك أيدتَ الحكومة. لكنني أكدتُ أن الحكومة هي التي أيدتني، بدليل أن حديثي لصحيفة “القبس” الكويتية أثار ضجة كبرى ومُنِعَ من الدخول إلى مصر. لكنني كنتُ أدعو لذلك بصدق وإخلاص شديدين. وعموما، فياسر عرفات ينتهج نفس الخط، وقد جلس مع من جلستُ معهم. فهل يطمح هو الآخر في الحصول على جائزة نوبل! إنني تمنيتُ أن يجلس معي من يهاجموني، لكنهم يرفضون الموضوعية في الحديث. والعرب كلهم تقريبا، مُسَلِّمُون حاليا بمبدأ التفاوض. فهل هم خونة!

– لكن الأجزاء الخاصة بالقضية الفلسطينية في المعاهدة لم ينفذ منها أي شيء حتى الآن رغم الوعود وتعدد المواعيد!

– السادات رفع علم فلسطين ودعاهم للتفاوض، لكنهم رفضوا. والعرب أيضا رفضوا، وتركوه يتصرَّف بمفرده. إن كارثة فلسطين تعتبر أكبر كارثة في القرن العشرين. إننا ما زلنا نتكلم، بينما الفلسطينيون يعانون من وطأة الاحتلال، والمستوطنات تزحف يوما بعد آخر لتقضي عليهم نهائيا.

– لكن ما هو شعورك بعد ضرب المفاعل النووي العراقي، وقتل الدكتور يحيى المشد، واغتصاب جنوب لبنان، والمذابح البربرية في صبرا وشاتيلا، وضرب تونس وليبيا، واختطاف الطائرة المصرية؟

– لقد خَيَّبَت هذه الممارسات أملي في السلام. كان لابد أن تكون السياسة الإسرائيلية أفضل من ذلك. لكن من جهة أخرى، فإسرائيل محاطة من جميع الجهات بأعداء يرفضون الاعتراف بها والتفاوض أو الحرب معها. وبالتالي يمنحونها كل المبررات في الدفاع عن نفسها. فلماذا، أصلا، يبني العراق مفاعلا نوويا؟!

– في علم الفيزياء يقال إن المفاعلات النووية أنواع، فمنها ما يخدم الأبحاث والدراسات العلمية، ومنها ما يستخدم لتوليد الكهرباء!

– لا. كانوا سيصنعون قنبلة ذرية خلال عام أو اثنين.

– ولكن إسرائيل لديها مفاعل وتمتلك أيضا أسلحة نووية!

– للدفاع عن نفسها.

– إذاً، أنت تؤكد أن العرب يمنحون إسرائيل الحجج والمسوغات، وإسرائيل في موقف الدفاع عن نفسها كأمر واقع في أرض هي أرضها ووطن هو وطنها!

– نعم. وهذا بسبب سوء سياسات العرب. أنا لستُ ضد الحرب. ومن يريد أن يحارب، فليذهب ليحارب. ومن يريد السلام، فليسالم. لكنني ضد حالة اللا سلم واللا حرب.

– هل يمكن أن نعتبر أن هذه دعوة للثورة الفلسطينية أن تحارب إسرائيل من الداخل؟

– بعد حرب لبنان، شُلَّ عمل منظمة التحرير الفلسطينية. وكل دولة عربية تستضيفهم، تحاول منعهم من ممارسة العمل الثوري ضد أعدائهم. وبالتالي، فهم ضحية. ولو كان العرب قد تركوهم يتصرفون منذ البداية، لما حدث كل هذا التشتت.

– وماذا عن الشعب الفلسطيني؟

– من حق الشعب الفلسطيني أن يعيش، ويعتمد على نفسه. وهو ليس شعبا هيِّنا. فهم أذكياء ونشيطون، بدليل أنهم كانوا قبل ذلك نافذة العرب على العالم من حيث حركة الثقافة والنشر والترجمة.

– لكن ما هي علاقة نجيب محفوظ بالأدب الفلسطيني؟

– قرأ بعض أشعار سميح القاسم ومحمود درويش. وأسمع أن إميل حبيبي كاتب رائع.

– هل قرأت له شيئا؟

– للأسف، لا. كنتُ أتمنى ذلك. سمعتُ عن روايته “المتشائل”، لكن هذه الأعمال لا تصل إلينا في مصر.

– يقال إن الأدب الفلسطيني أرقى أدب على مستوى الوطن العربي، فما رأيك؟

– نعم. وذك لأن الأدب الجيد، غالبا، ما يخرج من رحم المحنة.

– المحنة فقط؟

– نعم. فهي التي تُخْرِج لنا النغمة المجروحة والمعبرة بشكل جيد عن المعاناة الشديدة.

– ألم تفكر في عمل أدبي خاص عن معاناة الفلسطينيين ومحاولات القضاء عليهم؟

– من الممكن أن نعتبر أن أي عمل يقاوم الظلم والاستبداد والاضطهاد اللا إنساني، هو عمل من أجل فلسطين والفلسطينيين. لكنني لو عشتُ هناك، واختلطتُ بهم ومارستُ حياتي معهم، ربما كتبتُ عملا يصبح أعظم ما كتبتُ في حياتي.

– لكن ما رأيك في مقاطعة الدول العربية لأعمالك؟

– أنا في غاية الأسف لذلك. وأعقد أن هذا الأمر بسبب آرائي التي أنا مقتنع بها جدا. وعموما، فليس لي موقف تجاه هذا الأمر، على الرغم من أنني أتمنى أن يناقشوني. وأعتقد أن ما يحدث في هذا الشأن، هو بسبب الأجواء الديكتاتورية التي تعيشها الشعوب العربية في ظل أنظمتها.

– نعود إلى الأدب في مصر. ما رأيك في مصطلح “الأجيال”؟

– أتفق مع ذلك. فهناك مجموعة تنشأ في مرحلة زمنية معينة، ويستمر نشاطها خلال تلك المرحلة. هذا إضافة إلى أن أفراد هذه المجموعة يتأثرون بعوامل متقاربة ومتشابهة. وبالتالي، ينتجون أدبا متقاربا له سمات مشتركة، يصح أن نسميه “أدب هذا الجيل”.

– إذاً، فما رأيك في أدب السبعينيات؟

– في الحقيقة، يختلط في ذهني أدب فترتي السبعينيات والثمانينيات. لكن على أي حال، فهو أدب جيد وراقٍ، ما يدل على أنه في تقدم، ولا توجد أي أزمة في الإنتاج. لكن هناك أزمة في المناخ. وأقصد بالمناخ، مسألة البحث عن لقمة العيش، والمعاناة اليومية في العمل والمواصلات، والبحث عن مسكن. إضافة إلى تدني مستوى التعليم، وانحدار وتدهور مستوى الثقافة عبر التلفزيون ووسائل الإعلام الأخرى. لكن هناك إنتاج أدبي جيد ورائع ولا يجد التقدير الملائم.

– هل هذا يعني أن حركة النشر تسير بشكل جيد؟

– نعم. ولا تظن أن هناك أدبا يُمْنَع لأي سبب. ففي الماضي كان المنع يحدث بنتيجة اختلاف العقيدة السياسية، على سبيل المثال. لكننا نعيش الآن حياة ديموقراطية، وباستطاعة أي إنسان أن ينشر أعماله.

– أفهم أن المقصود بالماضي، هو فترة الستينيات. ومع ذلك، فهذه الفترة تحديدا، وبشهادات العديد من المثقفين والسياسيين الذين اختلفوا حتى مع السلطة آنذاك، كانت بداية مشروع نهضة ثقافية نوعية على كافة المستويات، وقد لمع فيها أكثر من أديب يختلف مع السلطة!

– إن كلامي السابق، لا ينفي إطلاقا أن أدب الستينيات كان أدبا جيدا، على الرغم من أن السلطة كانت ديكتاتورية. لكن في الوقت نفسه، كانت هذه السلطة الديكتاتورية تطلق بعض المبادئ التقدمية، فسمحت بالأدب الاشتراكي. وأعطت كذلك نوعا من الحرية للأدب الذي ينتقد بعض جوانب هذا السلطة وتصرفاتها، طالما لا يطمع في تولي السلطة أو يدعو لقلب نظام الحكم. كانت تعتبره نوعا من أنواع التنفيس. هذا إلى جوار نوع آخر من الأدب لجأ إلى السريالية غير المفهومة، فلمع دون مُتَلَقٍ. لكن الأدب الحالي، أفضل وأكثر جودة من أدب الستينيات.

– أخيرا، ما رأيك في ما يدور من حديث حول الحساسية الجديدة؟

– هذا مرض. ومن الأفضل أن توجه هذا السؤال إلى فلاسفتها. أعتقد أنه لا ينبغي استخدام الألفاظ بدون مراعاة لدقة معناها. فمن الممكن تسميتها برؤية جديدة أو طريقة جديدة للأدب. إن كل ما يقال عن الحساسية الجديدة، ينطبق على أدب الستينيات. بل إن أصحاب الكلاسيكيات كتبوا مثل ذلك. وهناك أيضا روايتَىَّ “اللص والكلاب” و”ثرثرة فوق النيل”.

مقالات من نفس القسم