بالونات
ريما إبراهيم حمود
(سكين رفيعة، ملح، شاش أبيض، مبرِّرات، كتاب)
وقفت أمام واجهة المحل الحمراء، كانت الواجهة متخمة بأشياء حمراء بالونات، دمى محشوة بفرو أحمر، قلوب معلقة مزركشة، كؤوس وقمصان، غضبتْ، في كفها طوت الورقة، و بكفها الآخر دفعتْ الباب الزجاجي و دخلتْ .
أمام السكاكين الرفيعة الحادة وقفت، مدت يدها لسكين مصقول يلمع الضوء على حافته فيزيغ له البصر، وضعت السكين في السلّة .
أكياس الملح كانت كثيرة، باليود، خالية من اليود، خشن، ناعم، بحري، صخري، سحبت كيس الملح البحري الخشن، كان له رائحة البحر وملمس ترابه الذي تحسسته من وراء الكيس، وضعته في السلة.
على الرف الأوسط شاش أبيض في غلاف ورقي، دست عشر لفّات منه في السلّة، مدّ عامل المحل يده بالمعقّم الأحمر، أشاحت بوجهها عنه تاركة يده معلّقةً في الهواء .
أمام الأرفف الخاوية كانت ترى آلاف المبرّرات، لم تستطع أن تختار بعضها، اتصلت عليه، سألته، دلّها، سحبت كومة من الهواء الشفاف في كيس أبيض، شكلت المبرّرات من الكيس بالونا كبيرا ، عقدت أطرافه فطار في الهواء فوقها وبيدها أمسكت طرفه .
في جوف المحل وقفت أمام باب أسود، قال لها العامل أن الكتب هناك، فتحت الباب، دخلت، كانت آلاف الكتب تخفي الجدران و تفترش الأرض.
أرادت كتابا ينسيها البالون الطافي فوقها، غرفت من الكتب الكثير، كلها كانت خفيفة أوراقها هشة، ما إن تضعها في السلة حتى تتفتت و تتناثر أوراقها في الهواء فراشات تحترق .
بكت، وضعت سلتها الطافحة بنثار الكتب و الملح و الشاش و السكين أمام المحاسب، طفا فوق رأسها البالون، زعق الجهاز في يده : توووت .
أشارت للبالون فوقها:
- وهذا ؟
ارتسمتْ على وجه المحاسب ابتسامة صفراء:
- مجانا .
خرجتْ من المحل، تحمل الأكياس تلوّحُ بيدها، تبكي و على وجهها ابتسامة، تمسح دمعتها بضحكة فارغة، توقفت أمام مكانِهما، وجدتُهُ جالساً على الكرسي الخشبي، يده فوق ظهر الكرسي ممدودةً، و قدمه على حافة الرصيف العالية، في يده الأخرى كتابٌ ثقيلٌ جداً، جلستْ بجانبه، ابتسم، بكت مرةً أخرى، تعكَّر وجهه، بكى هو الآخر، مدّ يده للبالون فوق رأسها، سحب يدها فطار البالون في الهواء، انحلت عقدته،فتناثرت منه كل المبررات على أرض الشارع الموحلة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قاصة ورائية أردنية ـ صدر لها رواية أيام جميلة ومجموعة "جريمة عطر" عن بيت الياسمين
والمجموعة القصصية بالونات ـ عن دار نوفا ـ الكويت