* المح من خلال حديثي معك انك حكاءة، فهل مدخلك إلى الكتابة هو الرغبة في الحكي فقط ،أم شئ آخر؟
-هناك كتاب كثيرون ينطبق عليهم فكرة الحكي مثل إبراهيم اصلان أو سعيد الكفراوي والذين هم من أصول ريفية أو جذور شعبية ، والذين كان رحم الكتابة لديهم قرويا ويرتبط بالحكي ، وأنا أقول دائما في اكثر من شهادة عن الكتابة أن المرأة هي رحم الحكاية وان هناك ارتباطا بين الحكي والتراث الإنساني وليس التراث الذكوري ،فالبدو والريفيون يعلمون أن من العيب علي الرجل أن يكون حكاء مهتما بالتفاصيل، وفي الجلسات الذكورية بعض التقاليد الصارمة الخاصة بالصمتو المخالف لهذه التقاليد ينسب لامه، والجدات والأمهات في هذه المجتمعات يكن غير قادرات بالفعل فيكون الرجل البديل الأكثر فعالية مطالبا بالفعل والمرأة تحتمي بحكاياتها وهناك شهوة للحي بدأت مع شهر زاد وهو ليس مرتبطا في الأساس بالكتابة.
وبالنسبة لك؟
الحي في الأساس اعتبره منحة، شكلا من أشكال القدر المساوم، والجيل الذي استطاع الخروج من الحكاية الشفوية لديه رغبة في الحكي ورغبة في التعبير عن الذات ولديه وعي اكثر لان الكتابة تتطلب وعيا اكثر من الحكاية.
*هل تسعين للهروب من اسر الحكي عن طريق “الإلغاز” الذي يهتم البعض رواياتك بأنه متواجد فيها بكثرة؟
-منذ فترة وأنا أحاول أن أجيب عن هذا التساؤل: “لماذا يلجأ الكاتب إلى تاريخ غير حقيقي ، أو لشكل من اشكال العقيدة ،الرمز الصوفي؟” أنا أيضا أرى أن النص الخاص بي لا ينطبق عليه مفهوم النص السهل في التلقي وارجع هذا مثلا لدي رجاء عالم ، وإبراهيم الكومي من، الأسطوري والاسطوري الملغز والإحالات التاريخية الملغزة إلى أن الكاتب العربي في حاجة إلى استعارة تاريخ ما ،يسقط عليه واقعه، لانه غير قادر علي مواجهة واقعه بالضرورة هذا التاريخ قد يكون بعيدا كتاريخ الطوارق أو تاريخ ميرال الشخصي لكنه يستمد حالة من حالات الإبهام لانه تاريخي، الإسقاط علي زمن لا،وكل هذه الإحالات مرتبطة بالمقدس الذي قد يكون سياسيا أو دينيا فالنص فيه قدر من الإلغاز والإعلاء الرمزي والتواري خلف الأساطير القديمة.
* وهل كنت تلجئين في رواياتك إلى الإسقاط علي تاريخك الشخصي؟
– بالنسبة لي كان الإسقاط علي تاريخي الشخصي، فأحيانا يكون هناك اختباء وراء شخصيات ادعي أنها لا تشبهني مثل فاطم في الخباء او مهرة في نقرات الظباء وأحيانا الجأ إلى إلغاء الدلالة المباشرة للزمن وهذا قد يفسح مساحة للحكي وهي لعبة استعارية ، لكن ليس الغرض منها تعقيد النص بقدر ما هي تفعيل اصالته ويصبح له اكثر من تفسير ويفهم بأشكال عديدة.
* علي ذكر فاطم ومهرة أرى أن الطفولة لديك في الخباء ونقرات الظباء هي مخزن الحكايات وهي التي تمتحين منها كتابتك هل هذه صحيح؟
ـ اشعر أن الطفولة هي الساحة الوحيدة التي ليس من حق أحد أن يحاسبني عليها لانها الزمن الأكثر رحابه الذي تلغي فيه كل التابوهات لان الطفل يكون غير قادر علي استيعابها وهذه المرحلة في رأيي مهمة للكاتب لأنها من الناحية الروائية مساحة فضفاضة وثرية ونحن في العالم الثالث طفولتنا غير منعمة ومليئة بأسئلة.الشقاء والاستكشاف ولا أظن أن الطفل في العوالم الأخرى قادر أن يكون مثل الطفل في الشرق الأوسط الذي اكتشف مبكرا مفاهيم الحياة ويصبح وعيه اكثر نضجا وغير مكبل، وفي رأيي أن الطفولة تظل هي المساحة الوحيدة التي من حقي أن أعود إليها.
*إلى أي مدي تتماشى طفولتك مع كتابتك؟
-الرجوع للطفولة مثل الاتكاء علي التاريخ فالتاريخ جميل لانه يعيد ويسمح بمساحة من التوهمات ،لان الماضي متوهم ، والحقيقة فيه غير موجودة بشكل كامل والطفولة مثل التاريخ أيضا وعندما اقرأ الآن اشعر أن الكتابة عن الطفولة أصبحت هي التيمة الأساسية في الكتابة الآن ربما لان هذه الفترة هي التي من الممكن أن نستردها بدون مخاوف ونكتب فيها بشكل اكثر حرية.
*تشكلين مع بعض كاتبات جيلك مثل مي التلمساني ونورا أمين وسمية رمضان الجيل الذي يشكل برجوازيه الطبقة المتوسطة والتي فقدت تاريخها “العائلي الشخصي” وهو ما دفعها للكتابة عن الزمن الماضي بحنين كبير وهجوم علي الزمن الحالي ما رأيك؟
-اعتقد أن هذا حقيقي وعندما بدأت اكتب كان جيلي يكتب عن الحياة داخل القاهرة عن علاقات الحب وهو ما يتمثل في المجموعات القصصية الأولى لسمية ومي ونورا ،عن رجل وامرأة، عن علاقة قوامها الآخر، وأنا لم اكن اعرف كيف افعل هذا ليس لانه لم يكن ضمن خبراتي ،فأنا لست بنت القاهرة لذا لا أستطيع أن افعل شيئا موازيا لذا لجأت إلى فكرة الطفولة ورأيت أن مخرجا من المخارج المتاحة أن اكتب عن عالم خاص بي وبعد هذا جاءت تجارب كثيرة تقاطعت مع تجربتي وأصبحت هناك اكثر من زاوية للرؤية.
*لكن هل كل ما تكتبينه هو من قبيل تاريخك الشخصي بالفعل أم انه هناك مرجعيات أخرى؟
-عندما كتبت “الخباء” اعتبروها سيرة شخصية وقالوا أنني كاتبة بدوية وأحيانا كانوا يسألونني “هل أنت من مصر” وعندما كتبت “الباذنجانة الزرقاء” سألوني “أيهما تاريخك الشخصي” وهذه مشكلة في التلقي العربي فهو يبدأ بالافتراض أن ما يكتب هو سيرة ذاتية والسؤال يصبح أين الكاتب من الكتابة وليس كيف كتب ما كتبه وليس حقيقيا ما يثار من أن إبراهيم الكوني استعار ما كتبه من موسوعة قديمة، ولكن أتخيل أن الكوني لديه حصيلة كبيرة من الثقافة فالمجوس تتقاطع مع قصة الخروج، وكان المصدر توراثيا أو تاريخيا أو تاريخا شخصا ليس هو المشكلة إنما كيف يصوغه وعي الكاتب ، التاريخ الشخصي هو بالنسبة لي التاريخ الحقيقي وما هو حقيقي دائما غير موجود.
*لكنك لجأت في روايتك “نقرات الظباء” إلى التسجيلية خاصة في التفاصيل المتعلقة بالجوارح وبتربية الخيول؟
-أسرتي أساسا هم تجار خيول،وبالتالي فالتعابير الخاصة بالبيع والشراء تتردد أمامي منذ طفولتي وأنا أراقب كل هذا والكاتب لانه كاتب فهو مشغول بالتفاصيل ولم اعمل بحثا بالمعني الواضح في هذه الرواية ولا اعتقد أن الكاتب بحاجة إلى المعرفية بهذه الطريقة، المشكلة أن فكرة المعرفية أصبحت مضحكة لان كل كاتب يريد أن يكتب رواية يرجع إلى مرجع ويستخدم معلومات، والكاتب الكبير ليس في حاجة إلى مصادر ولا يلجأ إلى مراجع إلا إذا أراد أن يستوثق من معلومة ليس اكثر.
*تبرز في روايتك فكرة الهجوم علي فترة ما بعد ثورة يوليو ، هل هذا مرتبط بعلاقة عبد الناصر بالبدو وتحجيمهم أم انها له سببا آخر؟
-لا يوجد لي موقف سياسي تجاه هذه الثورة لسببين :الأول أنى كنت من أسرة لا تعتبر نفسها جزءا من المجتمع المصري ، وثورة يوليو اجبرتهم علي التخلي عن عاداتهم وأدخلتهم الجيش المصري بالإضافة إلى إنها سحبت منهم كل الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها باعتبارهم قبائل عربية فاصبحوا مواطنين مصريين عاديين لكن في تصوري الشخصي أن هذا لم يؤثر في كثيرا لاني لم اشهده والمسألة بالنسبة إلى تاريخ، أما السبب الثاني والحقيقي أن الذي يقف بيني وبين عبد لناصر هو انتمائي إلى الأخوان المسلمين وليس ماضي الأسرة وتربيتي داخل جماعة الأخوان كان مبدؤها كراهية عبد الناصر.
*إلى أي مدي أثرت الفترة التي قضيتها داخل جماعة الأخوان المسلمين علي وعيك ككاتبة؟
-أنا بدأت قراءاتي لكتب الأخوان بكتاب زينب الغزالي الذي تروي فيه مذكراتها في السجن وكتاب “البوابة السوداء” لاحمد رائف وكان أكثر هذه الكتب أن لها موقفا واضحا من عبد الناصر، وتحول الثورة من مسارها الإسلامي إلى الاشتراكي ، ولكن بعد أن تحررت من هذه الأيديولوجية والأفكار الخاصة بالإخوان أصبحت اكثر موضوعية في التعامل ولازال شخص عبد الناصر بالنسبة لي شخصا مربكا، وأحيانا أتعاطف معه من منظور البطل القوي الذي اصبح رغم كل أخطائه حلما.
*هل هذه الأيديولوجية الدينية هي السبب أيضا في هجومك علي اليسار في روايتك الثانية “الباذنجانة الزرقاء”؟
-كتبت “الباذنجانة الزرقاء” وأنا خارج الأيديولوجيا وكنت أدين فيها اليسار المصري ليس بالمعني السياسي ولكن بالمعني الخاص بالمرأة والمتعلق بالتعامل معها واستغلالها واستغلال الحرية، فاليمين كان يبالغ في إخفاء الجسد، واليسار كان يبالغ في ابتذاله ، وهو انحطاط تجاه المرأة ، الباذنجانة الزرقاء هي قمة يأس هذا الجيل من أن يأتي بطل من اليمين أو اليسار فيغير ، والإدانة في الرواية ليست لليمين أو لليسار فقط، بل للذات أيضا وللام وللأخ والإدانة ليست نهاية الطريق بل بداية الأسئلة لكن بشرط إلا يكون موقفك هو موقف الحاكم وألا تقوم بدور القاضي في القضية وانما تطرح الإدانة وتترك النص مفتوحا علي أسئلته حتى النهاية.
*يتحدث الكثيرون عن الحضور الإعلامي المكثف لك في وسائل الإعلام المختلفة ويبررون هذا بانشغالك بقضايا النسوية، والدفاع عنها ،ما رأيك؟
-أنا لست ضمن أي تنظيم نسائي لكن أنا مشغولة بالقضايا النسائية وأنا لم أشارك في أي مؤتمرات نسوية.
*لكني شاهدتك اكثر من مرة في قنوات قضائية تتحدثين عن قضايا النسوية لا قضايا الكتابة؟
-الكاتب له وجهة نظر في كل شئ، ومن الممكن أن يتحدث عن “الطبيخ” ليس بوصفه طباخا ، ولكن بوصفه لديه نفس المشاكل، والأنشطة النسوية والجمعيات ليس لها أي اثر حقيقي في تغيير وضعية المرأة ولا تقيد المرأة ، كما إنني غير قادرة علي العمل العام لا اليساري ولا النسوي لان بعض هذه الجمعيات تستخدم للمتاجرة وتقوم علي الخلط بين المناضل والكاتب، وكان هذا مطلوبا في الستينيات أن يطلب منك أن تكون مناضلا حتى تكون كاتبا ، وهذا لم يفرز كتابا، والكاتب الحقيقي يستطيع أن يحمل كتابته بموقف سياسي أو إنساني وهذا اكثر شرف وإنسانية من أن يستثمر الكتابة، لان الكتابة لا تستثمر ولا تستخدم.
*بعيدا عن الوصف المعتاد للكتابة بأنها نسوية ،المح أن الشخصيات الرئيسية في رواياتك شخصيات نسائية مقموعة في اغلبها لماذا؟
-علاقتي بالمرأة علاقة مرتبطة بتاريخي الشخصي، حيث كان عالم الذكور غير مسموح به ، وغير مسموح بالاختلاط علي الإطلاق، وعالم الرجال هو عالم الحقيقة والصمت والخارج، وعالم النساء هو الوحيد الذي أنا قريبة منه، وحتى لما كبرت ودخلت الجامعة كان اكثر تعاملي مع البنات لاسباب قبلية في البداية ثم دينية.
*بسبب انتمائك السياسي للإخوان؟
-أنا اتجهت إليهم لاني شعرت بتربيتي أنى غير قادرة علي التفاعل مع غيرهم وهم استكملوا دور المؤسسة المجتمعية في تهذيبي واصلاحي لاني كنت بطبيعتي اقرب لهذا ،ففي بيني كنت منعزلة تماما، وفي الجامعة كنت اكثر انعزالا ، والأخوان لم يكونوا يسمحون لنا بالتعامل مع زملاء من أي نوع ، فلما بدأت اكتب وجدت أن خبرتي طوال حياتي مرتبطة بعالم النساء وليست لدي القدرة علي معرفة كيف يكفر الرجل وقد كتبت هذا في الباذنجانة الزرقاء.
*لك مجموعة قصصية أولى واحدة هي مجرد تجربة يبدو انك لن تعودين إليها مرة أخرى، خاصة وان ردود الفعل عليها ليست مشجعة؟
-كتبت القصة القصيرة لأتمرن علي الكتابة لأني كنت اشعر أنى غير قادرة علي الكتابة وأنا غير قادرة علي قراءتها مرة أخرى لاني اشعر إنها مجرد محاولات وأحيانا اخجل منها وأحيانا افرح منها لأنها قدمتني وجرأتني علي الكتابة ولكن من ناحية أخرى لم أجد نفسي بها، وأنا غير سعيدة بهذه التجربة فلماذا أكررها؟
*ترجمت أعمالك رغم قلتها إلى عدة لغات أجنبية البعض يقول البعض أن السبب هو كتابتك عن الاقليات، وعن الكبت في هذا المجتمع،مار أيك؟
-كلمة الاقليات تذكر للإشارة إلى تنظيمات سياسية، ورغبات انفصالية وانا اكتب عن جزء من النسيج المصري ، وهذا النسيج يتداخل مع ما هو فرعوني وقبطي وساحلي واسلامي وكل بلد به هذا التنوع الثقافي بدرجات وأنا لا اكتب عن قضية اثنية ولا انفصالية وانما جيوب ثقافية واكتشاف هذه الجيوب يثري الثقافة،والثقافة العربية متنوعة وليست مفتنة، أما الترجمة فهي مرتبطة بعوامل خارجية كيف يقرأ الخارج النص فأنا لا اعرف حتى الآن لماذا ماركيز هو الأكثر ترجمة في العالم العربي، رغم انه ليس هو الأفضل ربما – الذائقة الشعبية المرتبطة ببلدان المشرق وجدت فيه جزء شيئا تبحث عنه والترجمة ترتبط بالنص وليس بما حول النص وهناك أسئلة في الترجمة تظل مفتوحة بدءا من مستوي الجودة ومدي الرواج داخل الثقافة العربية مع انه أحيانا يحدث رواج لروايات لا قيمة حقيقية لها، لكن هناك لحظة تاريخية يحدث فيها نوع من التلقي وهناك أسباب عدة وراء هذا.
*حزت أخيرا شهادة الدكتوراه عن بحث متعلق بالصحراء في الرواية العربية هل اخترت هذا الموضوع لتعلقه بما تكتبين وانتمائك القبلي؟
– اخترت هذا الموضوع لأنني لم اكن أريد أن أغادر هذه المساحة التي انطلقت منها وكانت لدي أسئلة شخصية أريد الإجابة عنها متعلقة بالتابو والحرية والكبت والمقدس والتاريخ والأيديولوجيا في الوجدان العربي واخترت أن يكون البحث جزءا من أسئلتي ولم اختر في بحثي أي كاتب أنا غير مقتنعة به بل فعلت ما احبه.